أحوال المسيحيّين في عهد المغول بعد سقوط بغداد سنة 1258م الجزء الثاني

نافع شابو
nafee_shabo@live.de

2021 / 2 / 21

المقدمة

جاء في مقال لغبطة الباطريرك لويس ساكو:

في عام 1258 سقطت الخلافة العبّاسيّة تحت ضربات الغزو المغوليّ، فلم تكن أحوال المسيحيّين في حكم المحتلّ الجديد على وتيرة واحدة. فقد مال بعض ملوك المغول إلى المسيحيّة وأظهر تعاطفًا مع الكنيسة. وكان الخليفة المعتصم قد طلب من البطريرك مكيخا الثاني التفاوض مع هولاكو المغوليّ لعقد هدنة. وعندما سقطت بغداد بأيديهم سُمح للبطريرك بالمكوث في أحد قصور العبّاسيّين. فقد كانت المسيحيّة قد انتشرت بين القبائل المغوليّة في آسيا الوسطى حتى أنّ عبد يشوع الصوباوي (ت عام 1318) أعدّ قائمة بسبع وعشرين كرسيًّا متروبوليتيًّا ومئتي أسقفيّة خاضعة لجاثليق المشرق، وما يقارب ثمانية ملايين مؤمن! غير أنّ فترة التسامح لم تدم طويلاً، فقد وضع غازان خان، بعد اعتناقه الإسلام رسميًّا، قيودًا كثيرة على المسيحيّين، ودمّر بعض الكنائس وحوّلها إلى مساجد كما نهب مقرّ البطريركيّة، فبدأ نجم أهمّ كنيسة إرساليّة في العصور الوسيطة بالأفول. وفي عهد تيمورلنك (1336-1405) اعتنق معظم المغول الإسلام فبدأ اضطهاد المسيحيّين وتدمير الكنائس بشكلٍ منظّم، ممّا دفعهم إلى اللجوء نحو مناطق كردستان الجبليّة. وغدت الأبرشيّات النائية معزولة عن مركز رئاستها الأمّ، وامّحت شيئًا فشيئًا(1)
تناولنا في الجزء الأول من المقال عن سقوط الحكم العباسي على يد المغول بقيادة هولاكو سنة 1258م في عهد اخر الخلفاء العباسيين وهو المستعصم بالله ، واشرنا ، الى بعض الجرائم التي ارتكبها المسلمون بحق المسيحيين في عهد ملوك المغول [غير الجرائم التي ارتكبها المغول ] قبل ان يدخلوا ألأخيرين في الأسلام ليكون دين الدولة الرسمي(راجع الجزء الأول كما في الموقع ادناه).
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=706415
يقول البير ابونا في كتابه "تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية الجزء الثالث ": بعد سقوط بغداد حدث من الفوضى والدمارفي هذه البلاد.وبعد ذلك جاء العهد الجلائري وماخلفه من ألأرتباك والحروب في سبيل الهيمنة على مقاليد السلطة . ثم جاء اجتياح تيمور لنك وسدّد ضربة قاسية الى حكام البلاد . وعجزت سلطة القرة قوينلو ثم ألآق قوينلو عن توطيد السلام وألأستقرار في ربوع هذه البلاد التي غرقت في بحر من الحروب والثورات المتلاحقة .
حاول المسيحيّون ان يتكيّفوا مع مختلف النظم المتتابعة ، وان يبرهنوا عن كونهم عنصرا مسالما وتوّاقا الى الخير والبنيان . وإذا لم يفلحوا دوما في اكتساب تقدير السلطات ،فإنّهم استطاعوا مع ذلك ان يحافظوا على كيانهم وان يبذلوا الجهود الكبيرة في سبيل حمل مشعل الثقافة والعلم في حقبة لم يحظ فيها العلمُ برصيد كبير بين اقوام فضّلوا سلوك طريق القوة والبطش والأستغلال.
لقد ظهر علماء وأدباء سريان في هذه الحقبة الطويلة ، واستطاعوا ، بالرغم من الظروف ، القاسية التي مرّوا بها ، أن يسخِّروا امكاناتهم الفكرية في خدمة العلوم وألآداب ، لاسيما الكنسية منها ، ولو ان انتاجاتهم لم تبلغ الجودة والأصالة اللتين نلقاهما لدى كتبة العصور الذهبية .
تحوّل العراق بعد سقوط بغداد (سنة 1258 م ) بعد هذه الكارثة الى ولاية من ولايات الأمبراطورية الأيلخانية المترامية الأطراف التي شملت في اوج قوتها البلاد الواقعة ما بين نهر جيحون والمحيط الهندي ، ومن السند الى الفرات ، مع جزء من آسيا الصغرى وبعض القوقاز ، قاعدتها أذربيجان ، وتابعة من الناحية الشكلية لأمبراطورية المغولية الكبرى . واصبحت تبريز ثم السلطانية قاعدتي الأيلخانيين الرئيسيين .
المغول كانوا من خلفيات دينية عديدة وخاصة في بدايات حكمهم فمنهم بوذيين ، ومنهم ملوك وامراء مسيحيين وكان بين الجيش جنود مسيحيين وكانت داقوق زوجة هولاكو مسيحية .
لا يمكن الاّ ان نقول بأن في عصر المغول تمّ القضاء على الغالبية من المسيحيين في الشرق الأوسط والشرق الأدنى من سوريا الى الصين وهدّمت آلاف الكنائس والأديرة . وعندما قضيَّ على المسيحيين يعني ذلك القضاء على الحضارة . فقد كان العلماء غالبيتهم المطلقة من المسيحيين سواء في الطب اوالتعليم اوالهندسة وعلم الفلك ..الخ. مضايقات من الطرفين (المغول والمسلمين ) ضد المسيحيين استمرت ، هجومات لعصابات الأكراد على الكنائس والأديرة وقرى مسيحية وكمثال على ذلك ، تكريت ظلّت الى سنة 1279م كانت عامرة بالكنائس الشهيرة . اضطهادات في تكريت – بغداد- موصل - شام – مصر طرابلس. عاثوا المسلمين فسادا في مناطق زاخو نهب – أسر النساء والصبيان والفتيات
لم يكد البطريرك مكيخا (125 1265) م يُمضي سنته ألأولى على كرسي كنيسة المشرق (في كوخي قرب بغداد حاليا والى الجنوب من قطيسفون عاصمة الساسانيين)، حتى جاء الزحف المغولي واجتاح مناطق الشرق الأوسط برمتها وخلق جوّا من الرعب والهلع والفوضى، بالأضافة الى ألأبادة والدمار في المنطقة كلها
احوال المسيحيين في فترة الملوك الذين اتو بعد هولاكو:
1 – عهد "أباقا خان" (1266- 1282) م
هو ابن هولاكو ، وتولى الحكم بعد ابيه. وكان لدى وفاة والده في منطقة مازندران في آسيا الصغرى .هو اول من انفصل عن حكومة جنكيزخان ألأصلية واعلن استقلاله .
حكم اباقا خان ثماني عشرة سنة وقام باعمال كبيرة واصلاحات ..تزوج مريم ابنة ملك القسطنطينية ولكنه توفي قبل وصولها اليه ، واطلق عليها اسم "دسبينا خاتون" . وكان في ايامه وايام والده علماء كثيرون ، مثل نصير الدين الطوسي وغيره .ولدى عودة اباقا من بغداد في مطلع سنة 1282 ، توجّه الى همدان . ويقول ابن العبري أنّ اباقا خان "في يوم عيد النصارى الكبير لتلك السنة ، دخل الى البيعة في تلك المدينة وعيّد مع النصارى .ويوم ألأثنين ثاني العيد ، أقام له شخص فارسي مسيحي اسمه بهنام وليمة كبرى في داره . وليلة الثلاثاء تغيّر مزاجه وصار يروي خيالات في الهواء . ويوم ألأربعاء وهو اول يوم من نيسان لتلك السنة ، وهو العشرون من ذي العقدة سنة 681 هجرية انتقل من هذا العالم (ممكن مات مسموما).
2 – عهد " تاكودار –أحمد" (1282) م
هو ابن هولاكو من زوجته قوتاي خاتون واخو اباقا خان . وهو اول من اسلم من اولاد هولاكو ودعي اسمه "احمد". وكان السلطان احمد كريما. وحال تسلمه الحكم اخرج من الخزائن والأموال شيئا كثيرا وقسم على الأولاد والأمراء والعساكر ، واظهر الأحسان والشفقة الى جميع المغول والى الأمم الباقية وخصوصا الى اكابر النصارى ... . قتل السلطان احمد في سنة 1284
كان السلطان احمد يميل الى الأسلام ويضطهد المسيحيين . وفي زمنه كان بطريرك الكنيسة هو الجاثليق "يهبالاها الثالث المغولي(1281-1317) . وكان على صلة وثيقة بالملك والأمراء . وظهر اسقفان هم ايشوعسبران مطرافوليط تنكوت وشمعون اسقف أرنى، ودفعهما الحسد الى الوشاية بالبطريرك ، زاعمين انه موال لأرغون ابن أباقا خان الراحل . ووجدت وشايتهما اذنا صاغية عند السلطان احمد . فاستدعى مار يهبالاها والربان صوما والأمير اشموط المسيحي الى المحكمة . وانكشف كذب الوشاة ، ومع ذلك فقد أبقى البطريرك قيد التوقيف اربعين يوما ، وهو يعاني مضض ألآلام والحزن . ولكن تدخّل قوتاي خاتون والدة الملك والأمراء أنقذه ، فأعاد اليه احمد كرامته وأُطلق سراحهُ.
انقلبت الأمور على السلطان احمد ، وتمكن أرغون من ألأستيلاء على زمام ألأمور في المملكة . إذ ذاك ذهب الجاثليق بصحبة ألأساقفة والرهبان لتقديم التهاني للملك الجديد "ارغون" . فسرَّ به ارغون وغمره بهباته ، وعلم بما قاساه من الظم في عهد أحمد .
3 – عهد " أرغون" ( 1284 – 1291 )م.
هو ابن اباقا خان وحفيد هولاكو وقوز خاتون . كان ارغون بوذيا ، وعرف ان يتخلص من عمه السلطان احمد . حكم ارغون ثماني سنوات . ويقول عنه ابن الفوطي انه كان عادلا محمود السيرة رؤوفا بالرعية . ويقول عنه ابن خلدون انه كان قد عدل عن دين ألأسلام واحب دين البراهمة من عبادة الأصنام وانتحال السحر والرياضة ، ووفد عليه بعض سحرة الهند ، فركّب له دواء لحفظ صحته ودوامها ، فاصابه منه صرع ومات . وقيل ايضا انه كان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس ، سفاكا للدماء عظيم الجبروت . ويقال انه سُمَّ ، فإتهموا بذلك وزيره سعد الدولة اليهودي بقتله ، فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسلبا ...كان هذا الملك متسامحا طيب الشعور نحو المسيحيين ، وقد واصل المفاوضات التي بدأها اباقا مع الدول الغربية بغية مساعدته على محاربة مصر . وتوفي في 6 ربيع الأول سنة 1291م
يروي ابن العبري عن ذلك الزمان (التاريخ السرياني ص 557) انّ أرغون عين في مطلع عهده مسعود بن قرطي حاكما على الموصل ونواحيها (كان مسيحي) . ففرح المسيحيون بذلك ،إلاّ أنّهم حزنوا ايضا على مقتل اشموط ألأمير الراهب ألأيغوري على ايدي ابناء جلال الدين طوران .ويروي ايضا إنّ عصابة خرجت في سنة 1285 على منطقة اربيل ونهبت قرية عمكاباد (مدينة عينكاوة الحالية) والقرى المجاورة وقتلت العديد من سكانها ، وإنَّ عصابات كردية وتركمانية وعربية ، بالتعاون مع الجيوش المصرية هاجمت الموصل وأعملت فيها الخراب والدمار ، وقتلت العديد من سكانها دون تمييز بين ألأديان ، وحتى المسيحييون الذين التجأوا الى دار نقيب العلويين لم ينجوا من هذه الكارثة . أمّا الذين إختبأوا في منازلهم فلم يلحقهم اي اذى .. وتجدر الأشارة الى ان ابن العبري توفي في مراغة ، شمال ايران حاليا ، ليلة الثلاثاء 30 تموز 1286 م وكان الجاثليق يهبالاها الثالث هناك . فامر بألا يخرج احد الى السوق ولا يفتح دكانا . وقرعت النواقيس واجتمع الشعب كله الى دار المفريانية . وارسل الجاثليق اساقفته مع شموع كبيرة . واشترك في المأتم جميع المسيحيين من الطوائف كلها وصلوا على جثمانه ودفنوه في الهيكل الصغير الذي كان فيه يصلي ويقيم القداس . وقد نقل جثمانه في وقت لاحق الى دير مار متي.
عاد الربان صوما الى المشرق (وكان قد ارسله البطريك يهبالاها بتوصية من السلطان ارغون الى روما والغرب) وقابل الملك ارغون ، وقدّم كتاب البركات مع الهدايا التي حملها من البابا والملوك الأفرنج ، وروى له ما لقيه من الحفاوة ، وكيف تلقوا التوصيات التي حملها اليهم ، والعظائم التي رآها هناك .فسُرَّ الملك أرغون وشكره ، واراد الملك ان يبقيه عنده في خدمة كنيسته المتنقلة . ولكنه إعتذر وفضَّل ان يقوم الجاثليق نفسه بهذه المهمة . وفي السنة التالية 1289 جاء الملك ارغون في شهر ايلول الى المقر البطريري في مراغة لزيارة الجاثليق ، وكان قد عمّد ابنه "خدابندة" في شهر اب ، سماه نيقولاوس تيمُّنا باسم البابا ، وناوله القربان المقدس . وهكذا سار كل شيء للمسيحيين على ما يرام . وحينما توفي الملك ارغون سنة 1291 ، خيّم الحزن على المسيحيين قاطبة بموته.
4 – عهد "كيخاتو" (1291 -1295) م
استلم زمام الأمور في المملكة كيخاتو اخو الملك الراحل ارغون، في شهر آب سنة 1291 وكان كيخاتوعادلا ولم يحد عن خطة آبائه في اقرار السلام . رفع كيخاتو الظلم وبسط العدل والرأفة بالناس ، وفتح ابواب الدفائن والخزائن ، وصار يبذل بكرم وسخاء . وفي آب ، عيد انتقال العذراء ، دخل الملك الجديد الى الكنيسة التي اقامتها طاووس خاتون (دقوزخاتون) في المعسكر الذي كان حينذاك في الجبل المدعو ألأداغ. واقام البطريرك يهبالاها القداس وحضره الملك وسرّ كثيرا واجزل العطاء للجاثليق ، وارتفع شأن الكنيسة في عيون الجميع اما الربان صوما فقد حصل من الملك على امر يسمح ببناء كنيسة في مراغة ، فبنى كنيسة فاخرة في مراغة على اسم ماري ومار كيوركيس ...لكن المرض داهم الربان صوما وتوفي في بغداد في 10 كانون الثاني سنة 1294 ، ودفن في دار الروم.
وحزن الجاثليق يهبالاها عليه حزنا عميقا ، لأنه كان ساعده الأيمن في كل شي.
وما أن استتب الحكم لكيخاتو، حتى هبّ ألأعداء ألمصريون وذهبوا وحاصروا مدينة عكا التي كانت بايدي ألأفرنج. ودافع هؤلاء عنها ببساله وقتلوا اكثر من 20 الفا من المحاصرين ولكن حينما قُتل رئيسهم الكونت الكبير،ارتخت ايديهم ، فتمكن المسلمون من اقتحام المدينة التي دارت فيها معارك رهيبة . وكان ذلك في نيسان سنة 1292 م ، ثم إقتحم المسلمون قلعة الروم وسبوا سكانها مع الجاثليق ألأرمني والرهبان الذين معه ، وقادوهم الى اورشليم ومنها الى مصير مجهول. لكن الملك كيخاتو مال الى الشرب واللهو والفسق وداوم على معاطاته واشتدت شهوته مع النساء والغلمان وخلط الحلال بالحرام وساءت سمعته بهذه الأعمال (راجع ابن العبري التاريخ السرياني ص 579).
تغيرت نياتُ ألأمراء في طاعة السلطان كيخاتو ، وارسلوا "بايدو" وكان في داقوق(قرب كركوك حاليا) ، يعرفونه انهم اتفقوا على طاعته وتمليكه. فاعاد الجواب بقبول ذلك فقبضوا على السلطان كيخاتو وقتلوه سنة 1295 ، وكان عمره آنذاك نحو ثلاثون سنة .
5 – عهد "بايدو" (1295) م
هو ابن طرغاي خان بن هولاكو . تولى الحكم بعد مقتل كيخاتو سنة 1295 ولم يستقر في المُلك ، حتى ظهر غازان بن ارغون لحربه ومقارعته . فلما علم غازان بما جرى للسلطان كيخاتو ، وكان في خراسان ، عظم ذلك عليه ، واقبل بعساكره ، ومعه ألأمير نوروز ، وقصد بايدو وهو في اذربيجان . ودارت معارك بينهما ، فقُتل بايدو وكان عمره اربعين سنة ، وقد حكم 7 اشهر فقط .
6 – عهد "غازان" (1295- 1303)
هو ابن ارغون . تولى السلطة بعد مقتل بايدو. ودخل تبريز وصلى في جامعها.واسلم بواسطة نائبه نوروز وسمُّي محمود غازان ، وبه انتشر الأسلام بين المغول . واصدر امرا في دعوة المغول الى قبول الأسلام ، وأن يحكموا بالعدل بين الناس ، وأن تُقوّض دور ألأصنام والكنايس(اليهودية) ومعابد المجوس وتحّول البيع(الكنائس) الى مساجد. وامر بالزام أهل الذمة بلبس الغيار . فكانت علامة النصارى شد الزنار في اوساطهم ، واليهود خرقة صفراء في عمائمهم .وداموا على ذلك شهورا...وفي سنة 1301 ، وضع التاريخ الأيلخاني ، وبه طبق التاريخ الهجري القمري مع الشمسي . لكن هذا الأجراء لم يدم طويلا ....وقد اشتهر في ايام السلطان ألأعظم غازان محمود شخص يُدعى فخر الدولة وهو ابو محمد ابراهيم بن عيسى بن هبة الله النصراني الموصلي . كان هذا حاكما على الموصل ، كريما سخيا ، قصده الشعراء والأدباء والعلماء ، فاحسن صلتهم وأنعم عليهم .
كانت المحن على موعد مع البطريرك والمسيحيين . فما أن قُتل بايدو ، حتى اصدر احد ألأمراء اسمه نوروز امرا بهدم الكنائس وبقتل رؤساء الدين المسيحي واليهودي . وفي تلك الليلة ، أُلقي القبض على الجاثليق في مراغة ، ونُهب المقر البطريركي . أمّا الجاثليق فعلّقوه منكس الرأس وضربوه بالعصي واهانوه وطالبوه بإعتناق ألأسلام ، ثم طالبوه بأموال.
فذهب احد تلاميذه واقترض 15 الف درهم وافتداه . ودخل الرعاع وهدموا كنيسة مار شليطا الكبيرة . اما الكنيسة التي بناها الربان صوما فقد حفظت ، إذ كان ملك الأرمن هيثم حالاّ فيها ، ودفع هذا مبالغ كبيرة في سبيل صيانتها . وقد هرب الجاثليق واحتمى عنده. وفي اليوم التالي ، جاء رسول من نوروز يطالب بتسليم الجاثليق لقتله . واستطاع ماريهبالاها الهروب من هناك ، كما تمكن الملك الأرمني ارضاء الرسول بالرشاوي ، فغادر مراغة .
وبعد ايام قلائل ، ذهب الملك الأرمني الى تبريز ، ورافعه اليها مار يهبالاها متنكرا . وكان الملك غازان قد وصل الى هناك . وأختبأ الجاثليق هناك سبعة ايام ، الى ان قابل الملك الأرمني غازان واطلعه على قصته . فاستدعاه الملك ووجه اليه سؤالين : من اين انت ؟ وما اسمك ؟ فاجاب الجاثليق على سؤاليه وباركه . ولكنه لم يحظَ بشيء من عنده سوى التجهّم . فاضطر البطريرك الى العودة الى مراغة خائبا . وبعد عيد الميلاد سنة 1296 جاءه رجال نوروز يطالبونه بعشرة آلاف دينار كان قد اخذها في عهد كيخاتو . وبعد ان دفع لهم الفي دينار،استطاع الهرب منهم ليلا.
كان القائد نوروز من وراء جميع هذه الأجراءات التعسفية ضد المسيحيين . فقد اصدر امرا بتدمير الكنائس ومعابد الأصنام وكنايس اليهود ، وبقتل الكهنة ، وبفرض ضرائب باهظة على غير المسلمين وبلبس الغيار وهو الزنار للمسيحيين وعلامة في العمامة لليهود .وبدأ الغوغاء بتدمير الكنائس في تبريز ، وامتدت الفوضى الى مناطق اخرى . واشتدت محنة المسيحيين ، خاصة في بغداد حيث لم يكن المسيحي يتجاسر على الظهور في الأسواق ...ثم اصدر الملك غازان اوامر اخرى الى جميع البلدان ، وارسل السعاة المغول الى كل المناطق لتدمير الكنائس ونهب الأديرة . لكن المسيحيين كانوا يدفعون اموالا للسعاة فيجتازون عنهم دون الحاق الأذى بكنائسهم . وحينما وصل السعاة الى اربيل ، انتظروا ان يدفع المسيحيون لهم شيئا فيرحلون ولم يتقدم احد من المسيحيين ، حتى ولا المطرافوليط . لذا فقد دمروا هناك ثلاث كنائس جليلة ، في 28 تشرين الثاني 1296 . ولما سمع اهل نينوى بذلك ، جمعوا 15 الف دينار من اموال الكنائس وآنيتها المقدسة ودفعوها للسعاة ، فسلمت كنائسهم من الدمار ...وفي 20 حزيران 1297 ، هاجم مسلمو سوريا بقيادة علاء الدين ، مدينة آمد وعاثوا فيها فسادا وسبّوا نحو 12 الف من سكانها ، وقتلوا فيها العديد من المسيحيين ، منهم غريفوريوس مطران المدينة ، ونهبوا كنيسة والدة الله الكبيرة واضرموا فيها النار التي ظلت مشتعلة فيها نحو شهر كامل. فعلوا ذلك كله بذريعة ان اهل آمد (المسيحيين) قد تمردوا على الملك الصالح صحب ماردين (راجع ابن العبري ، التاريخ السرياني ، ص 595 – 598)
في نهاية الشتاء ارسل الجاثليق شخصا الى الملك غازان في مقره الشتويى في موغان ، واطلعه على جميع الأحداث . فتأثر الملك لدى سماعه بالمعاملات السيئة التي تعرّض لها الجاثليق ، وامر بان يُعفى المسيحيون من الجزية ، وبالأّ يتخلى احد منهم عن ديانته ، وبأن يكون الجاثليق رئيسا على الكنيسة ، وبأن يعاد الى الجاثليق والأساقفة ما أخذ منهم من ألأموال . وارسل الملك خمسة آلاف دينار للجاثليق لمصرفه ، ريثما يأتي ويواجهه.
وكان دمار كبير قد لحق بالكنائس في مناطق اربيل وتبريز وهمدان والموصل وبغداد. وخلال تلك ألأضطرابات ، وبتأثير من نوروز ، استولى المسلمون على الكنيسة والبطريركية التي كان الجاثليق مكيخا قد اقامهما ، بامر هولاكو ودقوق خاتون ، في دار الدويدار في بغداد ، واضطر المسيحيون الى نبش القبور في الكنيسة وأخذ بقايا رفاة البطريركيين مكيخا ودنحا ونقلها الى كنيسة سوق الثلاثاء(راجع صليبا في كتاب المجدل ص 122و125).
وحينما عاد الشخص المرسل الى الملك غازان حاملا الى البطريرك اوامر الملك الصريحة ، تنفس الجاثليق الصعداء وفتح المقر البطريركي في مراغة ، واجتمع اليه المؤمنون ، وشرع الظالمون يعيدون ألأموال التي ابتزوها من المسيحيين . وفي تموز سنة 1296 ، الموافق لشهر رمضان ، توجه الجاثليق الى موغان وقابل الملك غازان الذي استقبله باكرام مع الأساقفة مرافقيه ، مما اثار المزيد من الحسد في قلوب الأعداء ...في سنة 1297 ، نزل الملك لقضاء الشتاء في بغداد ، ومكث الجاثليق في مراغة . فدخل الى مراغة شخص يُدعى شاخ التيمور وادَّعى ان لديه أمرا يقضي بقتل كل مسيحي لايجحد دينه . فلما سمع المسلمون هاجوا وماجو وهجموا على المقر البطريكي ونهبوا كل ما فيه ، وذلك في الصوم الكبير . ولما انكشفت خدعة هذا الشخص المنافق ، اقتضى ألأمر إعادة ألأموال المسلوبة كلها . ولكن حينما اجتمع المسلمون امام ألأمراء واعدت العصي لتأديبهم ، إذا بهؤلاء المسلمين يهاجمون معا ألأمراء بالحجارة ، حتى اضطروهم الى الهرب الى بيوتهم ، وانهالوا على المسيحيين ضربا وتعذيبا ، ووصلوا البطريركية ونهبوها ودمّروها تماما.
محنة قلعة اربيل :
لاحت بوادر الخلاف بين المسلمين والمسيحيين على اثر مقتل شخص كبير من المسلمين على ايدي القياجيين المسيحيين (قوم من سكان الجبال) . وكان نوروز السبب في ذلك . فإنه أثار اضطرابا كبيرا في المملكة كلها على اثر تمرده على الملك . واشتد حصار المسلمين على قلعة اربيل التي كانت بأيدي المسيحيين . وتمكن المحاصرون من القاء القبض على المطرافوليط ابراهيم وعلى عدد من الكهنة والمؤمنين ، فقتلوا منهم وباعوا ألآخرين بأثمان باهظة .واجتمع مختلف الشعوب لحصار القلعة ، آملين نهب المسيحيين والقضاء عليهم .واستمر الحصار من اثنين شصوم الباعوث حتى عيد الصليب من سنة 1297. وفي شهر آب ، قضي على المتمرد نوروز . لكن ازمة قلعة اربيل لم تنفرج وأذاع المسلمون أخبارا ملفقة مفادها ان المسيحيين يقتلون كل مسلم يلقونه دون رحمة ، وابلغوا تلك الأخبار الى الملك نفسه الذي كان يميل الى ألأسلام .وكان الجاثليق اذ ذاك يسير مع المعسكر اذ لم يبقى له مقام مستقر . فارسل الملك يقول للجاثليق انه يرغب في اخراج المسيحيين من القلعة واعطائهم اراضي وممتلكات في مواضع اخرى . فتنهّد البطريرك وقال للموفدين:
جميع المراكز البطريركية في بغداد ومراغة وتبريز وهمدان قد دُمِّرت وسُلبت ، ولم يبقى سوى مركز قلعة اربيل مع نفر من المسيحيين فيها.وهؤلاء ايضا تريدون تشتيتهم ونهبهم ؟. فليامر الملك بعودتي الى بلادي أو الذهاب الى بلاد الجورجيين لانهي هناك حياتي .وعندما ابلغوا هذا الجواب للملك امر بالاّ يخرج المسيحييون من القلعة .وعلى اثر تدخل السلطات المغولية تم الصلح في اربيل بين المسلمين والمسيحيين ...وفي ذلك الزمان ، استصدر ناصر الدين صاحب الديوان امرا من الملك يقضي بان يدفع المسيحيون الجزية ، وان يلبسوا الزنار ويسيروا في اسواق مدينة السلام . فاصبحوا بذلك موضع سخرية واحتملوا ألأهانة الى ان ابعد الله عنهم هذه المحنة .
توفي الملك غازان في يوم العنصرة سنة 1303م عن عمر بلغ 33 سنة ، وكانت مدة حكمه نحو ثماني سنوات
7 – عهد الملك "أُلجايتو"
تم نقل السلطة بهدوء ، إذ استدعى الأمراء الجايتو المسمّى خدابنده اخ الملك الراحل "غازان" ، وكان في مقاطعة خراسان ، واقاموه ملكا في 12 تموز سنة 103، وكان الجايتو قد نال العماد في صغره في عهد ابيه أرغون (اي كان مسيحييا) ، وكان لديه دالّة عند البطريك يهبالاها، مع امه اركو خاتون المسيحية. وسُرّ الجاثليق بجلوسه على العرش ، وكان يعقد عليه آمالا كبيرة للشعب المسيحي . ولكن خابت آماله ، إذ كان الجايتو قد أسلم وتلقى تربية اخرى . ولما التقاه الجاثليق مرتين ، ابدى له الملك اكراما ظاهريا . وشرّع الملك يساعد المسلمين في كُلِّ شيء ، حتى ارادوا ألأستيلاء على الدير وعلى الكنيسة واوقافها في مدينة تبريز .إلاّ أنّ خال الملك ، ألأمير ايرنجين ، منع الملك من ذلك .
مجزرة المسيحيين في اربيل :
عادت الأحقاد فظهرت بين المسلمين والمسيحيين في اربيل ، وعزم المسلمون على إبادة المسيحيين والأستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم . وكان ناصر الدين يذكي نيران الحقد في قلوب المسلمين ويستعد للقتال ويجلب المزيد من ألأسلحة الى البرج الذي كان يسكنه عند مدخل القلعة ، وكان يوغر صدر الملك على سكان القلعة متّهما إيّاهم بالعصيان عليه . ولما تفاقم الشر ، اصدر الملك امرا باحتلال القلعة ما لم ينزل منها العصاة . وكان الجاثليق يهبالاها في القلعة لايصدّق احتمال وقوع مثل هذه الأمور . وتغافل المسيحيون عن الذهاب الى المعسكر واطلاعه على شؤونهم .
وفي يوم الأربعاء 9 آذار سنة 1310 ، صعد الى القلعة بعض الأمراء وانزلوا منها الجاثليق وجاؤوا به الى دير مار ميخائيل ترعيل ، وقال له ألأمير الذي كان يحبه كثيرا أنّ ألأمر يقضي بنزول الجبليين (القياجيين) من القلعة وبقاء ألآخررين فيها.فتم الأتفاق بان يدعوهم الى النزول . وارسل الجاثليق من عنده شخصا من ألأساقفة يُدعى عبديشوع وهو اسقف حنيثا ، وارسل الأمير شخصا من ألأمراء يُدعى ساطي بك ، لكي يتفاوضا معهم وينزلاهم . ولكنهم رفضوا النزول . واعاد الجاثليق الكرة ، فارسل اليهم وفدا مكونا من مطرانين ورهبان ورئيس دير مار ميخائيل ترعيل ، ودخلوا القلعة وتكلموا معهم ، فرفضوا بالنزول . لكن المسلمين بزعامة ناصر الدين كانوا لهم بالمرصاد عند البرج ، ودارت معركة بين الطرفين قُتل فيها عدد من المسلمين والمسيحيين . ولما علم ألأمير سوتي ، أسرع واحاط بالقلعة بجيشه ، واحتجزوا الجاثليق والذين معه.
اما المدينة ذاتها فصارت مسرحا للقتل ، وحصد السيف كُلّ مسيحي وُجد فيها، ودُمِّرت الكنائس ألأربعة التي فيها . وأستعد المسلمون لاقتحام القلعة . فأرسل الجاثليق رسالة الى مطرافوليط اربيل الذي كان قد التجأ الى قرية بيت صيادي ، وطلب منه ألأسراع في اخبار المعسكر . ووصل بغداد في اربعة ايام واطلع المعسكر على جميع ما جرى . فكتبوا رسالة شديدة اللهجة الى الأمير سوتي . وانتقم هذا من الجاثليق وأساء معاملته ، ثم سمح للمسلمين بسلب كل ما كان عنده وبقتل الذين عنده . لكن أمرا صدر عن الملك يقضي بعقد السلام بين الطرفين المتخاصمين . واتوا بالجاثليق الى أربيل وطلبوا منه ان يأمر سكان القلعة بالنزول ، واسمعوه كلاما قاسيا . وإذ لم تكن النوايا سليمة ، حيث المسلمون قتلوا جميع الذين نزلوا من القلعة ، ونهبوا جميع اموال القلاية ، واحتالوا على الجاثليق واصعدوه الى القلقة . واضطر الأمير سوتي الى مغادرة الموضع ، وبقي فيه ألأكراد واهل المدينة .[هذه هي نهاية المسيحة في أربيل التي منذ ذلك الحين استولى عليها الأكراد وغيرهم من المسلمين بعد ان كانت قلعة المسيحيين واسمها يدل على ذلك اربيل ، اربا ايلو ، اي الآلهة الأربعة هذا هو اسمه منذ زمن الآشوريين]
استؤنف القتال في اليوم التالي، وحوصرت القلعة واشتد فيها الجوع والفاقة . وظلّ الجاثليق وثلاثة اساقفة معه وبعض الرجال في القلعة وهم يعانون من الجوع والعطش والحاجة. وأوغر المسلمون صدر الملك على الجاثليق متّهمين إياه بالتواطؤ مع المتمردين . فاصدر الملك أمرا بالحصار الشديد وشن الحرب على القلعة ... . واستطاع الجاثليق اقناع المتبقين من النزول وكانوا 150 رجلا بالأضافة الى النساء والأطفال . وخرجوا من القلعة دون سلاح . ولكنهم ما ان خرجوا حتى انقضَّ المسلمون عليهم وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال ...وكان المسلمون قد عقدوا العزم على القضاء على الجاثليق . وكان المطرافوليط يتوجس خيفة من ذلك .فالتمس من ألأمير كيجك ان يرسل من عنده شخصا الى اربيل لتجنب شر طوغائين . لكن رسول الملك وصل بعد ان تمّت المجزرة . فجاء الموفد وسلم على الجاثليق وطوغائين وابرز لهما امرالملك الذي كتبه امير ألأمراء جوبان بشأن الجاثليق . فامتقع لون طوغائين وناصر الدين وتوجسا خيفة ، ولاسيما ان الموفد قد ابصر الجاثليق . وعند غروب الشمس رافعا الموفد ميلا خارج المدينة ، في طريقه الى قرية عمكاوا(عينكاوة)
موت الجاثليق يهبالاها :
الجاثليق يهبالاها مع المغول والأساقفة الذين معه الذين جاؤوا من عند الأمير كيجك ليأخذوه ، فقد ذهبوا الى الملك . زار الجاثليق الملك " الجياتو" ، فاكرمه ، ولكنه لم يتبادل معه اي حديث. فتركه الجاثليق حزينا ، إذ لم يكترث احد بالأحداث الماساوية التي دارت في اربيل وبعد ان مكث شهرا ، عاد الجاثليق الى الدير الذي بناه بجوار مراغة ، وقد نوى الا يذهب من بعد الى المعسكر قائلا:
"لقد سئمتُ من خدمة المغول !".وامضى شتاء سنة 1311 في الدير ..وامضى الجاثليق شتاء 1312 في الدير وكذلك الصيف ، ولما بلغ خبره الى الملك ، عيّن له خمسة آلاف دينار كل سنة لقوته وخصص له بعض القرى في منطقة بغداد.
وكان عدد المطرافوليطين وألأساقفة الذين رسمهم الى ذلك الحين 75 شخصا .
وعاش مار يهبالاها (المغولي ) في الدير الذي بناه في مراغة الى ان توفي ليلة الأحد 15 تشرين الثاني سنة 1317 ، ودفن في الدير ذاته ....هكذا تنتهي قصة يهبالاها الثالث . كان الجاثليق يهبالاها الثالث وديعا ومحبا للخير ، وكانت له علاقات ممتازة مع ممثلي الكنائس
ويشيد ابن العبري بمناقب الجاثليق ، ويقول انه كان مطبوعا على الخير ومحبة الله ، وانه عامله هو وطائفته بمحبة كبيرة . وقد برهن عن ذلك في مأتم ابن العبري . إنّ هذه الأنعطاف الطبيعي لدى رجل مغولي تلقى ثقافته في الصين ، قد أبداه ايضا تجاه المرسلين اللاتين الذين قدموا الى الشرق . ويبدو أنّ هذا الأنفتاح لم يكن يرضي اساقفته النساطرة .
ويخبرنا الدومنيكي ركولدو دي مونتي كروجي على الحالة التي لاحظها لدى مروره في الشرق ومقابلته الجاثليق سنة 1290 . إنّ قصة مار يهبالاها لاتظهر لنا اي خلاف بين الجاثليق واساقفته ، ما خلا الأفتراء الذي تعرض له من اسقفين في بدء عهده .
إلاّ ان السبب الحقيقي لأنحطاط كنيسة المشرق في القرن الرابع عشر لم يكن عدم التآلف بين ألأساقفة والجاثليق يهبالاها ، بل تقلبات السياسة . فمنذ سنة1286 وقعت القطيعة بين الملك "غازان " والملك ألأكبر "طوغون" تيمور وهو حفيد قوبلاي ، مما ادى الى صعوبة العلاقات بين الكنيسة ألأم وبين المقاطعات الواقعة في آسيا الداخلية والصين . فلم يستطع المرسلون الوصول الى تلك المناطق ، في حين أنّها كانت بأمس الحاجة الى نورهم ومؤازرتهم لدعم الوجود المسيحي هناك . ظلّ ألأقليروس ينعم بشي من الرعاية من قبل السطلات الحاكمة ، حتى ان ألأمبراطور كان مايزال يهتم سنة 1335 بالطقوس الواجب اتباعها في الكنيسة النسطورية حيث يرقد جثمان والدة الخانين ألكبيرين "مانكو" و"قوبلاي" . إلاّ ان الثورات ضد السلالة المغولية الحاكمة بدأت تنتظم في مختلف المقاطعات ، وادّت سنة 1369 الى قيام سلالة اخرى هي سلالة مينغ التي اكتسحت كل النظم التي وضعها المغول. وهكذا نرى ، قبل غروب القرن الرابع عشر، أنَّ الديانة المسيحية كادت أن تتلاشى من جديد في تلك الأصقاع الصينية النائية .
وفي ذلك الوقت ايضا تلاشت الجماعات المسيحية في آسيا الداخلية .فإنّ الكتابات الجنائزية التي لدينا من منطقة سميريتجيا لا ترقى الى ما قبل سنة 1345. والجماعات المسيحية في بيشبيك وطقماق ابتُليت بالطاعون سنة 1338 و1339 ، ثمّ دُمّرت من جرّاء المضايقات المتنوعة . واحدث كتابة عُثر عليها في مقبرة الملك ترقى الى سنة 1371 . كما إنّه وُجد انجيل بالفارسية حسب الطقس النسطوري تمَّ استنساخه في سمرقند سنة 1374 . وقد قضى تزمُّت تيمورلنك للأسلام على آخر الفرق المسيحية . أمّا في بلاد فارس وبين النهرين حيث قُتل العديد من المسيحيين في تلك الفترة ، فقد جاءت الفوضى في العهد الجلائري ، بالأضافة الى التعصُّب الشيعي ، وكبَّدَت المسيحية خسائر فادحة .
وهكذا فاننا نكاد نجهل تماما تاريخ كنيسة المشرق في القرن الرابع عشر . ولدينا معلومات ضئيلة عن انتخاب طيمثاوس الثاني خلفا ليهبالاها الثالث ، وقد تم انتخابه بالنظر الى معرفته اللغات ، كما يقول عبد يشوع مطران نصيبين الذي كان احد الناخبين ، في مجموعته القانونية . وقد توفي عبد يشوع سنة 1318 ، ومجمع طيمثاوس الثاني هو آخر حدث يعرفه . وبعد هذا ، لدينا فجوة كبيرة تشمل قرنين فيها يجب النظر الى الأحداث والى لوائح البطاركة بكثير من التحفظ.
ما ان توفي البطريرك يهبالاها الثاث ، في نهاية سنة 1317 ، حتى توجهت انظار الناخبين الى يوسف ، واتفقت ألآراء على اقامته جاثليقا على كنيسة المشرق ، وذلك بالنظر الى
نشاطه وشخصيته ، والى علمه الغزير ومعرفته للغات وحكمته في ألأدارة . فسمي إذ ذاك طيمثاوس وهو الثاني بهذا الأسم بين جثالقة كنيسة المشرق . وبعد انتخابه ، انتهز فرصة وجود ألأساقفة مجتمعين ، لكي يعقد مجمعا في مطلع سنة 1318 . واسفر هذا المجمع عن سنة 13 قانونا تتعلق بالأدارة الكنسية وبالتحرض على ألألتزام بالقوانين الرسولية وبقوانين آباء كنيسة المشرق....ويبدو ان طيمثاوس الثاني مكث في اربيل حتى وفاته سنة 1332 . وقد اجتمع في هذه المدينة البقية الباقية من المسيحيين ونظموا شؤونهم ، بعد ان عاد الهدوء الى المنطقة . وفي هذا الزمان حدثت اضطرابات في مراغة ، واستولى المسلمون على الكنائس والأديرة فيها. فاضطر المسيحيون الى نقل رفات مار يهبالاها الثالث من مراغة الى اربيل والى دفنها في دير مار ميخائيل ترعيل . (2)

المصادر
(1)
https://www.radiomariam.org/patriarca-sako/
(2)
"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية " للأب البير ابونا الجزء الثالث"



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن