نظرية المؤامرة

مصعب قاسم عزاوي
drazzawi@fastmail.co.uk

2021 / 5 / 5

حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تتفق مع رؤى «نظرية المؤامرة»، والقول بوجود حكومة وتنظيمات سرية تحكم العالم؟

مصعب قاسم عزاوي: من الناحية المبدئية ولضمان دوام الاتساق المعرفي في تفسير أي ظاهرة اجتماعية لا بد دائماً من الاعتماد على الحقائق المثبتة والموثقة وليس على التخمينات. وفي الواقع ليس هناك معلومات ثابتة وموثقة عن طبيعة وآليات عمل بعض التنظيمات السرية التي يشاع الحديث عنها؛ وبالتالي قد يصعب الخروج بنتائج منطقية مستندة إلى تحليل علمي ومنطقي للحقائق بخصوصها.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك نموذجاً من الاتفاق والميثاق المضمر بين جميع الأشخاص الذين يتصعدون إلى مراكز صنع القرار في المؤسسات والشركات العابرة للقارات، وهي التي تمثل الناظم الفعلي للحراك الاقتصادي والعملية السياسية على المستوى الكوني سواء بشكلها الديموقراطي الشكلي في العالم الغربي، أو بهيئتها الفجة الفظة غير المقنعة كما هو الحال في دول الجنوب المنهوب المفقر. ويقوم ذلك الميثاق على إدراك عميق وتفهم للمبادئ الأساسية التي يجب أن تنظم وتؤسس لكل فعل وقرار يتخذه أولئك الأشخاص، والتي يجب ألا تتضارب قليلاً أو كثيراً مع مصالح تلك الشركات في دوام هيمنتها شبه المطلقة على كل مفاصل الإنتاج والتوزيع ومصادر الثروة وقوة العمل الرخيصة وأسواق التصريف المفتوحة والمصادر الأولية شبه المجانية وغيرها من مقومات ديمومة وجودها كمؤسسات قائمة بالفعل ومتسيدة على المستوى الكوني بشكل عياني مشخص. وذلك يقتضي بشكل عفوي التنسيق بين رموز وصناع القرار في تلك المؤسسات لضمان عدم حدوث احتكاكات سلبية بين أنشطة تلك المؤسسات وتنفيذييها تؤثر على مصالحها سلبياً في المآل الأخير، وبشكل يستند إلى مبدأ الحفاظ على الهيمنة ضمن نسق اتفاق ودي غير مكتوب في غالب الأحايين على تقاسم الأدوار والحصص في الهيمنة الكونية المطلقة.
وذلك النموذج من التنسيق لا يمت بصلة إلى «نظرية المؤامرة» بشيء، فهو ينبع من مبادئ وميثاقات وأهداف استراتيجية وتكتيكية واضحة ومتفق عليها بين ممثلي الفئات المهيمنة كونياً، والتي تحتاج دائماً إلى نموذج من التنسيق الضروري لضمان سلاسة تحقق تلك الأهداف، عبر ضمان عدم إحداث شقوق وصدوع في القبضة الحديدية لهيمنة تلك الفئات يمكن أن تتسرب منها إرادات المقهورين المنهوبين المستضعفين الذين يمثلون الغالبية المطلقة من عموم أبناء البشر ومحاولاتهم الدائبة التي لم تنقطع منذ فجر الحضارة البشرية في سعيهم للانعتاق من هيمنة الأقوياء على حيواتهم، وتحقيق حالة من العدالة الاجتماعية تنسجم مع الميل الفطري الغريزي للإنسان للقبول بمعادلة المعاملة بالمثل (Reciprocity) في علاقاته مع أقرانه الآخرين، حينما يجد فعلياً بأن الشروط الاجتماعية تحقق شكلاً من المساواة في الحقوق الأساسية والمكتسبات بين الأفراد المتشاركين في الجماعة البشرية والمجتمع الذي ينتسب إليه، وهو ما يعني عملياً لتلك الفئات المهيمنة التي قد تمثل أقل من نسبة واحد بالعشرة آلاف من عموم أبناء البشر، بحسب إحصائيات ودراسات منظمة Oxfam الدولية، تآكل حصتها من الثروة والسلطة التي تحصدها جراء استئسادها بالحصة الكبرى من النتاج الاقتصادي الكوني على المستوى العالمي، كناتج فعلي لهيمنتها التي تبذل كل غال ورخيص للحفاظ على ديمومتها.
وذلك كله لا يمثل في الواقع أي «مؤامرة» وإنما جهداً منظماً ومبرمجاً للحفاظ على هيمنة الأغنياء والأقوياء على المفقرين المستضعفين في أرجاء الأرضين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن