الحركة الإحتجاجية في کوردستان محدودة القدرة، عليها ان تتخطی واقعها الحالي

نادر عبدالحميد
nadr1506@yahoo.com

2021 / 1 / 26

إندلعت موجة من التظاهرات الشعبية الحاشدة ابتداءً من (٢١٢٢٠٢٠) من مدينة السليمانية وامتدت بسرعة كبيرة كالنار في الهشيم، شملت اكثر من خمسة عشرة مدينة وبلدة إقليم کوردستان العراق في محافظتي السليمانية وحلبجة الواقعتين تحت سيطرة قوات (الإتحاد الوطني الكوردستاني)، ودامت لأكثر من أسبوع.
رغم إن الإحتجاجات إندلعت للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة واحتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية للجماهير الكادحة، إلا إنها سرعان ما تحولت إلی المطالبة برحيل حكومة الإقليم وإنهاء سلطة الأحزاب الميلیشية، وحصلت اشتباكات مع قوات الأمن والأجهزة القمعية التابعة لحزب (الإتحاد الوطني الكوردستاني)، خاصة بعد ان واجهت هذە القوات المظاهرات السلمية بعنف، حيث لم تكتف بالاعتقالات وزج المتظاهرین في السجون بأعداد هائلة، واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والذي أدى الی إصابة العديد من المحتجين، بل واستخدمت الرصاص الحي مما أدى الى قتل اكثر من عشرة متظاهرين وجرح العشرات منهم.
أما حزب السلطة الأول والمسيطر علی کل المفاصل الحيوية؛ السياسية والإقتصادية والأمنية لحكومة الإقليم، أي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، فخلافا لمواقفه السابقة في إتهام الحزب الحليف بالتواطؤ مع الجماهير وغض النظر عن المظاهرات في هاتين المحافظتين ضد حكومتهما المشتركة، وذلك باستخدامها كورقة ضغط ضده، هذه المرة اعلن بوضوح تام تضامنه وتنسيقه الكامل معه لقمع هذە الحركة الإحتجاجية. هذا، وقامت أجهزته القمعية بترهيب الجماهير في المناطق الواقعة تحت سيطرته (أي في محافظتي أربيل ودهوك)، وذلك بفرض جو بوليسي من الاختناق السياسي والانتشار المكثف لقوات الأمن مع حملات من المداهمات والاعتقالات، كضربة استباقية. كما ورفض الطلبات القانونية بالتظاهر السلمي، حتى لأصدقائه المسالمين كطلب (الحزب الشيوعي الكوردستاني)، وذلك خوفا من انفجار غضب الجماهير الكادحة وإفلات الأمور من ايديهم.
تبدو المعركة، هذە المرة، بين الجماهير المستاءة والثائرة وبين أحزاب السلطة الميليشية، معركة حاسمة، لذا تكاتف الحزبان لإخماد الجماهير المنتفضة وسد الطريق أمام تطور وتوسيع حركتهم الاحتجاجية التي تستهدف قلع سلطتهم وكنس حكومتهم. كان هذا واضحًا عندما أحرق المتظاهرون مقراتهم ومراكزهم الحزبية وحتى بعض الدوائر الحكومية، كإظهار رغبتهم في التخلص منهم ومن حكومتهم.
مع تفاقم الوضع دخلت "اللجنة الأمنية العليا" في إقليم كوردستان على الخط وأصدرت بيانا جاء فيه: "ابتداء من الآن فصاعدا تكون كل التظاهرات غير المرخصة ممنوعة، وعلى القوات الامنية محاسبة المخالفين وتوقيفهم والتعامل معهم وفق القانون". ليس هذا فحسب بل وتدخّل رئيس وزراء الإقليم أيضا وقال في كلمة متلفزة بأن هناك اياد اجنبية تحرك المتظاهرين بهدف القضاء على تجرية اقليم كوردستان العراق وتحطيم كيانه.
قام المتظاهرون ليس بحرق مقرات أحزاب السلطة الثلاثة (الديمقراطي الكوردستاني)، (الإتحاد الوطني) وحزب (التغيير) فقط، بل واضرموا النيران في مقرات الأحزاب الإسلامية والقومية جميعا بما فيها (الحزب الشيوعي الكوردستاني). وهذا يدل علی تطور نوعي في الوعي السياسي لدی الجماهير الكادحة وذلك بتركها وتخليها عن الآمال الواهية بالبدائل الإصلاحية القومية والإسلامية.
ما يميز هذه الحركة عن سابقاتها، هو تبيان طابعها الطبقي بشكل أوضح من حيث هيكليتها وبنيتها وتركيبتها المتشكلة من العاطلين عن العمل من الشباب والشابات، ومن فئات وشرائح مختلفة من الكادحين والعمال والموظفين المفقرين، حيث لم تترك السلطة خيارا لهم لتحسين وضعهم الكارثي الاقتصادي والإجتماعي سوى الخروج إلی ساحة المعركة لكسر طوق سلطة هذە الأحزاب من اعناقهم.
كما وتبين المحتوى الطبقي لهذه الحركة باصطدامها بأقلية من الساسة الرأسمالين المحتكرين الذين استولوا علی ثروات المجتمع بقوة ميليشياتهم، في وقت يعاني أكثرية الشعب من الفقر والبطالة وغياب الخدمات الصحية والتعليمية، كحصيلة للخصخصة الاقتصادية التي سلكتها حكومتهم من اجل تكديس الملايين والمليارات من الدولارات في حسابات شركاتهم ومشاريعهم الاقتصادية. وحين تضطر الجماهير المعدمة والكادحة للاحتجاج بوجه الشروط القاسية لحياتها، تلاحقهم حكومة الإقليـم قانونيا لزجهم في السجون وتقمع إعتراضاتهم بعنف مستخدمة ميليشيات الأحزاب والأجهزة الأمنية التابعة لهم، هكذا وبهذا الشكل يعبر التأريخ عن الصراع الطبقي في الإقليم.
لقد وصل هذا النظام السياسي والإقتصادي في الإقليم إلی طريق مسدود، وليس في جعبته شيئا للجماهير الكادحة. ورغم سنوات من محاولات القوميين الليبراليين والإصلاحيين لترميم وصيانة وإصلاح هذا الهرم، إلا إن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم، والهرم يتجه ويقترب من الانهيار على نفسه. لكن رغم كل هذا التطور والتقدم الإيجابي لهذه الحركة الإحتجاجية من حيث فصل صفوفها عن المعارضة القومية والاسلامية والليبرالية الإصلاحية، ورغم كونها جذرية ثورية وغير مساومة مع السلطة، الا انها عاجزة حتى عن ازالة هذه الحكومة والسلطة الميليشياوية الحاكمة في الإقليم، ناهيك عن قلع جذورها الاقتصادية والإجتماعية.
تعاني هذه الحركة من غياب التنظيمات الجماهيرية وتشتت المطالب وعدم صياغة الشعارات المستهدفة، والأهم من كل هذه لا تتمتع بأفق إشتراکي وقيادة ميدانية سیاسية ممثلة بحزب شيوعي ثوري ذو نفوذ جماهيري واسع.
إن المجاميع المختلفة (الأحزاب والمنظمات والمحافل) التابعة للحركة اليسارية والشيوعية في كوردستان العراق، تعمل من اجل إيجاد التنظيمات الجماهيرية داخل هذە الحركات الإعتراضية وصياغة شعاراتها ومطالبها، وتقوم بنقد وفضح الأحزاب القومية والإسلامية، كذلك تقوم بنقد الإصلاحية والليبرالية القومية وأجنداتها. وكل هذه لا بأس بها، وهي جزء من الثوروية السياسية المسيطرة علی هذە الحركات ويتم تقديسها كونها تشكل جوهر عمل تلك المجاميع والتي تعتبرها عملا "شيوعيا".
لكن جوهر العمل الشيوعي يكمن ليس فقط في نقد وفضح الأحزاب واجنداتهم السياسية، بل إضافة إلی ذلك (وهذا هو الأهم) يكمن في نقد وفضح آفاقهم كتيارات إجتماعية سياسية، وكذلك (وهنا يكمن بيت القصيد) في القطيعة التامة مع هذە الثوروية السياسية والشيوعية الشعبوية داخل الحركة اليسارية والشيوعية في الإقليم، والإرتقاء بهذه الحركات الجماهيرية إلی حركة إشتراكية طبقية عمالية ضد السلطة القائمة واسقاطها كسلطة الطبقة البرجوازية المالكة والمحتكرة لوسائل الإنتاج والتبادل والثروة في المجتمع ومصادرتها وإعادتها للمجتمع. أي إن هذا العمل الشيوعي يكمن في اعادة صياغة هذه الإحتجاجات والإعتراضات كحركة إشتراكية مقتدرة في مجتمع كوردستان وربطها بحركة العمال والكادحين في عموم العراق.
على الحركات الاحتجاجية للعمال والكادحين والمهمشين والفقراء والمرأة المضطهدة أن تتخطى حدود واقعها الحاضر وترتقي إلى مستوى حركة شاملة موحدة وقادرة على إنجاز المهام التي لا تستطيع القيام بها في الظرف الراهن، أي فرض إصلاحات جذرية على حكومة الإقليم في خطوتها الأولى والإطاحة بسلطة أحزاب التيارات القومية وقلع جذور نظامها السياسي والاقتصادي، وهذا يتطلب التحرر من الأفق السائد والوعي السياسي الحالي المتمثل بالشعبوية والثوروية السياسية، كي تحرر الطاقة الكامنة داخلها لإنجاز هذه المهام.
ان عمال وموظفي القطاع الصحي، وكذلك المعلمين المعترضين والمطالبين برواتبهم غير المدفوعة، الشباب والشابات من خريجي الجامعات والمعاهد التي أغلقت الحكومة ابواب فرص العمل بوجههم في القطاع العام، وكذلك كل الفئات والشرائح المهنية الأخری لا يرون انفسهم كشرائح وكجزء من طبقة واحدة‌ محرومة مقابل طبقة اخرى محتكَرة للسلطة والثروة، طبقة يوجب عزلها والقضاء على سلطتها الميليشياوية وأحزابها وتياراتها القومية والاسلامية وحتى الليبرالية، في خضم صراع طبقي سياسي حاسم.
وسوف لن يتحقق هذا الوعي السياسي الطبقي لدی الفئات والشرائح المختلفة ان لم يقدم خط سياسي شيوعي ثوري بإقامة حركة حزبية مقتدرة في قلب المجتمع، ويدخل في معركة فكرية ضد الأفق الشعبوي (بوبولیزم) الثوري السائد الآن على الحركة اليسارية والشيوعية في كوردستان. وهذا جزء من العمل الفكري والسياسي الآني النشط داخل الحركات الإحتجاجية وليس بمعزل عنها. ما لم يتحقق هذا، سوف لن تتمكن الجماهير من أن تظهر كطبقة ضد طبقة اخرى تحتكر السلطة والثروة في المجتمع وتنهي نظام حكمها.
إن العمل الشيوعي هو يشبه عمل استخراج واستخلاص الذهب من المناجم الذهبية التي يتم إزالة الشوائب عنها وتمحيصها، فالعمل الشيوعي هو إنجاز لعملية استخراج واستخلاص حركة إشتراكية طبقية موحدة من الإحتجاجات المتفرقة والإعتراضات الجماهيرية للفئات والشرائح المختلفة للعمال والكادحين بعد إزالة شوائب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة عنها. نحن في منظمة (البديل الشيوعي في العراق) وفي كوردستان نناضل من اجل إنجاز هذا العمل في قلب الصراعات والاصطدامات الطبقية اليومية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن