- آخر علم يرفرف - فيلم يرفض الحرب ويحتج على ممارسات الإدارة الامريكية

علي المسعود
alialmasoudi2002@yahoo.co.uk

2021 / 1 / 28

"Last Flag Flying

أنتجت هوليوود أفلاما عن حرب العراق والوجود الأميركي التي تناولت تورط الحكومة الأميركية فيها، حيث وجدت أن فكرة الغزو الأميركي لبغداد خطأ سياسي واستراتيجي وعسكري وتكرار للخطأ التاريخي للحرب الفيتنامية التي افرزت العديد من الاشرطة السينمائية والتي وثقت أآثارها النفسية على المجتمع الأميركي عامة والجنود خاصة . ومن هذه الافلام فيلم المخرج ريتشارد لينكلاتر والذي يحمل عنوان "آخر علم يرفرف" ، المنتج عام 2017، وهو الفيلم الذي يعيد لنا قصة فيلم "التفاصيل الاخيرة" للمخرج هال اشبي " عرض عام 1973 وكان من بطولة العبقري جاك نيكلسون ، كلا الفيلمين مستوحيان من روايات داريل بونيكسان . في هذا الفيلم يغير أسماء الشخصيات، لكنه يحتفظ بخيوط القصة المتشابهة والحالات المزاجية والشعور بخيبة الأمل . الجديد هنا ثلاث شخصيات قد تكون هي نفس شخصيات الفيلم القديم مع بعض التعديلات ، فالأصغر بين الثلاثة وهو الذي يدفع الحدث ويقبض على الحبكة هو “لاري” ويلعب دوره "ستيف كاريل" وهومحارب مخضرم في فيتنام يعيش في نيو هامبشاير حيث خدم مع اثنين من رفاق مشاة البحرية، يسجن لمدة عامين في سجن تابع للبحرية لسرقة إمدادات المورفين من وحدتهم . ومن المفارقات ، أنه يُدعى "دكتور"( هو طبيب بيطري) وهو لايمارس مهنة الطب ، ولاري هو الاسم الأول للجندي المقبوض عليه في "آخر التفاصيل "، (لاري ميدوز)، لكن في هذا الفيلم فقط مرة واحدة يرد ذكر سنوات السجن ، لكننا سنعرف أنه شارك مع رفيقيه الآخرين في حرب فيتنام والآن أصبحوا جميعا من المارينز المتقاعدين بعد مرور أكثر من 30 عاما على التجربة الفيتنامية ، لاري فقد ابنه في حرب العراق، يذهب ليعثر على رفيقيه السابقين: الأبيض هو “سال” (بريان كرانستون) الذي أصبح صاحب حانه ، والثاني هو الأسود “ريتشارد ميوللر” (لورنس فيشبيرن) الذي أصبح منذ فترة قسيسا وراعيا لإحدى الكنائس الكاثوليكية، وقد ودّع بالطبع الشراب وامتنع تماما عن حياة العبث والمخدرات منذ أن تزوج من "روث" وهي السيدة التي دفعته كما يقول لرؤية "نور الإيمان". إنه يبدو طاعنا في السن ويعاني من ألم في ساقه ويتوكأ على عصاه . الفيلم تفتح احداثة في ديسمبر من عام 2003 بزيارة لاري "دوك" شيبرد (ستيف كاريل) لرفيقه في حرب فيتنام سال نيلون (برايان كرانستون) في حانة يديرها سال في نورفولك ، فيرجينيا . وصاحب الحانة سال يتحدث الى احد الرواد عن برنامج يدور عن ضباط الشرطة ، يطلب "شيبرد " جعة بعد ان يدفع حسابها ثم يسال : هل عرفتني ؟ انك لاتتذكرني؟ "، يفاجئ سال بالدكتور الذي كان مشاركا معه في حرب فيتنام قبل ثلاثين عاما ، انه رفيق قديم من حرب فيتنام سبق وأن انقذ حياته اكثر من مرة ، فيضيف الدكتور " انا لاري شيبرد أو (شيب) صاحب 19 عاما ، المجند في البحرية ، ويتذكر سال صديقه شيب وكيف تم سجنه سنتين وحرم من الميدالية الخضراء التي تمنح لمحاربي القوات البحرية ، وبدلا منذ ذالك حصل على عقوبة مهنية وهي عقوبة تسريح من الخدمة، وهو يعيش في بورتسموث ويعمل موظف جرد في مخازن البحرية ، ويطلب منه الذهاب معه بسيارته للقاء صديق ، ويذهب( لاري شيبر) مع سال في سيارته ، يتوقف عند باب كنيسة ، وهنا يسأل سال مالذي سنفعله هنا ؟ ، ولكن عند دخولهم الى الكنسية يصدم بان الاب الذي يلقي وعظته لم يكن الا رفيقهم الثالث في مشاة البحرية في فيتنام ( ريتشاردمولر) ويقوم بدوره الممثل (لورنس فيشبورن ) وهو الذي كان سكيرا ومقامراً وداعراً من الطراز الاول كما يصفه سال( سلفاتور نيلون) الرقيب المتقاعد في البحرية الامريكية ، بعد الغداء مع ريتشارد مولر وزوجته اللطيفة روث (ديانا ريد فوستر) ، يكشف "لاري شيبرد" عن سبب تعقبه لرفاقه في البحرية ، وهي العملية التي دفعت سال إلى التعجب مرارًا وتكرارًا من عجائب شبكة الويب العالمية . لاري جونيور ، نجل دوك ، وهو جندي من مشاة البحرية يبلغ من العمر 21 عامًا ، قُتل للتو في بغداد ويتم نقل جثته كي يدفن في مقبرة أرلينغتون، يطلب الدكتور لاري شيبرد من أصدقائه القدامى مرافقته للحصول على الدعم والمساندة في هذا الظرف الصعب . وفي هذه الجلسة في بيت القس، نعرف ان سال لم يتزوج ولكن لاري شيبرد قد تزوج أمرأة طيبة ورائعة (ماري) وتملك ابتسامة جميلة ، لكنها تعرضت لمشكلة صحية خلال ولادتها لابنهم الوحيد (لاري) الصغير، وتوفيت فبل فترة قريبة بسبب سرطان الثدي. وفي هذا اللقاء يعبر القس ريتشارد عن شعوره بالندم عن اي دور قام به في حرب غبية وهي حرب فيتنام، وعن الحماقات والخطايا التي قام بها في فيتنام ، يقاطعه شيبرد بانه قد جاء من أجل أبنه ، واحتاج مساعدتكم يارفاق ، أبني التحق قبل عام في القوات البحرية وقبل يومين أخبروني بمقتله بعد تعرض موكبه لكمين في بغداد ، وجثمانه سيصل الليلة وسوف يدفن في مدافن الجنود الامريكان في مدينة ارلنتون ، وسيقيمون له جنازة شرفية كبطل ، وأتسائل لوكان بامكانكم مرافتي في مراسيم دفن أبني "، وعندما يرد القس " أبنك سيذهب الى مكان افضل وأجمل وهو مع والدته "، يرد سال باستهزاء " لحظة أي مكان افضل ؟ هل سيذهب أبنه الى لاس فيغاس أوميامي ؟" ، يرد القس " الدكتور يعرف المكان الذي اقصده ياسال "، ممكن ايها الاب ان تحدد هذا المكان على الخريطة وربما سيبحث الدكتور ويتمكن من إيجاده من الانترنيت "، هذا كان رد سال وبسخريته و روح الفكاهة التي يتميز بها عن باقي الرفاق ، يوافقةرفيقة "سال" في تقديم المعونة وحسب قوله ربما لايستطيع ان ياخذه الى الجنة لكنه سياخذه الى مدينة ارلنتون لدفن أبنه ، في حين يتردد رفيقهم القس ريتشارد مولر بحجة انه تعبان و لازال يعاني من اصابة قدمة ، ولكن زوجة القس(روث) تقنعه بالقبول و الوقوف مع صديقة ولايمكنه رفض مساعدة اصدقائه وقت الشدة ، ربما هذا اختبار من الرب له ، في مشهد صغير ومؤثر إلى حد ما لإقناع مولر (أو ربما أمرته) من قبل زوجته (ديانا ريد فوستر) بمرافقة دوك ، لتذكيره بأدب ولكن بحزم بواجبه المسيحي في هذه الحالة.
تبدا رحلة المحاربون الثلاثة القدامى في مساعدة رفيقهم ، وعند وصولهم الى القاعدة الجوية لاستلام جثمان ولده ، يقابله العقيد ويليتس (يول فاسكويز) ، ضابط ترتيبات الجنازة وبعد تقديم تعازيه ومواساة رئيس الولايات المتحدة لفقدان أبنه ، ينصحه بعدم رؤية جثمان إبنه لان الرصاصة إخترقت الراس وهشمته ، وربما سيكون رد فعله قاسي عليه ، " لان ماستراه ليس من السهولة نسيانه"، ويتفق رفيقه القس مع إقتراح العقيد حتى يبقى محتفظا بصورة ابنه كما كان، لكن شيبرد يصرً على فتح التابوت بتشجع من رفيقه سالفاتور في عدم سماع كلام العقداء وبان ذالك الزمن قد ولي ، وفعلا تنفذ رغبة الاب شيبرد في رؤية جثمان ابنه ، ينهار على الفور عند رؤيته ، بينما ينشغل رفاقة في الحديث مع الجندي اول ( واشنطن) الذ كان قريبا من أبن الدكتور شيبرد ساعة مقتله ، والذي تظهر أثار حبة (بغداد) على أذنه ، وعند سؤال سال " هل كنت معه أثناء الكمين الذي قتل فيه لاري " ، ينفي الجندي ( واشنطون) رواية الكمين ، ويروي الحكاية بشكل مختلف عن رواية العقيد (ويليتس) في مصرع الجندي لاري " أنا ولاري شيبرد وثلاثة من الرفاق كنت نتعامل مع اللوازم المدرسية و القرطاسية (أوراق ، اقلام رصاص وبعض الكتب الجديدة) وتوزيعها على المدارس في مدينة بغداد ، وكنا دائما نقف عند محل بقالة (الحاج عبدول) الصغير لبيع الكولا ، وكان دوري لاشتري الكولا لهم ولكن لاري أصرً وقال بانه سيفعلها ، لذا خرج ونحن بقينا في المركبة ، ثم ظهر رجلا مرتديا اليشماغ ويصرخ الله أكبر، وضع رصاصة في رأس شيب " ويسال القس وماذا حدث بعد ذالك؟ ، فيجيب الجندي اول واشنطون قائلاُ :" لقد ترجلنا من (الهامر )، وأطلقنا النار عليهم جميعا ، على صاحب الشماغ وعلى صاحب البقالة (عبدول ) وعلى الحي المجاوربأكمله ، وبعدها حملنا لاري وعدنا الى القاعدة " . يطلب القس من سال بعدم اخبار شيبرد براوية مقتل ابنه لان هذا هذ سوف يزيد من الم الرجل . لكن سال كما هو متعارف عليه لاينصاع الى نصيحة أحد وينفذ ما يعتقد هو صحيح ويصر على إخبار رفيقه بحقيقة مقتل إبنه ويشكف كذبة المؤسسة العسكرية في كيفية موت إبنه، لذا يذهب مباشرة الى العقيد وبحضور شيبرد ويساله " عفوا سيدي ، كيف مات هذا الفتى ؟ ، وكان جوابه " الجندي الاول ألتزم بالكرامة والشرف ومات بطلاً" ، وهل كنت هناك ايها العقيد عندما حصل الامر هناك ؟" اجابه العقيد " لا ، لم أكن هناك " ويخبر سال العقيد " على الدكتور التحدث مع الشخص الذي كان هناك !!"، عند يعرف شيبرد قصة مقتل إبنه يصرٌ على عدم دفن ابنه في ارلينتون حيث يدفن قتلى الحرب ، ويطلب الاب على أخذ جثة أبنه ودفنها في مدينته قرب والدته ، يعترض العقيد على هذا القرار ويعبره قرار سئ ، ويقف في طريقهم عند نقل التابوت ، لانه لايمكن تسليم الجثمان إلا الى متعهد جنازات مرخص أو كاهن ، هنا يبرز الكاهن رفيقهم هويته ، وينجحوا باخراج التابوت من القاعدة وتبدأ رحلة نقله الى ديار الدكتور شيبرد ، وعلى سال أن يؤجر شاحنة لنقل التابوت ، ويعتذر القس بالاستمرار معهم ويطلب توصيله الى مكان الحافلات للعودة الى بيته ، في الطريق يدور الحديث مع القس عن لحظة ندم يشعر بها عند تركهم لأحد الجنود تعرض لاطلاق نار وسقط مغشياً على الارض وهو يحتضر ودون إعطاءه أي شئ لايقاف ألمه ، لانهم أخذوا المورفين كله ، ويدور عدة نقاشات عن الرب وقدرته وهذا ما يتحدث به القس مع سال ، بان الرب يسمع ويرى كل مايحدث على هذه الارض ، وسيكون هناك حساب لكل من لايؤمن بذالك او اية أهانة للرب ، وهنا يقاطعه سال " أني اريد أن اغتنم الفرصة ، وألفت أنتباه الرب وأقول له " أين كنت عندما كانوا جنودنا يغتصبون الاطفال ومشاهد المجازر الجماعية وكل شئ ؟، وأين كنت حين طاروا بطائرتين ودمروا البرجين وقتل المئات من الناس في العمل ؟ ، وأين كنت وإبن صاحبنا الدكتور كان يشتري الكولا مع رفاقة وظهر رجل يرتدي الشماغ وأطلق النارعليه ؟ " . يصل القس الى موقع الحافلات ويعود سال بالشاحنة الى صديقه دكتور شيبرد لنقل جثمان ابنه لاري و اثناء نقل الجثمان يتساءل شيبرد " أتعرف ، إني أتساءل دوما ، إن ابني ذو 21 عاما كان يحب الحياة ويخرج مع اصدقائه ولم يفكر في الموت ، انهم ارسلوه الى صحراء( العراق) ، لماذا ؟ ، من يعلم ؟ لم يكن من أجل حماية أمريكا ، أنها مثل الغابة( فيتنام ) ،التي ارسلونا اليها ، هي الاخرى لم تكن تهددنا ، ومن ثم أعادوه الي في هذا النعش مع الكثير من الأكاذيب ، بطل ، فخر ، ارلينتون المقدسة" . في محطة الحافلات يعتقل رجال الامن القومي القس ريتشارد بدعوى انه (الملا) المطلوب بقضايا الارهاب ، يطلق سراحه بعد التاكد من هويته والتعرف عليه على انه الاب (ريتشارد مويلر ) وانه ليس اسلاميا متطرفا ، يعود للآنضمام الى رفاقة الذين اوقفتهم الشرطة شاحنتهم ونقل الجثمان الى القاعدة لغرض دفنه في ارلينتون حسب أوامر العقيد ، لكن الاب (شيبرد) يعود للمطالبة بنقل الجثمان الى مدينته ودفته بالقرب من والدته وبزي التخرج وليس بالبدلة العسكرية ، و يتم نقل الجثمان بالقطار وتحت حماية الجيش ويكلف الجندي اول واشنطن الذي يؤدي دوره بشكل ملفت الممثل الشاب " جيه. كوينتون جونسون " بمرافقتهم الى حيث يدفن . وخلال تلك الرحلة بالقطار كانت هناك الكثير من المشاهد الكوميدية وإستذكار المواقف المسلية خلال فترة الخدمة في فيتنام والحوارات التي تتحدث عن جدوى القتال في دول لاتشكل تهديدا على الولايات المتحدة ، وعند محطة بنسلفانيا يتم تغير القطارات ، يذهبون الى إحدى حانات المدينة ، في التلفاز تظهر صورة الرئيس العراقي صدام حسين وصور لحظة مقتل ولدية عدى وقصي ، عنده يعلق شيبرد " هو فقد اثنين وانا فقدت واحد "، هل يستحق ذالك؟ ، وعند ظهور صورة جورج بوشالرئيس الامريكي يضيف الدكتور( شيبرد ) " اعتقد لدية بنات توأم، هل يستحقان نفس المصير ؟ ".
قبل نهاية رحلة الرفاق الثلاثة ، يتوقف الرجال في بوسطن لزيارة الأم المسنة (سيسيلي تايسون) وهي والدة الجندي جيمي هايتاور ، وهي حالة تانيب الضمير و الصدمة المشتركة التي تجمع الرفاق الثلاثة ، "جيمي هايتاور"، وهو جندي سابق أصيب بجروح قاتلة خلال فترة حربهم في فيتنام ، ولأنهم ألثلاثة كانوا ضمن مجموعة مدمنة على المخدرات وعلى المورفين ، لذا استنفذوا كل امداداتهم من المورفين وتركوا هذا الجندي وأخرين يموتون من الوجع و العذاب ، وبسبب تقصيرهم ولحد الان يشعروا بعقدة الذنب وتانيب الضمير ، لذا اصروا على مقابة والدته المراة المسنة العجوز التي تفاجئ بالزيارة ، يخبرها "سال" بأنهم كانوا سوية في مشاة البحرية وقاتلوا سوية مدة سنة كاملة وبقوا على قيد الحياة ويتنفسوا ولكن مدة الاربعة اشهر التي أضافوها الى خدمتهم هذه كانت سيئة جداً ، البعض لم يتحملها ، سيدتي أتينا بعد هذه المدة لنخبرك ماذا حدث ، وتسال الام " أانتم الرجال الثلاثة الذين انقذ ابني حياتهم " نعم سيدتي ، ويرد القس "ابنك جيمي كان رجلا نبيلا وعظيما لم ننساه أبدا، لذا نحن هنا ونشعر نحن مدينون له ، أردنا أن نأتي ونقدم لك احترامنا وتقديرنا لتضحيته ". هنا يستخدمون أسلوب المؤسسة العسكرية في الكذب وعدم الجراة على المصارحة وقول الحقيقة ، وهذا يقودهم جميعًا إلى قول كذبة خاصة بهم - وهي مفارقة ، في ضوء أكاذيب الحكومة ، إنها إشارة أخرى للصراع الدرامي الذي ينتهي به الأمر الشعور بالتلاعب بالمشاعر الانسانية و الحقائق في حقيقة التدخل العسكري اوالحروب التي خاضتها الولايات المتحدة . وفي النهاية يدفن لاري في مدينته و قرب والدته ولكن بالزي العسكري ، وبعدها يسلم صديفة واشنطن رسالة كتبها لاري قبل موته ، في نهاية الفيلم، يجلس الأب على الشرفة الخلفية لمنزله ، يقرأ الرسالة الأخيرة لابنه - الرسالة التي يكتبها الرجال والنساء في الحرب ، ليتم فتحها من قبل أحبائهم في حالة وفاتهم ، إنها وصية مؤثرة لمحبة الأب وكبرياء الابن في خدمته ، يعبر فيها عن حبه لابيه وأمه ، وفي رغبته بدفنه بجانب أمه وبزية . يدين الفيلم ويستنكر خداع المؤسسة العسكرية للشعب الأميركي إلا أنه في الوقت نفسه يجعل الأب الذي كان غاضبا رافضا الامتثال لقواعد البروتوكول العسكري يقبل في النهاية تكريم ولده وتشييعه في جنازة عسكرية ولفه بالعلم الأميركي، يرتدي رفاقه سال والقس ريتشارد ملابس المارينز العسكرية ويشاركان في الطقوس الخاصة بالجنازة العسكرية بعد أن كانا رافضين بقوة.
وفي احد المشاهد الملفتة للنظر ، وهو مشهد لحظة القبض على الرئيس صدام حسين الذي يظهر على التلفاز ، يعلق سالفاتور أو (سال) وهو يدخن السيجار " أنظر الى هذا الرجل ، في يوم كان رئيس البلاد ، وفي اليوم التالي يختبئ في حفرة عنكبوت ، خائف حتى الموت". يمكن وصف فيلم على أنه "فيلم مناهض للحرب" ويدين المؤسسة العسكرية وكذالك يعرض الفيلم من خلال السيناريو الجميل والحوار والمناقشات بين الرجال الثلاثة عن لدين او طبيعة الحروب واثرها في تمزيق العائلة والغرض منها ، (بما في ذلك الاقتباس "الرجال يصنعون الحروب والحروب يصنعون الرجال") . يبرز فيلم " آخر علم يرفرف " " كنوع من المراجعة على إرث حرب فيتنام وكذالك حرب العراق ، وعلى الروح - والأكاذيب – التي تشترك بها كلا الحربين . بالنسبة للفيلم الذي غالبًا ما ينقسم إلى نقاشات وعظية حول سبب الحرب - رسم أوجه تشابه بين فيتنام والعراق ، والاجابة على السؤال المهم وهو: ما الفائدة التي حققتها هذه الحروب اللعينة؟ ، كانت حرب فيتنام وما تركته من آثار نفسية على الجنود الذين شاركوا فيها يكشفه لنا المخرج من خلال سلوك وحوار الشخصيات الثلاثة الرئيسية وملامح تلك الحقبة الزمنية التي تفرض نفسها بشكل ما على أجواء فيلم هال اشبي" التفاصيل الاخير" ، في حين تختلط الاحداث و المشتركات في حرب فيتنام والعراق في فيلم "آخر علم يرفرف" . فيلم المخرج ريتشارد لينكلاتر هو شبه تكملة لفيلم ( التفاصيل الاخيرة ) للمخرج للمخرج هال أشبي ، وهو فيلم مبني على الحياة الإنسانية العميقة لمخرجها ، الفيلم يتعلق الأمر بوجود الناس عندما يحتاجون إلى كتف ليبكوا عليها أو يداّ لمساعدتهم على النهوض. معنى الدقيق للكلمة ، فإن فيلم اخر علم يرفرف ليس تكملة مباشرة لفيلم ( التفاصيل الاخيرة) ، بل هو مقتبس من رواية داريل بونيكسان لعام 2005 ، والتي كانت تهدف في حد ذاتها إلى متابعة كتابه في عام 1970 الذي استند إليه المخرج هال آشبي في فيلمه " التفاصيل الاخيرة" ، لكن الرجال الثلاثة في هذا الفيلم ليسوا متماثلين تمامًا، كلٌّ منهم هو اختلاف في موضوع الشخصية السابقة ، بأسماء وتفاصيل مختلفة ، في هذا الفيلم بريان كرانستون يقوم بنفس دور الممثل العبقري "جاك نيكلسون" في دور البيغماوث ، في تمرده وعبثيته وروحه المرحة وهو يدير الآن حانة ، ويلعب لورانس فيشبورن دور مولر (الذي لعبه في الأصل أوتيس يونغ) ، وهو الآن قس وواعظ في الكنيسة . ويلعب ستيف كاريل دور دوك الفقير والخجول ، وهو الآن سجين سابق ، في فيلم هال أشبي "التفاصيل ألاخيرة" هناك جنديان من جنود المارينز: أولهما أبيض هو بودوسكي (جاك نيكلسون) والثاني أسود هو مالهول (أوتيس يونغ) كلفا باصطحاب جندي ثالث، شاب مبتدئ (18 سنة) هو لاري ميدوز (راندي كويد) الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات بسبب سرقة 40 دولار .
الفيلم من إخراج ريتشارد لينكلاتر وتمثيل كل من : بريان كرانستون ، وستيف كاريل ، ولورنس فيشبورن ، وجيه. كوينتون جونسون ، وسيسيلي تايسون ، وديانا ريد فوستر. المخرج ريتشارد لينكلاترهو صاحب الثلاثية من الافلام الرومانسية - قبل شروق الشمس (1995) ، قبل غروب الشمس (2004) وقبل منتصف الليل (2013) ؛ والفيلم المتميز ( زمن الصبا ) عام 2014 والذي حصل على جائزة جولدن جلوب ، في فيلم " آخر علم يرفرف " يقوم "لينكلاتر" بعمل رائع هنا كمخرج في اختياره للممثلين ، مما يسمح لكاريل ، وفيشبورن ، وكرانستون ، والوجه الجديد " ج.كوينتون جونسون" (كجندي يجب أن يرافق الرجال) للقيام بعمل رائع يحركه الطابع الشخصي. هناك متعة كبيرة في مشاهدة الممثلين مع هذا الموهوب الذي يمنح مساحة لتطوير شخصيته بطريقة ساحرة ، كان هناك مشهد قرب النهاية حيث كانت الرباعي يتحدثون وهم على متن قطار تدرك فيه مدى جودة و براعة أداء الفنانين الأربعة في تلك اللحظة ، كما يحدث ، يلعب كرانستون دور سال بقدرات كبيرة ومعقولة - وربما يكون أكثر مبالغة من أداء العبقري جاك نيكلسون في الفيلم القديم " التفاصيل الاخيرة" . فكرانستون يبالغ كثيرا في أداء دور اللامبالي و العبثي ، المناهض للدين الذي يناقش زميله القس بطريقة ساخرة واستهزاء، وهو الرافض للمؤسسة العسكرية (من خلال صدامه مع العقيد أيليتس) ، وهوالساخر من كل التقاليد ، تتكرر كثيرا سخرياته وتعليقاته ، إلى أن يتناقض رضوخه للمشاعر "لوطنية" في النهاية مع أفكاره الرافضة ، يضفي كرانستون صخبًا على دوره (الذي لعبه في الأصل جاك نيكلسون) الذي غالبًا ما يكون ساحرًا ، ولكن في بعض الأحيان مفرطًا ، وفي أسوأ الأحوال يظهر كمقلد شاحب للممثل الأسطوري. في حين يتمتع فيشبورن بالحضور والتعاطف . فيشبورن يبدو أكثر هدوءًا لا ينفجر إلا بعد أن ضغط سال عليه . ويقدم ستيف كاريل الأداء الأكثر روعة للمجموعة ، بدءًا من الهدوؤ ، والرجل الخجول إلى حالة اليأس وصورة الرجل المنكوب بالحزن ، وكل ذلك مغطى بسلوكه الخارجي اللطيف .
عرض الفيلم بمهرجان لندن السينمائي الذي بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان نيويورك. ورغم أن عنوان الفيلم يوحي بأنه يدور في ميدان القتال، وأنه يتناول "البطولة" ، لكنه في الحقيقة فيلم عن الانكسار، عن الكذب وعن التضحية التي لم يكن لها مبرر ولا فائدة.
في الختام : المهم في هذا الفيلم يفتح أبوابا للحوار سواء اختلفنا معه أو اتفقنا مع أفكاره، وكل ما في الأمر أنه يتوجب النظر لهذه النوعية من الأعمال التي تدور مضامينها حول الحرب وهمجيتها ودلالة الاحتلال والغزو الامريكي . الفيلم يستنكر خداع المؤسسة العسكرية للشعب الأميركي ، الفيلم عبارة عن حصيلة مدروسة لتكلفة الحرب على الحياة العادية وعلى سلوك المشاركين بها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن