مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني جزء من الصراع ضد التحالف الامبرالي الصهيوني الرجعي.

جمال براجع
jamal.beraja@yahoo.fr

2021 / 2 / 13


أقدمت مؤخرا أربع دول عربية˛ وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب˛ على توقيع اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني بأمر من إدارة ترامب وتحت اشرافها˛ في إطار اجراة المشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة المسمى "صفقة القرن" الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإدماج هذا الكيان الاستعماري العنصري˛ككيان شرعي ومحوري في المنطقة في مواجهة إيران وحلفاءها فيما يعرف بمحور المقاومة˛ وفي حماية المصالح الامبريالية في المنطقة وتكريس تحكمها في ثرواتها وموقعها الجيواستراتيجي الحيوي بالنسبة لها.
ويشكل توقيع اتفاقيات التطبيع بالنسبة للكيان الصهيوني انتصارا سياسيا كبيرا نظرا للمكاسب الكبيرة والمتنوعة الآنية والإستراتيجية التي سيضمنها لها على كافة الواجهات وفي مقدمتها الاعتراف به ككيان شرعي.وهذا اكبر مكسب سياسي بالنسبة له سيلقي بكل القرارات العربية الخاصة ب "مبادرة السلام العربية" "الأرض مقابل السلام" و"المقاطعة العربية"ووو في سلة المهملات˛ وسيصعب المأمورية على قوى المقاومة الفلسطينية والعربية.
1-اتفاقيات التطبيع جزء من الإستراتيجية الصهيونية لكسب الاعتراف بالمشروع الصهيوني
شكلت مسالة "الاعتراف" بالمشروع الصهيوني احد أحجار الزاوية في إستراتيجية الحركة الصهيونية˛ لما لها من أهمية في فرض مشروعها السياسي ليس في فلسطين˛ والمتجسد في دولة " إسرائيل"˛ بل في العالم ككل كقوة سياسية واقتصادية فاعلة ومؤثرة في الأحداث تحظى بالشرعية الدولية سواء من طرف الدول أو الشعوب.
وقد وظفت الحركة الصهيونية في سبيل ذلك˛ ومنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر في سياق الحركة الامبريالية˛ كل إمكانياتها المالية والسياسية والإعلامية˛ فتمكنت من انتزاع اعتراف الأوساط الحاكمة في الأنظمة الرأسمالية الامبريالية في أوربا وأمريكا الشمالية والتي توافقت مصالحها في الشرق الأوسط مع الأطماع الصهيونية بفلسطين. ومن هنا جاء وعد "بلفور"˛ سيء الذكر˛ لسنة 1917 كصك اعتراف رسمي من طرف بريطانيا بالمشروع الصهيوني˛ وقرار تقسيم فلسطين الصادر عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1947 كصك اعتراف دولي ب" شرعية" إقامة دولة " إسرائيل" كتجسيد سياسي للمشروع الصهيوني˛ والاعتراف بها كدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة سنة1948 تحت ضغط القوى الامبريالية.
وتستغل الصهيونية عدة ظروف وعوامل لفرض الاعتراف بدولتها العنصرية الإرهابية كأمر واقع من أبرزها:
-النفوذ المالي والسياسي والإعلامي القوي الذي يتمتع به اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والذي يمكنها من التأثير في القرار السياسي في هذه الدول لصالحها وعبرها في القرار الدولي.
- الدعم الاقتصادي والمالي والعسكري الذي تقدمه القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ل"إسرائيل" لضمان حمايتها وتفوقها العسكري كرأس حربة الامبريالية في المنطقة˛ وتدخل هذه القوى لإجهاض السيرورات الثورية في المنطقة لمنع شعوبها من تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانجاز ثوراتها الوطنية الديمقراطية الشعبية عبر دعم قوى الثورة المضادة ˛ وكذا التدخل من اجل إضعاف دول وقوى المواجهة والمقاومة للمشروع الصهيوني عبر الضغط والتدخل العسكري المباشر وإثارة الانقسامات والنزعات والحروب الطائفية وتشجيع ودعم الحركات الدينية الإرهابية كالقاعدة وداعش.
-المآسي التي تعرض لها اليهود في أوربا منذ القرن 19 وخلال الفترة النازية واستثمارها كوسيلة للتأثير على الرأي العام وخاصة الأوربي لكسب تعاطفه وتأييده لدولة "إسرائيل "˛والتغطية على الجرائم الرهيبة التي ارتكبتها دولتها الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني من اغتصاب لأرضه وتشريده وتقتيله وحرمانه من ابسط حقوقه˛ ولابتزاز الدول الأوربية سياسيا وماليا بتحميلها المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن تلك المآسي وفي مقدمتها ألمانيا التي مازالت لحد الآن تؤدي ثمن ما اقترفته النازية ضد اليهود في شكل تعويضات مالية هائلة.
- سيادة أنظمة استبدادية في البلدان العربية˛ تابعة للمراكز الامبريالية يرتبط وجودها واستمراره بمدى إخلاصها في خدمة الامبريالية˛ مما يجعلها شريكة في تصفية القضية الفلسطينية وضرب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة اللاجئين وبناء دولته الديمقراطية على كامل فلسطين وعاصمتها القدس.وقد ظهر انبطاح هذه الأنظمة أمام أوامر الرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي جرها لتوقيع اتفاقيات التطبيع بشكل مخز ومهين ودفع إتاوات حماية عروشها.
و تشتغل الحركة الصهيونية˛ من اجل اختراق المنطقة العربية والمغاربية وتكريس وجودها وكسب الاعتراف بها˛ وفق إستراتيجية مدروسة ومتدرجة ومتنوعة الواجهات والوسائل السياسية والأمنية والاقتصادية والإيديولوجية والإعلامية˛ لا تظهر دائما بوجهها المباشر˛بل قد يتم تصريفها بطرق غير مباشرة كدور التغطية الذي تقوم به بعض الشركات الأمريكية والأوربية للرأسمال والبضائع الإسرائيلية لاختراق أسواق المنطقة˛ والاتفاقيات والعلاقات السرية مع الأنظمة العربية الرجعية˛ والتسرب عبر بعض جمعيات المجتمع المدني وخصوصا المشتغلة في مجال الحقوق الدينية أو الاثنية والثقافية لتفجير التناقضات والصراعات وسط شعوب المنطقة.
ويشكل التطبيع احد الوسائل السياسية الأساسية لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني المتمثلة أساسا في تصفية القضية الفلسطينية وإفراغها من مضمونها كقضية تحرر وطني لشعب اغتصبت أرضه ويعيش تحت احتلال غير شرعي˛ والاعتراف بإسرائيل رسميا من طرف الدول العربية على غرار مصر والأردن كدولة لها شرعية وكسر طوق العزلة والمقاطعة عنها وما يستتبع ذلك من دمجها سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا في المنطقة وفتح الأسواق أمام الرأسمال والتجارة الإسرائيليين.بل والأكثر من ذلك كسب اعتراف وقبول واحتضان شعوب المنطقة لها.وهذا هو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه اسرائيل˛ خاصة وأنها تدرك جيدا أن أنظمة هذه الدول لا شرعية لها لدى شعوبها˛ وان التطبيع لا مستقبل له إذا بقي فقط على المستوى الرسمي˛ كما حدث مع مصر والأردن˛ ولم يتغلغل تأثيره في عقول ووجدان الشعوب لتغير نظرتها وموقفها من الكيان الصهيوني كعدو تاريخي الصراع معه صراع وجود˛ إلى كيان شرعي مقبول يمكن التعايش معه . وهذا ما يفسر تأكيد إسرائيل˛ عند توقيع اتفاقيات التطبيع˛ على تعزيز التعاون الثقافي بينها وبين الدول المطبعة وخاصة في مجالات التعليم والفن والثقافة كمداخل أساسية للاختراق الصهيوني.
2- مواجهة التطبيع مواجهة جزء من مواجهة المخطط الامبريالي الصهيوني الرجعي
لا يمكن مواجهة سياسة التطبيع التي تقوم بها الأنظمة العربية المطبعة مع العدو الصهيوني إلا بفهم خلفياتها وإبعادها وأهدافها ومخاطرها الآنية والإستراتيجية كما اشرنا إلى دلك أعلاه.مما يجعل هذه المواجهة تندرج ضمن:
-الصراع الشامل لشعوب المنطقة العربية والمغاربية وقواها الوطنية والتقدمية ضد المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي باعتباره النقيض التاريخي للمشروع الوطني الديمقراطي الشعبي الهادف إلى تحقيق التحرر الوطني الديمقراطي عبر القضاء على الكيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية وتمكين شعوب المنطقة من تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفك علاقات التبعية للمراكز الامبريالية كشرطين ضروريين لتحقيق التقدم والتنمية المستقلة الشاملة.
- الصراع الشامل للطبقة العاملة والشعوب في العالم ضد الامبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لتكريس سيطرتها السياسية والعسكرية والاقتصادية عالميا ولضمان استمرار وديمومة نظام الرأسمالية المتوحشة في العالم˛ ومنع أية إمكانيات لحدوث ثورات اجتماعية للطبقة العاملة والشعوب قد تهدد المصالح الامبريالية وتفتح أفاقا جديدة للتحرر من الاستغلال والاستلاب الرأسمالي والسيطرة الامبريالية.
وبناءا على هذا التصور فان هذه المواجهة يجب أن تستحضر الخصائص التالية:
-مواجهة تاريخية ضد التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي مما يجعلها ذات أفق استراتيجي هدفه القضاء على هذا التحالف وتحقيق التحرر الوطني الديمقراطي الشعبي لكافة شعوب المنطقة وضمنها الشعب الفلسطيني.
-مواجهة منظمة و شاملة تقودها القوى الثورية و الديمقراطية في كل بلد˛ وفي مقدمتها القوى اليسارية˛ استنادا إلى برامج سياسية شاملة لمختلف مهام وواجهات الصراع السياسية والإيديولوجية والاقتصادية والثقافية وغيرها مع خلق أشكال للتنسيق والنضال الوحدوي بين هذه القوى على الصعيدين المغاربي والعربي لإسقاط المخططات الامبريالية الصهيونية الرجعية وضمنها مخطط التطبيع.
- مواجهة ذات عمق جماهيري شعبي من خلال تعبئة الجماهير الشعبية قصد الانخراط الواعي والمنظم في الصراع الطبقي تحت قيادة القوى الثورية والديمقراطية. فلن تنجح معركة إسقاط التطبيع وغيرها من المعارك ضد المخططات الامبريالية الصهيونية الرجعية إذا ظلت نخبوية فوقية تغيب أو تغيب عنها الجماهير كما تثبت ذلك التجارب التاريخية.
-مواجهة متنوعة الوسائل والآليات والسبل ونذكر منها :
- خلق إطارات وتنظيمات وحدوية في مختلف البلدان العربية والمغاربية لتنظيم مواجهة التطبيع.
-المقاطعة الشعبية لكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية...
- تنظيم حملات شعبية المقاطعة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية.
- تنظيم حملات نضالية للضغط قصد تجريم التطبيع قانونيا.
-فضح المطبعين عبر إعداد لوائح بأسمائهم ونشرها ليتعرف عليهم الرأي العام ومقاطعتهم وعزلهم اجتماعيا.
- تنظيم حملات إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرقمي ضد التطبيع والمطبعين أنظمة ومجموعات وأفرادا وضد الصهيونية و الممارسات الإرهابية الوحشية لدولتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني.
-تكثيف أشكال الدعم للشعب الفلسطيني والتعريف بالقضية الفلسطينية بمختلف الوسائل والأنشطة الفكرية والسياسية والثقافية والفنية وغيرها.
- التنسيق مع القوى والتنظيمات الديمقراطية والتقدمية في كافة أنحاء العالم لحشد التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني ولفضح جرائم الكيان الصهيوني والضغط لعزله دوليا كنظام عنصري استعماري استيطاني في أفق إسقاطه.
على سبيل الختم
إن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو خيانة للقضية الفلسطينية وطعنة في الظهر للشعب الفلسطيني كشفت بوضوح عن حقيقة الأنظمة العربية المطبعة كأنظمة عميلة للامبريالية والصهيونية˛ تأتمر بأوامرها˛ وفاقدة للقرار السياسي المستقل مما يجعل مواجهتها والنضال من اجل إسقاطها شرطا ضروريا للتحرر من السيطرة الامبريالية والصهيونية.وهذا لن يتم إلا إذا نظمت الشعوب صفوفها وبنت أدوات نضالها الديمقراطي والثوري وفي مقدمتها أحزابها الثورية.
جمال براجع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن