ياسمين والأجدب

نزار الحصان
neo.alhussan@gmail.com

2021 / 3 / 13

إهداء إلى نساء الحريـة .......
من أجمل أيام الدراسة هي المناسبات الوطنية والاحتفالات,التي يتم عادة الاستعداد لها قبل أشهر حيث تُنْظم القصائد والأشعار.وتبدأ التدريبات المكثفة للفرقة النحاسية ,وتحضير الأعلام و لجان الإنضباط كل شيء منظم ومجدول الى ماقبل الاحتفال حيث تبدأ الفوضى فيه.
يوم الاحتفال عادة ما يبدأ بالنشيد الوطني وعصا الموجه التربوي تسقط على رأس من يتمايل أو من ينظر يمينا أوشمال. الوطن يتطلب الإنضباط ,هكذا يردد
بعدها تبدأ الخطابات الإنفعالية والتمجيد بالإنجازات التي نسمع عنها ولا نراها .
نحن في الصفوف الخلفية الكسالى والمشاغبون ,وعادة جميعنا من ضخام الجثة , يأخذنا الملل حيث نتقاذف الحصا والكلمات البذيئة وحين يعلن مدير المدرسة بدء المسيرة نتقدم الجميع فنحن من سيقود هذه الجماهير الغفيرة ونحن من سيهتف ويمجد القائد.
ودائما ما نكون في كامل أناقتنا (وهي بدلات الفتوة الخاكية) في هذا اليوم نسرق العطور من دروج أخواتِنا,ونُصفف شعرنا, إنه يوم وطني واحتفال جماهيري ضخم. فاليوم نلتقي بطالبات المدارس الأخرى,ونهتف جميعا للوطن . نحن نبتسم لهن وهن يسبلن أعينهن ويتلفظن بكلمات لا نسمعها ولكني أحدس أنهن يقلن: أوف ما أزنخه أو تضرب بهالمنظر,ولكن ليس مهما,فالمهم أننا استطعنا لفت انتباههن .
كان عامر من أشد المعجبين بياسمين وفي الحقيقة كلنا كنا معجبين بها ومنبهرين بجمالها ,ولكن لانستطيع التصريح بذلك لأن عامر كان شرسا وضخم الجثة وهوشديد الغيرة على ياسمين التي لا تبادله نفس المشاعر.
كنت مجبرا على أن أكون أنا مرسال الغرام ,لكون ياسمين تمت لي بقرابة بعيدة وأستطيع زيارتهم متى شئت ,فكنت أحمل الرسائل لها بعد أن أكتبها وهو يملي علي جمله الغير مترابطة .
للإمانه لم تصل أي من تلك الرسائل لها لأن عند محاولتي الأولى صرخت في وجهي بغير عادتها فهي لا تتكلم ألا همسا وقالت : أنا لا أريد رسائل من عامر... ,لا.... وشو أنت من تجلبها يا فهمان.
كنت أقنعه أنها تفضل عدم الرد للإحتفاظ بمشاعرها له الى يوم ما,ولكنها معجبة بإسلوبه في الكتابة فيضحك بفرح ويقول : هه ههه الحب يصنع المعجزات, الآن أنت تستحق سندويشة شاورما دبل.
ترى هل كنتُ كاتبا مأجورا ؟؟!!!!
عامر من الفاشلين في الدراسة وأكثرنا تعرضا للعقوبة وكونه من الراسبين في كل مرحلة لأكثر من سنه تم فصله. تطوع بعدها في الجيش ولقدراته البدنية تحول للخدمة في أحد الأجهزة الأمنية وطبعا بواسطة من والده الذي يعمل في نفس المجال.
لم نعد نراه كثيرا إلا حين يأتي في إجازة,مستعرضا مسدسا يتدلى من خاصراته ويحدثنا بصوته اللأجش العالي والبصاق المتطاير عن بطولاته في القبض على الجواسيس, الذين كما يقول أن أعدادهم بالمئات. ودائما بطلب من عامر يجب أن يتم الإجتماع في الزقاق المقابل لمنزل ياسمين .
لم نكن قد أنهينا المرحلة الثانوية حين تقدم عامر لخطبة ياسمين,لم يرفض أباها خوفا من المشاكل والمضايقات التي قد يسببها أبو عامر,ولكنه طلب أن يؤجل الموضوع حتى تنهي ياسمين دراستها .
رغم ذلك فقد لبس عامر محبس الخطبة, وعندما يتحدث عن ياسمين يقول خطيبتي.كنت سمعت عن حب من طرف واحد ولكن لم اسمع عن خطبة من طرف واحد.
هذا ما أراحنا من الإجتماع الإجباري عند منزل ياسمين , بل ويزعجه اذا شاهد أحد ما يسير قريبا من منزلها لأكثر من مرة, فهي كما قال شرفه وعرضه الذي يجب أن يصونه ويحميه مثل دفاعه عن الوطن.
كنت أتوجل النظر إلى ياسمين ليس خوفا من عمر, ولا من سلطته الأمنية , بل بسبب جرأتها التي تنظر الي فيها وتبتسم لي مسبلة جفونها , وخاصة بعد أن بدأت تنضج تفاصيل أنوثتها.
في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية حين هبت نسائم الحرية وتحولت الى براكين غضب ضد الظلم والقهر الذي عشناه بدأ كل شيئ يتجلى, أروحنا تتحرر من القيود .
شعور بالأنعتاق.... راحة بعد تعب ....هواء بعد إختناق
خرجنا للشوارع بدون لجان الإحتفال والإنضباط, بدون فرق موسيقية ,وكلمات معدة مسبقا.
كانت ياسمين ذات الصوت الخفيض,ورغم قصر قامتها ترى من بعيد وهي تلقي الأشعار وتهتف لقد كنا محقين جميعا ,حين كنا معجبين بها .
في الجهة المقابلة كان رجال الشرطة الحائرون يقفون مكتوفي الأيدي .
لم يستمر هذا المشهد طويلا فقد تقدمهم رجال الأمن مدججين بالسلاح .
لسعادتنا ,فقد عرفت بينهم عامر صديقنا, رأيته يشير بيده نحونا لابد انه يحدث زملاءه بفخرعنا نحن أصدقاء الطفولة .
ولكن حين مزقت ياسمين صورة القائد ,اندفعوا نحونا كالكلاب المسعورة ,هربنا.
حين نظرت خلفي كانت ياسمين بحجمها الضئيل ,تقف كجبل في وجههم , وقد امسكوا بها.
كان عامر هو من يصدر الأوامر. قررت العودة , اقتربتُ منهم .
كانت ياسمين الخجولة تنظر بتحدي الى عامر الذي بدا هو الضئيل .
صرخ بفم مليء بالبصاق : جاسوسة ....خذوها الى القسم .
صرختُ فيه :عامر إنها ياسمين ...إنها خطيبتك ....ياسمين ...حب طفولتك
أشاح بوجهه عني .
مالت ياسمين باتجاهي ففاحت بعطر الوطن وقالت: أنني أحبك أنت ...يا أجدب. تسمرتُ في مكاني
صرخ عامر بغضب : خذوها ...
عنوة سحبوها الى السيارة , كانت عيناها مليئتان بالتحدي نظرتْ خلفها,حيث عاد الجميع للهتاف من جديد. نظرت اليهم بعيون مليئة بالحب .
و بصوت أرتجت له الشوارع , صَرَخَتْ..... حـــــــريــــــــــــــــــــــة
نزار الحصان مخرج سينمائي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن