عراق-اللاوطنيه-والثورة -التشروكورونيه-؟/6

عبدالامير الركابي
amir.rekaby@hotmail.fr

2020 / 11 / 21

عبدالاميرالركابي
سار تاريخ الاحداث الثورية من عام 1920الى الحدث التشريني الافتتاحي من حيث مقاربته لاحتمالية سد النقص التاريخي الملازم للاحداث الثورية العراقية خلال قرن، ماكان طبعها بالحدثية الكبرى المفتقرة للمفهوم المطابق، والذي به فقط تتحول لتصبح ثورات، وهو ماقد وسم حدث العشرين، وحدث تموز 1958 يوم كانت البنيه التحولية مضطرة لان تعبر عن ذاتها بذاتها، (لالذاتها)، بمقابل وبالضد من القوى المهيمنه ممثلة الغرب ومفهومه، وماكانت تفترضه كمشروع اسقاط ومصادره للواقع العراقي بالقوة والفبركه المفهومية، المدعومه بحضور النموذج الغالب عالميا، ماقد جعل الاحداث المنوه عنها تندلع كحالات ثنائية ازدواجيه، يقابلها تدبير وردة فعل مقابله، في الحدث الأول العشريني وفي ساعته تماما، من جانب الحملة البريطانيه اقتضت إقامة دولة من خارج النصاب الاجتماعي وعملية التشكل التاريخي الجارية منذ ثلاثة قرون، كما خارج المسلك الاستعماري الكولونيالي نفسه(1) وماقد نجم عن ذلك وتولد عنه من رد فعل أخرى ظهرت بموجبهاالأحزاب المسماة "وطنيه" ابديلوجيه حزبيه، انابت عن الحدث الثوري وصادرته لتصبح الناطقة باسمه، تطلق عليه توصيفاتها النابعه من بنيتها، فتضعه ضمن خانه "اول حدث وطني كبير لم يحقق أهدافه كاملة"، باعتبار ان المطلوب والمستهدف هو "الثورة الوطنيه البرجوازيه ومقاصدها التحررية الديمقراطيه"، تلك المتخيله التي لم يتحقق منها شيء ابان الحدث الأول الافتتاحي، بينما كان هدف التحرر من الاستعمار قد امكن نواله عام 1958 صبيحة يوم 14 تموز، من دون ان تتحقق الديمقراطيه التي ظلت عالقة وقتها ومؤجله !!.
يشمل ذلك مجمل الاحداث الأخرى، والانتفاضات والاضرابات المتوالية في الريف والمدينة، مجملا ضمنه موقع الأحزاب و "الوطنيه الحزبيه الايديلوجية" نفسها، التي لم تكن ابان العقود مدار البحث، فاعلة بالارتكاز لما تدعي التعبير عنه من طبقات وبنيه كيانيه وطنيه، او تحولات بنيوية مفترضة، بل بما هي وسائل آنيه، تتيحها وتفرضها اشتراطات غياب التعبير عن الذات من جهة، ووطاة الغرب ونموذجه وتفكراته، وبالذات صيغته هو كنظام "ازدواجي" اصطراعي كما قد اتخذ كصيغة قطبية منذ ثورة أكتوبر 1917، بالاخص وان هذه لم تنشا خارج المفاعيل الواقعيه البنيوية التكوينيه الازدواجيه المجتمعية، اذ ظهرت باعتبارها "الدولة من اسفل"، مقابل الدولة المركبه من اعلى على يد الإنكليز، وبعد محاولات هدفت الى تأسيس أحزاب "الشيوعي" و "البعث" في بغداد، لم يتحقق لهذين التيارين وجود فعلي وتاسيسي الا في عاصمة المنتفك "الناصرية"، لتصبح لدينا من وقتها، دولتان: عليا، وسفلى، عادت السفلى منهما وانتشرت مستغلة الفبركة الكيانيه على مستوى العراق ككل لتعاكسها حضورا، مثلما كانت الدولة المفبركة من اعلى قد قامت افتراضا ومسعى باعتبارها دولة "الكيان العراقي"، وهكذا تكرر مرة أخرى قانون "الاستبدال"، و "الانتقاص" الازدواجي التاريخي، المميز لحالة وكيانيه ارض مابين النهرين/ العراق الحالي، فعممت من اسفل وبصيغة مفتعله، ديناميات الصراعية بدفع من بنيه الكيانيه اللاارضوية السفلى الناشئة، كما لم يكن قد حدث لها في العصر الحديث بعد، حين كان امتداد التشكل الحديث الثالث الذاتي الى اعلى ارض السواد مايزال في البدايات، بعد ان سادها مساحة خلال الفترة مابين القرن السادس عشر والعشرين، ابان الحقبتين القبلية والانتظارية النجفية، مع حفظ الفارق النوعي بين احتماليه اكتمال التشكل التاريخي بناء للاليات الذاتيه الصرفة، وماقد حدث من نوع تشكل مفتعل بوسائل وعوامل تحريك وضعط من خارج البنيه.
وهو ماكان متوقعا ان ينعكس على الاحداث الثورية العراقيه ابان حضور الغرب ووطاته المباشرة وغير المباشرة، بحيث تصادر وتزال من موضعها الفعلي في التاريخ، فكان على كل مايتصل بهذا الجزء من تاريخ العراق، ان تجري قولبته والحاقه بالمنظور الغربي "الحديث"، ليعيش العراق حقبة من الغياب المقترن بالمصادرة المجحفه بحق الحقيقة والتاريخ نفسه كممارسة عقلية، كتب لها مجددا ان تفصح عن حالة مجسمه من حالات القصور والعجز الفاضح، حتى بالمقارنه بماكانت هذه البقعة من العالم قد عرفته من قبل، وابان الدورتين الأولى والثانيه من تاريخها، بسبب وقوعها تحت الهيمنه الموضوعيه في حينه للمنظور الأحادي.
في الماضي وابان الدورتين السالفتين، كان العراق يعبر عن ذاته ازدواجيا وافتراقا، والكيانيه غير الممكن تجسدها ارضويا تتبلور سماويا "ابراهيميا"، او " قرمطيا اسماعيليا انتظاريا .. الخ" تقابلها اشكال من الامبراطوريات المنتقصه من اعلى، بصيغ متعدية لاشكال الأحادية الإمبراطورية المعروفه شرقا وغربا، في حين فرض على العراق اليوم ان يعيش الحلقة الثالثة من تاريخه بظل النهوض الغربي، مصادرا من دون ان تتوقف اليات تكوبنه البنيوي الازدواجي عن العمل كديناميه ضمنيه، غائبه وغير معبر عنها.
لم يكن الحزب الشيوعي على سبيل المثال ممثلا ل"الطبقة العاملة"، او نتاج تبلورها، او ظهور مايدل عليها ابان تأسيس المحتل لما هو محتاج له من سكك حديد ونفط ومااتصل بهما من بنى وصناعه خارج الاليات الذاتيه التاريخيه، وبخلاف المقتضات البنيويه التاريخيه الازدواجيه، مع طبيعتها، وضمن اشتراطات الاحتلال، وفبركة الدولة والكيان خارج النصاب المجتمعي و وبقطع لمسارات التشكل الوطني، مع ارتكاز "الدولة المفبركة الاستعمارية" الى نفي، لابل محو الخاصية "المشاعية" الانتاجيه التاريخيه، واصطناع الاقطاع خارج مجال وجوده البنيوي(2)، ومايتصل به من اشتراطات الإنتاج على حافة الفناء، مع إقرار "قانون التسوية" عام 1932 قانون قلب العلاقات المجتمعية في ارض السواد من أيام السومريين والدورة التاسيسية الأولى، فلقد بلغ احتدام المواجهة وقتها مستوى افنائيا مضافا للاشتراطات المجافية التاريخيه الثايته، ومادام التعبير عن الذات وقتها كان متعذرا، فلقد وجدت المشاعة الجنوبية استبدالا وضمن الاشتراطات الدولية الانقساميه الغربيه، ان من المتفق مع اغراضها واحتياجاتها بحسب الاشتراطات الداخليه المستجده الاستعمارية والانقساميه الغربيه، قبول وجود مايسمى "الحزب الشيوعي" بغض النظر عن عدم اتفاقه مع الحقيقة التاريخيه، الامر الذي كان قد حصل منذ العشرينات في الناصرية وثم البصرة، قبل عموم العراق، ليتعزز طابعه الجنوبي ب "حزب شيوعي لااشتراكيه ديمقراطية" الذي هو بالأحرى "حزب شيوعي يلبي أغراض المشاعة الجنوبية ضمن اشتراطات محوها استعماريا وبنيويا اقطاعيا"، وهو ماقد ساد وانتشر عراقيا على مستوىى الكيان، بالذات وتحديدا في الفترة من أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات، الى حدث 14 تموز 1958الثوري، عندما انتهى وقتها الدور المنوط بالتيار المذكور، وراح يفقد باطراد مبرره وحافزه الواقعي البنيوي.
لاشك ان حدث العشرين الثوري ونتائجه، وماترتب على افتقاره للرؤية المطابقة لكبنونته قد لعب دورا فاعلا محفزا، إضافة لإقامة الدولة المفبركة عام 1921 والاتجاه الى اختلاق العلاقات الاقطاعية في الريف، بمقابل جملة المتغيرات في اللوحة الدولية، افضى لتبرير وجود حركات وتيار من نفس عينة وعالم الغرب وبنيته المركبه الانشطارية الطبقية وحضوره، يمكن ان يكون عاملا مساعدا على نفيه من داخلة، استجابة للمحركات البنيوية التاريخيه لمجتمع اللادولة الجنوبي، بغض النظر عن توهمات الطبقية، والنظرية الماركسية اللينينيه ؟؟ وصولا الى حدث 14 تموز وانقلاب 1963 حين انقلبت محركات مايعرف بالحزب الشيوعي، من التناغم مع مفاعيل ارض السواد ضمن اشتراطات بعينها، الى المنطقة الكردية واشتراطاتها الجزئية، وصولا لانتهاء الظاهرة المذكورة بعد مرورها الاستيهامي ابان طور الريع العقائدي العائلي ( 1968/2003) أي الريع كبديل للامبراطورية، وانهيار وسحق بنية الدولة المفبركة على الإيقاع الغربي على يد الغرب نفسه عام 2003، الذي أقامها ضمن سياقات ومتغيرات عالميه متعدية لاشتراطات الظاهرة الغربية في طورها المصنعي وازدواجيتها بين شرق وغرب.
وما تقدم من مسار تاريخي متصل باشكال مجابهة البنيه التاريخيه للظاهرة الغربية، ونوع التفاعل ضمنها، ودخول عنصر الريع النفطي كشرط أساس، لايمكن استمرار الدولة المفبركة من دونه بعد تجربة (1921/1958) ومانتهت اليه من سحق تام، دال على استحالتها،ماقد اوجب ارتكازها الحتمي لعنصر بالغ الفعاليه من خارجها وخارج العملية الانتاجيه اجمالا، وهو ماتمثل بنظام ( 1968/ 2003)، وصولا الى اللحظة الراهنه، حيث زمن"فك الازدواج"، وطور انتفاء الدولة الاستهلالي التمهيدي الراهن(3).
يعيش العراق تاريخه الحديث بلا "نطق"، وحين ينتهي ناطقا مع نهاية الحقبة الحديثة الثالثة الايديلوجيه، يكون العالم قد انقلب، وانتهت دوراته الأحادية، بينما تكون آليات الانتقال الى الطور الأخير مابعد الارضوي قد اخذت تلوح في الأفق، بالمقابل تكون اشكال الحدثية الناقصه المفتقرة للنطق قد عادت تحت وطاة اشتراطات "فك الازدواج" العراقية الرافدينيه، على شكل سلسله من الاحداث أهمها وقمتها حدث تشرين عام 2019، التي تتصادف مع الدالة الكوارثية الأولى الأبرز التي تلعب دورها في عرقلة مسار الحدث لتضعه امام امتحان استثنائي، تظل ابانه اشكال المصادرة والحديث عن "الثورة" والإصلاح والديمقراطيه التي تشترط وجود دولة وكيان لاوجود لهما، ليتكررنفس نسق المصادرة المعروفة منذ الثلاثينات بعد ان فقد مبرراته واسبابه، في حين ان "التشروكورنيه" ماتزال وتستمر غائبه، بما هي داله على انتقال العالم بعد اليوم باتجاه "انتهاء الزمان" الأحادي، ووقوع الكوكب الأرضي تحت طائلة العيش على حافة الفناء، واشتراطات الانتقال الى الزمن الانتقالي مافوق الأرضي.
ليس مايطلق عليه "جائحة الكورونا" التي تعم المعمورة اليوم، مجرد "جائحه" من نوع الانفلوزنزا الاسبانيه، والطواعين التي عرفها التاريخ، ومنها العراق بلد الكوارث والفيضاتات المدمرة والطوفان، والطواعين التي افنت بغداد عام 1931، وعلى العقل، لابل مما هو ملزم به اليوم، ان يغادر وطاة الازمان المنقضية، ونوع نظرتها للاشياء والموجودات والاحداث، بحيث يتم التفريق بين "الاختلال الطاري الموسمي المؤقت"، الذي هو من صلب علاقة البيئة والمجتمعية، والجوائح الموسمية، وبين "الاختلال الأخيرالدائم"، حين يتحول لايقاع حياة، هو الحصيلة النهائية لمسار المجتمعات، ناجمة عن الاختلال البيئي الانتاجوي الراسمالي الالي، ومترتباته وتفاقماتها، لامهرب منه الا بمواكبة ازمانية، تنصب على اكتشاف وسائل مغادرته نحو العالم مابعد المجتمعي الحالي.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينتمي اجراء أقامه حكومه من اهل البلاد لضمان النفوذ البريطاني في العراق اول حالة خروج على الخاصية الأساسية الاستعمارية الكولونيالية للاستعمار القديم، وهو ينتمي الى ماعرف لاحقا في الستينات باسم " الاستعمار الجديد" الامر الذي لم يسبق ان جرت ملاحظته باعتباره لحظت انعطاف تاريخي أساسي بها يؤرخ لنهاية الاستعمار القديم.
(2) (2) من السقطات الكبرى الأخرى الغربية بمواجهة البنية الرافيدينيه اضطرارة لان يكون راعيا لاصطناع طبقة اقطاعية لا أساس لها بينما قائم على أساس بنيوي متجاوز للاقطاع تاريخيا وفي تضاد معه على كل الصعد. الغرب الراسمالي اضطر في العراق لان يعود اقطاعيا.
(3) ليس لمايعرف ب " الدولة " كاليات مجتمعية تاريخيه أي وجود راهن في العراق الامر الذي حل منذ 2003 مع الغزو الأمريكي وسحق الدولة المفبركة لتبقى مجرد هياكل وظيفية وتمثيلية شكلية مستعمله لأغراض نهب الريع النفطي الذي هو الركيزة الوحيده لمايسمى "دولة" عراقية حاليا، بحيث ان الريع النفطي اذا زال كمصدر لتقاسم النهب من قبل قوى ماقبل الدولة السائدة لايعود هنالك عراق ككيان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن