بايدن نقل كفالة السعودية من الكفيل الإسرائيلي إلى الكفيل الأمريكي

جمال عبد العظيم
gabdelazem34@gmail.com

2021 / 3 / 3

في بيانهما حول العلاقة مع السعودية وإدانة محمد بن سلمان في جريمة مقتل خاشقجي يوم 1 مارس ، كان الإرتباك مسيطراً على المتحدث باسم الخارجية الأمريكية والمتحدثة باسم البيت الأبيض . حيث لم يبررا للصحفيين إعفاء بن سلمان من الإدانة . والتراجع عن اللهجة الحادة والحاسمة التي كانت تتحدثت بها إدارة بايدن . والمشهد يشي بأن الإدارة الأمريكية إستخدمت تقرير المخابرات بخصوص مقتل خاشقجي كوسيلة إبتزاز للنظام السعودي ليوافق على أمر ما . فقد أعلن البيت الأبيض التقرير في يوم الجمعة 26/ 2 /2021 وبدا للعالم أنه بسبيله لمعاقبة بن سلمان ، وفي الإثنين 1 مارس تغيرت اللهجة الأمريكية تغيراً حاداً ، وراح الناطق باسم الخارجية الأمريكية يتحدث عن تعديل وتعيير للعلاقات بين أمريكا والسعودية . وهكذا إنتهت الضجة التي أحدثها جوبايدن حول السعودية إلى لا شئ ، والأمر على هذا النحو يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن بايدن قام بابتزاز سلمان وابنه . وانهما قد أذعنا لهذا الإبتزاز فتراجعت الإدارة الأمريكية عن العقوبات التي لوحت بها . وتعد هذه هي أولى سقطات الإدارة الأمريكية الجديدة ، حيث تَنَكر بايدن لوعوده الإنتخابية وتاجر بدماء الصحفي المغدور جمال خاشقجي . علماً بأنها جريمة تمثل إرهاب دولة ضد مواطنيها ، حيث تهددهم بتقطيعهم بالمنشار إذا إنتقدوا حكومتهم . وبهذا الموقف للإدارة الأمريكية الجديدة ، ينخفض سقف الطموحات والتوقعات لدى كثيرين في المنطقة . حيث علقوا آمالاً كبيرة على الإدارة الديمقراطية ، وانتظروا منها ضغوطاً كبيرة على أنظمة البدوقراطية العربية التي تقهر شعوبها . لكنها وكأي إدارة أمريكية مالت لتأييد الحكومات على حساب الشعوب ، وتخلت عن شعاراتها البراقة عن حماية الحقوق والحريات .

والآن يثور التساؤل عن ما جرى خلف الكواليس ، وما هي أرباح الهجمة الأمريكية التي هددت العرش السعودي بالعزل إن لم يؤدها صاغراً للولايات المتحدة ؟
بداية فتاريخ العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة ، يخلو من هذه المواجهات الحادة ، لأن الأنظمة السعودية المتعاقبة أذعنت على الدوام للرغبات الأمريكية . بحيث لم يضطر البيت الأبيض أبداً إلى مثل هذه المواجهة الصاخبة ، وإلى هذا التركيع العلني لحكام المملكة .
ويبدو من المشهد أن الإدارة الأمريكية كانت مستميتة في طلبها ، ولا تسمح بالرفض أو المناورة من الطرف السعودي . ووضعته بين خيارين فإما الإذعان وإما شن إنقلاباً عليه بمعرفة معارضيه من أمراء البيت السعودي ، وقدمت أمريكا بالفعل غطاءً سياسياً لهذا الإنقلاب . وحسب هذه الرؤية فإن سيناريو عزل بن سلمان كان قائماً بالفعل وقيد التنفيذ ، في حالة رفضه للطلبات الأمريكية .
ولإستنتاج حقيقة هذه الإملاءات الأمريكية يجدر بنا الإشارة إلى التخريب الذي أحدثته إدارة ترامب في بنية العلاقات الأمريكية مع الدول العربية وخاصة الخليجية منها . وكان عراب هذا التخريب هو مستشار ترامب وصهره اليهودي جاريد كوشنر ، حيث طاف البلاد العربية الخليجية وأجرى لها نقل كفالة ، من الكفيل الأمريكي إلى الكفيل الإسرائيلي . وفي هذا الإطار كانت هرولة عرب الخليج إلى التطبيع ، وهو ما أحدث خللا في توازن القوى بالمنطقة لصالح العدو الصهيوني .
وخلال فترة ترامب طورت إسرائيل علاقتها بالعرب ، فتقليدياً كانت تشجعهم على التقارب معها بوصفها قادرة على التأثير في القرار الأمريكي . وفي ظل حكم ترامب تصرفت إسرائيل على أنها قوي تهيمن بنفسها ولمصلحتها على المنطقة ، وليس إعتماداً على صلتها بأمريكا وقدرتها على التأثير في القرار الأمريكي . وأثمرت هذه السياسة نتائجها بلا شك حيث كان البيت الأبيض نفسه قد ترك لها منطقة الشرق الأوسط وبدت إسرائيل للعرب وكأنها تمتلك القرار الأمريكي فيما يخص المنطقة .
وكانت هذه الترتيبات تستهدف تحويل إسرائيل إلى دولة كبرى تمتد من النيل إلى الفرات . والآن تسعى إدارة جوبايدن لإسترداد الشرق الأوسط من الهيمنة الإسرائيلية التي ضربت عليه في عهد ترامب .
وتمارس على العرب ضغوط لإظهار هيبتها وإستقلالها عن إسرائيل ، وفي هذا الإطار قررت في أواخر يناير الماضي تجميداً مؤقتاً لصفقة الأسلحة للسعودية والإمارات ، يشمل ذلك 3000 قنبلة ذكية تعاقدت عليها السعودية بقيمة 290 مليار دولار . والطائرة F35 من الجيل الخامس والتي تعاقدت عليها الإمارات بقيمة 23 مليار دولار .
كما وضحت ضغوط أمريكا على العرب من إلغاء عواصم عربية لزيارات ولقاءات مع بنيامين نيتانياهو ، بالتوازي مع عدم تواصل جوبايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي . ونوضح هنا أن إدارة بايدن لازالت ملتزمة بأمن إسرائيل مثلها مثل أي إدارة أمريكية ، ولكنها ليست ملتزمة بتحويل إسرائيل إلى قوة عظمى تهيمن على مجمع بترول الشرق الأوسط ، بدءً من إستخراجه وإنتهاءً بتدوير عوائده . وتتحكم في مداخل ومخارج المنطقة وهو ما يعد خصماً من الرصيد الإمبراطوري الأمريكي .
ووفق هذه الرؤية فإن الضغوط التي مورست على النظام السعودي خلال الساعات القليلة الماضية ، تعد إنذاراً شديد اللهجة لكل عرب الخليج بضرورة العودة إلى الحظيرة الأمريكية ، وعدم الإعتماد على الكفيل الإسرائيلي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن