التنبؤ بنهاية الرأسمالية 4

طلال الربيعي
talalalrubaie@hotmail.com

2021 / 1 / 18

تداعيات أخرى لهذا الكتاب هي أنه لا يمكن أن يكون هناك "دليل استقرائي" على استمرار الرأسمالية في المستقبل على أساس نجاتها ونهضاتها الماضية (المسألة الأزلية في النهج الاستقرائي تلخصها فكرة إن شروق الشمس كل صباح لا تشكل دليلا على إنها ستشرق غدا أيضا). في الواقع، تاريخية الرأسمالية هو الدليل على موتها. مثل جميع منتجات التاريخ،
ستنتهي الرأسمالية يومًا ما، أو بالأحرى ستتحول ببطء إلى نظام جديد، وهذا سيحدث عندما تكون الظروف التي حددت نشوءها منذ قرنين من الزمان او اكثر قد تغيرت بالكامل. لكن بغض النظر عن حقيقة أن لا أحد منا سيعيش طويلاً بما يكفي لرؤية هذا النظام الجديد، لا يمكننا وضع الكثير من الأمل في فكرة أنه سيكون نظاما أفضل. هذا لأن الرأسمالية تشترك في الكثير مع الأنظمة الأكثر وحشية وظلمًا التي سبقتها، في حين أن عناصر الجدة التي تميزها لن تتراجع إلى حد الزوال.

في نهاية رحلته في التنبؤ الاجتماعي، يذكر المؤلف انه توصل الى قناعة بأن محاولة التنبؤ بالمستقبل هي في الغالب إلهاء عن صعوبات الحاضر أكثر من كونها نشاطًا مفيدا في تحسين حالة الإنسان. من الأفضل ترك المستقبل للمنجمين والتركيز بدلاً من ذلك على ما يمكن عمله هنا والآن. لا يوجد الكثير مما يمكن للمرء فعله دائمًا، ولكن ما يمكن للمرء أن يفعله له معنى. إذا كانت السياسة هي فن الممكن، فعندئذ يجب عمل ما هو ممكن.

استعرضت الكتاب أعلاه بشكل ملخص وشامل. ومن الآن فصاعدا, سأسعى الى معالجة بعض الأمور الرئيسية التي تتضمنها فصول الكتاب. في الفصل الأول يتحدث الكاتب عن أزمات الرأسمالية وكونها ليست كلها متشابهة. ظهرت أول مرة فكرة أن النظام الرأسمالي كان غير سرمدي في حوالي منتصف القرن الثامن عشر. كان هذا أمرا مختلفًا عن الأفكار السابقة للأزمة الاقتصادية، مثل المخاوف بشأن الانكماش الدوري الاقتصادي، وحتى توقع أن يؤل هذا النمو في نهاية المطاف إلى طريق مسدود. تتكرر هاتان الفكرتان في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وهو العلم الذي، في تقليد اللغة الإنجليزية، يمكن إرجاعه إلى أعمال فيلسوف القرن الثامن عشر الأخلاقي آدم سميث. سميث نفسه، الذي اشتهر بتفاؤله بشأن قوة السوق لحل مجموعة واسعة من المشاكل، يعتقد أن اقتصاد ألدولة يمكن أن يكون "متقدما" أو "ثابتا" أو "متراجعا". الحالة الأولى "مفرحة" والثانية "مملة" والثالثة "محزنة".

لكنه لم يربط هذه المراحل بمفهوم الرأسمالية فقد كان ذلك غريبًا عليه. بدلاً من ذلك، وضع هذه المراحل ضمن سردية كبرى من نشوء وانهيار الأمم. واعتبر أن هذه المراحل تشكل دورة حياتها، التي, مع أنها ملزمة في النهاية باستهلاك الموارد الطبيعية، إلا إنها, الى حد بعيد, معتمدة على جودة المؤسسات السياسية والاقتصادية. وجود الحدود الطبيعية التي لا يمكن للاقتصاد البريطاني التوسع بعدها أمر اكد عليه أتباع سميث، ديفيد ريكاردو و توماس روبرت مالتوس. ومع ذلك، فإن افتراض انه لا يمكن لاقتصاد ما أن ينمو أكثر أمر يختلف تمام الاختلاف عن التكهن بانقراض نظام العلاقات الاجتماعية الذي يستند عليه النظام الاقتصادي واستبداله بنظام آخر. ريكاردو شعر أن تجرِبة الندرة ستؤدي إلى تفاقم الصراع الاجتماعي، لكنه كان بعيدًا عن الاعتقاد بأن قلب النظام السائد ممكن.

يتطلب التفكير في نهاية نظام اقتصادي واجتماعي، قبل كل شيء ، وعيًا بوجود مثل هذا النظام. هذه ليست حقيقة تافهة. انها تستلزم بعض الوعي حول الزمان والمكان بحيث يمكن إجراء مقارنات مع أنظمة أخرى في الماضي والحاضر. يظهر التاريخ أن مثل هذا الوعي يتطور عادة في أوقات التغيير الكبير. عندما يعيش الناس نفس الروتين كل يوم، ولا يحدث ابتكار كبير في بيئتهم، يكون من السهل دفعهم للاعتقاد بأنهم يعيشون في عالم بلا حراك. ولكن في بعض الحالات الحرجة يبدو أن المراحل في تاريخ البشرية تتسارع، كما هو الحال مع الثورة الفرنسية أو الثورة الصناعية. لقد فكر علماء الاجتماع المشهورون مثل بيير بورديو Pierre Bourdieu في هذه التصورات المختلفة. (بيير بورديو عالم اجتماع وفيلسوف فرنسي ودرس بشكل خاص ديناميكيات القوة. 1930-2002).
صاغ مؤرخ الفكر راينهارت كوسليك Reinhart Koselleck مصطلحًا محددًا لوصف الإحساس الجديد بالوقت الذي أحدثه عصر الحداثة (راينهارت كوسليك مؤرخ الماني ومن اكبر مؤرخي القرن العشرين. 1923-2006) . بمرارة اللغة الألمانية الجميلة يأخذ هذا اسم Verzeitlichung، والذي يمكن أن يكون تُرجمته على أنها "المؤقتة“ temporalization". لذلك في كتابه "النظام القديم وثورة (1856)"، امكن أن يتحدث Alexis de Tocqueville عن نظام "قديم" أو النظام "السابق"، الذي "شرّح" جذوره الإقطاعية لأنه شعر أن الثورة أحدثت صدمة في المجتمع الفرنسي (Tocqueville ارستقراطي ودبلوماسي وفيلسوف سياسة فرنسي. 1805- 1859). لا أحد يعرف ذلك أفضل منه، لأنه ينتمي إلى عائلة أرستقراطية نجت بأعجوبة من المقصلة. لكن تعبير "النظام القديم" اصبح استخدامًه شائعًا بعد أشهر من اقتحام الباستيل . في مجال الحياة الاقتصادية، كان تصور التغيير أبطأ إلى حد ما، فالصدمة الكبرى للحداثة - الثورة الصناعية - كانت عملية وليس سلسلة من الأحداث، وقد تطورت على مدى قرن على الأقل.

أول من يطور وعيًا بنظام اقتصادي جديد عادة ما يكونون من منتقدي مثل هذا النظام، وغالبا ما يتخذ وعيهم شكل التنديد. ومع ذلك، فإن الاقتصاديين البريطانيين لم يكونوا مناسبين جدًا للعب هذا الدور لأنهم كانوا دعاة البرجوازية الصاعدة، التي دافعوا عن مصالحها بالضد من مطالب الأرستقراطية ومطالب الطبقة العاملة على حد سواء. لذلك يجب أن ننظر في مكان آخر. في بريطانيا الفيكتورية. اجتماعيا, تم توجيه النقد في الغالب من قبل الكتاب الأدبيين الذين كانوا مقسومًين أيديولوجيا ولكن متحدًين بعدم الارتياح المشترك مع زمنهم. من يستطيع أن ينكر أن رواية تشارلز ديكنز "اوقات عصيبة" هي رواية عن الرأسمالية؟
-شرح رواية اوقات عصيبة -Hard Times-
https://www.youtube.com/watch?v=1hIowGc2XSw

في وقت سابق، كانت الكلمات اللاذعة لكاتب المقالات الرومانسي توماس كارلايل Thomas Carlyle قد هزت الوعي العام (توماس كارلايل كاتب مقالات, مؤرخ, وعالم رياضيات. 1795- 1881). في كتابه "إشارات العصر (1829) يشير إلى علاقة مثيرة للاهتمام بين جوهر التغيرات في المجال الاقتصادي والاجتماعي و التزامن مع النهضة التنبئية.

يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن