واقع الأحزاب الشيوعية العربية بعد أنهيار الأتحاد السوفييتي

وسام جواد
wisam09@yahoo.com

2020 / 12 / 12

واقع الأحزاب الشیوعیة العربیة بعد انهیار الاتحاد السوفیتي.
د. وسام جواد

واقع الأحزاب الشیوعیة العربیة بعد انهیار الاتحاد السوفیتي ما أن وضعت الحرب العالمیة الثانیة أوزارها، حتی إحتدم الصراع جبهات الحرب الباردة بین الإمبریالیة الأمریکیة والدول الرأسمالیة المتحالفة معها من جهة، والاتحاد السوفیتي والدول، التي شکلت المعسکر الاشتراکي لاحقا، من جهة أخرى . والرغم من تکالیف الحرب الباهضة، التي تحمل الاتحاد السوفیتي أکثر أعبائها وخسائرها البشریة والمادیة، إلا ان ذلك، لم یَحُل دون عمل القیادة السوفیتیةحل ومعالجة العدید من القضایا الداخلیة والخارجیة الطارئة
أثناء وبعد الحرب، خصوصا ما یتعلق باعادة الإعمار الضخمة، التي ما کان لها ان تتحقق بأوقات قیاسیة، لولا وحدة الشعوب السوفیتیة وقیاداتها العسکریة والسیاسیة، وقدرتها تجاوز الأزمات الحادة ( السکنیة والمعیشیة )، ونجاحها رفع معدلات الانتاج الصناعي والزراعي الی الحد الضامن لسد حاجة المواطنین، وتقدیم المساعدات لحرکات التحرر الوطني، والدول الصدیقة. لم یَرُق للدول الاستعماریة، التغییرات الحاصلة بعد الحرب العالمیة الثانیة، لخسارتها جزءا مهما من الأرباح الناتجة عن نهب وسلب ثروات الدول، التي نالت استقلالها، وإعلان الکثیر منها عن توجهاتها وتطلعاتها نحو بناء النظام الاشتراکي، مما دفع بالدول الاستعماریة الی حبك المؤامرات، والوقوف وراء الانقلابات العسکریة، للإطاحة بقادة الحکومات، الرافضة لهیمنتها، والخارجة عن طاعتها. واذا ما عُرِفت هذه المرحلة، بقوة ارادة وصلابة مواقف بعض القیادات الشیوعیة، فإنها کشفت أیضا عن سوء أداء البعض الآخر، لتبعیتها المطلقة للمرکز، وعجزها عن اتخاذ القرارات الوطنیة الآنیة، دون الرجوع الی موسکو، الأمر الذي تسبب الانقسامات والخلافات الحادة بین الأحزاب الشیوعیة. فلا الشیوعیون کانوا مستقلین بقراراتهم، ولا کانت موسکو قابلة بلا مرکزیتها، التي تتطلب الأخذ بنظر الاعتبار، خصوصیات الدول، والتباین فیما بینها سیاسیا واقتصادیا واجتماعیا . کتب کارل مارکس وفریدریك انجلس“ الشیوعیین، یعتبرون إخفاء آرائهم ونوایاهم أمرا حقیرا ”، وذکر قائد الثورة البلشفیة، فلادیمیر ایلیتش لینین “ یجب ان لا نخشی من الاعتراف بالخطأ ”. إلا ان واقع الأحزاب الشیوعیة، أظهر الکثیر من حالات التستر، وعدم إعتراف القیادات بأخطائها، ورفض البحث أسباب وقوعها، مُفضِلة إسماع المُنتقدین لها، اسطوانة ”سیاسة الحزب الصائبة“أساس ان القیادة هي الحزب..!
عَلت بعد ثورة 14 تموز الخالدة، أصوات الهتافات، ورُفِعت الشعارات، التي إعتبرتها القوى السیاسیة، ذات العدد والتأُثیر المحدود آنذاك (القومیون والبعثیون) استفزازا وتحریضاالعنف، الذي تطلَّبَ الدعوة لوقفه وتجنب مضاعفاته، لکن ذلك لم یحصل. واستمرت المظاهرات برفع الشعارات، وتردید الهتافات: ”هوب، هوب عفلق، کدامك الطسة، جمال وقع بالـ.. ومَحَّد سمع حِسه “ و“ إعدم یا شعب السوري، إعدم جمال وعفلق“ و“ ماکو مؤامرة تصیر والحبال موجودة “ مما حدى ببعض الشخصیات القومیة والبعثیة القیادیة، الی طرق أبوب التعامل مع السفارات الأجنبیة (البریطانیة و الأمریکیة)، التي مَدَّت لها ید العون، أملا التحرك للتخلص من النظام الوطني، وإعادة التبعیة، وعودة شرکات النفط الاحتکاریة، ومنع التقارب مع الاتحاد السوفیتي والمعسکر الاشتراکي . وکان لأحدات الأول من آیار 1959 الموصل، ومحاولة اغتیال الزعیم عبد الکریم قاسم، دورا زیادة التراکمات، التي زاد من بلة طینها، صدور فتوى محسن الحکیم ( الشیوعیة کفر وإلحاد) 21 شباط 1961 وإستغلالها من قبل أعداء النظام، للإعداد وتنفیذ انقلاب 8 شباط 1963 ،الذي خسر فیه الحزب الشیوعي، خیرة النخب القیادیة العسکریة والمدنیة الوطنیة اللامعة. وقد اتسمت العلاقة بین الحزب الشیوعي وحزب البعث بعد عودة الأخیر الی السلطة 17 تموز 1968 بالتنافس الحزبي الضیق، ونجاح البعثیین بتوجیه الدفه تدریجیا لصالحهم، بحکم وجودهم السلطة. ولم تمنع أجواء ”الجبهه الوطنیة“ وتعیین وزیرین شیوعیین (مکرم الطالباني وعامر عبدالله) من التضییق الشیوعیین. وظل القمع والإرهاب السیاسي مُتبعا، رغم تقدیم التنازلات المتواصلة من قبل قیادة الحزب الشیوعي، التي وصلت حد الإعلان عن تجمید الانشطة المهنیة والطلابیة، والتوقیع على اتفاق منع النشاط الحزبي الجیش والشرطة لغیر البعثیین، دون أن یحد ذلك من رغبة قیادة البعث تحقیق الاستفراد المُطلق بالسلطة، فکان من المُحتم ان تنهار الجبهة ظل أجواء الاعتقالات والاغتیالات، التي بلغت ذروتها عام 1978 بعد تنفیذ حکم الإعدام بـ 31 من العسکریین لإتهامهم بـ ”انشطة حزبیة ممنوعة“ صفوف الجیش، لیضع هذا الحادث، المِسمار الأخیر نعش ما سُمي بالجبهة الوطنیة، وبدایة الهجرة الجماعیة للشیوعیین وانصارهم الی الخارج . سوریا جرت عدة محاولات من قبل الشیوعیین، لکسر طوق التبعیة المطلقة لموسکو، لکنها جوبهت بتُهم خیانة المبادئ والعمالة، والطرد من الحزب ( کما کان حال المنتقدین باقي الأحزاب الشیوعیة العربیة
المفکر الشیوعي الیاس مرقص من الإتهامات، التي انتهت بقرار طرده، رغم کونه أحد أهم الکتاب المارکسیین العرب (أعید الی الحزب بعد وفاة خالد بکداش) سوى إنعکاسا للنهج السلطوي الدکتاتوري، الذي أبطل امکانیة النقاشات، وتسبب بالإنقسامات، وخروج العدید من الکوادر المثقفة من الحزب. وحول هذا الموضوع، کتب اسماعیل صبري“ فاتنا أهمیة الدیمقراطیة داخل أحزابنا، وقبول تعدد الآراء، والالتزام برأي الأغلبیة مع إحترام الأقلیة ولیس تصفیتها. وقد تعاملنا مع الجماهیر کما لو کنا نملك الحکمة والصواب ونرید أن نعلمها، دون الإنصات للناس، والاحترام الکا، لما یرونه ویتصورونه من حلول لمشکلاتهم“. إن من بین أسباب الأمراض المزمنة، التي أصابت الأحزاب الشیوعیة العربیة، هو بقاء القیادات الشیوعیة من دون تغیر لا لسنواتٍ طویلة، وإنما لعدة عقود من الزمن. ومن ذلك، أن خالد بکداش شغل منصب الأمین العام للحزب الشیوعي أکثر من 60 عام ( سوریا ولبنان حتی عام 1964 ،و سوریا حتی وفاته عام 1995 .(وبقي عزیز محمد منصب سکرتیر الحزب الشیوعي العراقي 30 عاما. وکان لکل منهما علاقات ممیزة مع ”رفاق“ موسکو، تَحکي عنها الزیارات الحمیمة، التي کانت متواصلة. لقد بیّن واقع الأحزاب الشیوعیة العربیة، حقیقة أن قیاداتها لا تختلف عن تفرد وطغیان الحاکم، الذي لا یؤمن بتداول السلطة، وأن هذه القیادة، قادرة اتخاذ الإجراءات التنظیمیة التعسفیة ضد منتقدي النهج الخاطئ کالمشارکة مجلس العار (الحکم)، والعملیة السیاسیة، والتحالفات الفاشلة مع القوى السیاسیة والدینیة المشبوهة، والتصریحات الدالة الإنحراف والانعطاف نحو جهة القوى، التي لعبت دورا قذرا تدمیر واحتلال العراق. وما کان لکل هذا ان یحصل، لولا انهیار الإتحاد السوفیتي.

موسکو



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن