مسلسل - طهران - حرب العقول المشتعلة بين إيران وإسرائيل

علي المسعود
alialmasoudi2002@yahoo.co.uk

2021 / 5 / 3

يتصاعد التوتر بين إيران وإسرئيل في السنوات الأخيرة خصوصا على ملف إيران النووي، إذ تسعى إسرائيل جاهدة لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، في حين يتوعد المسؤولون الإيرانيون إسرائيل بتدميرها ، وباغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في مطلع العام الماضي ، أزدادت حدة التوتر بين طهران وتل أبيب ويظهر هذا التوتر الحاد في الخطاب السياسي الإسرائيلي، ووسائل الإعلام العبرية التي لا تكاد تخلو تقاريرها وبرامجها السياسية من تناول “الخطر الإيراني”. في مايو/أيار من العام الماضي، وقع "حادث" داخل منشأة نطنز النووية الواقعة بمحافظة أصفهان (وسط) ، التي تعرف بكونها من أهم المنشآت النووية التي تعتمد عليها البلاد في تخصيب اليورانيوم ضمن برنامجها النووي التي شهدت انقطاعا مفاجئا في التيار الكهربائي . اتهمت وزارة الخارجية الإيرانية رسميا إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم. وفي هذا العام وبالتحديد في الشهر الماضي ، تعرّضت منشأة نطنز النووية في وسط إيران الى خلل في الدائرة الكهربائية لنطنز ، وهو نتيجة عملية إلكترونية إسرائيلية" ، وكانت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قد أعلنت أن منشأة نطنز تعرّضت لانقطاع في التيار الكهربائي سرعان ما وصفه مسؤول إيراني بأنه “تخريب "، ويأتي “الحادث” الذي أوردته أولا وكالة الأنباء الرسمية فارس نقلا عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية، غداة تشغيل عدد من أجهزة الطرد المركزي الجديدة في المجمع النووي في نطنز. أن العديد من أصابع الاتهام كانت توجه في الواقع إلى إسرائيل بأنها مسؤولة عن تفجيرات أو حرائق وقعت في منشآت إيرانية نووية، وهو أمر لم تؤكده إسرائيل أو تنفه. انتقل هذا التوتر الى المسلسلات التلفزيونية ، كما أن حرب المسلسلات بدأت تستعر أكثر ممّا كان سائدا في السنوات الماضية، بعد أن اكتشفت العديد من الأنظمة أن سلاح الحرب من خلال المادة الدرامية التي تمتلك تأثيرها في نشر أفكارها . مسلسل (طهران) الذي بث في العام احد هذا النماذج ، مقدما للجمهور قصة عميلة استخبارات إسرائيلية وهي خبيرة في أنظمة الكمبيوتر ، تذهب إلى إيران في مهمة لاختراق مفاعل نووي ، المسلسل عرض على منصة "آبل تي في" ومن إنتاج شبكة التلفزيون الإسرائيلي العامة . صناع "مسلسل طهران" أرادو أن يثبتوا للعالم قدرة إسرائيل في التعامل مع الدول الأخرى، من ناحية أخرى يبين أيضاً قوة إيران الإستخباراتية التي تمكنت من كشف العميلة لدى وصولها مطار طهران. مسلسل طهران ليس أول دراما تلفزيونية تحاول إسرائيل توجيه رسائل فيها حول عمل وكالات الاستخبارات الإسرائيلية في دول المنطقة . ورأت صحف في إيران أن المسلسل الإسرائيلي هذا “دعاية صهيونية ." حيث حملت صحيفة "كيهان" في إيران على المسلسل وأعتبرته " محاولة خائبة من قبل إسرائي في تقديم نظام التجسس الصهيوني على أنه قوي جدا بحيث يجول الجواسيس الإسرائيليون بحرية في إيران". ويأخذ المشاهد الإسرائيلي إلى عاصمة "ألد الأعداء"، ويقدم لمحة عن هذه الحرب التي يقودها الموساد ضد الجهاز الاستخباراتي في الحرس الثوري الإيراني . يتألف مسلسل "طهران" من ثماني حلقات، من إنتاج شبكة التلفزيون الإسرائيلية العامة "كان ". كتبَ المسلسل "موشيه زوندر"، مسلسل "طهران"، ليس عملاً درامياً يبتعد عن واقع حرب العقول المشتعلة بين إيران و"إسرائيل". فهو يأتي في سياق الحرب ألامنية و المعلوماتية ، فقبل أشهر تعرضت شبكة ميناء بندر عباس الإيراني لمحاولة اختراق إسرائيلية ولحقتها محاولة إيرانية لاختراق شبكة المياه الإسرائيلية. وجاء مسلسل "طهران" . تقوم الحبكة الدرامية في المسلسل على الإثارة والتشويق منذ الحلقة الأولى . يحكي المسلسل الإسرائيلي "طهران" قصة تامار رابينان وهي عميلة شابة في الموساد الإسرائيلي وهي أفضل قراصنة الحواسيب "الهاكر"، وترسل في مهمة سرية وحساسة في إيران ويسند إليها مهمة اختراق وتعطيل مفاعل نووي إيراني حتى يتمكن الجيش الإسرائيلي من شن غارة جوية، لكن عندما تسير المهمة بشكل خاطئ تصبح العميلة مطاردة . المسلسل تضمن مفاصل هامة تتعلق بتشابك رومانسي في بعض الأحيان حين تقع العميلة في حب شاب إيراني معارض ، ولعبة القط والفار بين أجهزة المخابرات الايرانية والموساد في أحيان أخرى، وكل هذا تحت القصة الأساسية المتعلقة بمفاعل طاقة نووي إيراني . ويرسل الموساد عمليته تمار عبر الخطوط الجوية الأردنية في رحلة تقلع من عمان إلى الهند ، ولكن بسبب عطل مدبر في الطائرة تهبط هبوطاً اضطرارياً في طهران .أفتتاحية الفيلم من مطار عالية في عمان ، ونرى امرأة ترتدي البرقع تستقل طائرة من عمان إلى نيودلهي وبرفقة زوجها وهما في حالة من القلق والعصبية ، والتوتر بادي عليهما . يتصاعد توترهما عندما يصعدا الإسرائيليان الشابان يوني (ياكير شكرون) وأخته شيرا (توتي نينيو) على متن الطائرة في اللحظة الأخيرة ، كان بإمكانهما أخذ طائرة شركة "العال" الاسرائيلية لكنهما فضلا شركة الطيران الأردنية لان قيمة التذكرة كانت نصف الثمن ، تتعرض الطائرة إلى خلل فني مدبر كي تهبط في إيران . يبدأ يوني بالتوتر حيث لا يُسمح للمواطنين الإسرائيليين بالتواجد هناك. يحاول حث المضيفة على تنبيه القبطان على الخطورة على حياتهم ، ولكن دون جدوى ، يرفضان الشاب والشابة الاسرائيليان النزول ، وبعد جدل يُجبر المجندة والمجند على النزول في إيران وتحضر قوة من الأمن وتعتقلهما، عندما تهبط الطائرة في العاصمة الإيرانية ، رجال أمن المطار الإيراني يأخذون الاسرائيلين( اليوني وشيرأ ) جانبا للاستجواب. تشعر شيرا بالخوف الشديد لدرجة أنها تتقيأ ، وينتهي بها الأمر بالدخول إلى الحمام ، وفي نفس الوقت الذي يتم يتم تبديل العميلة الإسرائيلية"تمار" بمواطنة إيرانية تعمل في شركة الكهرباء (جيلا ) في حمامات المطار ، تدخل المرأة التي ترتدي البرقع إلى الحمام لغرض تبديل الملابس. وتجد امرأة أخرى متشابهة المظهر هناك وترتدي زي مضيفة طيران، إتضح أن المرأة التي دخلت الحمام هي تمار رابينيان (نيف سلطان) ، عميلة الموساد التي تتخفى في زي مضيفة الطيران إيرانية ، ويصادف وجود الشابة الاسرائيلية (شير) التي كانت مجندة في الجيش الاسرائيلي والتي تفاجئ بوجود العملية تمار بزي مضيفة للخطوط الجوية الايرانية ، عند خروج العميلة تمار تتعرف عليها شيرا التي عملت في القاعدة العسكرية التي خدم فيها كلاهما.. وفيها تتحدث المجندة الى أخيها عن لقائها بفتاة إسرائيلية خلال تواجدها بالحمام، وأنها كانت في فرقتها بالجيش ، ونتيجة مراقبة الغرفة يبدأ تحقيق سريع معها يتخلله ضرب وتهديد يتم من خلاله الكشف عن وصول العميلة (تمار) منذ اللحظات الأولى، ويبدأ السعي الإيراني من أجل الوصول إليها، لكنه محدود وغير سريع ومرتبك لعدم وجود معلومة واضحة ورسمية في بداية الأمر. يتم تنبيه المسؤول الأمني فراز كمالي (شون توب) إلى الوجود الإسرائيلي والذي صادف وجوده في المطار مع زوجته وهما في طريقهما إلى باريس لتلقي العلاج الطبي للزوجة المصابة بالسرطان. ولكن بما أنه موجود هناك بالفعل ، فقد تم إطلاعه على نتائج التحقيق مع المسافرين الاسرائيلين . يرى كمالي ما إذا كان بإمكانه إيقاف الرحلة ، لكن رئيسه قرر السماح للإسرائيليين بالعودة والسماح للرحلة بالاستمرار . يقرر المسؤول الامني(فراز كمالي) عدم السفر واللحاق بزوجته في اليوم التالي ، لمعرفة ما يمكن أن يحدث مع عميل الموساد . العميلة تمار تذهب إلى شقة جيلا وتلتقي بزوجها مسعود (نافيد نقبان) . تحاول (تمار) منذ بداية وجودها إتمام المهمة . تعمل جيلا في دائرة الكهرباء الحكومية ويفترض لديها رموز لتعطيل الأسلحة المضادة للطائرات في محطة نووية . وتذهب إلى مكتب ( جيلا ) وفي وقت متأخر من الليل ، متخفية وأنفها تحت الضمادات كما لو كانت قد أجرت للتو عملية تجميل للأنف . تصادف أحدي زميلات جيلا في العمل وتحاول تجنبها . تشق طريقها إلى غرفة الخادم ، وتوصل جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها ولكن بمجرد إغلاقها للصواريخ المضادة للطائرات ، فتعمل على تعطيل نظام الكهرباء بصفتها موظفة وتمتلك القدرة على الوصول إلى الشركة وأنظمتها، ولكن يجدها رئيسها ومديرها المباشر ليتحرش بها ومن ثم محاولاً اغتصابها على افتراض أنَّها (جيلا)، تصده العميلة" تمار" وتدفعه ، ويرتطم راسة بالارض ويلقي حتفه في الحال ، رغم وجود متعاون إيراني ( صاحب شركة سياحة وسفر) الذي يحاول مساعدتها، ولكن قتل المدير يُكتشف مباشرةً وتخضع للتحقيق وتعتقل على افتراض أنَّها (جيلا)، قبل أن تتمكن من الهرب . ويدخل المسلسل في ذروته، فتزداد عملية المطاردة لها ، تُثار الشكوك حول تمار لتتعرض للملاحقة من قبل “كمالي” المسؤول الأمني في الحرس الثوري ، فتلجأ إلى خالتها التي اعتنقت الإسلام لتبدأ باكتشاف جذورها الإيرانية ، وتأكيداً على امتداد اليهود في إيران تتذكر خالتها التي بقيت هناك وتبحث عنها وتقيم عندها ليوم. وتصبح الخطوات متقاربة وخلال تلك الفترة تتعاون (تمار) مع إيراني معارض للنظام (ميلاد) كانت قد تعرفت عليه من خلال تجمعات إلكترونية للعاملين والناشطين في هذاالمجال ، ويساعدها في الاختباء ومن ثم يدخلان في علاقة عاطفية، ومع إصرار (تمار) على العملية ومحاولة تنفيذها تصل إليها عميلة أخرى من الموساد وصديقتها (ياعيل كادوش) التي هي من أصول إيرانية - هي كذلك في الحقيقة أيضاً- وتكون على علاقة بأحد رجال الاستخبارات الإيرانيين خلال مهمة سابقة لها – ويبدو أنها امتدت لتصبح علاقة عاطفية-، والذي تظنه متعاوناً لكنه في الواقع عميل مزدوج، ويوقع بها بمعلومات مضللة، مما يؤدي إلى فشل العملية ومقتلها وهروب (تمار) مع حبيبها المعارض الإيراني (ميلاد) ، وينتهي المسلسل بنهاية مفتوحة دون نجاح المهمة. ليُرجح إصدار مواسم أخرى من المسلسل .
سعى مسلسل “طهران” إلى الفصل بين إيران الدولة وإيران الشعب، وتقديمه جانبين منفصلين عن بعضهما البعض. فإيران الدولة مليئة بصور المرشد الأعلى آية الله خامئني والخميني لتكريس صورة هيمنة النظام وسيطرته ودكتاتوريته، ولتنبيه المشاهد بأن كل أسباب عداء "إسرائيل" لإيران إنما تعود للنظام القائم. وتُصوَّر إيران على أنها دولة مهووسة أمنياً، تنتشر في شوارعها كاميرات المراقبة وتقوم الجهات الأمنية بتتبع المعارضين، ما يجعل من القيام بأي تظاهرة دون تعطيل الكاميرات أمراً مستحيلاً ومن خلال الكاميرات يمكن الكشف عن المتعاون الذي ساعد (تمار) في إخفاء جثة المدير الذي حاول اغتصابها . كما يظهر في الشارع مشهد لإعدام أحد الإيرانيين، وعندما تسأل (تمار) عن التهمة ، يرد سائق التاكسي بأنه اختلس أموالاً من بيع النفط . في حبكة مقصودة من الكاتب لإظهارالأوضاع الاقتصادية ونتائجها على الناس وما يحصل معهم بسببها، وكيف تتسبب الحكومة في الأزمة ومن ثم تعاقب الناس. وهذا ما عاد وظهر في مشهد محاولة خروج (تمار وميلاد) وأصدقاء آخرين إلى حفلة فيها اختلاط وكحول ومخدرات خارج طهران، ودفعهم الرشوة لأحد عناصر الأمن من أجل المرور بعد حركة غير لائقة من قامت بها العميلة (تمار) للعسكري في نقطة التفتيش، فتظهر طهران كمكان غير قابل للعيش، ورغبة في الحصول على حفلة تعني أنَّ عليهم قطع مسافة طويلة والذهاب خارج طهران. من خلال المسلسل التلفزيوني “طهران”، فتحت إسرائيل لأول مرة نافذة على المجتمع الإيراني . لكن لا يمكن لمسلسل يتم سرده من منظور عميلة للموساد إلا أن يعطي صورة مشوهة عن هذا البلد. أما إيران الشعب، فقد قدم المسلسل المجتمع الإيراني بصورة نمطية زائفة. فلم يغفل المسلسل لفت المشاهد إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب الإيراني. برز ذلك من خلال سائق للتاكسي يشكو صعوبة الأوضاع الاقتصادية بسبب تحويل كل الأموال إلى المشروع النووي الإيراني، دون الإشارة بتاتاً إلى العقوبات المفروضة على إيران. وبالرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية فإن زوجة “كمالي”، المسؤول الأمني في الحرس الثوري، قادرة على اقتناء المجوهرات وتلقي العلاج في باريس، في إشارة إلى أن الأوضاع الاقتصادية السيئة لا تطال مسؤولي الحرس الثوري . كمايسلط المسلسل الضوء على حياة الشباب المناهضين للنظام الإيراني، فهم محبون للحياة ويرفضون القاعدة الدينية المحافظة ويميلون للثقافة الغربية. يقود الشباب مظاهرات مناهضة للنظام ورافضة للحجاب، ويلبسون “الجينز”، ويقيمون حفلات جاز ورقص صاخبة يتخللها شرب الكحول وتعاطي المخدرات وعلاقات مثلية. أما الأشخاص الموالون للنظام فيَظهرون قساة ويلبسون اللون الأسود ، ويعملون عادة لدى السلطات الإيرانية . ولم ينسَى المسلسل المرأة الإيرانية وتصورها فاقدة لأي دور في المجتمع الإيراني، فلا تتقلد المناصب العليا في الدولة فضلاً عن أنها عرضة للتحرش والاغتصاب في أماكن العمل . في حين المرأة الإسرائيلية تظهر على أنها أكثر ذكاءً وشجاعة وكفاءة، وهي جزء من إدارة حرب العقول ضد العدو . تركز الدراما الإسرائيلية في تقديم عملاء الموساد بصورة مثيرة للإعجاب لدى المشاهد . فتمار امرأة ذكية متميزة تجيد البرمجة واختراق الحواسيب ويغلب عليها النزعة الإنسانية .إلا أن المسلسل لم يهمل كفاءة الجهاز الأمني الإيراني وقدراته في كشف الاختراقات وامتلاكه قاعدة معلوماتية قوية تقوده للمشتبه بهم . تم تجنيد موارد ضخمة في هذا الإنتاج: تحويل شوارع أثينا لكي تشبه طهران، ممثلون تعلموا الحديث بلغة فارسية ممتازة، أزياء وديكور يمتازان بالواقعية . وإذا كان الهدف من الاستعراض هو الترفيه فقد حقق المسلسل هدفه. لكن كنا نأمل أن يساعد هذا البذخ في توفير فهم أفضل للواقع الإيراني . ويشارك في العمل أيضا الممثلان المولودان في إيران، نويد نغبان، وشون توب . يُبهر مسلسل “طهران” المشاهد بالأجواء الإيرانية؛ فالشوارع، اللباس، الوجوه، واللغة الفارسية المستخدمة أكثر من العبرية، نجحت في اختراق الثقافة الإيرانية. “نتحدث بالفارسي أكثر من العبرية في مسلسل طهران لذا يروق لي أن أصف المسلسل على أنه إسرائيلي-إيراني”، هذا ما قاله كاتب المسلسل موشيه زوندر الذي اعتبر المسلسل أنه “إنتاج ثقافي مشترك . حقق مسلسل “طهران” نجاحاً مدوياً، ولكنه لم يسلم من الانتقادات، فكتب بيري كنوري في جريدة “هآرتس” العبرية مقالاً حول المسلسل وصفه بأنه “خادع وزائف ولا يستحق كل هذه الضجة”. ويرى كنوري أن “مسلس طهران خلق توقعات كبيرة حتى قبل بثه بدقيقة واحدة، وعززت أول حلقتين هذا الحماس ، ولكن منذ الحلقة الثالثة بدأت تظهر نقاط الضعف والعيوب في العمل”. واعتبر كنوري أن المسلسل مبتذل ومتمحور حول التفوق العرقي فكتب، “حبكة طهران ممتعة لكنها مليئة بالصور النمطية، وتحفظ التفوق الإسرائيلي البطل على الهمجي الإيراني الأجنبي " في الحقيقة المسلسل قدم إعلان ضخم جداً لإسرائيل أنها قادرة على الحركة في أي مكان ، إن الموالين إليها في كل مكان بالعالم، وبين أيضاً مدى حقد إيران على إسرائيل وأنها العدوة اللدوده . قالت دانا إيدن، إحدى القائمين على إنتاج المسلسل:"على الرغم من أنه مسلسل ترفيهي للغاية إلا أنه يحمل فكرة، فرأينا أنه من المثير الاهتمام للغاية محاولة الوصول إلى طهران، إلى إيران، وهو المكان الذي لا نعرفه حقًا، ونريد حقًا معرفة المزيد عنه". قالت الممثلة الإسرائيلية من أصل إيراني "إستي يروشالمي، التي تلعب دورعمة العميلة رابينيان الإيرانية أريزو: "تذكرني شخصيتي بأمي، خالتي، جدتي، كانوامن يهود إيران، لقد أخذت كل منهم ووضعته في شخصيتي في العمل . ومما يذكر أن "يروشالمي" هربت مع عائلتها من إيران بعد الثورة الإيرانية عام 1979 عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وقالت إن التمثيل بلغتها الأم الفارسية كان تجربة عاطفية أثارت أعادتها إلى ذكرياتها في إيران، وأضافت: "كانت ذكريات مؤثرة للغاية بالنسبة لي وكانت مؤلمة للغاية. افتقد ايران وأفتقد كل الجمال وكل الناس، إنها دولة رائعة، ولكني أعتقد الآن أنهم يعانون". المسلسل من بطولة الممثلة الإسرائيلية الشابة نيف سلطان و الممثل الشهير الامريكي-الايراني شاون طوب والنجم العالمي نافيد نيغبان . صُوّر المسلسل في مدينة أثينا اليونانية التي تحاكي طبيعتها مدينة طهران، وساهم أكاديميين ومتخصصين في الشأن الإيراني وعاملون في استخبارات الجيش الإسرائيلي متخصصين في الملف الإيراني، لرسم صورة أكثر دقة عن إيران. وخضعت بطلة المسلسل نيف سلطان وهي من أصول مغربية ، لدراسة مكثفة للغة الفارسية لمدة أربعة شهور. كما شارك في المسلسل ممثلان مولودان في إيران هما نويد نغبان وشون توب. واللافت مشاركة الممثل الإيراني “شيرفين العنابي”، وهو مقيم في لندن منذ عام 2007. ونجم فيلم "بغداد في خيالي " ، يلعب العنابي في المسلسل دور ميلاد، الشاب العلماني والهاكر والمعارض للنظام. ونشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية مقابلة أجرتها مع العنابي، وسألته ما إذا كان المسلسل يقدم صورة إيجابية عن إيران، فأجاب أن “إيران بلد غامض للغاية وبالنسبة للإسرائيليين، والأمر نفسه ينطبق على العكس، وكأن سحابة من الغموض تفصل بين البلدين وتعمل كلا الاتجاهين . نحن أصدقاء ولسنا أعداء" . لا تتوقف محاولات إسرائيل لإثبات قوة أجهزتها الاستخباراتية فى مواجهة ما تراه من تهديدات لوجودها، ولا تنتهى مساعيها لرسم صورة التفوق الاستخباراتى فى الدراما، وأحدث مثال على ذلك هو مسلسل "طهران" . صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية سلطت الضوء على هذا المسلسل، وكيف أن الموساد سعى للترويج لقدراته عبر الشاشات التلفزيونية والسينمائية، وقالت أن الحلقات هى الأحدث فيما أصبح أكبر تصدير ثقافى تقوم به الدول العبرية ممثلا فى أفلام ومسلسلات التجسس التى تتحدث عن سحر وقوة مخابراتها ، وضربت الصحيفة أمثلة على الأعمال الفنية الإسرائيلية التى لاقت رواجا منها فيلم " منتجع الغوص بالبحر الأحمر، عن قيام الموساد بعملية إجلاء ليهود إثيوبيين خلال الحرب الأهلية عام 1984. وقالت "حتى أن الممثل الإسرائيلى الكوميدى" ساشا بارون كوهين" تخلى عن الكوميديا للعب دور (إيلى كوهين) الجاسوس الإسرائيلى المزدوج فى سوريا والذى تم إعدامه فى دمشق فى ميدان عام ، من خلال المسلسل التلفزيوني “طهران”، فتحت إسرائيل لأول مرة نافذة على المجتمع الإيراني ، لكن لا يمكن لمسلسل يتم سرده من منظور عميلة للموساد إلا أن يعطي صورة مشوهة عن هذا البلد. والأدهى من ذلك، فهو يهمل تماما الطائفة اليهودية الإيرانية وتاريخها العريق . يتم شخصنة الصراع في عدة مشاهد ، مثلا تقوم إسرائيل باختطاف زوجة الضابط في الاستخبارات الإيرانية (كمالي)، ويقوم هو بالرد في استدراج والد العميلة (تمار) إلى تركيا وخطفه. وكذالك تظهرالعملية فروقات بين الإسرائيلي والإيراني، فالخطف عند إسرائيل هو للضغط، فيتم تحويل زوجة (كمالي) للمستشفى ويستكمل علاجها ويسمح لها بالحديث معه. أما (كمالي) فيقيد والد (تمار) طوال الوقت ويرسل صوراً له وهو مقيد والمسدس قرب رأسه ويهدد بقتله. لكن الموساد يرسل فرقة لتحريره، وينجح (كمالي) في الهرب ويتم إعادة والد (تمار). هذه العملية تعطي نقطةً في المسلسل لتحويل الصراع بين شخصيتين أيضاً، فيعود (كمالي) لإيران ويكتشف مكان اختباء عملاء الموساد ويهاجم المنزل ويقتل الكل بمن فيهم (ياعيل) قبل أنَّ تصيبه (تمار) برصاصة دون قتله لأنه يخبرها عن مصير والدها وأنَّه بخير، فتترك المكان مع (ميلاد ). يتم عرض المتعاونين الإيرانيين بصفتهم غاضبين على النظام ويعملون على الانتقام منه وإسقاطه، وتتقاطع مصالحهم مع الإسرائيليين، فـ(ميلاد) يعرض على (تمار) إطفاء أنوار طهران انتقاماً من النظام، ويساعدها في الوصول إلى شركة الكهرباء، بينما هي هدفها من هذا التعطيل هو إبطال المضادات الأرضية. و(جيلا) لا تريد العمالة لإسرائيل لكنها توافق على استبدال شخصيتها بـ(تمار) هرباً من الواقع السيء ومديرها المتحرش والمعروف بذلك لكن لا سبيل لمواجهته. وكما يقول أحد المتعاونين الآخرين خلال المسلسل: "لا أتعاون مع الإسرائيليين بسبب حبهم أو المال، هذا فقط لأجلنا، رجال الدين هؤلاء دمروا أجمل بلد في العالم"، أي أن الأمر يظهر كتقاطع مصالح فقط، وأنَّ المواجهة لعدو مشترك يترك أثراً في طرفين. وكأن الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، كما يحلو لإسرائيل تسمية نفسها، لها دور تنويري وتساهم ولو بشكلٍ غير مباشر في إضعاف أنظمة قمعية في المنطقة، وهو ما يتلاقى مع رغبة المعارضين في المسلسل . تظهر (تمار)، كما وصفها الكاتب زوندر، عميلةً لديها كفاءة ولكنها عديمة الخبرة، تعود إلى بلدها الأصلي، لتنفيذ مهمة استخبارية معقدة، كان من المفترض أنَّ تنتهي خلال 24 ساعة، ولكنها تستمر لأيام، وخلال ذلك تبدأ رحلة البحث، فهي تقابل خالتها المنقطعة عنها منذ سنوات، كما أنَّها تحب شخصاً من هناك. تظهر (تمار) صاحبة القدرة العالية كشخص مُصّر على إتمام العملية رغم انكشافها، ورغم المخاطر التي تحيط بها، وحتى طلب قيادتها عودتها إلى إسرائيل، وتوفيرهم طريقاً من أجل ذلك، لكنها تبقى مُصرة على الهدف، وهو نمط من عرض البطولة المنتشر في الإنتاجات الدرامية الحديثة، بحيث تكون بطولة فردية ومتمردة . كما تعرض (تمار) بشخصية إنسانية، فهي تتأثر بإعدام إيراني في ساحة عامة وتتضامن مع المعارضين الإيرانيين وتساعدهم، وتترك خالتها كي لا تورطها مع نظام أمني لا يتعامل إلاّ بالشكوك، فخالتها تعتقل مباشرةً من دون التحقيق معها، كما أنَّها ترفض التعاون مع أحد عملاء الموساد في إيران لكونه قتل زوج (جيلا)، وترفض قتل عدة أشخاص خلال محاولة حمايتها، ولكنها تبتز عاملاً في شركة الكهرباء صورته وهو يتعاطى المخدرات كي يدخلها إلى الشركة مما أدى لاعتقاله . كتب المسلسل موشيه زوندر - وهو أحد كتاب الموسم الأول من مسلسل "فوضى"- بالشراكة مع عومري شنهار، وأخرجه وأنتجه مارو كوهين ودانا إيدن. وقد قاموا بإجراء عدة مقابلات مع أكاديميين ومتخصصين في الشأن الإيراني وعاملين في الموساد والأمن والشبكات الإلكترونية الحاسوبية لرسم صورة أكثر دقة عن إيران. يقول زوندر إنَّه كانت هناك محاولة لمواجهة الصورة السلبية لإيران كدولة هدفها الوحيد تحطيم إسرائيل ورؤيتها بشكل أوسع. يظهر المسلسل العجز الإسرائيلي أمام المشروع النووي الإيراني، ومع ذلك لا تختفي فيه المحاولة والبطولة مع إظهار الرغبة في خلق إيران مهادنة وإبراز المعارضة الإيرانية وكأنها هي السبيل لنجاتها ، بطلة المسلسل الرئيسة نيف سطان، والمخرج داني سركين قدما إلى التمثيل من عالم الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، وكلاهما عمل سابقًا في وحدة النخبة . وكشف سركين في لقاء مع صحيفة "مكور ريشون" العبرية أنه استعان برفاق يتقنون اللغة الفارسة من استخبارات الجيش عملوا في وحدات سرية متخصصة بالملف الإيراني. واعتبر أنّ حبكة المسلسل وتفاصيل الأحداث المثيرة التي يشارك في تمثليها عشرات الممثلين الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج، لا تبتعد كثيرًا عن واقع الحرب السرية بين الطرفين .
في الختام :
مسلسل طهران يبين للعالم قدرة إسرائيل من التعامل من الدول الأخرى، من ناحية أخرى يبين أيضاً قوة إيران الإستخباراتية التي تمكنت من كشف العميلة لدى وصولها مطار طهران . وهذا العمل الدرامي قد يجعل المشاهد يجري مقاربة لما يحدث ما بين الواقع والخيال ، وخاصة الحادثة الاخيرة التي حدث فيها اختراق منظومة تغذية الطاقة الكهربائية للمفاعل النووي الايراني . مسلسل "طهران"، ليس عملاً درامياً يبتعد عن واقع حرب العقول المشتعلة بين إيران و"إسرائيل". ليقدم لمحة عن هذه الحرب التي يقودها الموساد ضد الجهاز الاستخباراتي في الحرس الثوري الإيراني .

المملكة المتحدة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن