إعلام ما بعد حداثي.. وافتراءات عصر مستحاثي-4

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

2021 / 5 / 9

يحار المتابع، أحياناً، في كيفية تعامله مع بعض المستجدات ذات الخصوصية، عندما يتابعها، ويكون جوهرها - في الأصل- مبنياً على الخداع والدجل والتلفيق وتزويرالحقائق، لاسيما في مرحلة الإعلام مابعد الحداثي الذي يتطلب عقلاً موازياً وانفتاحاً على الآخر، وتعالياً على الإساءات، وقطيعة، بل نبذاً لثقافة الكراهية، التي يتم الحض عليها على مستويات عدة، من قبل بعض جهَّال الإعلام، والجهالة - هنا- لا تعني الأمية، أو عدم حمل شهادة أكاديمية عليا، بل أمية الخبرة بفن الإعلام الذي يتطلب الكثير من المهارات والمتابعات، ليشكل نقلة ممسوخة عن مستوى - مضافة المختار البسيط- والتي كانت رغم الكثير الذي يسجل عليها ذات إيجابيات كثيرة، على أكثر من صعيد، ومنها: سلبياتها من الناحية الطبقية، باعتبارها تنتمي إلى مرحلة عقل محدد، لأننا - وبكل أسف وألم- نجد مضافات بعض هؤلاء الذين عششوا وأسسوا في الفيسبوك أوكاراً تبث السموم وإيذاء الآخرين، على مدار الأربع والعشرين ساعة من اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة،


في هذا الزمن الذي يجذب فيه باثٌّ فيسبوكي يعرض قيئه وقيحه وفضلاته آلاف المتابعات، بينما ينحسر جمهور أية جهة إعلامية أو ثقافية معتدلة جادة، وذلك لأن عقلية متابعة - المبارزة وإلى حد ما المباراة المحتدمة- من قبل جمهور عريض، لا تزال قائمة، ومؤثرة، ولدى كل منا الكثيرمن الأمثلة التي تؤكد شساعة دائرة الشتَّامين، الغامزين، الحاضين على العنف، والأذى، مقابل انحسار دائرة من يضع أصبعه على الجرح ويسمي الأشياء كما هي، وإن كان بعض - حكواتيي الفيس بوك- يأخذون عنوانات مثيرة، أو نقاط ارتكاز مثيرة تسجل على هذا الطرف أو ذاك، لبثِّ سمومهم في جسدنا الذي تداعى، بفعل مؤامرات عدة، يساهم أبعاضهم النفخ في أوَّار الفتنة سواء أكان ذلك نتاج عقد ذاتية، أو لإرضاء جمهور معين، أو لدواع انتقامي، لاسيما من قبل من سقط في كل امتحان!
وكثيراً، ما رحت، كما سواي، لأسأل: لم هذه الحملات على هذا الشخص أو ذاك، بما يمسُّ خصوصياته. بيته. كرامته. موتاه، وليس الأفكار التي يقدمها وقد تستحق - الدحض والرفض حقاً- إلا إنه لابد أن نفرق بين الشخص ورأيه، فكانت الردود تردني تترى من قبل من يمارس مثل هذه الطعنات بحق المختلف معهم - ومنهم من يفعل ذلك ببغاوياً بفعل سطوة الإعلام الشعبوي العابر- فأجدني أمام إجابة ممجوجة، لا يعرف لائكوها، وماجوها، إلى حدِّ الغثيان الحدود المطلوبة بين الرأي وصاحبه، أو أخلاقيات الإعلام- ولسان حال أحدهم- لطالما هو صاحب لسان لا محرمات ولا حدود وموانع تلزمه التجنب:
إنه شخصية عامة!
ولعلَّ بعض الذين يسيئون إلى هذه الشخصية العامة أو تلك يمارسون في سلوكهم الداخلي أو العلني عهراً أخلاقياً، مقدمين ذواتهم في إهاب الملائكة والوعاظ والمناضلين، وإن كان مايسوقونه عن هذه الشخصية العامة ملفقاً، كاذباً، من صنع العدو ذاته، بما جعلنا الآن نفقد أية حرمة، أو أية هيبة، أو حتى: مقدس مشروط ببناء وصون الذات كائناً وكياناً، ناهيك عن ضرب آخر من بيننا هاجسُهم التقاط مآخذ هذه الشخصية أو تلك - إن وجدت- وإن كانت كاذبة، افترائية، بعد أن يضخموها تحت مجاهر مخيلاتهم الموبوءة. المريضة، المستعرة غلاً وغيظاً وحقداً وثأرية من المجتمع، بينما يغضون النظر عن آلاف المواقف المشرفة - إن وجدت لدى هذا الشخص أو غيره- وعندما سألني بعض من مستهم تلك التلفيقات:
بم تنصحنا؟
لاسيما من قبل من هم في أوربا أو حتى في الوطن

كنت أجيبهم بلاتردد:
عليكم باللجوء إلى القضاء!
وإن كانت، هكذا دعاوى، للأسف، حتى الآن، ومن خلال متابعاتي، في حكم - اللامنظور فيها إلا في حالات نادرة- إذ إن هناك تهديدات وعنفاً مخترقاً لكل القيم والقوانين وليس للحياء، فحسب، في أماكن ما، إلا إن لها أهميتها الخاصة، وذلك لوضع حد لثقافة الانفلات والكراهية والشتم العاهر لبعضهم علناً بحق آخرين، لقاء توجيهات أو دفع/ دفش، أو دفع مالي أو إيديولوجي، أو محاكاتوي، أو حكواتوي إلخ، زد على ذلك: عدم تضامننا مع بعضنا بعضاً " وأشير هنا بتحد:
لم أسمع يوماً ما باعتداء . أي اعتداء على كاتب أو ناشط أو صاحب رأي أو مواطن بسيط مغمور، إلا وتضامنت مع المعتدى عليهم مهما كلفني الأمر" هذا قبل زمن النت وبعده، إذ إن إعلامنا جد مقصر في تناول هذه الآفة وشرح أبعادها، بل وفضحها، على نحو مدروس، أفقياً وعمودياً، من دون أن يتم تركها كمادة وموضوع فاخر لندوات أو حتى مؤتمرات إعلامية، أو في مجال حقوق الإنسان!
لقد واجهت أكثر من شخص منخرط في مستنقع هكذا إعلام لهذا الغرض أو ذاك - ومن بينهم المغمور والجبان في مواقع مشهودة- إلى حدِّ القطيعة، دفاعاً حتى عمن أختلف معه، فيما إذا تم التجني عليه، وإنه لمن اللزام علينا جميعاً أن نكون في مستوى اليقظة أمام أعظم - فيروس فتاك- في جسد مجتمعنا، بسبب مثل هذا الإعلام، لاسيما وإنه من شأن الإعلام الافتراضي أن يوسع دائرة الخلاف لا الاختلاف - ولما يبلغ بعضنا أو نسبة معروفة منا درجة التفريق بين الاختلاف والخلاف- أجل. إن مايذكي الاختلاف ويحوله إلى خلاف وإلى استعداء وتناحر وتلاغ، وانهيار قيمي هو عدم وجود ضوابط لدى مبحرينا في العالم الافتراضي، إذ حدث معي وقد استخدمت مفردة ما فتنطع أحد الأصدقاء غاضباً، إلا إن غضبه زال بعد أن شرحت له معنى المفردة الملتبسة عليه، وما أكثر مثل هذه المواقف التي تكسبنا أعداء يوميين، نتيجة آرائنا حتى وإن كانت معتدلة، وفي مواجهة مستبد، فحسب!

ثمة ظاهرة لدى بعض منا، وهي ترتكز على قاعدة عدوانية، مريضة، ولا أقول: عدائية، ألا وهي ما إن يبرز أحد منا في مجال ما، فإننا وبدلاً من أن نتباهى به، وأن نسعى للعمل لنضاهيه، أو نبزّه - وهذا مشروع- فإننا نمضي في الاتجاه الآخر، محاولين الحط من قدره، وهذا ما يلجم كثيرات وكثيرين من بيننا، ليفضلوا العيش في الظل، لئلا تنال منهم ألسنة بعض المعتوهين من بيننا، والذين لابدَّ أن تتناول سلوكياتهم دراسات مختصة - عاجلة غير آجلة- في هذا الصدد!؟
وعوداً إلى بعض ما ذكر في المتن، أن هناك من يتخذ موقفاً صائباً من محتل ما، إلا أنه يستثمر مثل هذا الموقف، في إطار - خلط الأوراق- للتعامل مع هذا الرصيد في إيذاء بريء هنا وآخر هناك، مالم يردد ببغاوياً ما يراه في مواقع أخرى، ولو من خلال الاختلاف في ذيول حواش وهوامش ثانوية، أو رئيسية، وإن كان المختلف معهما قد يسبقانه إلى مثل هذا الموقف، ويبزانه، وفي هذا ما ينم عن ثقافة بائسة، لأن من يتخذ موقفاً مضيئاً لايقبل على نفسه أن يقدم على عمل مرذول، وإن كنت مع نقد أية سوءة يرتكبها أي شخص، على أن يكون ذلك النقد في إطار مؤازرته للتخلص مما ارتكبه - إن كان- وليس من أجل إعدامه، كما يحدث في مثل إعلام الديجيتال، المتنصل- على أيدي أنموذج من القاع اليومي- إلى ما من شأنه الإجهاز على مستقبل إنساننا، بعد أن تم ويتم التخطيط، من أجل ألا تقوم لنا قائمة، وليس ما يصدرعن أنقرة/ أردوغان، كامتداد للعقل الأتاتوركي، في صورته المتأسلمة، الأشدّ خطورة، إلا الدليل على مايحاك ضدنا كيلا تقوم لنا قائمة في التاريخ، وليكون قرن الاحتلال المنصرم صورة نتحسرعليها!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن