الدولة العربية الإسلامية (أطوار التحول من الغزو التوسعي إلى الانحطاط والتبعية والسقوط المدوي) 17

جميل النجار
gamilazabalnaggar@gmail.com

2020 / 11 / 21

التغني بالتدليس

توصف إسبانيا الإسلامية أحيانًا بأنها "العصر الذهبي" للتسامح الديني والعرقي والتناغم بين الأديان بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
وحتى لا نكون، كأغلبيتنا، مجرد بلهاء متعصبين/مذنبين بإفراط متطرف في إضفاء "الطابع الرومانسي الحالم/المخادع" على هذه الفترة باعتبارها عصرًا ذهبيًا للتعايش السلمي، وتدشين حضارة عربية إسلامية عظيمة بلغت ذروة المجد في مختلف نواحي الحياة؛ سنتحرى الحقيقة بمنتهى الموضوعية (الغريبة عنا) على الدوام.

فجل الأمة تجتمع على أن الدولة العربية/الإسلامية كانت في غاية التسامح مع الآخر؛ حتى بلغ الأمر حد أن ادعوا - كعادتهم- حرفيا: "لقد أثر العرب في أخلاق الشعوب النصرانية (بالأندلس) فقد علموهم التسامح الذي هو أثمن صفات الانسان". وادعائهم: "بأن المجتمع الأندلسي ضم العديد من الفئات المجتمعية المختلفة، والديانات المتعددة، والتي استطاعت أن تتآلف فيما بينها، وتتجمع لتحقيق مصلحتها العليا، فكانت بذلك مضرباً للمثل في التسامح، والتعايش المشترك المبني على المودة، والاحترام، والتراحم. ليس هذا فحسب؛ بل إنهم مقتنعون/واهمون بأنهم لم يغزوا إسبانيا، بل حرروها من القبائل البربرية الجرمانية/الهمجية (القوط)!
يعتقد بعض المؤرخين أن فكرة العصر الذهبي هذه خاطئة وقد تدفع القراء المعاصرين إلى الاعتقاد، خطأ، بأن إسبانيا المسلمة كانت متسامحة بمعايير فرنسا أو بريطانيا في القرن الحادي والعشرين.

الموقف الحقيقي أكثر تعقيدًا. من وجهة نظرنا التحليلية المتواضعة؛ فإن "التسامح النسبي" لمسلمي الأندلس؛ ناتج بالأساس عن ابتعاد المسلمين - جزئيا- عن التشدد الأصيل في "إسلام محمد". ليتماهوا مع انفتاح الثقافات المسيحية/اليهودية/الوثنية. حيث مُتع الدنيا بدت لهم أكثر جاذبية وراحة للنفس البشرية – من عناء التشدد العنصري/الجهادي ذاك- حيث حياة الترف والبزخ والمجون وانغامسهم في الملذات الدنيوية بالقصور الفخمة، والحفلات والطرب والموسيقى، والنساء المتحررات والمشروبات الكحولية وثروات الانفتاح التجاري بين الأمم المسالمة، ومخالطة الفنانين والحرفيين البيزنطين؛ كانت كلها عوامل دفعت المسلمين إلى محاولة التناغم مع هذه الأوساط التعاونية/المنفتحة غير العدوانية.
كتب المؤرخ البارز "برنارد لويس": "أن وضع غير المسلمين في إسبانيا الإسلامية كان نوعًا من المواطنة من الدرجة الثانية، تلك المواطنة، رغم أنها كانت من الدرجة الثانية، إلا أنها تعتبر نوع من المواطنة. حيث انطوت على بعض الحقوق، وإن لم تكن كلها، وهي بالتأكيد أفضل من عدم وجود حقوق على الإطلاق ". فهي مكانة معترف بها، حتى وإن كانت "مكانة دونية" من المجموعة الإسلامية المهيمنة. من كتاب: برنارد لويس، يهود الإسلام، 1984.

وكان المسيحيون واليهود غالبًا ما يشغلون وظائف كان المسلمون يأنفونها/يتجنبونها، أو لا يقدرون عليها.
وشملت هذه الأعمال غير الجيدة مثل الدباغة والذبح، ولكن أيضًا وظائف ممتعة مثل الأعمال المصرفية والتعامل في الذهب والفضة. كما يمكنهم العمل في الخدمة المدنية للحكام المسلمين. كان اليهود والمسيحيون قادرين على المساهمة في المجتمع والثقافة، التي استفاد منها العرب كثيرًا. فحقيقة ما نُسِب للعرب من أفضال علمية؛ ليس فيه شيئا من الإنصاف. حيث كانت إسبانيا الإسلامية/المسيحية/اليهودية؛ مزيجًا متعدد الأفضال؛ لثقافات الشعوب التوحيدية الثلاث: المسلمون والمسيحيون واليهود.

كما أن النظرة الحقيقية البديلة للعصر الذهبي للتسامح الإسلامي – المُبالَغ فيه- هي: أن اليهود والمسيحيين كانوا مقيدين بشدة في إسبانيا المسلمة، من خلال إجبارهم على العيش في حالة "أهل الذمة". ذلك الذِميّ الذي ليست له نفس الحقوق التي يتمتع بها المسلم الذي يعيش في نفس الدولة.

وفي إسبانيا الإسلامية، لا يتم التسامح مع اليهود والمسيحيين، إلا إذا:

1. اعترفوا بالسلطة الإسلامية وخضعوا لها.
2. دفعوا ضريبة "الجزية" للحكام المسلمين. وفي بعض الأحيان دفع معدلات أعلى من الضرائب الأخرى.
3. الامتثال للقواعد التي وضعتها السلطات الإسلامية، ومنها:
4. يجب على المسلم ألا يقوم بتدليك يهودي أو نصراني. أو إلقاء فضلاته أو تنظيف مراحيضه. إن اليهودي والمسيحي مناسبان بشكل أفضل لمثل هذه الحرف، لأنها حِرَف حقيرة لا تليق إلا بأولئك.
• القيود على الملابس والحاجة إلى ارتداء شارة خاصة؛ لتميزهم عن المؤمنين بديار الإسلام.
• لم يُسمح للمسيحيين ببناء منازلهم بارتفاعاتٍ أعلى من منازل المسلمين، وكان عليهم إفساح الطريق للمسلمين في الشوارع.
• لم يستطع المسيحيون إظهار أي علامة على إيمانهم في الخارج، ولا حتى حمل الكتاب المقدس. كانت هناك اضطهادات وإعدامات. فمذبحة غرناطة، التي وقعت في العام 1066، وما أعقبها بمزيد من العنف والتمييز؛ لا تخفى على أحد.
• السماح ببناء المساجد حيثما وأينما أراد المسلمون، بينما وضعت قيودا على بناء المعابد والكنائس.
• لا يسمح للذمي بحمل السلاح.
• لا يمكن للذمي أن يمتلك عبدا مسلما.
• الرجل الذمي لا يستطيع أن يتزوج مسلمة، والعكس مقبول.
• الذمي لا يستطيع الإدلاء بشهادته في محكمة إسلامية.
• عدم المساواة في الديَّة والقصاص؛ بحيث يحصل الذميون على تعويض أقل من المسلمين عن نفس الإصابة.
• في بعض الأحيان كانت هناك قيود على ممارسة المرء لعقيدته بشكل واضح. رنين الجرس أو الهتاف بصوت عالٍ تم الاستياء منه وتم تقييد المواكب العامة. بينما يصدح المسلم بآذانه عاليا.
• وبذلك؛ تم تقسيم المجتمع على أسس عرقية ودينية بشكل حاد، حيث كانت القبائل العربية على رأس الهرم، يليها البربر الذين لم يتم الاعتراف بهم على أنهم متساوون، على الرغم من أسلمتهم. وجاء المتحولون في الأسفل ومعهم الذميون المسيحيون واليهود. (بات يور، الإسلام والذمة، 2002).

وللحديث بقية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن