-مانك - الفيلم المثير للاعجاب، والمرشح القوي للفوز بإحدى جوائز الأوسكار لعام 2021.

سمير حنا خمورو
samir.khamarou@yahoo.fr

2021 / 1 / 13

تفاصيل لابد منها لفهم فيلم مانك
المقال في جزئين، الجزء الاول
سمير حنا خمورو

مانك " Mank "هو اسم التودد الذي يطلق على هيرمان جاكوب مانكيفيتش ، كاتب السيناريو الأمريكي الذي عمل خلال الفترة الشهيرة المعروفة باسم العصر الذهبي لهوليوود ، بين عامي 1930 و 1950. دخل تاريخ السينما بسبب مشاركته كتابة سيناريو الفيلم الأسطوري المواطن كين"Citizen Kane"
مع المخرج أورسون ويلز ، الذي فاز كلاهما عنه بجائزة الأوسكار، وأصبح لاحقًا مصدرًا للجدل حول من كتب ماذا. خاصة وان ويلز عندما شاهد على التايتل اسمه غضب بشدة. ويصوَّر هنا في الفيلم على أنه مدمن على الكحول ومقامر، ويمتلك روح دعابة لاذعة. وليس من المستغرب أن "مانك" حالم يقضي معظم زمن الفيلم طريح الفراش بسبب كسر في ساقه، أو يترنح.

بين عامي 1929 و 1935 ، عمل مانكيفيتش على ما لا يقل عن عشرين فيلمًا ، العديد منها لم يتم وضع اسمه عليها.. وبين عامي 1930 و 1932 كان إما منتجًا أو منتجًا مشاركًا في أربع أفلام كوميدية وساعد في كتابة سيناريوهاتهم بدون ان ذكر اسمه، اشهرها فيلم سيقان بمليون دولار (Million Dollar Legs )، الذي اعتبره نقاد السينما من اجمل الافلام الكوميدية متعة في اوائل الثلاثينات، وشارك في كتابة سيناريو فيلم عشاء في الثامنة (Dinner at Eight) مع كاتبة السيناريو والممثلة فرانسيس ماريون، عن مسرحية لإدنا فيربير و جورج كوفمان، من إخراج جورج كوكور. والذي اصبح احد اشهر الافلام الكوميدية شعبية ويعتبر ألان من الافلام الكوميديا الكلاسيكية.

مخرج الفيلم ديفيد فينشر David Fincher عمل في البداية في شركات الاعلان الدعائية، والعمل على المؤثرات الصوتية والصورية الرقمية، ومن ثم اخراج أفلام الفيديو كليب لمطربين معروفين مثل المغنية مادونا في "عبر عن نفسك" ، مايكل جاكسون في " من هو ؟" ولرولينك ستون "الحب قوي". في عام 1991، ولخبرته الكبيرة في الموثرات الصورية الرقمية دعته شركة فوكس للقرن العشرين ليحل محل المخرج "فنست وارد" لإخراج فيلم رعب من الخيال العلمي ألين 3 ( Alien 3 ) عرض عام 1992.
فيلم زودياك " Zodiac " عام 2007 الذي نال استحسان النقاد. وبعد ان وصل عدد الافلام التي انجزها فينشر 9 افلام وبالرغم ان أفلامه رائعة واشاد بها النقاد، وتم ترشيحها لاهم الجوائز الرئيسيّة في السينما، مثل فيلم السبعة Seven ) 1995 )، فيلم نادي القتال
‏(Fight Club ) عام 1999، وفيلم الحالة الغريبة لبنجامين باتون (The Curious Case of Benjamin Button) عرض عام 2008 ، وفيلم غرفة الذعر ( Panic Room ) عام 2002 ، واخر فيلم روائي اخرجه فيلم عام 2014 كان فتاة أختفت ( Gone Girl ).

غاب ديفيد فينشر 6 سَنَوات عن اخراج الأفلام الروائية، وحتى وقت قريب لم يتمكن المخرج من العثور على شركة انتاج سينمائية، تقبل بشروطه لاخراج "مانك"، السيناريو الذي كتبه والده الصحفي جاك فينشر . وكان من المفترض في الأصل أن تنتجه شركة بليكرام Polygram في اواخر التسعينيات، وأختار فينشر حينذاك للبطولة الممثل "كيفن سبيسي" لدور مانك و"جودي فوستر" لدور ماريون ديفيز عشيقة هيرست ، وحدثت عقبات كثيرة منها رفض الاستوديو إصرار فينشر على ضرورة تصوير القصة بالأبيض والأسود كإشارة إلى التصوير السينمائي التعبيري في فيلم المواطن كين للمصور كريك تولاند ، وصادف ان فضيحة اتهام سبيسي بالتحرش الجنسي، جعلت الشركة تصرف النظر عن انتاج الفيلم.

ولا شك في أن رؤيته المعتمة للعالم ، وحتى العدمية ، وشخصياته المهزومة ، غالبًا ما تكون حبيسة وحدتها ، والنقد اللاذع لاستديوهات هوليوود ورجالها، وأسلوبه المتطلب في الاخراج لا تسهل دائمًا المفاوضات مع هذه الشركات. ومع هذا لا يزال الرجل متمسكًا بشدة بقناعاته وبرؤيته الجمالية الرائعة كما أرى. ولهذا اتجه للعمل كمنتج منفذ واخرج أول حلقتين من المسلسل ناجح من النوع الدرما وإثارة سياسية، بيت من ورق (House of Cards) عرض في الاعوام من 2013 والى سنة 2018 ، وعرض على عشرات القنوات التلفزيونية في اميركا والعالم، وحاز على مشاهدة واسعة وكتبت فيه مقالات إيجابية وفاز فينشر بجائزة ايمي بريمتايم Primetime Emmy Award عن الاخراج المتميز للحلقتين . ومسلسل صائد العقل ( Mindhunter ) 2017–2019، الذي عمل فيه ايضا كمنتج منفذ واخرج حلقات منه ايضا ، وهو من النوع الدراما وإثارة نفسية، تدور أحداث الفيلم حول محققين من مكتب التحقيقات الفدرالي، الى جانب عالمة نفس تدير وحدة العلوم السلوكية وظيفتها دراسة سلوك ونفسية القتلة لفهم طريقة تفكيرهم. ومسلسل ثالث من نوع الخيال العلمي الحب والموت والروبوتات (Love, Death & Robots) ، رسوم متحركة للبالغين، عرض عام 2019 وكل هذه المسلسلات من انتاج شركة الانتاج نيتفليكس.

قد يكون من الصعب فهم سرد قصة غريبة الاطوار، كثيرة الشخصيات والوقائع وليس لها تكوين سردي واضح واستمرار خيطي، لكثرة العودة الى الخلف. كما نلاحظه في فيلم مانك ، ولكي نفهم الفيلم أجد من الضروري اعطاء نبذة قصيرة للشخصيات التي كانت تعمل في صناعة السينما في تلك الفترة والتي تم ظهورها في احداث الفيلم بالاضافة الى رواية المعركة السياسية ، انتخابات عام 1934 لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا ومشاركة اصحاب الاستديوهات بفعالية لتشويه سمعة المرشح الاشتراكي، مما يشتت تركيز المشاهد والانغماس في الاحداث في العديد من الذكريات التي يرويها بحيوية وإيقاع سياسي دائم. الفيلم بالاضافة الى قصة البطل والشخصيات الرئيسية، هو فيلم عن استديوهات هوليوود في تلك الفترة.
شخصيات الفيلم :
كاري أولدمان في دور السيناريست "هيرمان جاكوب مانكيفيتش، مانك" ، أماندا سيفريد في دور الممثلة "ماريون ديفيز"، عشيقة ويليام راندولف هيرست، ليلي كولينز في دور "ريتا ألكساندر" ، سكرتيرة هيرمان ، أرليس هوارد في دور "لوي بي ماير" منتج أفلام ومؤسس مشارك لاستوديوهات "مترو كولدوين ماير" عام 1924، توم بيلفري في دور " جوزيف مانكيفيتش "، مخرج وكاتب سيناريو ومنتج. كان لمانكيفيتش مسيرة مهنية طويلة في هوليوود ، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج وجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلم رسالة إلى ثلاث زوجات ( A Letter to Three Wives ) 1949 ، وجائزة الأوسكار لأفضل مخرج وجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلم كل شي عن
حواء 1950 (All About Eve)، تشارلز دانس في دور " ويليام راندولف هيرست " سياسي ورجل أعمال ، ومالك مؤسسة اعلامية ضخمة، انتخب مرتين عن الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي. سام تروتون في دور "جون هاوسمان" ممثل ومنتج مسرحي وسينمائي ، اشتهر بتعاونه مع المخرج أورسون ويلز منذ أيامهم في مشروع (المسرح الفيدرالي) وحتى إنتاج فيلم المواطن كين. فرديناند كينجسلي في دور " إيرفينك ثالبرك "، منتج الافلام في بدايات السينما، دخل في شراكة مع استوديو لوي ماير بعد أن اندمج مع استوديوين آخرين ، ساعد في إنشاء شركة ميترو كولدوين ماير، وشغل وظيفة رئيسًا للانتاج فيها عام 1925 ، وهو في سن السادسة والعشرين ، مما ساعد أم جي ام MGM في أن يصبح الأستوديو الأكثر نجاحًا في هوليوود. والممثلة تولبينس ميدلتون في دور "سارة " زوجة هيرمان مانكيفيتش ، توم بيرك بدور المخرج وكاتب السيناريو والممثل " أورسون ويلز "، وجوزيف كروس في دور " شارلز ليدرير " السيناريست والمخرج ابن اخ الممثلة ماريون ديفيز ، جيمي ماكشين في دور " شيلي ميتكالف " مدير اختبار التصوير وصديق هيرمان - في الحقيقية ، أن فيليكس فيست كان مدير التصوير التجريبي في شركة الانتاج مترو كولدوين ماير ، الذي صور أفلام دعائية ضد أبتون سنكلير المرشح لمنصب حاكم كاليفورنيا - توبي ليونارد مور في دور " ديفيد سلزنيك " ، منتج أفلام أمريكي وكاتب سيناريو، اشتهر بإنتاجه فيلم ذهب مع الريح Gone with the Wind (1939) و فيلم ريبيكا Rebecca (1940) ، وكلاهما أكسبه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم. و مونيكا كوسمان في دور " فرولين فريدا " مدبرة منزل هيرمان ، ليفين رامبين في دور " إيفا " ، زوجة ميتكالف ، بيل ناي في دور " أبتون سنكلير " سياسي اشتراكي وكاتب مرشح الحزب الديمقراطي لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا خلال الكساد الكبير ، لكنه هُزم في انتخابات عام 1934، فقد عملوا على اسقاطه بنشر اكاذيب واشاعات كاذبة ساهم فيها اصحاب الاستديوهات، ومنها انه مول فيلم عن الثورة الروسية بعنوان لتحيا المكسيك "Que Viva Mexico" سيناريو واخراج سيرگيه أيزنستاين "Que Viva Mexico"، ولكن في عام 1932 ، توقف أبتون سنكلير عن تمويل التصوير وصادر 70000 متر من الفيلم. ولا احد يعرف بالضبط السبب الذي أدى إلى هذا الخلاف. والممثل جيف هارمز في دور " بن هيشت" الكاتب المسرحي والسينارست والروائي، وصديق مانكيفيتش. والذي حصل على جائزة الاوسكار عن اول سيناريو اصلي لفيلم العالم السفلي (Underworld )للمخرج جوزيف فون ستيرنبرك في حفل توزيع جوائز الاوسكار الأول في هوليوود عام 1927.

ويبدو ان المسوؤلين عن منصة نيتفليكس أُعجبوا بالعمل معه خاصة وان المسلسلين حازا على مشاهدة كبيرة وايضا على جوائز ، ومع ان الفيلم مانك ليس للجمهور العريض وافقت المنصة على إنتاجه ومنحت المخرج الحرية المطلقة وحتى الموافقة على تصويره بالاسود والابيض.

ولكن السؤال المطروح ما الذي دفع نيتفليكس الى انتاج فيلم ليس للجمهور العريض ؟ اعتقد ان نيتفليكس تأمل التقليل من النقد الموجه لها باستهلاك الافلام ومنافسة صالات السينما، بانتاج أفلام لمخرجين كبار مساهمة منها في مسيرة السينما. وتآمل ايضا ان يفوز الفيلم بجوائز الأوسكار، وهو بالفعل مرشح قوي للفوز بجائزة او اكثر، خاصة لمدير التصوير السينمائي إريك ميسرشميت، والممثل كاري أولدمان، وربما للمخرج ديفيد فينشر .

أعتقد ان فيلم مانك عمل فريد من بين أفلام ديفيد فينشر. انه بالتاكيد فيلم رائع في العودة إلى تصور نشأت أحد أعظم الأفلام في تاريخ هوليوود خلال ذروة العصر الذهبي للشركات الكبرى، ومع هذا قد يراه البعض دليلا اخر على سخرية المخرج من الاجواء التي كانت سائدة في تلك الأستوديوهات،

في الجزء الثاني سنتحدث عن قصة الفيلم واسلوب المخرج.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن