فلسطين التي ( لا ناقة لها و لا جمل) .. !

محمد عبد الشفيع عيسى
moh_eesaa@hotmail.com

2021 / 4 / 18

المشروع السياسي الصهيوني مربوط بطرفيْ الحبل المشدود بين مصر والعراق ، إذا نظرنا حقاً إلى التأسيس الإيديولوجي للصهيونية بمقتضى الأوهام النظرية لما يسمّى الحق التاريخي – السياسي لليهود. فالثأر الحقيقي الذى ينطلق منه توهم الحق المزعوم، أو "الاستحقاق"، هو الثأر ضد واقعتيْ "الخروج" و "الأسر": "الخروج" من مصر، و الأسر البابلي، و لم يكن لفلسطين نصيب من هذا وذاك، بالمعنى المحدد أو الضيق لفلسطين على كل حال .
لذلك يتعين القول إن اختيار فلسطين من جانب الحركة الصهيونية فى نهاية الأمر لم يكن نابعاً بالضرورة من الفكرة العقائدية الصهيونية فى حد ذاتها، كفكرة عقائدية على أسس تاريخية –دينية، وإنما كان نابعاً من اعتبارات بناء الحركة الصهيونية كمشروع سياسي، مشروع بناء (دولة) لليهود وكفى . بهذا المعنى تعود فلسطين بالنسبة لليهود كمجرد "نقطة ارتكاز" للسيطرة السياسية على منطقة أوسع.
من هنا نفهم سر "حق العودة" الذى صكّه "بن جوريون" عام 1951 من خلال الكنيست، والقاضي بحق جميع يهود العالم فى (العودة) المزعومة إلى فلسطين . ففلسطين ضمن حدود مشروع التقسيم لعام 1947 أو في حدود (إسرائيل) يوم إعلانها (دولة) فى 15 مايو 1948، أو حتى فى الحدود "الموسعة" بعد حرب الخامس من يونيو-حزيران1967، وخاصة بعد الانسحاب من سيناء عام 1979- لا تكفى لاستيعاب يهود العالم يقينا.
إن "فلسطين التاريخية" نفسها ليست أكثر من "خيار المضطرّ"، أو بالتعبير الاقتصادي في مجال "تقييم المشروعات"، هي "ثاني أفضل بديل" Second-best alternative. أما الخيار أو البديل الأفضل فهو السيطرة على امتداد "منطقة الثأر التاريخي-الديني"، من العراق إلى مصر، فهي وحدها التي تجمع بين التطابق مع الوهم التاريخي-الديني وبين مقتضيات المصلحة المتمثلة في إعاشة أكثر من اثنى عشر مليونا من اليهود في العالم، قابلين للزيادة عبر الزمن. وبذلك يبرز وضع فلسطين الحقيقي، والتي (لا ناقة لها ولا جمل) في المشروع السياسي الصهيوني ، بمعنى ما، وإلى حدّ بعيد.
هذا التحليل يلقي الضوء على نقطتين أساسيتين:
أولا سرّ التمسك بالقدس الموحدة (..!) عاصمة ل (الشعب اليهودي..!). فالقدس، من الناحية الجغرافية والسياسية والعسكرية، ليست عاصمة مُثْلَى لإسرائيل، في حدود 1948 الموسعة بشيء من حدود 1967؛ ففيها قسم شرقيّ يستوعب (قنبلة ديموغرافية موقوتة)، ممثلة في الفلسطينيين أصحاب البلاد. ومن هنا يجئ الإصرار على تفريغ القدس الشرقية من أهلها الفلسطينيين بشتّى السبل. ثم أن القدس مكشوفة الظهر تماماً من ناحية "الضفة الغربية" بما يجعلها غير قابلة للدفاع من الناحية العسكرية، ومن هنا أيضا تجيء إحاطة القدس بسياج يهودى خالص بفعل توسيع الاستيطان فى ضواحي القدس، "وتوسيع المدينة" نفسها بحكم القانون، وعزل الوجود الفلسطيني، إن بقيَ منه شىء.
القدس بهذا المعنى قد تعتبر"ثانى أفضل بديل" كعاصمة لإسرائيل، و لكنّها الخيار الأمثل optimal option إذا كانت عاصمة "لمنطقة المصلحة والثأر" – بين الفرات والنيل.
هنا تصبح القدس "واسطة العقْد" حقاً. فهى تقع فى المنطقة المتوسطة بين حدّ نهر الفرات حال الدخول من تركيا، وحدّ نهر النيل – فرع دمياط في مصر.. و من يدري؟ لعلّ أحد خبراء الخرائط يدلّنا على أن القدس تقع فى منتصف المسافة بين الفرات السورى وفرع دمياط ..!.
ويمكن، من ثم، الأخذ فى الاعتبار أن سوريا كلها والأردن وجزء من السعودية الحالية وجزء من العراق، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء وما يليها حتى فرع دمياط الذى يُعتقد أن اليهود "خرجوا" من خلاله مع موسى- و على إثرهم الفرعون (رمسيس الثانى ربما)- إن تلك هى "المنطقة المثلى" للمشروع السياسي الصهيوني؛ هى منطقة "الخيار الأمثل" وليست "ثانى أفضل بديل" .
من هنا نفهم أيضا سرً الإصرار اليهودي – الصهيوني على السيطرة على مرتفعات الجولان السورية، فهي، من جهة أولى، تمثل "منطقة استحكامات خلفية" للدفاع عن القدس مكشوفة الظهر. أما فى حال السيطرة اليهودية على المنطقة المذكورة، من جهة ثانية، فإن الجولان تبقى فى يد "إسرائيل النواة" كذراع دفاعية متينة .
ونفهم أيضا سر الانسحاب اليهودي من شبه جزيرة سيناء، فهى منطقة صحراوية عارية، يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، الدفاع عنها إن تمّ احتلالها، إلا إذا كان ذلك بواسطة "الردع النووي". ولذلك تمت إقامة "مفاعل ديمونة" ومرافق التسلح النووي في صحراء النقب، بالقرب من سيناء بالذات، لمراقبتها والسيطرة عليها من بعد، فى المشروع الصهيوني المستقبلي المزعوم .
بالإضافة إلى هضبة الجولان، ومرافق النقب، هناك حد نهر الأردن كجسر دفاعى إسرائيلي، مما يستدعى سيطرة اسرائيلية غلى غوْر الأردن فى تسوية معينة محتملة للأراضى، فيما يزعمون.
هذه هي النقاط الدفاعية الثلاثة إذن: التمسك بالسيطرة على هضبة الجولان عسكرياِ، كما يمثل كل من النهر والغور خطاً دفاعياً قوياً، مثله مثل خط البحر، الذى تحميه قوة بحرية اسرائيلية، تشمل غواصات نووية (ألمانية الصنع)، وإنْ قام"حزب الله" فى حرب صيف 2006 بهزّ جزئي ل (أسطورة) البحرية الإسرائيلية .
ثانياً لمّا كان من الصعب على إسرائيل تطبيق "التجربة" أو (البروفة) الفلسطينية على منطقة "التوسع" أو "الامتداد الصهيونى الطبيعى" من حد الفرات إلى فرع دمياط ؛ أْيْ لمّا كان من الصعب هنا تطبيق أسلوب التهجير القسرى والمذابح البشرية بهدف تحقيق ما يسمى باللغة الرائجة هذه الأيام "التطهير العرقي"، حتى فى ظل وجود استحكامات الجولان ومرافق النقب النووية وغور الأردن- فإن المرغوب و الممكن يجتمعان مع فرض نوع من "السيطرة الإمبريالية" ، من خلال توقيع لون من "الوصاية السياسية" و "تقسيم العمل الاقتصادى" ، انطلاقاً من تفوق عسكرى حاسم .
وتتمثل مقدمات الوصاية السياسية بالفعل فى محاولات التدخل الإسرائيلي فى شئون السياسة العربية ككل، وخاصة فى شئون "منطقة الخطر – الهشة" أى لبنان، حيث يجتمع الخطر الجدّيّ على إسرائيل والهشاشة الجغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
أما تقسيم العمل الاقتصادي فهو لبّ مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لشيمون بيريز، بما فيه منطقة الخليح، بل وخاصة منطقة الخليج: حيث تكون إسرائيل مركز العلم والتكنولوجيا المتقدمة، ويقدم العرب البشر والمال.
و أما التفوق العسكري الإسرائيلي الحاسم فقد كان ينازعه تاريخياً كل من مصر والعراق.
وبالنسبة للعراق فقد تمت تصفية قوته العسكرية واحتلاله مباشرة عام 2003، ثم العمل على استدامة التدخل الغربي والأمريكي فيه إلى أجل غير محدّد.
ولكن، مع انتهاء الخطر العسكري، عند نقطة زمنية معينة، قضت مفارقات الجدل التاريخي بظهور القوة العسكرية الإيرانية، مع شبح نووي مخيف لإسرائيل. ومن هنا نفهم سر التوجس، بله الرعب الإسرائيلي، من (الخطر الإيراني). فذلك إذن مكمن الخطر الوحيد الباقي، و الذي تتعين من وجهة النظر الصهيونية، تصفيته، وخاصة عن طريق ضربة إجهاضيه محتملة بدرجة معينة للقوة العسكرية والمرافق النووية الإيرانية.
و من يدري؟ فلعل في القادم من الأيام ما يحمل نهايات لبداية كانت منذ الأصل بغير أساس تاريخي مكين.

.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن