الصيام الإسلامي والعلم!

توما حميد
tomahamid69@yahoo.com

2021 / 4 / 20

إذا دعا أمرؤ ما، بانه يجب الالتزام بالصيام الإسلامي لان الإسلام كدين يوصي به، فهذا امر يدخل ضمن عالم الغيبيات، ولا يحتاج الى اثباتات وبراهين، والجدال مع صاحب مثل هذه الدعوة يكون من منطلق معين. ولكن ان يدعي أحدا بان الصيام الإسلامي مفيد للصحة، فهذا الادعاء يخرج عن عالم الغيبيات، بل يصبح مسالة متعلقة بالعلم. فعندما يتحدث الاسلاميون عن الصيام الاسلامي وفوائده للجسم فهم لا يتحدثون عن مسالة روحية، او تجربة شخصية، بل يتحدثون ضمن حدود علوم مثل علم الفسلجة وعلم الامراض، وانه لأمر معروف أن اي ادعاء في ميدان علمي، يحتاج الى دلائل واثباتات والى دراسات عميقة، وعلى صاحب الادعاء اثبات ادعاءاته بشكل أساسي، قبل ان يكون على الاخرين دحض تلك الادعاءات. تعج مئات الإذاعات وقنوات التلفزيون " بالخبراء والعلماء" يتحدثون سنويا عن فوائد الصيام الإسلامي دون ان نجد شخصا واحدا ينتقد أي جانب من جوانب هذا الطقس الديني.

في كل ميادين العلم، من حق أي شخص طرح فرضية مستندة على قوانين ومعرفة علمية، ولكن كي تتحول هذه الفرضية الى حقيقة علمية، يتوجب على صاحب الادعاء تقديم براهين على صحتها، والا فأنها تبقى فرضية عابرة، وأحيانا تصبح الفرضيات الخاطئة في مجال الطب والمتعلقة بصحة الانسان خطرا كبيرا على حياة الناس وخاصة عندما يقف وراءها شخيصات معروفة ولها مكانة في المجتمع. لقد وجدنا هذا الامر بوضوح مع وباء كوفيد- 19. لقد وجدنا للأسف بان المشككين بخطورة الفيروس، والمروجين لنظريات المؤامرة وفرضيات الوقاية والعلاجات الزائفة كانوا اول من بدأ بعد موتاهم.
ان خطر ادعاءات فائدة الصيام الإسلامي لصحة الانسان لا تقل خطورة عن الإشاعات والمعلومات الكاذبة التي روجت بشأن كوفيد -19، ولكن الفارق ان هذا الخطر هو ليس واضحا او لم يسلط عليه الضوء لحد الان.
بالطبع، ان أحد اسباب عدم كشف هذا الخطر وفضح الذين يقفون ورائه من رجال دين ومن "العلماء والمختصين" المزيفين هو القمع. اذ ليس لا يقوم الإسلاميون بدراسات او تقديم ادلة على ادعاءاتهم فحسب، بل ليس بإمكان أحد القيام باي دراسة تدحض تلك الادعاءات في الدول التي يهمها هذا الامر. اذ لا اعتقد بإمكان اي طبيب يعمل في قسم الطوارئ في بلد مثل السعودية حتى بجمع البيانات حول المرضى الذين يحضرون المستشفى في شهر رمضان ومقارنتها بالأشهر الأخرى، فكيف الحال بدراسات علمية أكثر جدية. ان اي محاولة من هذا القبيل قد تعني حتى الإعدام. ولكن سبب أساسي لعدم كشف هذا الخطر هو ضعف الحركة الشيوعية والتقدمية في المنطقة. بإمكان اي طالب يقرأ المبادئ الأساسية لعلم الفسلجة وعلم الامراض الذي يدرس في بداية دراسة الطب ان يبين بوضوح وببساطة مدى تناقض نمط الصيام الإسلامي مع عمل جسم الانسان وكيف انه ضد الصحة وضد العلم المثبت بشكل قطعي. كما بإمكان، أي طبيب عمل في قسم الطوارئ في أي مستشفى في أي بلد "إسلامي" كشف تفاهة الادعاءات حول الفوائد الصحية للصيام الاسلامي لحد الان، ولكن لم يظهر أربعة اشخاص في كل العالم المسمى بالعالم الإسلامي ليوضح بشكل علمي تفاهة ادعاءات الاسلامين مثل ما قامت به نوال السعداوي فيما يتعلق بمسالة المرأة مثلا.
لقد روج الإسلاميون و"علمائهم" لقعود بان الصيام الإسلامي فعال جدا في علاج قرحة والتهاب المعدة والاثنى عشري مثلا، الذي كان مرضا شائعا جدا وقدموا فرضيات مسهبة في هذا الخصوص الى ان تمكن الطبيبان الاستراليان، باري مارشل وروبن وارين اللذان فازا بجائزة نوبل في الفسلجة والطب لسنة 2005 من اثبات ان بكتريا سميت ب " هيليكوباكتر بايلوري" هي التي تسبب في هذا المرض وتبين بانه بإمكان علاج المرض من خلال المضادات الحيوية، فاصبح المرض الان نادرا، وذهبت كل الادعاءات "العلمية" للإسلاميين مهب الريح، ومع هذا لم يقم أي إسلامي بالاعتذار عن كل الشعوذة التي نشروها في هذا المجال.

يجب التأكيد بان المعرفة المتعلقة بالصيام وفائدته لجسم الانسان في تغير وتطور مستمر وسريع نوعا ما، وما نعتقد بانه صحيح الان قد يتبين عدم صحته بعد عدة سنوات وعلى أصحاب حميات الصيام التأقلم مع الحقائق العلمية التي تثبت مع الوقت، وهنا تكمن أهمية العلم، في حين ان الصيام الديني أوصى به قبل قرون وعلى "العلماء" تسخير العلم للبرهنة على أهميته وتطابقه مع طبيعة جسم الانسان.
لست ضد الصيام كوسيلة لبعض المرضى لفقدان الوزن ومعالجة امراض مزمنة مثل الضغط والسكري. فهناك ادعاءات بعضها مدعومة الى حد ما بأدلة على ان الصيام بشكل صحيح قد يساعد على فقدان الوزن وكبح الرغبة الشديدة في الاكل وخفض ضغط الدم وتحسن مستوى السكر والكوليسترول في الدم وتقليل الالتهابات وتحسن المزاج والقدرات العقلية وصفاء الذهن ومعدل الطاقة عند الشخص والى تحسن في عمل جهاز المناعة. ولكن يجب ان نؤكد بانه لحد الان لا يوجد أي دراسات طويلة المدى تؤكد فوائد الصيام باي شكل من الاشكال كان. بل ان الدراسة طويلة الأمد المشهورة التي سميت "الخاسر الأكبر" والتي نشرت في 2016 بينت عدم فعالية الصيام المتقطع في فقدان الوزن مثلا. الكثير من الأبحاث في هذا المجال يتم اجراؤها على الحيوانات، فمن الصعب تطبيق النتائج على البشر الذين لهم حرية التفكير والخيار وعليهم التعامل مع مشاكل نمط الحياة من ضغوط العمل والمشاغل اليومية الهائلة والاكل العاطفي والرغبة الجامحة في الاكل. واغلب الدراسات التي تمت لحد الان تمت على اشخاص يعانون من السمنة وصغار العمر ولا نعرف إذا كانت هذه النتائج تنطبق على الجميع. ومع كل هذا، ورغم انه ليست لدينا ادلة كافية لحد الان فيما يتعلق بكثير من الأمور المتعلقة بالصيام، الا انه ليس بإمكاننا نفي ان يكون لأنماط من الصايم فوائد للإنسان.
ولكن المعروف بشكل قطعي هو ان الصيام الإسلامي غير صحي واعتبر الادعاءات المتعلقة بفوائده غير صحيحة، بل نوع من الشعوذة.
بعض الأدلة الأساسية على تضاد الصيام الإسلامي مع صحة الانسان.
1- ليس هناك أي شك علمي بان للإنسان ساعة بيولوجية. لقد تكون جسم الانسان عبر مئات الالاف من السنين وتكيف التمثل الغذائي للإنسان، على أساس النوم والامتناع عن الاكل في الليل واليقظة والفعالية والاكل في النهار. لقد تطور الانسان لكي يتناغم مع دورة النهار/ الليل، أي ايقاع الساعة البيولوجية، لذا يصعب على الغالبية العظمى من البشر من التأقلم مع نوبات العمل الليلية حتى بعد عقود، لهذا تسن الكثير من الدول قوانين تكافئ العمل اثناء الليل أكثر من العمل اثناء النهار لأنه يتضمن مخاطر جدية وغير قابلة للإنكار لجسم الانسان مثل السمنة ومرض السكري والكأبة والامراض القلبية الخ. ويطالب الكثير من الاشتراكيين والتقدميين بمنع العمل الليلي الا في حالات استثنائية مثل التمريض والطب لأسباب صحية..

في الوضع الطبيعي، معظم الأشخاص لا يتناولون أي طعام لمدة 8-12 ساعة بين العشاء والوجبة الصباحية. يجب ان يتزامن الصيام قدر الإمكان مع الوقت الطبيعي للامتناع عن الاكل، أي مع الليل. يجب ان يركز أي حمية صيام بغض النظر عن قناعاتنا حول فوائد الصيام على تمديد هذه الفترة أي الفترة الطبيعية للصيام. فبدلا من الصيام من العاشرة مساءا لحد الثامنة صباحا مثلا يجب تمديد هذه الفترة من السادسة مساءا الى العاشرة صباحا مثلا وبذلك تحقق فترة صيام مساوية لفترة الصيام الإسلامي التي تتراوح بين 11-20 ساعة حسب الموقع الجغرافي والشهر الذي يصادف به شهر الصوم هذا. ولكن الصيام الإسلامي يعمل بالضد من الساعة البيولوجية للإنسان. يفرض على الانسان الاكل في الوقت غير الصحيح. ان الاكل بين المساء والفجر هي اسوء فترة لتناول الطعام لصحة الانسان. ويرتبط تناول الطعام ليلا بارتفاع مخاطر الكثير من الامراض التي ذكرناها وغالبا ما يعني الصيام الإسلامي، للكثير من الناس تناول كميات كبيرة من الطعام ومن ثم النوم. لهذا ان تقول ان الصيام الإسلامي جيد للإنسان هو ان تقول ليس للإنسان ساعة بيولوجية وان تنكر هذه المعلومة المثبتة.
2-الصيام الإسلامي يعني التوقف عن شرب الماء، في حين ان اغلب أنظمة الصيام المستندة على فرضيات ومعلومات علمية توصي بشرب الماء وأحيانا السوائل الاخرى. قد يكون للامتناع عن شرب الماء لمدة تصل الى 16 ساعة في الصيف الحار عواقب سلبية كبيرة على جسم الانسان وخاصة للأفراد غير الاصحاء. هناك ادلة على ارتباط جفاف الجسم مع الجلطات القلبية والدماغية ومع اضطراب في دقات القلب وهي كلها مسائل خطيرة. طبعا، بإمكان الأغنياء عدم العمل طوال شهر رمضان، ولكن بالنسبة للعامل، عليه الاستمرار في العمل حتى اذا كان العمل الذي يقوم به هو البناء مثلا. هذا عدا ان بإمكان الأغنياء اكل طعام من نوعية جيدة عند الفطور في حين ان العامل قد ينجبر على تناول اطعمة ذي نوعية متدنية لا تلبي حاجته من المواد الغذائية الضرورية للجسم. لذا فان الصيام الإسلامي هو قضية طبقية.
3- أنماط الصيام المستندة على الفرضيات العلمية تتحدث عن الاختلافات بين الافراد وحاجتهم للطعام والسوائل. في البداية، الصيام ليس مناسبا لكل الأشخاص. يجب ان لا يوصى للمرأة الحاملة والمرضعة والمصاب بالداء السكري من النوع الاول والشخص الذي هو اقل من 18 عاما ويجب ان يتم الصيام تحت اشراف دقيق من طبيب بالنسبة للأشخاص المصابين بمرض السكري المتقدم أو الذين يتناولون أدوية لمرض السكري، او الذين يأخذون عدة ادوية لمعالجة امراض مزمنة او المصابون بأنواع السرطان والأشخاص الذين لديهم تاريخ من اضطرابات الأكل الخ. ويجب ان يتغير نمط الصيام حسب نمط الحياة ووقت العمل ولذا فهناك انماط صيام مختلفة واهمها نمط 16/8 ( صيام 16 ساعة واكل 8 ساعات) ونمط 5/2 (اكل مثل المعتاد 5 ايام والصيام الجزئي يومين في الاسبوع) في حين ان الصيام الإسلامي يفرض نمط صوم معين على كل البشر بغض النظر عن العمر والحالة الجسدية والمرضية ونمط الحياة الخ.
4- كل أنماط الصيام الموصي والمستندة على الفرضيات العلمية تؤكد ليس فقط على فترة الصيام، بل على طريقة كسر الصيام. فما هو اهم من الصيام لمدة 16 ساعة في اليوم مثلا، هو ماذا نأكل في ال 8 ساعات الباقية من اليوم. فمعظمها توصي بأكل وجبة او وجبتين بسيطتين. الصيام يجب ان يؤدي في النهاية الى تقليل السعرات الحرارية التي تدخل جسم الانسان أي خلق نقص او عجز في العدد الكلي للسعرات الحرارية التي تدخل الجسم في نوبة صيام -اكل واحدة وهي 24 ساعة بالنسبة للصيام الإسلامي. من هذا المنطلق وحسب التعريف العلمي للصيام، الصيام الإسلامي هو ليس صيام لأنه في النهاية يؤدي الى اخذ عدد اكبر من السعرات الحرارية.
5- معظم الفوائد التي تنسب للصيام، لا تنطبق على الصيام الإسلامي.
من المعروف بان الصيام يبدا بعد 8 ساعات من الامتناع عن تناول الطعام وان عملية الكيتوزس او الكيتوزية التي ينسب اليها معظم فوائد الصيام القصير تبدأ بعد مرور 12-18 ساعة من الصيام. فعندما لا يحصل الجسم على الطاقة على شكل كربوهيدرات من الطعام يقوم باستخدام السكر المخزون في الكبد على شكل كلايكوجين وعند نفاذ هذا المخزون يتوقف الجسم عن الاعتماد على الكربوهيدرات للطاقة ويبدا بحرق الدهون المخزونة في الجسم حيث يتم تحويل الدهن الى الاجسام الكيتونية التي تستخدم كطاقة ويدخل الجسم بعد مرور 16-18 ساعة في العملية الكيتوزية الكاملة ( فكرتها هي ان الكيتونات قد تؤدي الى تشغيل نظام الإصلاح الخاص بالجسم الذي يؤدي بالنهاية الى الحماية من الامراض والشيخوخة المبكرة) وخفض كمية هرمون الكريلين في الجسم الذي يزيد الشهية وتقلل الانسولين الذي هو الاخر يؤدي الى الشغف بالاكل. وعندما يقوم الشخص بالتهام كمياه كبيرة من الكربوهيدرات بعد التوقف عن الصيام مثل ما يحدث مع الصيام الإسلامي بين الإفطار والسحور فان كمية الكلايكوجين في الكبد تكون كبيرة ولذا لا يتحول الكبد من التمثيل الغذائي للكربوهيدرات في المقام الأول الى التمثيل الغذائي للأحماض الدهنية، أي لا تبدا العملية الكيتوزية الى بعد 14 ساعة و في معظم الأحيان لا يستمر الصيام مدة كافية للدخول في الحالة الكيتوزية الكاملة. اما عملية الاوطوفاجي (اللتهام الذاتي) التي يقال انها تساعد في التخلص من الخلايا التالفة وتقليل الالتهاب وحتى إزالة البروتينات التي تودي الى مرض الزهايمر وقتل الخلايا السرطانية فأنها لا اتبدأ الا بعد يوم كامل من الصيام. ولا يبدا هرمون النمو بالزيادة، الذي يؤدي الى فقدان الدهون والمحافظة على العضلات وعلى شباب البشرة الا بعد 36-48 ساعة صيام، وتجدد النظام المناعي يحدث بعد 72 ساعة من الصيام. ولكن تجد ان الاسلاميين و "علمائهم واطبائهم" يقومون بنسب كل هذه الفوائد الى صيام يستمر في معظم الاحيان لمدة 14-16 ساعة. لان اساس كل هذه الادعاءات هو التضليل وتحميق الناس.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن