الحكاية الشعبية وطريقة تقديمها في قصيدة -نام أهل البيت- لطفي مسلم

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2021 / 1 / 14

الحكاية الشعبية وطريقة تقديمها
في قصيدة "نام أهل البيت"
لطفي مسلم
من ميزات جمال النص الأدبي إحداث المتعة للمتلقي، وعندما تأتي اللغة بسيطة وتلامس التراث فهذا يجعلها قريبة من المتلقي، فتكون جزءا منه، وعندما تُقدم فكرة الرفض بأدوات (عادية) ويتم تشكيل (التمرد) من عناصر (شعبية) فإن التمرد سينجح ويحقق أهادفه.
في قصيدة "نام أهل البيت" نجد بساطة التمرد وسهولة إيصاله/إقناع الآخرين به، حيث قدم بلغة شعبية، والم تقتصر الشعبية على اللغة فحسب، بل تعدتها إلى طريقة التقديم، فاتحة القصيدة جاءت تتماثل مع طريقة سرد الحكاية الشعبة:
"نام أهل البيت يوما
في صبيحة ذي نهار
نومهم كان خفيفا
دام سبعين خريفا
مثل اهل الكهف لما
قرروا النوم بغار"
فالسلاسة حاضرة في المقطع من خلال خبر "نام" الذي يأخذ المتلقي إلى مرحلة الطفولة حينما كان يستمع للحكايات قبل النوم، فوقت فعل النوم له علاقة بالحكاية والقصة، بمعنى أنه يأخذ المتلقي إلى بساطة القصة والحكمة التي تحملها، وبهذه الفاتحة يكون الشاعر قد هيأ المتلقي ليستمع إلى قصة/حكاية بسيطة لكنها تحمل الحكمة.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ "يوما، صبحية، نهار، سبعين خريفا" فالزمن حاضر بقوة في المقطع، وكأن الشاعر يستبدل بداية الحكاية الشعبية: "كان يا ما كان في قديم الزمان" بهذا التركيز على الزمن/الوقت، كما أننا نجد أن هناك بيت/أسرة وهذا أيضا متماثل مع الحكاية الشعبية التي تبدأ بالحديث عن الأسرة والبيت الذي تقطنه، وبما أن الشاعر لا يقدم شيئا (عاديا) بل أدبيا، فكان عليه إيجاد شكل جديد، يتجاوز (عادية) الحكاية الشعبية، فجاء ذكر "أهل الكهف"، وهذا مهد لفكرة الحكمة التي تحملها القصيدة/الحكاية.
وإذا ما توقفنا عند تكرار الألفاظ "نام/نومهم/النوم" سنجد أن الشاعر يركز على الفكرة التي يراد تقديمها من خلال فعل النوم.
بعد النوم يدخلنا الشاعر إلى تفاصيل الحكاية:
ثم لما استيقظوا يوما
"اذا هم
في القفار
ما لهم بيت ودار
فوق أعينهم مناف
من غبار وانكسار"
التحول المفاجئ والخطاف في مكان تواجد أهل الدار يثير المتلقي ويجعله يبحث عن التفاصيل والاسباب لهذا التحول السلبي، ورغم أن هناك أفعال وأحداث قاسية: "القفار، مناف، غبار، انكسار" إلا أن طريقة التقديم السهلة والسلسة جعل القارئ يتلقى هذه القسوة بأقل الأضرار النفسية، حيث قدمت بألفاظ قصيرة وقريبة من الغناء: "القفار، دار، غبار، انكسار" مما يجعل المتلقي ينسجم مع السلاسة التي فيها، فيتجاوز الألم الكامن في قسوة وشدة المشهد.
الشاعر يربط (حكايته) مع قصة أهل الكهف، وهذا وجدناه في فاتحة القصيدة: "مثل اهل الكهف"، يؤكد على هذا الربط من خلال:
"لو رأيت الحزن فيها
لذت رعبا بالفرار"
نجد تناص مع سورة الكهف "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا"، وهذا يأخذ القارئ إلى فكرة (قدسية) ومكانة القصة/الحكاية التي يقدمها "لطفي مسلم"، بمعنى آخر أن القارئ يتلقى الحكاية باهتمام وتفكير.
إلى هنا يبقى القاص/الشاعر هو من يتحدث بصفته قاصا للحكاية، يتحكم بالشخصيات ويرسم لنا المشهد كما يريد، لكنه يبتعد عن المشهد ليفتح الباب أمام شخصيات الحكاية لتحدثوا بما يريدون:
"قال رب البيت هيا
لا تصابوا بالظنون
اننا للبيت حتما
ذات يوم عائدون"
تركيز الشاعر على الشخصية الأهم "رب البيت" أراد به التماثل مع ما نسمعه في الإعلام، حيث يتم دائما التركيز على (رب البيت) دون سواه، ونجد (عظمة) هذا الرب من خلال الألفاظ الكبير والطويلة التي استخدمها: " تصابوا، بالظنون، للبيت، عائدون" فمن خلال الألفاظ الطويلة والكبيرة أوصل لنا الطريقة التي يتحدث بها (الرب) والمكانة التي يحتلها.
ونجد (رب البيت) حاضرا من خلال حسمه للمواقف وللأفكار من خلال "لا تصابوا، حتما" فهذه عقلية (الرب) التي نسمعها دائما.
وإذا ما توقفنا عند لغة "رب البيت" سنجدها تختلف عن لغة القاص/لشاعر، فلغة الشاعر كانت سلسة وهادئة وناعمة، لكن لغة (الرب) كانت خشنة وناهية، تتماثل مع عقلية الممنوع والمحظور التي يفكر بها.
يبدو أن القاص/الشاعر وجد امتعاض المتلقي من كلام (الرب) فأراد العودة لترطيب الأجواء مع القارئ، يعود إلى قص حكايته:
"غير أن القوم لما
ابصروا ارض الديار
كان بيتهم ُمكانا
صار يسكنه الحمار
كلبهم
اضحى الرئيس"
بداية نجد أن الشاعر يتخلى عن (عادية) أهل البيت ويدخلنا إلى مجتمع آخر: "القوم" فهو بهذا يريد أن يوسع مكان وشخصيات (الحكاية) بحيث يمكن اسقاطها على البلد/الوطن.
ونلاحظ أن ذكر الحيوانات جاء مباشرة بعد حديث (رب البيت) وهذا ما يجعل المتلقي يربط بينهما، وبهذا يكون الشاعر/القاص قد ربط بينهما بطريقة غير مباشرة، وهذا يحسب له، فهو يقدم فكرته/حكمته بطريقة سلسلة/عادية، لكن شكل وطريقة التقديم والألفاظ المستخدمة تخدم الفكرة وترسخها أكثر في ذهن المتلقي.
أما الحيوانات التي ذكرها "الكلب والحمار" فهي حيوانات أليفة، وهي عادة ما تكون طوع البشر، فهي وجدت لخدمتهم، لكن الشاعر/القاص يفاجئنا بهذه العبارة:
" كلبهم
اضحى الرئيس"
فالخادم أصبح سيدا، وبهذا يؤكد ويوثق الربط بين "رب البيت/والكلب الرئيس" فهما جاءا متتابعين ومقرونين معا.
يوضح لنا الحال بعد أن أصبح الكلب الرئيس:

قطيعه
حرس الجدار
يسكن القبو جزاء
حين ينبح باقتدار
فالصدمة لم تقتصر على (أهل البيت/القوم) بل طالت المتلقي للحكاية، من هنا كان لا بد من وجود ردة فعل على هذا التغيير الصادم:
"قال قائلهم علينا
أن نقاتلهم بنار"
رغم أن الشاعر لا يذكر لنا من هو المتكلم، إلا أننا نستنجد أنه من الشباب، الفتيان وليس من الشيوخ، حيث ان سورة الكهف قدمت الحوار بين الفرقاء على مصير أهل الكهف بهذا الشكل: "وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا" وبهذا يكون الشاعر قد أوصل لنا فكرة: أن التغيير يأتي من الشباب، بطريقة غير مباشرة، وفي الوقت ذاته متربطة بالمقدس، بالقرآن الكريم، وهذا ما يجعلها ترسخ أكثر في ذهن المتلقي.
لكن (الرب) يتدخل بقوله:
"قال رب البيت كلا
لا نريد لنا الدمار" نلاحظ أن لغة "رب البيت" جاءت تنهي "كلا، لا" وهي تتماثل مع لغة الأرباب في عصرنا.
يختم الشاعر /القاص الحكاية بهذا الشكل :

"منذ ذاك الوقت حتى
اليوم لم ينهوا الشجار
من سيتخذ القرار"
من سيتخذ القرار؟"
الخاتمة لا تتوافق وعقلية المتلقي العربي الذي تعود على نهايات الحكايات السعيدة، ولكنها تجعه يفكر/يتوقف عند النهاية، التي تكرر فيها "من سيتخذ القرار" وكأن الشاعر يدعو إلى (التمرد/الثورة) لكن بطريق مبطنة وغير مباشرة، وهنا يكون قد أوصل الحكمة من الحكاية، من خلال أحداث الدهش في المتلقي، وأكد على قدسية التمرد من خلال ربط الحكاية بالقرآن الكريم.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر Lutfi Mosallam



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن