شتائمُ الإسلاميين في عبد الناصر؛ لماذا هي قبيحة؟

محمد عبد المجيد
Taeralshmal@gmail.com

2021 / 5 / 26

تاريخ مصر في عدة أسطر!
هل رأيتَ ضِباعــًا تتكالب على فريسةٍ ميـّــتة، وتغرز فيها مخالبَها كأنها تنتقم حتى لو لم تكن جائعة؟
إنْ تكن رأيتها فقد رأيتَ الإسلاميين وهم يفترسون معارضيهم، ومخالفيهم، ومناهضيهم، في الشرق، وفي الغرب على حدٍّ سواء!
الإسلاميون غير المسلمين؛ فالأولون مصنوعة ألسنتهم من شواظ من نار، والمسلمون الحقيقيون ملتزمون بتوجيهات العلي القدير، القول اللين، التسامح، التبسُّم في وجه المُخالف، المسارعة بنسيان الإساءة، العفو والصفح عند المقدرة، العثور على سبعين عذرًا لذنب واحد!
أتفهم بعض كراهية الإسلاميين لجمال عبد الناصر فقد حرَمَهم من تحقيق حُلــْم الإمارة ، وحرمهم من الوثوب على الحُكم لصناعة داعش قبل وصولها بنصف قرن، أي عام 1965
اسم عبد الناصر يصيب الإسلاميين بأرتكاريا في الجسد والقلب والروح فهم تربية دار الزهراء، وكُتب محمد جلال كشك، وحكايات زينب الغزالي، وعشرات من الكتب التي لا تقترب من الاحتلال والاستعمار، لكنها تنتقم ممن حرمهم كرسي العرش قبل وصولهم للحُكم بأكثر من ستين عاما!
كانت مصر تمثل قلب العالمين العربي والإسلامي، وكان هناك مشروع قومي وطني، يتردد بين الانتصار والهزيمة، بين التقدم والتأخر، بين مقاومة الاحتلال الذي خرج منها بعد ثورة يوليو ، ثم عاد البريطانيون
مع اسرائيل وفرنسا لضرب أرض الكنانة في عدوان ثلاثي غادر لكسر إرادة وطنية ظهرت واضحة إثر تأميم قناة السويس المصرية.
لم يُعلـّـم أحدٌ الإسلاميين كراهية الاستعمار، وظلوا في حنين مقيت للمَلــَــكيّة الخاضعة لقوات الاحتلال، ومن هنا أصبحت كل معارك مصر الدفاعية في نظرهم هزائم حتى لو غالطوا أنفسهم في أبسط الحقائق التاريخية؛ فجعلوا الضابط عبد الناصر مسؤولا عن هزيمة الجيش المصري وليس الملك فاروق أو قوات الاحتلال البريطانية التي سلحت جيش مصر 1948 ضد كيان صهيوني استيطاني وضعته بريطانيا في فلسطين المحتلة، وكان من الطبيعي أن يُهزَم.
وعاد الضباط المهزومون من الجبهة وقد تعلـّـموا الدرس، وعرفوا أن الملك والاستعمار البريطاني سبّبا لجيشنا هزيمة نكراء.
أشك أحيانا أن الإسلاميين يقرأون القرآن الكريم في صلواتهم وأدعيتهم، فمن يتابع ويراقب قُبحَهم السبابي النتن يعرف على الفور أن إسلامهم غير إسلام المسلمين.
اختلف أو انتقد أو هاجم إسلاميا ملتحيا، مُزايدا في التدين الظاهر، واضعا بروفايل إلا رسول الله أمام بركان من الكراهية والبغضاء والتدين المُفخخ!
قامت ثورة يوليو وأطاحت بالملك فاروق وغادر على يخته وبصحبته مئات من الحقائب، وودّع مصر من ثغرها البسّام..الاسكندرية،وبكل احترام لثورة بيضاء لم تنتقم منه ولم تُحاكمه انتهى عصر الملكية، وكانت أهداف الثورة التي أصابت الغرب كله بلوثة جنون؛ القضاء على الاستعمار وأعوانه، القضاء على الاقطاع وسيطرة رأس المال، إقامة جيش وطني قوي، إقامة حياة ديمقراطية
نجحت أهداف، وفشلت أهداف أخرى، ودخلت مصر صراعا مع قوى الاستعمار وأعوانها في الداخل.
اصطدم عبد الناصر بالاخوان المسلمين فالثورة في بدايتها، وثمانون ألف جندي يحتلون مُدن السويس الثلاث، جواسيس إسرائيل يضربون في كل مكان لتهجير اليهود إلى فلسطين المحتلة؛ ومع إسدال الستار على حُلم الإسلاميين في الوصول لحُكم مصر بدأت حرب الشائعات والأكاذيب.
كان الاستعمار يعرف أن الإسلاميين على استعداد للتعاون مع الاحتلال شريطة منحهم مصر إسلامية، فتم منع السلاح عن القاهرة واضطر عبد الناصر لشراء السلاح من تشيكوسلوفاكيا.
كان ستة وخمسون العام الحاسم لثورة لا تزال تحبو على بطنها، وتملأ مصر بوعود وأحلام تحققها لشعب بعد عشرات السنين من الاحتلال البريطاني، وجاء وقت حق مصر في مياهها الإقليمية وممرها المائي فأمم أبو خالد قناة السويس المصرية لتصبح مِلـْكية مصرية خالصة، وعاد الاستعمار في عدوان ثلاثي غاشم، لو كانت هناك ذرة كرامة ووطنية وإيمان بالإسلام لوقف الإسلاميون مع الثورة.
الإسلاميون إذا انتقموا وضعوا لأنفسهم حدودا للانتقام حتى يوم القيامة؛ لهذا قالوا إثـْـر تولي محمد مرسي حُكم مصر بأنهم لن يتركوا القصر قبل خمسمئة عام.
كل الشعوب المستعمَرة تعلـّـمت أن تكره مُحتليها؛ فالجزائريون لا يهيلون التراب على فترة الاستعمار، والسوريون نفس الشيء، والفيتناميون يعيشون في كوابيسهم علكة اليانكي رغم انتصارهم، والحلفاء يحتفلون منذ سبعين عاما بهزيمة النازية، والإسبان والبرتغاليون والنيكارجويون والكونغوليون وغيرهم؛ إلا في مصر، فالمصريون لم يتعلموا كراهية الاستعمار أو الطغاة أو السجّانين، وكلما تحدّث مصري، خاصة من الإسلاميين، عن المـَـلــَـكية تحسّر عليها وعلى أحوال بلده تحت حذاء الجندي البريطاني، حتى العيد الوطني جعلوه عيد ثورة يوليو نكاية في عبد الناصر.
في عدة سنوات شهدت مصر حوادث كأنها الدهر، وتحقق حُلم الوحدة مع سوريا؛ أعقبه بعد ثلاث سنوات كابوس الانفصال، وتحقق حُلم مساندة اليمن في ثورتها ضد حُكم متخلف فوقفت الرجعية مع القبائل، وخسر جيشنا آلافا من جنوده الذين التزموا بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، واصطدم عبد الناصر مع جماعــة الاخوان؛ فاعتقل عددا كبيرا منهم
وحدثت تجاوزات في السجون والمعتقلات، بل قُل قسوة وغلظة في التعامل معهم.
وانتصب قبلها مشروع مصر العملاق في بناء السد العالي رغم رفض الغرب تمويله، وانتعش المسرح والسينما والموسيقى والرواية، ولعبت مؤسسات الفنون دورها لتزيح الرجعية عن تقدم الأمة.
وجاء يوم وقفت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وكل قوى الاستعمار القديم والحديث بما تملك من أسلحة متطورة وجواسيس وأجهزة مراقبة وخطط تصغر بجانبها كل العدوانات السابقة، وتصرفت القيادة في مصر بحماقة وظنت أن إسرائيل بمفردها، وأعطت أمانا لقوات العدو في صحراء سيناء لتأتي ضربة قاصمة لا تقوم بعدها دولة كبرى لو تلقت مثلها.
في ستة أيام كانت مصر قد هُزمتْ، وطيرانها تلقى ضربات موجعة، وانتقم الاسرائيليون والامريكيون والبريطانيون والفرنسيون والغرب كله، والرجعية العربية في اليمن وانفصاليو سوريا وفي دور مصر الريادي في دول عدم الانحياز.
كان خطأ عبد الناصر كبيرا لا يُغتفــَـر، لكن الشعب المصري أظهر إرادة غريبة في عدم الانكسار، وطالب الرئيسَ بالعودة عن التنحي فعبد الناصر تنحى معترفا بمسؤوليته.
واستعادت مصر دورها، أو بعضــَـه، وبدأت حرب الاستنزاف، وأغرقت المدمرة إيلات، وتجدد تسليح الجيش، وكذلك أمل شعوب العالم الثالث في قيادة مصرية مهزومة لتستعيد دورها في ثلاث سنوات.
كانت هزيمة يونيو فرصة لتنفجر كراهية الإسلاميين، ليس للهزيمة، ولكن للانتقام من صِدْامين مع عبد الناصر بينهما أحد عشر عاما.
ودّع عبد الناصر الدنيا إثر مذابح الجيش الهاشمي ضد الفلسطينيين، وعاد دور مصر ليلتئم الجُرح العربي.
وشكر الإسلاميون اللهَ على هزيمة بلدهم، وركعوا، وسجدوا، وظنوا أن هزيمتنا لم تكن لها أسباب غير انتقام رب السماء والأرض من نظام عبد الناصر، الاشتراكي الذي اعتبروه شيوعيا، وإلحاديا، وكافرًا.
وبدأت مع أنور السادات إثر حرب أكتوبر المجيد خطوات التقارب مع الاحتلال الصهيوني في اليوم السادس عشر في مأساة الثغرة.
ومرت على مصر سنوات الرأسمالية الجشعة، وأعلن السادات بأن من لا يصبح غنيا في عصره فقد ضاعت عليه الفرصة، وسافر إلى القدس المحتلة، وعقد معاهدة كامب ديفيد، وأخرج الإسلاميين من القُمقُم فأوراق المنطقة كلها في يد أمريكا.
وبدأت الدولة الاشتراكية تتأسلم، وعرف المصريون أنهم مؤمنون وغير مؤمنين، وحمل لقب الرئيس المؤمن، وانطلق مزاد التدين في جماعات التكفير والهجرة والقتل على الهوية وتكفير الغرب واعتبار رئيس الدولة أمير الجماعة.
قتل الإسلاميون من قام بتربيتهم في احتفال نصر أكتوبر وبين جنوده، وجاء من أقصى المجهول رجل سيصبح فيما بعد أشد اللصوص وقاحة وبجاحة، وتكونت عائلة من أربعة لصوص، وحققت مصر الصفر في شتى المجالات، وزيف الطاغية الانتخابات طوال ثلاثين عاما، ونهب الدولة، واشترى ابنه بعض ديونها فهو الرئيس القادم، ووقف الإسلاميون معه ولم يعترضوا على وراثة حرامي صغير لأبيه الحرامي الكبير.
في خلال الثلاثة عقود أنجبت أمهات المصريين جيلا لم يعرف غير حسني مبارك، وتوسعت ثقافة الفهلوة، وتضاعف الفساد والمخدرات والفشل فالنهب يجري على قدم وساق.
ومرَّ على سجون مبارك ربع مليون مصري في ثلاثين عاما، ووصل التعذيب أقصاه في اغتصاب الرجال في السجون، ومنع أي صوت يعلو فوق أصوات النهّابين، وتم دفن نفايات الحديد تحت الأرض الزراعية، وأصبح الإعلاميون تحت أحذية جمال مبارك وأخيه.
وأوحى ربُك إلى أنبياء صغار بالغضب، فالغضب أيضا رسالة سماوية، وجاء ميدان التحرير حاملا شبابـًـا فتّح في جناين مصر رافضا مذلة ومهانة وخنوعا أطول من الثلاثين عاما التي خرس فيها آباؤهم ووضعوا في أفواههم أحذية قديمة.
وجاء شهر البركة يــناير الخالد ليسقط الصنم من عليائه ومعه لصوص الوطن في ثمانية عشر يوما تنفس المصريون حرية أمام الدنيا كلها.
وكتب الأنبياء الصغار تاريخ الذُل من موقع الكرامة، وخضع الحرامي الطاغية لهم فخُلــِـعَ غير مأسوف عليه.
وكانت طهارة الشباب ونقاؤهم وصفاء قلوبهم وحبهم لمصر مقدمة لأكبر خطأ ارتكبوه عندما سلـّموا النصر للفاشي المشير طنطاوي والذي كان الساعدَ الأيمن للص حسني مبارك، فعاد العسكر من الباب الخلفي.
في نصف عام كان طنطاوي يُسهّل لمبارك وعائلته في شرم الشيخ تقنين السرقة، وتحويل النهب إلى الخارج، وكان الرجل فظا غليظ القلب يضع تحت إبطه تسعة عشر جنرالا في المجلس العسكري لاستعادة الحُكم، وكان يكره أحبابنا ..شركاء الوطن الأقباط!
كعادة الإسلاميين ساندوا طنطاوي فهو طائفي وعنصري ويكره المرأة وكاشف لعذرية الفتاة المصرية، فأصبح للإسلاميين الأمير الواجب طاعته.
كان لإبليس أبناء في ثلاثة مواقع هي القضاء والإعلام والبرلمان، وبذلك يضمن الشرّ مهيمنا على مصر، فحقق القضاة الجهلاء أكبر ظُلم منذ عهد الفراعنة، وسرق الإعلاميون المُطبّلون دور القِرَدة من حديقة الحيوانات إلى ماسبيرو ومدينة الانتاج الإعلامي، أما البرلمان فلو طلب منهم الحاكمُ التصويتَ ضد الله، عز وجل، لما تأخروا لحظة واحدة.
تفتق ذهن مخططي عودة العسكر على فكرة جهنمية تسمح بتنافس ثلاثة عشر مرشحا للرئاسة، وتَمّتْ التصفية بين اثنين: حسني مبارك خلف قناع أحمد شفيق، ومحمد مرسي تختفي خلفه جماعة الاخوان المسلمين.
نجح الاخوان في أكبر عملية تزوير في تاريخ مصر، فالنجاح باسم الدين تزييف، والحُكم باسم القداسة تدليس، والقصر الذي تسكنه العمامة هو بيت للشيطان.
باتفاق أمريكي مصري أشرف عليه المجلس العسكري نجح محمد مرسي، وتحوّل المصريون إلى دراويش، وأصبحت الهوية المصرية مزايدة دينية، وتدعوش المصريون وظهرت اللحية والزبيبة والنقاب وكادت المحرمات تطغى على الحياة العامة، فتهنئة غير المسلمين محرمة، والموسيقى معازف الشيطان، وتغطية وجه المرأة توجيهات إلهية، والمسلم أعلى وأرفع وأفضل وأطهر من ابن بلده غير المسلم، وقبلها بعدة سنوات كان المصريون قد سرقوا المصريين بمساعدة أدوات الغش الدينية، فكادت شركات توظيف الأموال تُفرّغ جيوب المصريين الطامعين في الأرباح الحرام المختوم عليها ختم حلال.
فشل الاخوان المسلمون لعشرات الأسباب وعلى رأسها اعتبار محمد مرسي جماعته فوق الوطن حتى أنه كان يتفاوض مع دول عربية للافراج عن الاخوان فقط من سجونها.
ضجّ الشعب المصري بحُكم الدراويش، واستعد العسكر للعودة مرة أخرى لكن هذه المرة بطلب من ملايين المصريين في طول مصر وعرضها؛ وجاء رجل من الجيش والاستخبارات فلم يجد أسهل من الاطاحة بالاخوان واعتقال قياداتهم.
كان عام الاخوان كفيلا ليدخل الطمأنينة إلى قلوب الملايين أن أي نظام حُكم قادم هو أفضل من دراويش الإسلاميين.
فتحمّل الشعب انتظارعامين ليتأكد أن الأسنان لن تتحول إلى أنياب، وأن قصر الاتحادية دخله إداري ومثقف وعالم وموسوعي وعاشق لحقوق الإنسان وخائف على كل ذرة تراب مصرية، وتعلــّـم في مدرسة جمال حمدان ورأفت الهجان في الحفاظ على النيل والجُزُر والأرض الزراعية وكرامة المواطن وإخلاء السجون والمعتقلات وتقبيل جبهة كل شاب ينايري والتأكد من عدالة محاكمة الحرامي المخلوع مبارك وتثبيت احترام الدستور بسنوات الحكم الأربع لمرتين.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، لكنها جاءت متأخرة، فالمصريون كانوا قد ارتدوا العباءة الدينية، ومسؤولوهم أصبحوا متسولين على أعتاب الدول الثرية، والخوف أرنبَ قلوبَهم، وحل الوشاة والمتعاونون والمرشدون والمبلغون محل المخبرين، ومصر أصبحت كلها في جيب رجل واحد أو تحت حذائه، يبيع ويشتري، يتنازل أو يفلسف، يرفض الحوار، يحتقر ويزدري، يجيّش الجنود والضباط للبزنس أو للنسبة المئوية في إنشاء الطرق والكباري، يقترض ما يحتاج لسداده ثلاثة أجيال قادمة.
يرفض الافراج عن أبناء المصريين، ويعتبر الفشل في وقف سدّ النهضة راجعا إلى ثورة يناير المجيدة وليس إلى توقيعه على إعلان المبادىء.
كان الخوف هو سيد الموقف المصري، وصورة الرئيس تحت وسادة كل مواطن، ومن أراد أن يتنفس فعليه بمغادرة أرض الكنانة.
وظهر الوجه الآخر للحكم العسكري وهو أن الرئيس سلفي حتى النخاع، فكسب الإسلاميون أرضا جديدة حتى لو خسرها الاخوان المسلمون، وكرهت فئات الشعب كلها بعضها البعض.
لم يعد هناك مخرج غير الهروب إلى الخلف، وتحميل عبد الناصر الذي حكم مصر في أصعب لحظات التاريخ مسؤولية توريثه الفشل والسرقة والنهب والتطرف والتشدد والتفريط في النهر الخالد والتنازل عن الأرض والجُزر أمام أبناء أبطال العبور المرتعشين والخائفين، فكل مصري يشي بأخيه، وكل مواطن يتنصت على ابن بلده لصالح القصر.
الإسلاميون يلعبون دور الضحية في كل العصور، لكن الاخوان المسلمين يستبدلون بالشيطان الرئيس الذي رحل منذ نصف قرن.
يهاجم الإسلاميون عبد الناصر صبحا ومساء حتى يتجنبوا توجيه الإصبع الأصغر باتهام كل الرؤساء الذين جاءوا بعد عبد الناصر، فالسؤال الأخلاقي الذي يسمو بالضمير هو اتهام المجرمين واللصوص وباعة الوطن وسارقي قوت أبنائهم، وليس فقط الصراخ والعويل والبكاء على ستة عشر عاما عصيبة صدَّ المصريون جحافل العدوان في كل مكان، فهُزموا، وانتصروا، وتأخروا، وتقدموا.
الإسلاميون بوجه عام ذوو ألسنة قذرة لا تليق مع التسبيح لله العلي العظيم، وإذا خاصموا فجروا، وإذا كرهوا انفجروا، وإذا حدّثوا كذبوا.
الحمد لله أنني مسلم ولست إسلاميا، وأنني مؤمن بديني من منطلق إنسانيتي، وأن كراهيتي للإسلاميين نابعة من صُلب إيماني بهذا الدين العظيم الحنيف.
الحمد لله الذي أنعم علي بكراهيتي للكذب والإفك والمزايدة وبنزع القداسة عن كل ذي روح، فالقداسة لله فقط.
الحمد لله الذي سيدخلني جنة الخلد مع الذين يكرهون نفاق الإسلاميين.
الإسلامي سبّاب وشتّام ولعّان؛ أما المسلم فإنسان ومتسامح وفيه نفخة من روح الله.
تبقى معضلة المشاكل وهي ضياع واختفاء الوعي الوطني لدى المصريين، فرؤساء مصر بعد عبد الناصر علـّموهم على التوالي التطبيع مع كيان الاحتلال، السادات، الرشوة والفساد وسرقة الوطن، حسني مبارك، القسوة والخداع والغلظة وكراهية أقباطنا، طنطاوي، دروشة الدين ونفاق الجماعة وكراهية تراب الوطن وجنسية المسلم عقيدته، محمد مرسي، العدالة المزيفة والتعصب والطائفية والصمت، عدلي منصور، بيع الجُزُر وإعطاء دولة المنبع صكّ على بياض لنيل الحياة والتسول والقروض والكذب وتغيير الدستور وتكميم الأفواه، السيسي، وكان من الطبيعي أن يهرب الوعي الوطني من صدور وعقول المصريين.
كل ذلك تزامن وانسجم مع خوف لم تعرف الفئرانُ له مثيلا، وطاعة للعصا ولو كان المصري في فراشه، وكراهية حمقاء لأبناء مصر الذين انتفضوا يدافعون عن وطن يعيش فيه صُمٌّ، بُكْم، عُمي من آبائهم.
وانتصر الاستعمار خلال خمسين عاما بعد رحيل جمال عبد الناصر فلم يبغض المصريون شيئا أكثر من بغضهم للمعرفة والكتاب، فسقط الوعي الوطني في بالوعة الإسلاميين والعسكر، ولا تستطيع أن تقنع مصريا برؤية في نصف صفحة فالقراءة أضحت عدو الشعب المصري.
وكان أمرًا طبيعيا أن يقابلك الشتّامون والسبّابون الزاعمون أنهم يسبحون بحمد الله فكلما جاء ذْكْر عبد الناصر والاحتلال والعدوان والصهيونية والسرقة والنهب حمّلوا الريّس المسؤولية بأثر رجعي، وأغمضوا عيونهم عن رؤساء منذ رحيل عبد الناصر.
أنا لا أمانع أن ينتقد مئة مليون مصري تاريخ جمال عبد الناصر؛ شريطة أن لا يضعوا في عيونهم أسياخا لدى الحديث عن رؤساء ما بعد عبد الناصر.
الشجاعة نُبْل، والجبان هو الذي يقتطع من تاريخ بلده ما يناسب تبرئة بعض الطغاة.
هل تعرفون الآن لماذا يكره الإسلاميون مصر والمصريين وعبد الناصر؟
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 25 مايو 2021



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن