العدالة الاجتماعية في العراق – المعوقات على المستوى الاقتصادي

محمود سعدون
Ma.icp97@gmail.com

2021 / 5 / 31

تعد العدالة واحدة من اكثر الموضوعات قدسية وشيوعا في السلوك الاجتماعي ويمكن ان  تتخذ وجوها متضاربة جدا حتى ضمن المجتمع الواحد . ففي العصور الحديثة ابتداء من عصر الاصلاح في اوربا احتلت العدالة الاجتماعية مكانة بارزة في اعمال الفلاسفة وكبار المفكرين من امثال دافيد وبنثام وهيوم وهوبز وجان جاك روسو وتوكفيل وصولا الى جون رولز الذي يعتبر اخر من وفر اسهام اصيلا في مفهوم العدالة الاجتماعية , وترى الماركسية في العدالة الاجتماعية , بان الصراع الطبقي الناجم عن طبيعة العلاقات الاجتماعية وشكل الملكية السائد هو وراء انعدام تحقيق العدالة الاجتماعية بين الطبقات . كما ترى ذلك في التفاوت في الدولة الريعية  في الوطن العربي الذي راح يبرز هاذ المفهوم في ثورات الربيع العربي , فلعدالة الاجتماعية بالرغم من تعدد وجهات النظر لها في المنظورين الرأسمالي والاشتراكي الا انها من المفاهيم التي باتت تأخذ حيز في الكتابات  الحديثة .

  " تظهر الازمات المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها العالم اليوم  ظلم واجحاف العولمة الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية في ظل الليبرالية الجديدة وتحويل الاقتصاد العالمي الى سوق واحدة يحكمها حقل قانوني واحد تؤطره منظمة التجارة العالمية والتبني  الحاسم لاقتصاديات السوق وحيرة السوق والتجارة وتقليص دور الدولة في الاقتصاد " (1) يوثر في موضوعة تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل نظام رأسمالي  عالمي  , واذا ما نظرنا الى العراق لتحقيق هذا المفهوم تبرز الكثير من المعوقات - منها على  الجانب الاقتصادي -  غياب العدالة في توزيع الموارد البشرية وازدياد الفقر وتفاقم البطالة في العراق وتداعياتها وتكلفة المعيشة المرتفعة وارتباط السوق وحياة الفرد بقيمة الدولار يؤثر على  امكانية بناء العدالة الاجتماعية , وان عوامل انعدام العدالة الاجتماعية  حسب راي كارل ماركس يعود الى تراكم الثروة في افراد الطبقة الرأسمالية وبالتالي ,  هو من اسهم في تحديد شكل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستحوذ بها الرأسمالي على مصير الطبقات الاجتماعية , ولا شك بان الصراع الطبقي هو البوابة الرئيسية في التغير الاجتماعي , فالقوة الحاسمة  المحركة للتطور الاجتماعي وتبدل المجتمع من شكل لأخر كانت ولا زالت هي طريقة الحصول على موارد المعيشة اللازمة لحياة الانسان بصورة خاصة اسلوب الانتاج ووسائل الانتاج .

, رغم ما نشاهده في بعض الدول من مكتسبات اقتصادية واجتماعية ورفاه في المعيشة  خاصة في بعض دول الخليج العربي  مثلا , وعكس ذلك نرى الاجحاف وعدم تكافؤ الفرص والمساوات فيها في الوطن العربي عموما  ,  لا نستثني وجود طبقات مهمشة اقتصاديا واعداد كبيرة من  القراء مع وجود تورث للسلطة وتمظهر العائلة الحاكمة . وفي الدولة العراقية ذات الطابع الريعي يظهر هذا التمايز و اللاتكافؤ في فرص العمل للكثير من الفئات المهمشة ليعكس جانب من التهميش والاقصاء بكل صوره من خلال تبني الدولة لنهج المحاصصة الطائفية والحزبية .

  بعد الاحتلال الامريكي للعراق الذي فاقم من مشاكل العراق  السابح فوق بحيرات النفط و مع توفر بساتين ذات اراضي شاسعة من النخيل والغابات والمرتكز على نهري دجلة والفرات وشط العرب لا زال اكثر بلدان الخليج والبلدان العربية فقرا وبؤسا  , حزمة الفقر تطوق مدنه انقاض وخرائب ويقع العراق في الصدارة من حيث عدم الاستقرار والفقر , وتقدم بذلك على السودان والصومال والتشاد , وتشير النتائج بان اكثر من ثلث عدد سكانه يعيشون تحت خط الفقر حيث تبلغ نسبة الفقر 40% من اجمالي عدد السكان بينما يعيش 10% من ابناء الشعب في فقر مدقع بسبب الاعمال الارهابية لداعش.

" وفي الجانب الاقتصادي تبرز العدالة الاجتماعية وتتمظهر في التوزيع العادل للثروات والتخطيط الاستراتيجي في ادارة الثروة الاجتماعية واقامة المشاريع المنتجة ووجود نظام اقتصادي يرتكز على العدل في العمل والحقوق وتوافر المستلزمات  المعيشية للجميع  بدون  تمييز او تفريق  بغير  حق " (2) .

"ان مجرد التفكير في وضع استراتيجية تنمية مستدامة لتطور الاقتصاد الوطني بشكل متوازن وتخليصه من طابعه الريعي , يستدعي وجود مقاربة تأخذ في الاعتبار تحديد الالية المناسبة في توزيع الموارد البشرية التي تعتبر الاساس في اي عملية تنمية "(3) اذا المشكلة الاساسية في النهوض بالاقتصاد العراقي تكمن في مسالة مهمة وجوهرية , كيف يمكن ان نتخلص من الطابع الريعي الذي يهيمن على الاقتصاد العراقي , وفي ضوء التجارب الاقتصادية والتنموية الناجحة في العديد من البلدان , يصح القول ان الاقتصاد العراقي الريعي هو احوج ما يكون لدور اقتصادي فعال للدولة , ليس على المستوى التنظيمي والتحفيزي وحسب , وانما على الصعيد الانتاجي ايضا " (4) فبرامج الاصلاح الاقتصادية الحديثة لها  اثارها السلبية على الطبقات الفقيرة في المدى القصير على الاقل  فالدولة الريعية دولة ذات ميزانيات و نفقات متضخمة تذهب جلها الى شكل اقتصاد البلد الريعي , وسمة الاقتصاد العراقي في توزيع الايرادات توضح طغيان الطابع التوزيعي والاستهلاكي على توجهات الموازنات السنوية حيث للرواتب  والاجور والتعويضات المتنوعة والاعانات الحصة الاكبر حيث تصل  من 70 الى 80 % سنويا ,  ان الموازنات الاخيرة للعراق تعمق التفاوت الطبقي والتهميش الاجتماعي والاستقطاب , لذلك ان اول من يتضرر هي الفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل , فهي تحرمها من حق التعليم وتضعف دور ونشاط الدوائر وتوفير فرص العمل والاهتمام بالاقتصاد والزراعة الوطنية  والخدمات العامة مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب والصرف الصحي .

 ومنذ سنوات نشاهد رد فعل الجماهير في الاحتجاجات والاعتصامات ورفع شعارات ضد التمييز والمحاصصة  وايجاد فرص العمل في مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية ابعدتها الاحزاب المتنفذة عن الجماهير وخاصة الشباب من الخريجين , بذلك رفع الحزب شعار مؤتمره العاشر ( التغيير .. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية )  وطالب بإقامة مجتمع ديمقراطي اتحادي يتبنى العدالة الاجتماعية ويحقق التنمية  المستدامة  ويحسن من الواقع الاجتماعي للشعب العراقي ويبعد عنه الفقر , كما يطالب حزبنا وشعاره المؤتمر الوطني العاشر بأبعاد العراق عن التبعية الاقتصادية والسياسية للتخلص من الطابع الريعي الاحادي للاقتصاد الوطني من خلال التوظيف العادل لإيرادات النفط في المشاريع الانتاجية والخدمية خاصة واخراج البلد من مازقه الحالي .

المصادر

1-  سلام ابراهيم كبة – العدالة الاجتماعية المفهوم والكوابح والمعالجات / العراق نموذجا  - مقال في الحوار المتمدن  .

2-  الدكتور صالح ياسر التغيير .. الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية والعدالة الاجتماعية .. جدل المعوقات .. رهانات الواقع .. واشتراطات المستقبل .

3-  ابراهيم المشهداني – قراءات في الاقتصاد والسياسة الاقتصادية العراقية – دار الرواد المزدهرة – الطبعة الاولى – ص 201

4-  وثيقة صادرة عن المؤتمر الوطني العاشر تتضمن رؤية الحزب الشيوعي العراقي لمشروع التغيير ... دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية .

5-  د . رائد فهمي – ملاحظات حول مشروع قانون الاصلاح الاقتصادي الاتحادي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن