لِمَصْلَحَةِ مَنْ يا ياسر العطا ؟!

فيصل عوض حسن
awadf28@gmail.com

2021 / 4 / 19

شاهدتُ مقطع فيديو لياسر العطا، عضو ما يُسمَّى مجلس سيادي، دعا فيه للمُحافظة على القُوَّات المُسلَّحة، وحماية السُّودان من الانهيار والتَشَقُّق القَبَلي والتَشَتُّت الشعبي، واصفاً بعض الكيانات بـ(العُنصُرِيَّة) التي يجب إخمادها، وأنَّهم في القُوَّات المُسلَّحة لا يعترفون بها، مُؤكِّداً على أنَّ الإدارة الأهلِيَّة لإصلاح ذات البَيْن والجُودِيَّة، ومن يُريد أن يكون سياسياً عليه الانضمام للأحزاب السياسِيَّة.
العطا ورئيسه البُرهان آخر من يتحدَّثون عن القُوَّات المُسلَّحة أو سيادة السُّودان، أو العُنصرِيَّة والاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي. فالقُوَّات المُسلَّحة تمَّ تدميرها عبر البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة وأزلامهم أمثال العطا، بدءاً باستبدال عقيدتها وتنميط أُسُس الانتساب إليها، وانتهاءً بتحوير مهامها الأصيلة ومعايير الترقي فيها، وسحب سُلطاتها لمصلحة المليشيات المُختلفة، كالأمن الشعبي والطُلَّابي والدفاع الشعبي والجنجويد وغيرهم. وتمَّ تدمير القُوَّات المُسلَّحة حينما أشركوها في جرائم الإبادة الجماعِيَّة ضد السُّودانيين، وإدخال الجيش في دائرة (الارتزاق) الخارجي! وعقب اختفاء البشير وعصابته، ولا أقول (سُقُوطهم)، لأنَّهم ما يزالون يحكمون البلاد عبر أزلامهم البرُهان ورُفقائه، أُهْدِرَت كرامة الجيش تماماً وأصبح عاجزاً عن حماية السُّودان (الأرض والشعب)، ودونكم المجزرة البشعة التي جَرَت أمام القيادة العامَّة، في اكتفى ضُبَّاط وجنود الجيش بـ(الفُرجة) على قتل واغتصاب وقمع السُّودانيين، بعدما حَبَسَتهم المليشيات الإسْلَامَوِيَّة/الجنجويديَّة داخل ثكناتهم، مع تشريد (القِلَّة) من أولئك الضُبَّاط والجنود الذين تعاطفوا مع الشعب وانحازوا إليه! والقُوَّاتُ المُسلَّحة تَدَمَّرت حينما سيطر المُرتزق حميدتي على ثكناتها وسُلطاتها، بتواطؤ ومُساعدة ياسر العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، الذين خانوا الوطن (الأرض والشعب) وتلاعبوا بكرامته وأهدروا سيادته!
والعُنصرِيَّة عَزَّزها ياسر العطا ورئيسه البرهان ومن معهم من (سَقَطِ المَتَاع)، فقط واصلوا في جلب (مَقاطيع/مَطاريد) دول الجوار، ومنحوهم الجنسيات والأوراق الثُبوتِيَّة والأراضي (دون سُقُوف)، واستوعبوهم في مليشيات الجنجويد بصفةٍ خاصَّة استناداً للعامل (الإثني)، ثُمَّ إطلقوهم للنيل من الشعب السُّوداني في مُختلف المناطق. والعُنصُرِيَّة رَسَّخها ياسر العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، حينما صنعوا اتفاقات جوبا (الكارثِيَّة)، التي يغلُب عليها المُجنَّسين والطَّابع القَبَلي/الجِهَوِي والأسري، خصماً على شعوب السُّودان (الأصيلة). تلك الاتفاقات التي تمَّ هندستها والإتيان بها من العدم، وإعطاء أطرافها من تُجَّار الحرب والمُجنَّسين أوزاناً وحقوقاً لايستحقُّونها. فما يُسمَّى جبهة ثورِيَّة أتت ببعض (الأراجوزات) من الوسط والشمال والغرب، وثُلَّة من المُجنَّسين عن الشرق لا علاقة لهم بالسُّودان من أساسه، ولم يرشحهم أحد من أبناء مناطقهم، وتجاهلوا قضايا تلك المناطق تماماً في الاتفاقات المُبرَمة، ويكفي تلك الاتفاقيات (خزياً) أنَّ المُرتزق القاتل حميدتي كان أحد أطرافها، وهو الذي كان لا يزال أداة الإبادة في كل السُّودان.
إنَّ اتِّهام ياسر العطا لأهلنا البجا والنوبة بالعُنصُريَّة، اتِّهامٌ (خائب) كخيابة العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، الذين فشلوا في حماية السُّودان و(فَرَّطوا) في سيادته واستقلاله. فأهلنا البجا والنُّوبة، تجاوزوا المظالم التاريخيَّة والآنِيَّة الواقعة عليهم في كافَّة الأصعدة، وتصدُّوا بجسارة وشرف لحماية (كل) السُّودان من الغزو/الاستيطاني الإريتري، الذين أوغلوا في الحقد والكراهِيَّة لكل ما هو سُّوداني! حتَّى الجيش السُّوداني، الذي يتدثَّر به العطا ويتباكى عليه لم يسلم من (تسفيه) الإريتريين المُجنَّسين وأزلامهم وآكلي فتاتهم! ومَزَاعِمِ العُنصُرِيَّة التي ساقها ياسر العطا، تعكس (اختلالاً) مفاهيميَّاً كبيراً، لأنَّ العُنصُرِيَّة تعني الشعور بالتفوُّق والإقصاء/التمييز بين البشر، على أساس اللون أو الانتماء العرقي، وهذا لا ينطبق على حالة أهلنا البجا والنُّوبة مع الإريتريين، الذين نالوا الجنسيات السُّودانِيَّة عبر المُتأسلمين، وفي ذات الوقت يحملون حقداً كبيراً تجاه السُّودان، لا يُخفون انتماءهم وولاءهم لإريتريا ويتباهون بذلك! وأهلنا البجا والنُّوبة أصبحوا (دَرَقة) لحماية السُّودان، حينما (تخاذل) العطا وصحبه عن القيام بذلك، وزادوا في خيانتهم بتعزيز وترسيخ أُولئك المُجنَّسين، وخَصَّصوا لهم مسارات وهمِيَّة ويفرضونهم علينا، ثُمَّ وصفوا الشُرفاء بالعُنصُرِيَّة!
أمَّا حِجَّة التَدَاخُلِ القَبَلي بين السُّودان ودول الجوار، التي يستشهدُ بها البعضُ فهي مردودة، لأنَّنا لسنا ضد التَواصُل بين القبائل المُتداخلة (إنْ صَحَّت العلاقات الجينيَّة)، شريطة الاحترام المُتبادل لحقوق وحدود كل دولة. كما أنَّ حسم الوجود الأجنبي ومُراجعة الهُوِّيَّات والمُطالبة بتعيين (أبناء البلد) في المناصب الحسَّاسة، ليس جريمة أو سُبَّة على نحو ما يُحاول البعض إظهاره، وإنَّما نَهْجٌ ونظامٌ (صارمٌ) تَتَّبعه جميع الدول المُحترمة لحماية سيادتها الوطنِيَّة! والمُقارنة بالمُهاجرين في الغرب لا تستقيم، لأنَّ المهاجر الذي ينال جنسيَّة أي دولة غربِيَّة يلتزم بقوانين تلك الدولة، ولا يَدَّعي (تَبَعِيَّة) أي جُزءٍ من أراضيها لدولته التي (هرب) منها جائعاً وعارياً، ويحترم مُواطني الدولة التي منحته جنسيتها ولا يُخاطبهم بكراهِيَّة، بعكس ما يفعله الكثير من الإريتريين (المُجنَّسين) مع جميع السُّودانِيين الآن، وليس فقط البجا والنُّوبة!
المُحصِّلة، أنَّ القُوَّات المُسلَّحة دَمَّرها المُتأسلمين الذين رعوا واحتووا ياسر العطا وأمثاله، وتواصل إضعافها حينما صَمَت العطا ورُفقائه على اعتلاء وسيطرة المُرتزقة و(المَقاطيع) لثكنات الجيش والسيطرة على مُقدَّارته. والعُنصُرِيَّة يُغذِّيها العطا ورئيسه بفرض المُجنَّسين والسُفهاء وتَجَّار الحرب. وأهلنا البجا والنُّوبة ليسوا طُلَّاب مناصب أو انتهازيي سياسة، إنَّهم شعوب (أصيلة) لهم تاريخ مُشرِّف هو أساس هذا السُّودان، ودونهم هم الوافدون لهذه البلاد. وليعلم أهل السُّودان أنَّ ما يجري في شرق السُّودان ليس صراع قَبلي إطلاقاً، لأنَّ أهلنا البجا وحُلفائهم النُّوبة وبعض الكيانات الأُخرى، يُحاربون أجانب وافدين لا ينتمون لبلادنا لا جينياً ولا أخلاقياً، وولاؤُهم مُطلق لإريتريا التي هربوا منها وبإقرارهم (صوت وصورة)، فلا تنخدعوا بأكاذيب العَسْكَر والقحتيين وأزلامهم من العُملاء وآكلي الفتات.
إنَّ الأوطان يبيعها فقط الخونة والسفلة، فاقدي الشرف والكرامة والنَّخوة، مُقابل (فتات) الموائد المسمومة، كما يفعل ياسر العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، الذين كشفوا سِتْر السُّودان و(فَرَّطوا) في سيادته واستقلاله،
وقولُ الحقيقةِ مسئوليَّةٌ أخلاقيَّةٌ وإنسانِيَّة، ينبغي أداءها بِتَجَرُّدٍ وحِيَادِيَّة دون مُوَارَبةٍ أو تجميل. وما يجري في شرق السُّودان يكشف (ازدواجيتنا) الصَّارخة و(اختلال) مفاهيمنا، فلطالما انتقدنا الكيزان رفضاً لأكاذيبهم وفسادهم و(عَمَالَتِهِم)، لكننا نتغاضى الآن عن كوارث العَسْكَر وحمدوك والقحتيين ونشكرهم عليها. وبينما نُناصِر الغُرباء، وننظِّم حملات التَضامُن في (الفارغةَ والمقدودة)، نصمت على عُنصُريَّة (الوافدين/المُجَنَّسين) ضد أهلنا بالشرقِ، ونتضامن معهم وندافع عنهم بسذاجةٍ صادمة! فحينما نُطالِب بـ(تقنين) الوجود الأجنبي، والالتزام بقوانين (تجنيس) الوافدين، وتحجيم تَغَلْغُلهم في مفاصل الدولة ومُحاربة تخريبهم للاقتصاد، وحَسم خطابات كراهيتهم للشعب السُّوداني، فإنَّ هذه ليست عنصريَّة، كما (يزعم) ياسر العطا وغيره، وإنَّما حماية لسيادتنا الوطنِيَّة واستدامتها، بخلاف حَقَّ السُّودانيين المشروع في إدارة دولتهم بأنفسهم!
فالثابتُ أنَّ العديد من الوافدين نَالُوا الجنسيَّات السُّودانِيَّة بأطُرٍ مشبوهةٍ ومرفوضة، حيث حَوَّرَ المُتأسلمون القوانين لتجنيسهم، ومنحوهم مزايا عديدة بلغت حدود الاسْتِوْزَارِ، وتغيير (ثوابت) التَّاريخ وتحوير المُقرَّراتِ الدراسيَّة، لكنهم لم يحفظوا فضل السُّودان وشعبه، وقابلوا الإحسان بكراهيَّةٍ شديدة، وبلغت جُرأتهم الادِّعاء بـ(تبعِيَّة) غالِبِيَّة الشرق لإريتريا، التي طُردوا منها واحتوتهم بلادنا فكان جزاؤُنا الكُره والغدر! وظني أنَّ العَسْكَر سيصعدون (خيانتهم) للسُّودان عموماً، والشرق خصوصاً في مُقبل الأيَّام، وهذا يُحتِّم على جميع السُّودانيين (الأصيلين) الانتباه، والتضامُن مع أهلنا البجا والنُّوبة وهو في دفاعهم المُقدَّس عن السُّودان تاريخاً وحاضراً ومُستقبلاً.
إنَّنا كشعب ظللنا ندفع التكلفة وحدنا، وستزداد هذه التكلفة مُستقبلاً وليتنا نترك عواطفنا ونتَدَبَّر بعقولنا، ونعي بأنَّ المُشكلة ليست شخصيَّة، وإنَّما وطنٌ وسيادة وأمنٌ واستدامة. فالمُخطَّط أكبر من مُجرَّد قتالٍ أو صراع وقتي، وإنَّما هو غَزْوٌ واستيطانٌ واستعمار، يجب حسمه كلياً ومنعه مُستقبلاً، وهذا ممكنٌ جداً بتعزيز تَلاحُمنا وحماية بعضنا، بذات الحماس الذي نتضامن به مع الغير، ضماناً لأمننا الاجتماعِي وسيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن