الصمود الفلسطيني مآلات ونتائج جديدة

وائل رفعت سليم
wel.Aswan@Gamil.com

2021 / 5 / 11

بدأت الأحداث تصاعديا من أول شهر رمضان بإعتداءات صهيونية من جماعة تسمي ( لاهافا ) اليمينية المتطرفة على الفلسطينيين في القدس من خلال مسيرة لها بغرض منع المرابطين من التواجد بمنطقة باب العمود ، ثم لحق ذلك سماح الشرطة الإسرائيلية لرهبان إثيوبيين بالإعتداء علي دير السلطان الأثري المملوك للكنيسة المصرية الأرثوذكسية التاريخي وبحكم ( من محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971لصالح الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ) ، وذلك بإقامة خيمة داخل الدير ورفع العلم الأثيوبي داخله ، ثم تهجير جزئي لسكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية ، والآن إعتداءات داخل باحات المسجد الأقصي ، ورغبة في تهجير قسري كامل لأهالي حي الشيخ جراح .
ما بين نتنياهو والنظم العربية :-
بعدما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في 2017 عن كون القدس عاصمة لإسرائيل ، ثم نقل السفارة الأمريكية في الأرض المحتلة من تل أبيب إلى القدس في 2018 حدث تحول جوهري من الدولة العربية لجعل التطبيع مُعلن بعدما كان يمضي في الخفاء بل مضت هذه النظم إلى تجميل التطبيع وكذباً إدعوا بأن له فوائد على العرب وعلى فلسطين ومضوا في إستقطاب الممثلين والمطربين وأنصاف المثقفين للتغني بإنجاز كاذب مخادع .
ومضوا بعلم أو دون علم لتهيئة المنطقة العربية إلي مشروع صهيوني بأعادة تشكيل المنطقة وتقسيم المقسم فيها إلي دويلات صغيرة وقطاعات محددة الصغر من حيث الكثافة السكانية والمساحة تعرف بإسم ( كانتون ) وبداية تنفيذ هذا المشروع تقوم على إستكمال تهويد القدس ثم تهجير أهل غزة والضفة الغربية في فلسطين المحتلة إلى سيناء ثم يبداء التوسع علي كامل الأراضي العربية .
فنتج عن ذلك تراجع وهوان دور الدول العربية الكبري وتحديداً ( مصر والسعودية ) فدفع بكل من له قيمة ومن ليس له قيمة على الإرتماء بأحضان ذلك المشروع وهو ما أفقد هذه الدول قوتها وتأثيرها السياسي والدبلوماسي ، ومضي بالأمة إلى أسوء حقبة في تاريخها الحديث وصارت عاجزة عن نجدة القدس والأقصي .
كما أن نتنياهو يواجه خطر فادح شديد الخطورة وهو يحاكم بتهم فساد ومعرض بشدة للإدانة ( والقانون الإسرائيلي يشترط تنفيذ أي حكم يصدر ضده في حال خروجه من السلطة ) وهو ما إستغله معارضي نتنياهو في الداخل الإسرائيلي مما أدي إلى فشل تشكيل حكومة موحدة وفشل أي حزب في الحصول علي ثقة الكنيست لتشكيل حكومة مما أدى إلى دخول إسرائيل في إنتخابات عامة أربع مرات خلال عامين فقط بمعني ( إنتخابات كل ستة أشهر ) وهي مهددة بالدخول في إنتخابات خامسة قاسمة ربما تقطع فيها رأس نتنياهو ، لذا ليس أمام نتنياهو ومن ورائه من رئيس الأركان كوخافي ورئيس الموساد يوسى كوهين سوى تجميد المشهد السياسي الإسرائيلي من خلال التصعيد الأمني في الداخل الإسرائيلي والداخل الإسرائيلي فقط لأنه لا يستطيع الدخول في تصعيد خارجي مع حزب الله أو حماس .
الغرب و الرغبة في تهويد القدس :-
هذه الفكرة لدي الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وأوروبا بُنيت على ثلاث عناصر متلاحمة في التكوين الفكري للغرب المسيحي حيث يتضح الآتي :-
- ظهرت الصهيونية في أوروبا في القرن السابع عشر علي معتقدات بين المسيحيين المتطرفين من البروتستانت قائمة علي فكرة العودة لفلسطين تمهيداً لعودة المسيا اليهودي طبقاً لما جاء في بعض أسفار العهد القديم ( وهو من سيمكنهم من حكم الأرض ألف عام ) لذا لقبت هذه الحقبة بالألفية وفق معتقدهم والتي تبدأمن عام 2000 ميلادية وما تلاها ، وهي تتضامن مع سياسة هدم المسجد الأقصي لبناء هيكل سليمان وبالتالي توافق سياسات الصهاينة مع المشروع الإستعماري الغربي الذي لم يغادر أبدا الفكر الأوروبي .
- أما الداخل الأمريكي الأكثر دعماً للصهاينة في فلسطين المحتلة فقد إعتمد دعمه على المسيحيين الإنجيليين وهم من دعموا ويدعموا الصهاينة ظناً منهم بأن هذا يحقق نبوءات إنجيلية تهدف للخلاص المسيحي وأن نبوءة قيام وطن لليهود في فلسطين هي أكبر نبوءة قبل مجئ المسيح وتعجل بمجيئه الثاني ، كما أن الإنجيليين الأمريكيين أكثر الناس دراية بنتائج درسات ( علم الجيوسياسية أوالجيوبوليتيك ) والتي ئؤكد علي زيادة الإنهيارات الجليدية في القطب الجنوبي والشمالي أثر حرائق الغابات الكبري و إرتفاع معدلات حرارة الأرض ( ظاهرة الإحتباس الحراري ) والتي سوف تؤدي إلى تآكل اجزاء كبيرة من الشواطئ والجزر والبلدان الساحلية من ضمنها أجزاء كبري في الأمريكتين ومن ثم أكثر مناطق العالم أماناً في المستقبل هي ( قارات العالم القديم ) وفي القلب منها القدس ، حتي أن هناك نبوءات لديهم تحتم عليهم مغادرة أمريكا لإسرائيل قبل هلاك أمريكاً جيوسياسياً .
- أما الفاتيكان فمازال يحلم بالتواجد في القدس فهو صاحب الدعوة للحروب الصليبية علي المشرق العربي ، والتي لم تنتهي من الفكر السياسي الغربي الحديث إطلاقاً ، وإنما تطورت بتطور الشكلي السياسي الذي يتناسب مع معطيات العصر وتحت ستار شعارات المدنية والحداثة وحقوق الإنسان ، لذا يسعي الفاتيكان لتدويل قضية القدس من خلال فكرة ( حل الدولتين أحدهما للفلسطينيين والأخري للإسرائيليين ) علي ألا تكون القدس عاصمة لأياً من هما إنما هي عاصمة للبشرية أجمع تحت سيادة دولية .
مخاوف إسرائيل متزايدة :-
إسرائيل تُدرك جيداً أن الدخول في حرب مفتوحة بكامل أفرع الجيش الإسرائيلي أمر عظيم الكُلفة وتجربة 2006 وما لحقها حتي تاريخ اليوم يُثبت عدم مقدرة إسرائيل علي تحقيق أي مكسب سياسي أو حربي سواء مع حماس وفصائل المقاومة أو مع حزب الله ، كما أن الحرب المفتوحة جواً وبراً وبحراً ستأخذ كثيراً من الوقت وهذا في غير صالح الساسة في إسرائيل لرغبة كل منهم إستغلال المشهد في إنتخابات الكنست لتشكيل الحكومة .
وتأتي عدم مقدرة الداخل الإسرائيلي على تحمل ما ستسفر عنه هذه المعركة في ظل تنامي القدرة الدفاعية والهجومية للمقاومة الفلسطينية ، والتجربة أثبتت أن القبة الحديدة لا تنجح في منع الصواريخ إلا بنسبة 30% منها فقط ، كما أن المقاومة قد تطورت تكنولوجيا بشكل كبير ولديها القدرة الآن علي التوجيه الصاروخي بشكل لم يتواجد سابقاً ، في 2019 وصلت صواريخ المقاومة إلي عمق 40كم واليوم تستخدم المقاومة صواريخ جديدة تصل إلي عمق 120كم داخل إسرائيل ، ثم إدراك الصهاينة من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الفصائل الفلسطينية المقاومة قد تطورت عسكرياً وخططياً وتنامي التنسيق فيما بينها وهو ما نوع إسلوب ردها تصاعدياً كيفاً وكماً وفق معطيات المعركة .
حالة التوحد الفلسطيني حول حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى أربكت كل الحسابات السياسية والأمنية الإسرائيلية وحدوث أكثر من إشتباك وتظاهرات في أكثر من نقطة بالداخل الفلسطيني يجعل فكرة تحقيق ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإجباره على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل نقطة تحول لإندلاع إنتفاضة ثالثة موسعة ستكون مخيفة لإسرائيل ، وبالتالي فكرة تحقيق إنتصار سياسي أو عسكري لإسرائيل أمراً بالغ الصعوبة وباهظ الثمن .
الحاخاميةُ العسكرية ( وهي إدارة قائمة علي مراقبة الأحكام الدينية علي كل العاملين بالجيش الإسرائيلي ) تتوافق مع الأحزاب اليمينية المتطرفة ، ومع اليهود المتدينين على حتمية الإستعجال ببناء هيكل سليمان قبل مضي ثمانون عاماً على إنشاء دولة إسرائيل ، حيث يعتقد اليهود وفق نبوءات عدة لديهم بأن ( زوال دولة إسرائيل سوف يتم قبل تمامها ثمانون عاماً ) وأن بناء الهيكل هو الأمر الوحيد الذي سيسرع بظهور المسيا ملك اليهود والذي سيكون سبباً في منع زوالها . يمكن للقارئ الرجوع إلي كتاب ( إبادة وزوال دولة إسرائيل حتمية توراتية من نبوءات أنبياء العهد القديم – أ/ يوسف رشاد ) .
كما أن هذا التصور يتوافق مع سوابق تاريخية حيث ( مملكة اليهود الأولي قد هلكت علي يد ملك بابل نبوخذنصر قبل مضي ثمانون عاماً عليها ، كما أن مملكة اليهود الثانية قد هلكت علي يد ملك الرومان تيطس أيضاً قبل مضي ثمانون عاماً عليها ) لذا ظهر قادة داخل الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن مخاوفهم من الهلاك مُجدداً قبل إتمام ثمانون عاماً علي إسرائيل بسبب الخلافات السياسية علي الحكم ، يمكن الرجوع إلي مقال ( الخراب الإسرائيلي الثالث – أ/ صلاح المختار – شبكة البصرة يونيو2020 ) وهو ذات المشهد السياسي الذي يمضي فيه نتنياهو حالياً بسعيه لتجميد المشهد السياسي ليبقي هو كما هو خوفاً من الإنتهاء به بالسجن على آثر جرائم فساد تطارده .
لذا ستسعي إسرائيل إلى تعظيم التدخل السياسي والدبلوماسي الدولي والأقليمي من وسطاء ( أصدقاء لإسرائيل ) في محاولة لإخراج المشهد العسكري والسياسي بدون فائز أو مهزوم حفظاً لماء وجهة نتنياهو .
نتائج الصمود والتوحد الفلسطيني :-
سيبقى يوم الأثنين الموافق 10/5/2021 يوماً فارقاً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فما قبله لن يكون كما بعده ، فنجاح الصمود المبدع من المرابطين المقدسين في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى والزود عنهما وخلق حالة من التفاعل الفلسطيني الإيجابي بل قل ( حالة من التوحد الفلسطيني ) غير المسبوقة ليتولد معها مشهد جديد تماماً على القضية الفلسطينية وتخلق نتائج عدة يمكن توصيف بعضها كالآتي :-
إعاد الحراك والصمود الفلسطيني طرح القضية الفلسطينية على الواقع السياسي العالمي كأولوية أولي للبحث والمناقشة والإهتمام .
الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية أعاد إكتشاف نفسه بل قل ( عادت إليه ثقته في نفسه وإنه يستطيع تفجير إنتفاضة أينما أراد وحينما توحد ) .
يتأكد الآن مدى إحتياج الفلسطينيين إلى إدارة سياسية ونخب سياسية جديدة بعيداً عن الحركات التي استأنست ( من قبل العدو الصهيوني أو من قبل الممالك الخليجية ) ورمت إرادتها في المقاومة تحت أقدام إسرائيل .
الفصائل الفلسطينية في غزة ستزيد من حتمية التعاون العسكري والسياسي فيما بينها فقدرتها كقوة واحدة تفوق قدرتها منفصلة وهو ما سيكون له مردود مزعج على إسرائيل .
يتضح الآن حتمية وضرورة إلغاء التعاون الأمني في الضفة الغربية بين السلطة الفلسطينية ( بقيادة محمود عباس ) ومع إسرائيل .
تطهير الداخل الفلسطيني وذلك بإنشاء وحدات إستخباراتية فلسطينية وطنية وإن كان هذا لن يتأتى إلا بتعاون إستخباراتي عربي .
زيادة التأكيد بأن القبة الحديدية الإسرائيلية يُمكن جداً إختراقها بل وجعلها بلا قيمة وأن من يُعطي إسرائيل قوة هو بشاعة وقبح الإعلام العربي .
مزيد من الخسائر السياسية بالداخل الإسرائيلي أو بمعني أدق تأزم الموقف السياسي وزيادة التقسيم بين الأحزاب الصهيونية بتنوعها ، وهو ما سيوظفه خصوم نتنياهو جيداً .
الشباب الفلسطيني يجب أن يبحث لنفسه عن سبل لتطوير مقاومته وجعلها أكثر فاعلية وإستغلال المشهد للإستمرارية وتحقيق مكاسب داخلية في الضفة الغربية لتحسين الوضع الإقتصادي والمعيشي والحد من خطوات الإستيطان .
الشعب الفلسطيني يُرسل رسالة مباشرة للشعوب العربية مضمونها :- ( أنتم تستطيعوا متى أردتم ومتى توحدتم ) .
المشهد يُدعم الدور الأردني ويُعزز موقفه في رفضه لضم غور الأردن ومستوطنات الضفة ورفضه لنقل الوصاية على الأوقاف الفلسطينية من الأردن إلي السعودية .
تمزيق وكسر هيبة إسرائيل ( سياسياً وعسكرياً ) والتأكيد بأن المواجهة تحسم بالإرادة والإيمان أو قل ( بالعقيدة والهدف ) لا بالتسليح وحده .
أثبت المرابطين في القدس بأن كل ما قامت به النظم العربية الحاكمة وما أنفقته من تطبيع مُذل وخنوع حقير لإسرائيل لا قيمة له وأن الشعوب أدركت من هو الخائن ومن هو العدو ومن هو الصديق .
التعاطف تجاه الفلسطينيين من الشباب العربي يُثبت فشل ما روجته وسائل إعلام عربية لشيطنة المقاوم الفلسطيني وشيطنة القضية الفلسطينية .
الرسالة الأهم هي إنتهاء مخطط صفقة القرن وتعفنه على عتبات المرابطين في الأقصى والشيخ جراح وإنها لن تمر طالما بقي فلسطيني يتنفس .
تعطيل مخطط إسرائيل الكبرى ووقف مخطط برنارد لويس وإرجاء الإعلان عما تم فيه من خطوات إلى أجل آخر .
وجديداً تثبت مواقع التواصل الإجتماعي قدرتها في كشف ما أرادت إخفائه النظم العربية الحاكمه ، وهو ما خلق حالة تعاطف كبري وتضامن واسع تجاه المرابطين في الأقصى والشيخ جراح .
يتأكد من جديد للعرب بل للعالم بأن المقاومة هي اللغة الوحيدة التي تفهما إسرائيل وهي الخيار الإستراتيجي الوحيد للعرب .
التعويل السياسي أو الدبلوماسي على سياسات الدول العربية أو جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة في إتخاذ موقف مؤثر تجاه الصراع العربي الإسرائيلي أنتهي وبات أمر باهت لا قيمة له لدي الشباب .
فكرة حل الدولتين أعلن عن وفاتها ودفنها رسمياً اليوم بصمود وثبات المقدسيين ووحده الصف الفلسطيني ومن سيطالب بها تصبح له مآرب غير شريفة .
قضية الشيخ جراح وقبح المعالجة الإسرائيلية معها والمنهج الإجرامي تجاهها أعادت للرأي العام العالمى حقيقة كون ( إسرائيل دولة فصل عنصري أبارتهايد ) .
يُثبت المرابطين في فلسطين بأن هناك جيل جديد ولد وذاق منذ نعومة أظافرهم مرارة الإحتلال وعذابه وقد إستوعب جيداً أساليبه وأدواته وهو الآن يمتلك من الدوافع النفسية ما تمكنه من فرض واقع جديد .
المقاومة الفلسطينية تفرض مشهد جديد لم يكُن يوماً في ذهن إسرائيل بكونها الآن تستطيع أن تناله في العمق وأن هناك قواعد إشتباك جديدة قائمة على العين بالعين والسن بالسن .
المعركة قائمة وإستمرار الثبات والصمود والرد المباشر أمور جوهرية لتحقيق إنتصار الشعب الفلسطيني في أمس الحاجة له كما علينا الثقة بكون ( إن الإحتلال لا يستمر ، والإستبداد لا يُدوم ، مهما طال الزمن بأحدهما أو بكلاهما ، ما يبقي هو إرادة الشعوب ودعم الله ) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن