سياقات غير متطابقة

محمد بلمزيان
belmezmoh@gmail.com

2021 / 6 / 3

التعبير عن الموقف هو أس الديمقراطية وعنوان بارز على تمتع المواطن بهامش واسع من الحرية والكرامة في مجتمع ما ، ولعل أهم مناسبة يتم فيها اختبار هذه الحرية ومدى احترامها هي فترة الإستحقاقات الإنتخابية والمناسبات التي يتم فيها المواطن مدعوا الى الإدلاء برأيه و بصوته في صناديق الإقتراع الحي والمباشر ليختار الشخص المناسب والكفؤ والصادق النزيه في تدبير الشؤون العامة سواء تعلق الأمر في المجالس المنتخبة المحلية الجهوية أو المركزية أو أثناء ممارسة هذا الحق أثناء الإنتخابات الرئاسية، هذه الصورة قد تبدو مغربية تقدم تحفيزا على المشاركة خاصة وأن كل فرد يرغب في أن يرى مؤسسات منتخبة في مستوى المرحلة، مؤسسات شفافة ونزيهة قادرة على اعتناق قضايا المواطن المختلفة، بدءا من قضايا التعليم والتشغيل والصحة ، وغيرها من القضايا التي تستأثر باهتمام المواطن الحالي في هذا الزمن المغبر، ولعل أهم مؤشر على نزاهة هذه الإستحقاقات هي القوانين المنظة والضابطة للعملية الإنتخابية بداية من مراحل تنقية اللوائح الإنتخابية واختيار المرشحين والحملات الإنتخابية اانتهاءا بيوم التصويت والفرز كلها مراحل مترابطة ومتلاحقة لا يمكن أن يستقيم أحدها دون أخرى، وكل خلل يصيب إحدى هذه الحلقات سوف يؤدي الى انهيار البنيان برمته، وسيكون بمثابة كمن يريد إيهام الناس بتشييد قصر فخم بكثبان من رمال
التي سرعان ما تتهاوى أمام اول هبة ريح .
أصبح الغش والتزوير في نتائج الأنتخابات عناوين بارزة في بعض العمليات الإنتخاباية حتى في بعض أرقى البلدان المتقدمة والتي تدعي الديمقراطية، حيث أن نسبة الأمية فيها جد متدنية أو منعدمة ومستوى المعيشة متقدم، والشغل متاح ومتوفر للجميع ، ومع ذلك تسجل حالات بعض الممارسات المخلة بالعملية الديمقراطية وتقوضها من الصميم، بالرغم من أن المقترع( الناخب ) يتوفر أو من المفترض أنه يتوفر على قدر من الوعي السياسي والتكوين المعرفي لإنجاز موقفه بنفسه ودون الإستعانة بشخص آخر أو بإطار سياسي معين لشرح ما يتوجب فعله أوالتعاطي له في مثل هذه المناسبات الحاسمة، كما أنه منزه الى حد بعيد من أن يكون عرضة للإرشاء أو بيع صوته وضميره لغيره مقابل مبلغ من المال أو مقابل وعود معينة والتي قد تكون مجرد أوهام وقد لاتتحقق ابدا، اذن فكيف يمكن أن نتصور والحالة هذه مرور هذه العملية الإنتخابية في البلدان التي تفتقر الى أهم مقومات المواطنة، وهي اكتساب التعليم والتوفر على مصدر عيش كريم ، علاوة الى قوانين منظمة غير شفافة، ولا يمكن التعويل عليها لإفراز مؤسسات تمثل المواطن وتترجم قضاياه اليومية الحارقة بكل أمانة وتمثيلية فعلية، بما يجعل المرء يحس بأنه في وطن يحميه ويوفر له فرص العيش الكريم والتعليم الجيد والصحة والأمن والطمأنينة.
أعتقد بأننا بعيدين عن ممارسة هذا الحق ما دامت العملية تحتاج الى إجراءات فعلية، وما دام المواطن لم تكتمل مواطنته، وغير متوفر على راي مستقل للإدلاء برايه الحر، وما دام غير قادر على الإحتفاظ على رايه وسط تجاذبات وصراعات بين دناصير تاتي على الأخصر واليابس وتبحث بكل الطرق عن الأصوات، مستغلين الوضعية الإجتماعية للناس وجهلهم بالعملية الإنتخابية بفعل انعدام الوعي السياسي القادر على الإختيار والفرز بين الغث والسمين ، والبحث عن المترشح المفترض إن وجد طبعا وسط طيف هلامي من المتبارين على المشهد الإنتخابي، وبالتالي فالأمر يحتاج الى جملة من التدابير التي يمكن على ضوئها، تسطير آفاق المستقبلن بدءا من القضاء النهائي على ما يسمى الأمية الأبجدية والدخول الفعلي في محاربة الأمية الثقافية والمعرفية، عبر توفير التعليم والتربية لكل افراد المجتمع بدون تمايز مناطقي او جغرافي، ومباشرة أوراش التنمية التي لن تتحقق إلا بفعل الإستثمار في عقول الشباب والمتعلمين وحثهم على البحث في المجالات المختلفة، والتحفيز على إبراز المهارات، حتى يحس المرء أنه كائن اجتماعي له وجود فعلي في واقع اجتماعي ، بما يجلعه يستشعر مسؤوليته في المساهمة في بناء صرح المؤسسات الدمقراطية التي لن تتأتى إلا بتوافر شروط حد أدنى ، وهي التعليم والتكوين والتربية، والشغل والصحة إضافة الى حرية التعبير .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن