رسالة الفنان

ساطع هاشم
hashem59@yahoo.com

2021 / 4 / 15

التجديد بالأدب او الفن او أي مجال ابداعي جمالي انما هو تجديد بالمجتمع والعقل البشري ككل، وهي ظاهرة عالمية في ثقافات الشعوب تحيا وتموت هنا وهناك وفقاً لقوانينها الخاصة والمرتبطة بشكل وثيق بالشخصية المنتجة لتلك الاعمال.

هذه القوانين الخاصة هي التي بواسطتها يتم التجديد بالقوى، وهي غالباً ما توصف مجازاً بمصطلحات الحرارة والبرودة، والسبب لان الحرارة هي دائماً رمز إيجابي للأفعال الحيوية والقوية والجديدة، (الخبز الحار والطعام الحار أفضل دائماً من البارد)، فعندما تهمد الحياة (الحرارة) في الفرد او المجموعة فذلك يعني برودتها، يأسها وبؤسها ثم موتها.
هناك ظروف تستدعي وربما تجبر الفنان على ان يحارب ويتخذ موقفًا لايهادن ضد طاغية او عقيدة فاسدة او نظام جائر وما شابه، ويكثف ويركز طاقاته الإبداعية على فضح هذا الخلل في المجتمع لتحريك العقول واثارة الرأي العام، وعندما يزول السبب الذي أنتج من اجله هذا العمل الفني او ذاك فستزول معه قيمة ما انتج بعد ان يتحقق الهدف، وسينسى الجمهور تلك الاعمال و حتى الفنان نفسه سيختفي بين طيات الزمن دونما ذكر، او كما يقول علماء الفلك فان النار التي تموت يحمّر لونها، فهي علامة على موت الكواكب وتحولها الى مجرد احجار باردة كما هو كوكبنا الأرضي والقمر، وعلى هذا المنوال تجري سنن التقدم.
ولكن مالذي سيبقى قائماً هناك من تلك (الحرارة) والطاقات الابداعية؟
أهي البذور العاطفية التحريضية التي زرعها الفنان في نفوس الناس والتي ازدهرت فيما بعد ذلك بأشكال مختلفة لم يخطط لها؟
أهي الهزائم والانكسارات وخيبات الامل؟

الواقع ان الانسان في عزلته او اجتماعياته، وهو يقوم بوظائف غامضة قبل ان يطعن بالسن ويقضي ويصير جماد ورماد ودخان ويكتمل مصيره ويغدو شمساً حمراء غاربة، فهو يستقطب من حوله حشداً هائلاً من السخافات، جنباً الى جنب مع كل ما يمكنه لتأكيد ذاته المتمردة والرافضة او الخانعة الجبانة، فينجح في التناسل والتكاثر مثلاً، بغض النظر عما اذا ما كان رجلاً او امرأة ضعيفاً او قوياً فقيراً او غنياً مستغَلاً او مستغِلاً، لان غريزة التوالد لا تعرف المفاضلة والاختيار بين القوي والضعيف او الذي يملك والذي لايملك، كما يقوم بها موظفين الدولة البيروقراطيون وصراعاتهم التافهة.
وهنا يأتي السؤال الذي لا مجيب عليه: مالذي يفعله اذاً الفنانون والادباء في عالم الغابة الموحشة اليوم ومجتمع البرابرة الضِباع الذي لا يرحم؟
أجيال الثوريين القديمة قد اجابت بما هو اعقل منا الان جميعاً، واجابتهم كانت انعكاس وفعل عملي لعقائدهم وحاجات اوطانهم ولما كانوا يحلمون بتحقيقه، فقالوا بأن الفن للحياة والإنسانية، وان الفنان او الكاتب او الشاعر يحمل رسالة يؤديها في المجتمع، جوهرها النضال ضد كل أعداء الانسان، وقالوا ان كل من يقف بعيداً عن هذا الهدف وينحني للاثرياء والسلاطين وللطغاة والسفاحين فلا يمكن وصفه بانه اميناً للإنسانية والمجتمع، ولذا فينبغي ان يضرب على قفاه وينعزل ويزول ويسدل الستار عليه في قائمة الخالدين.

وهذه الأيدلوجيا الثورية الرافضة هي جوهر جبهة الصراع الفكري والثقافي ضد رأس المال العالمي منذ كومونة پاريس، والتي تحاول الان جاهدة الانتفاض والانبعاث والقيام بالصحوة الثورية من جديد لاسترداد الغار الثوري العالمي العظيم للنصف الأول من القرن العشرين، وحَملتِها هم أكثر الذين يحملون الشقاء بصمت وجَلَد لأنهم بلا سند او دعم ولانهم ليسوا أكثر من تاريخ قديم فقد ظله، ولا يحمل عنواناً او هوية قادرة على تجديد الحياة والثورة والتكيف مع عالم اليوم.

وعليه فان النقاشات التي يثيرها بعض الكتاب بمقالات بين فترة وأخرى هنا وهناك عن المثقف والمثقفين وعزوفهم عن المشاركة بالنضال وغيرها من المصطلحات القديمة والمستهلكة، شيء لا معنى له في عالم اليوم، ولن يؤدي الى نتيجة كما جسدها البلاشفة في ثورتهم الثقافية والتجديدية قبل مئة عام، حتى لو استجاب لتلك الدعوات اليوم ثلاثة ارباع ما يسمى بالمثقفين (وغالبيتهم انتهازيين جشعين متلونين يميلون حيثما مالت الريح).
فيصبح والحال هكذا استمرار الحديث عنها الان مجرد ثرثرة لا داعي لها، لانها لا تعكس أيديولوجيا الثورة وروحها التمردية وحرارتها الاصيلة، بل مجرد رغبات يائسة بائسة وحنين لاحياء ما لا يمكن احياءه ابداً لأننا لا نعيش في زمن ثورات وانتفاضات وغليان عالمي تقدمي كما الأجيال السابقة، نحن في زمن الاعلام والخبر السريع واصناف لا حدود لها من شركات الدعاية العالمية، وبلا اوطان ولا عقائد ولا توجد ارضية صلبة للوقوف عليها ولا شرارات توقد النيران وتبعث الحرارة.
يا سادتي
للبرابرة فنهم، فلنخلق فناً آخر- بريتولد بريخت



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن