حركة الحياة

ساطع هاشم
hashem59@yahoo.com

2021 / 2 / 2

واحدة من الأفكار العلمية التي انتشرت في السبعينات والثمانينات والتي لا ادري من هو مؤلفها ومخترعها الأول على وجه الدقة تقول بان:
حركة الحياة على الأرض تزداد سرعة كلما تقدمت الأرض بالعمر، وهذا يعني ان الفترات الزمنية التي تعيش بها الأنواع الحية تقصر مع مرور الزمن, فمثلاً انتقال الانسان من كونه قرد الى انسان استغرقت خمسة ملايين سنة, وعندما اصبح انسان فان حياته في العصر الحجري القديم استغرقت نصف مليون سنة, والعصر الحجري الوسيط عشرين الف سنة, والعصر الحجري الحديث اقل من خمسة الاف سنة ثم دخل الانسان الى العصر الزراعي الذي انتهى مع الثورة الصناعية الأولى البخارية بداية القرن التاسع عشر, وقد اعقبتها وبسرعة ثلاثة ثورات صناعية أخرى، ونحن الان نعيش في آخر واحدة منها والتي تسمى بالثورة الصناعية الرابعة او ثورة الديجيتال، وكل هذه القفزات العلمية والتكنلوجية والمعرفية الهائلة التي أوصلت الانسان الى ابعد النجوم استغرقت مئتين سنة فقط.

ولا يبحث الناس من العلماء الذين ابتكروا هذه النظريات عن الحقيقة في تاريخ الانسان الاجتماعي او السياسي، كما يفعل المؤرخين في علم الاجتماع، بل يبحثون عنها في تاريخ الضوء الذي يحتوي على ضياء عناصر مكونات الحياة، حيث توصلوا الى معرفتها عن طريق تاريخ الضوء المنبعث مع الانفجار الكبير منذ اربعة عشر مليار من السنين، واصبح الضوء منذ نهاية القرن التاسع عشر والى الان واسطة الانسان/العالم الوحيدة التي تربطه بالكون والعالم الخارجي، وغياب الضوء يحجب المعرفة ويؤدي الى العتمة والسواد كما في الثقوب السوداء التي تمتص الضوء بالكامل، ولك ان تفهم هذا بالمجاز والرمز او دونه فكلاهما واضح ومعبّر.

ويقول هؤلاء العلماء (الاذكياء) في ادبياتهم وافلامهم التي تغزوا العالم، بان الكاربون هو العنصر الاساسي للكائنات الحية ويشرحون هذا بتفصيلات مثيرة وغير مفهومة للعامة دائما، فهناك فاصل بينهم وبين عالم البلهاء، والذين هم نحن او السواد الأعظم وغالبية سكان الكرة الارضيّة, هذا العالم الابله الذي نعيشه كل يوم ونحن نسير بالطرقات وبين الشجر, الذي هو خارج مختبرات هؤلاء الذين يقال عنهم اذكياء.

غير ان عالم البلهاء هذا اكثر تعقيدا بما لا يقاس من عالم الاذكياء ومختبراتهم الجافة، فهو يحتوي على تاريخ دماغ الانسان، هذا الدماغ الذي يصفه الاذكياء بأنه سر الاسرار ومصغر للكون الواسع اللامتناهي.

فما هذا الذي له أهمية مباشرة اكثر من غيره في عصرنا؟
الضوء، الدماغ، التعاسة، السعادة، البهجة، الحزن، الاحداث الكبرى، الجمال، الصلاح، الإصلاح، ام الثورة؟

اعتقد اهل اليونان قديماً باستحالة السعادة بدون الجمال، سواءاً الروحي او المادي ووضعوا قوانين لهذا الجمال تحكمت في انتاجهم الفكري والفني والمعماري وتقريباً في كل مجالات حياتهم، التي نراها في ما خلفوه ورائهم من اثار وفلسفة ونظريات علمية، أصبحت الأساس للنهضة الغربية التي أحيت الموتى اليونانيين منذ ستة قرون.
اما الان فلا احد يتخيل السعادة بدون جمع المال والثروة والحصول على وسائل الترف التكنولوجي، وذلك ليس عيباً في حد ذاته لكنه يجري بغير عدالة ولا انصاف، وليس هناك من طريقة مضمونة لتغيير الوضع القائم.
يُروى عن بابا الفاتيكان بيوس الرابع انه عندما سمع بموت عدوه البروتستانتي كالفن سنة 1564 قوله ( ان قوة هذا الهرطيق ترجع الى انه لم يكن يبالي بالمال)، وكان هذا السلوك ناجحاً وحتى وقت قريب وانتشر بالعالم بفضل الثورات والانتفاضات الاشتراكية والتحررية لتعديل المجتمع وانصاف الضعفاء.
اما في عصرنا بعد انهيار الاشتراكية، فهناك هوس عالمي وركض محموم للسيطرة على عقول البشر والنشئ الجديد لجذبهم الى الانسجام مع هذا النظام او ذاك والتي هي جميعها أنظمة غير منصفة ولا عادلة الا لاقلية تعيش في اعلى الهرم السياسي والطبقي.

فكم هو مفيد لو يصل الناس الى نهاية لهذه الأنظمة الغريبة التي تحكم العالم ويواجهون طغيان الحكومات وطغيان التقاليد وطغيان المال، اية نهاية ليس مهماً ما تكون، لننتهي من هذه الخزعبلات واللاعدالة الدولية حول العالم.

فهل هذا بحاجة الى نظرية، حتى تشتعل الثورة؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن