الانتخابات المبكرة اربعة محاور للصراع..فمن سيكسبها؟

قاسم حسين صالح
qassimsalihy@yahoo.com

2021 / 1 / 10



تتحدد هذه المحاور الاربعة بكل من:الأحزاب والكتل السياسية التي استفردت بالسلطة والثروة ،ومن يمتلك المال السياسي،ومن بيده سلاح خارج سيطرة الدولة ،والتشرينيون والشارع العراقي.

ولكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف..ولنبدأ بالطبقة السياسية التي حكمت العراق لاسيما حزب الدعوة الذي استفرد بالسلطة والثروة من 2006 ،ولاية المالكي الأولى ،الى 2018 ولاية العبادي،الذي يتحمل ما حصل للبلاد من خراب ومن افقار لـ 13 مليون عراقيا.ويعدّ امينه العام السيد نوري المالكي هو المسؤول الأول عن الفساد ونهب مليارات الدولارات ،وهذا ليس اتهام له بل اعتراف علني منه بقوله (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها)..وما كشفها خوفا من الخصوم الذين سيفضحون حيتان حزبه..لو فعل.ونقاط ضعف هذا الحزب والكتل الشيعية كشفتها انتخابات 2018 بنزول نسبة المشاركة فيها دون الـ20% ما يعني أن 80% من العراقيين ادانوا ضمنيا احزاب السلطة،وانها تستحق العقاب. وسيكولوجيا،فان احزاب السلطة تعيش حالة خوف من العراقيين الذين لن يرحموهم ان اطيح بهم ،فان خوفهم هذا،وان كان يقنعهم في الخروج باقل الخسائر، سيدفعهم الى استخدام كل الوسائل التي تبعدهم عن السلطة بدءا من الرشى والأغراء والوعود والتزوير وانتهاءا بالتهديد والخطف والقتل.

التشرينيون والشارع العراقي:

تتحدد اهم ايجابيات انتفاضة تشرين بانها احيت الشعور بالانتماء للعراق بشعاريها (اريد وطن، ونازل آخذ حقي)، وكسر حاجز الخوف من السلطة،فضح عمالة وخيانة وضعف وجبن الرؤوس الكبيرة في الدولة،فضح تدخل دول الجوار،احياء قيم اصيلة استهدفتها الحكومات بتحويلها الفساد من فعل كان يعد خزيا الى شطارة، وشعور جيل الكبار بالفخر ان لديهم جيل شباب بامكانهم بناء عراق يوفر الكرامة لاهله ويعيد اعتباره عربيا ودوليا.

وكان متوقعا لأنتفاضة تشرين 2019 ان تطيح بفاسدين وتحول مفاجئات الى يقين لولا فيروس كورونا وسياسة الكاظمي في احتواء المتظاهرين، وعدم وجود قيادة موحدة في تنظيم شامل يجمعهم. ومع ذلك فان الأنتفاضة لم تمت، وان ما خلقته من وعي انتخابي يمكن الرهان عليه اذا ما تحققت معايير الأنتخابات.وتفيد تصريحات لممثلي عدد من تنسيقيات الاحتجاجات انهم على تواصل مع الأمم المتحدة والأتحاد الأوربي ومنظمات حقوق الأنسان للأشراف على الأنتخابات،ويؤكدون ان التغيير لا يكون بالدعوة الى ثورة مسلحة بل عبر صناديق الأنتخابات.

معايير الانتخابات

المعيار الاول للانتخابات هو توفر الأمن،والثاني هو ثقة الناخب بالدولة .ولقد صرح رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي في 28/12/2020 بالنص:(أن العراق أمام مفترق طرق،ولن نسمح ابدا بتهديد الأمن والأنتخابات)..ويعني تصريحه هذا تأمين الأمن للناخب وثقته بالدولة في انتخاب من يشاء، وضمان مشاركة أغلبية العراقيين في معادلة معكوسة لأنتخابات 2018. غير ان هذا مرتبط بالمعيار الثالث للانتخابات وهو سيطرة الحكومة على السلاح المنفلت الذي اوصل رسالة مبكرة الى حكومة الكاظمي (بأننا نحن الأقوى).وهذا يضع الحكومة أمام خيارين:اما المواجهة المباشرة او الأحتواء.ولأن شخصية الكاظمي ليست عدوانية ولا تميل الى العنف في حل الصراعات،وخشيته من تدخل قوى اقليمية وحدوث فوضى تفرح لها بعض الأحزاب، فأنه سيلجأ الى استراتيجية الأحتواء،مستعينا بالمرجعية وبقوى سياسية معتدلة على اقناع المليشيات المسلحة،واجراء مفاوضات مع دول اقليمية. وقد ينجح مع بعضها ،فيما سيبقى البعض الآخر محور صراع يهدد أمن الأنتخابات ويؤثر على نسبة المشاركة فيها،مع أن قانون الأحزاب لا يسمح للأجنحة العسكرية للأحزاب المشاركة في الأنتخابات..في مفارقة ان عدد الأحزاب التي ستشارك في الأنتخابات المبكرة(2021) زادت على 400 حزبا فيما كانت 206 حزبا في انتخابات 2018!

وثمة متلازمة بين معيار السلاح المنفلت والمعيار الرابع المتمثل بالمال السياسي.هذا المال المسروق من جيوب العراقيين يمكن ان يتحول الى بطاقات انتخابية تعيد انتخاب من سرق المليارات او وجوه بديله لهم بمسميات جديدة..ما يعني ان المعادلات السياسية ستكون محكومة بفوضى السلاح والمال السياسي،يؤكد ذلك ما حدث في البصرة التي شهدت حملة انتخابات مبكرة نهاية 2020 اضطرت اكاديميين(14 اكاديميا) الى سحب ترشيحهم ،ليس فقط خوفا من سلاح المليشيات ،بل ومن سلاح العشائر ايضا!،في مؤشر يشير الى ان تاثير محور المال تراجع لصالح السلاح ..في البصرة تحديدا،فيما يبقى هو الأكثر تأثيرا في الدوائر الأنتخابية التي تقل فيها او تنعدم قوة السلاح.

والمعيار الأخر للأنتخابات هو ضمان حيادية مفوضية الأنتخابات بان يكون افرادها من الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة..ومستقلين سياسيا،واكمال نصاب المحكمة الأتحادية الذي يشكل عدم اكتماله أهم عائق لأجراء الأنتخابات بموعدها المقرر في حزيران 2021.

والمعيار الأخير لضمان انتخابات عادلة هو الزام المرشحين بسقف زمني للدعاية ،وضبط الدعاية الأنتخابية،ليتساوى المرشحون في تقديم انفسهم للناخب العراقي،وبدونها فان من يملك المال السياسي والسلاح سيملك الشارع في دعاية انتخابية تبعث برسالة الى العراقيين بأن نتائج الأنتخابات ستكون لصالحهم.

العراقيون..سيكولوجيا

يلعب العامل السيكولوجي دورا رئيسا في تحديد موقف الناخب العراقي من انتخابات يتنافس فيها 400 حزبا في ظاهرة غير صحية تعكس حقيقة سيكولوجية ان العراقيين يتوزعون على هويات فرعية(مذهبية،دينية،عشائرية،مناطقية..)على حساب الهوية الوطنية.

ولقد استطلعنا آراء عينة من العراقيين في موقفهم من الانتخابات المبكرة اليكم نماذج منها:

· لا لن اشارك نهائيا ،ماكو ثقة بعد.

· لا اشارك ،لان الوجوه الجديدة هي مدفوعة من قبل الاحزاب والقوى السياسية بالرغم من انها تدعي استقلاليتها.

· لا انتخب، لان الاحزاب الحاكمة تسيطر على كل مفاصل الحياة حتى الاحزاب الاخرى التي ستدخل الانتخابات فهي اما متشظية من احزاب فاسدة او لغايات النهب والانتهازية لان الانتخابات تعتبر لديهم موسم حصاد وتوزيع حصص ومغانم في عراق مقسم وضعيف لا يستطيع اهله الشرفاء ان يدافعوا عنه لانهم لا حول ولا قوة لهم، لذلك لن انتخب احدا.

· الانتخابات ضحك على العقول ولهو وابعاد الناس عن اهدافهم الحقيقية.

· انتخب بشروط..ان يكون هناك اشراف أممي على الانتخابات ،وأن لا اشعر بالخوف او اتعرض الى تهديد.

· نعم،سأنتخب مهما كانت الظروف.

تفيد هذه المؤشرات واستطلاعات أخرى ان الذين يمتلكون وعيا انتخابيا هم القلة ،تليهم فئة الذين ينتخبون اذا تحقق شرطا الامان والاشراف الاممي،فيما لا يزال الشعور باليأس يتحكم بالأغلبية الذين لا يشاركون (ليقينهم) بان نتائجها ستكون محسومة لأحزاب السلطة ومن يمتلك المال والسلاح..ولا يدركون ان عدم مشاركتهم في الأنتخابات لا تعني احتجاجا كما يتصورون بل تعني ،رياضيا..احصائيا، انهم يمنحون اصواتهم لمن سيزيدهم فقرا ومذلة.

استنتاج ختامي.

مع ان أحزاب السلطة ومعظم القوى السياسية لا ترغب في اجراء انتخابات مبكرة لأنها تعرف انها ستفقد الكثير من امتيازاتها ومصالحها،ولكن على افتراض انها ستجري في موعدها( 6 حزيران 2021) فأن نتائجها ستكون محكومة بثلاثة متغيرات:

الأول: نجاح الحكومة باتخاذ اجراءات خلال الاشهر الخمسة القادمة تجعل الناخب العراقي يشعر سيكولوجيا بالامان في مشاركته بالانتخابات.

الثاني:قيام النخب الوطنية والتقدمية والتشرينية بنشر الوعي الانتخابي بين جماهير البسطاء من العراقيين يدفعهم للمشاركة في الانتخابات لأستعادة وطن يمتلك كل المقومات لان يعيشوا برفاهية وكرامة.

والثالث:التوقف عن اشاعة ثقافة الاحباط التي يمارسها محللون سياسيون ومثقفون،واشاعة ثقافة التفاؤل بأن التغيير لابد أن يحدث وفقا لقوانين التطور الأجتماعي.

والحقيقة المؤكدة ان الانتخابات المبكرة ستشكل انعطافة في العملية السياسية العراقية،صحيح انها لن تكون استثنائية لكنها ستأتي بوجوه جديدة تشكل قوة معارضة في البرلمان، وتعدّ بأنها ستكون بداية لتحويل العراق من دولة محاصصة ،الى دولة مدنية حضارية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن