العاطلون عن العمل ومعالجات الدولة

طاهر مسلم البكاء
taherbakaa@yahoo.com

2021 / 6 / 9

لاتوجد شريعة أو دين سماوي أو معتقد أرضي معتبر لايقدس العمل ويعتبره اساس لمسيرة الحياة والعيش على هذه الأرض ،والأنسان بطبيعته مجبول على العمل وأن اختلف نوعه وتعددت اختصاصاته وصنوفه ،وقد كان أعظم الأحداث التي ميزت تاريخ البشرية على كوكبنا حدثان بارزان هما الثورة الزراعية التي بدأت في منطقة الهلال الخصيب في الشرق الأوسط قبل عشرة الاف سنة مضت ،والثورة الصناعية التي بدأت في هولندا وانكلترا منذ 200سنة تقريباً ،وأختلفت الحاجة الى الأيدي العاملة أو زيادتها عن الحاجة من مكان لآخر ومن حقبة تاريخية الى أخرى تبعاً للعديد من العوامل وكانت من الأسباب المحركة للهجرة والتمازج الثقافي والبشري ،ولكن بتعقد الحياة والصراعات السياسية والأقتصادية وغياب تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة ،بدأت تبرز مشكلة العاطلون عن العمل ،وتعرف منظمة العمل الدولية العاطل بأنه كل قادر على العمل ويريد أن يعمل ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكنه لايحصل عليه .
يعتبر الأستاذ الجامعي البنغلاديشي يونس محمد أول من طور فكرة لأعانة العوائل الفقيرة من العاطلين وغيرهم بهدف تحسين معيشتهم وتحسين تفاعلهم أقتصادياً مع المجتمع بأبتكاره القروض الصغيرة التي أصبحت نظام تلجأ اليه مختلف الدول للتخفيف من ثقل البطالة .
واليوم تحاول الدول والمنظمات الأنسانية المختلفة معالجة البطالة لما تحمله من مشاكل للمواطن والأسرة والوطن ،حيث وجد أن الأمراض النفسية والجسدية والأدمان والجريمة وتفكك الأسرة تنشأ جنباً الى جنب مع البطالة والعوز والفاقة .
الحلم العراقي :
ـــــــــــــــــــ
نستعرض صورة عن الواقع العراقي بعد العام 2003 بسلبياته وايجابياته في معالجة البطالة والفقر ،حيث كان الشعب العراقي يحلم بعد سقوط النظام بحياة جديدة مفعمة بالرفاهية لسببين :
- تصديقه بالوعود التي اطلقت لتلطيف الحملة الأمريكية على العراق ،ومن أن الجنة الأمريكية اتية بلا ريب الى العراق بعد اسقاط النظام ،ومع ان شيئاً من هذا لم يحدث ،حيث بدأ الشعب يشاهد بلاده تحترق امامه وتنهب كنوزها ،فالغريب ان شعوباً تلت شعب العراق في تصديق الجنة الأمريكية الموعودة.
- علمه أن ارض بلاده تكتنز ثروات هائلة غير مستغلة بصورة صحيحة وان ما استغل سابقاً منها كانت ايراداته تذهب الى السلطة الحاكمة .
وكانت خيبة امله كبيرة سواء ببرامج الأمريكان، الذين اشرفوا على تدمير ونهب كل شئ ،أو من القادة الذين تسلموا زمام البلاد بعد ذلك ،حيث كانوا شبه غائبين عما يجري من أحوال العامة وبرزت فئات جديدة متخمة بالثراء مقابل فئات تعتاش على الأزبال ،ووسط هذه التناقضات ارتفعت نسب البطالة الى مستويات قياسية وزاد من سوء الحال خمود القطاع الخاص وموت اقتصاد السوق وحل اوتهميش جميع منشآة وزارة الصناعة والمعادن وتوقف الزراعة وظهر القطاع الخاص يبحث عن الربح السريع في التجارة الهامشية وامتلئ السوق بالبضاعة المستوردة الرخيصة مما يجعل من الصعب أن تنهض صناعة محلية ،وأعتمدت البلاد كلياً على ايرادات النفط والذي يحتاج هو الآخر الى مجهود كبير لتطويره وزيادة انتاجه .
تناقض يحمل العجب
ـــــــــــــــــــــــــــ
ان مايعجب له حقاً ان بلد مثل العراق يمتلك ثروات هائلة يسيل لعاب الدول الكبرى لها وتبحث عن موطأ قدم لشركاتها فيه ،تتزاحم فيه افواج العاطلون عن العمل امام مكاتب التشغيل !
وقد حاولت الدولة أحتواء المشكلة و أوجدت بعض الدرجات الوظيفية سواء في سلكي الجيش والشرطة أو في الوظائف المدنية ، ولكنها غير ناجعة على الاطلاق ، حيث تشير الأحصاءات الى ارتفاع البطالة بنسب مخيفة تتجاوز 30% ،وعندما تستمع الى طلباتهم تجد أن أغلبهم ينشدون بالدرجة الاولى وظيفة حكومية ، فأن لم تحصل فراتب شبكة الحماية الاجتماعية ، فأ ن لم يحصل فالقروض الميسرة المخصصة للعاطلين ،فأن لم تحصل يلجأ بعضهم الى الدورات التدريبية ،وهي جرع تسكينية لأنها بالحقيقة لاتؤدي الدور المرجو منها للعديد من الاسباب ، من اهمها أن العاطل عن العمل ،حتى ولو مارس تدريبا" بسيطا" في أحد المهن ،فهو غير قادر على ان ينهض بنفسه ويكون مشروعا" يعتاش منه بدون رأس مال .
ولنناقش في عجالة بعض هذه الطلبات :
اولا : وظائف الدولة :
أن أغلب مؤسسات الدولة اليوم مثقلة بالكادر ، حيث يزيد في بعض المنشآت الصناعية عن المستوى الطبيعي بالآلاف .
ومن جانب أخر فأن الدولة لاتزال متمسكة بقوانين التقاعد القديمة التي تجعل الانسان يصل الى عمرالخرف حتى يتقاعد .
ثانيا : القروض الصغيرة :
ـــــــــــــــــــــ
هي برامج عالمية ناجحة في أغلب دول العالم سواء كانت المتقدمة أو الفقيرة ،ولكنها لم تلقى النجاح المرتجى عندنا ، لأسباب عديدة نذكر منها الضوابط المشددة التي ترافقها ،وعدم وجود التثقيف العام الذي يجب ان يسبقها لتوعية العاطلين بأهميتها في خلق فرصة عمل وعدم استخدامها لأغراض هامشية اخرى .ولأنها تجربة جديدة جربت لفترة زمنية ثم توقفت .
ثالثا : راتب شبكة الحماية الأجتماعية :
هي أعانة شهرية تعطى للعاطلين الذين لايزيد دخلهم الشهري عن مئة الف دينار ويفترض عدم قدرتهم على العمل ، غير أن هذا البرنامج قد تعرض الى أكبر عملية تشويه حيث أنه أبتدأ في ظروف بدء عودة مؤسسات الدولة ، بعد العام 2003ومن أهم مشاكله هو وجود الطفيلين على البرنامج من غير المستحقين ،كالموظفين والتجار وذوي الاحوال الميسورة وذوي المهن العاملين في السوق ،وهذا متأتي من ضعف ضوابط مؤسسات الدولة آنذاك ، وكذلك من أعتقاد خاطئ من ان الراتب هو لكل عراقي لايملك راتب ،وهو بالحقيقة ليس حلا" لمشكلة البطالة بأي حال من الاحوال ولايستحق كل هذا التقاتل عليه غير أن البعض يتصوره بديلا" عن الراتب الذي حرم منه .
وفي الحقيقة كان سبباً لأثقال بيانات العاطلين بفئات لاتحسب على العاطلين تحايلاً من اجل الحصول على الراتب ،وماتصرفه الدولة في هذا الجانب يكفي لبناء مصانع معتبرة تستوعب اغلب العاطلين الحقيقين .
المعالجات :
ــــــــــــــ
اولا : تدعيم الأستثمار المحلي والأجنبي ورفده بقرارات تشجيعية ،حيث أن بلادنا اليوم بكر في كل مواردها وهي محط أنظار المستثمرين لو توفرت الظروف الأمنية وتسهيلات العمل ،لتشمل كل المجالات التي تمتد اليها ثروات بلدنا .

ثانيا : الحد من هجرة رؤوس الأموال العراقية الى الخارج .
ثالثا : العمل على أيجاد تخطيط وطني كفوء مدعم بالبيانات الدقيقة والكفوءة ،أن التخطيط السئ يؤدي الى الى عدم أختيار المجالات المناسبة التي يمكن ان يوجه لها الأستثمار الوطني .
رابعا : الأهتمام بتدعيم قواعد البيانات الخاصة بالعاطلين بقرارات تصدر من الجهات العليا في الدولة ، والتي تكافح اليوم وزارة العمل لتحديثها وفلترتها لأعطاء الصورة الحقيقية للعاطلين بالبلد ،وتواجه البيانات بعدم تعاون جميع دوائر الدولة ممثلة بوزاراتها مع برامج وزارة العمل ، فأملاء الدرجات الوظيفية يتم وفقا" لأهواء هذه الوزارات وبأستبعاد كامل لبيانات وزارة العمل .
خامسا : معالجة الواقع الزراعي في البلاد ،فبالأضافة الى أنه تدعيم للأقتصاد الوطني ،فأن ألأحصاءات تشير الى أن أعداد كبيرة من العاطلين هم أفراد من سكنة القرى والأرياف بسبب قلة الدخل الناتج عن العمل الزراعي .
سادسا : دراسة تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في مواجهة مشاكل أرتفاع نسب العاطلين وتغلبت عليها ، كالصين مثلا" ، وأرسال المسؤولين الذين على تماس مباشر مع المواطن كمنتسبي أقسام العمل ، في دورات لهذا الغرض حيث يقوموا بعد العودة بتقديم تقارير عن الحياة في هذه البلدان وكيفية موائمة عمل القطاعين العام والخاص لدعم الأقتصاد الوطني .
سابعا : تفعيل برنامج القروض الميسرة وزيادة مبلغ القرض الى( 25) مليون دينار عراقي وربطه بضوابط لكي يستغل لأنشاء مشروع ناجح في سوق العمل وأحالة المخالفين الى القضاء ومكافئة المنفذين بصورة جيدة .
ثامنا : الأهتمام بمناهجنا التدريسية ،وادخال برامج عملية يمارسها الطالب على أمتداد سنوات الدراسة مما يوفر له الفرصة لأكتشاف قدراته واكسابه مهارات يدوية ، يلجأ اليها للعيش عند قسوة الظروف ، أن الورش العملية يجب أن تلحق بكل مراحلنا الدراسية ،وهذا ما متبع في أغلب دول العالم المتقدم أما عندنا فأن التركيز يكون فقط على المواد النظرية بحيث أن الذي يتخرج من الجامعة عندنا لا يجيد أي عمل يدوي .
تاسعا : تقديم الدعم المناسب لأقسام العمل في المحافظات لتقوم بواجبها في خدمة هذه الشريحة المهمة من المجتمع حيث تفتقر أقسام العمل اليوم الى ابسط المستلزمات الضرورية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن