عن القدس في كتاب نسب أديب حسين

محمود شقير
shukair@hotmail.com

2020 / 11 / 20

تكتب الكاتبة الشابة الباحثة نسب أديب حسين كتابًا مهمًّا عن المتاحف ودورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعن دور هذه المتاحف في الصراع على هوية القدس الثقافية المعاصرة، وتلفت الانتباه إلى أهمية المتاحف الفلسطينية في الدفاع عن الرواية الفلسطينية وفي تعزيز الهوية الثقافية لفلسطين عامة وللقدس على وجه الخصوص، وكذلك إلى خطورة المتاحف الإسرائيلية التي تقدم رواية أخرى فيها تكريس لاحتلال المدينة؛ وفيها تضليلٌ للزوار الأجانب عبر الترويج لوجهة النظر الصهيونية الاستعمارية للقدس ولأرض فلسطين التاريخية.
في كتابها هذا؛ قامت نسب بزيارات ميدانية لثلاثة متاحف فلسطينية في القدس ولستة متاحف إسرائيلية في المدينة؛ ولمتحف روكفلر الذي أنشئ في زمن الانتداب البريطاني لفلسطين، وأصبح اليوم تحت إشراف المحتلّين الإسرائيليّين، وقد خرجت الباحثة جرّاء وضعها هذه المتاحف العشرة تحت ضوء البحث والتمحيص والنقد باستنتاجات مفادها أن المتاحف الإسرائيلية مزوّدة بتقنيات وبوسائل للشرح وتقديم الرؤى والأفكار للزوار أكثر تطورًا وشمولًا مما هي عليه الحال في المتاحف الفلسطينية؛ وبالطبع فإن وجود القدس تحت الاحتلال يلعب دورًا في هذا الفارق، فالمتحف الإسلامي الواقع في ساحة المسجد الأقصى لا يستطيع أن يجدد ديكوراته أو يضيف إلى معروضاته شيئًا بسبب تضييق سلطات الاحتلال عليه، وبسبب أن كل صغيرة وكبيرة في المتحف تخضع لرقابة مشددة من هذه السلطات، ثم إن متحف روكفلر الواقع تحت إشراف المحتلين يعاني من إهمال ومن ترهل بسبب اشتماله على معروضات وقطع أثرية تدلل على فلسطين وعلى الشعب الفلسطيني، وعدم اشتماله على أي أثر للرواية الصهيونية.
وحين يجري التطرق لهذه المتاحف الفلسطينية المقدسية ومدى مواكبتها لتطورات العصر وتقنياته الحديثة، فإن من المتوقع ألا تجاري الواقع السائد في المتاحف الإسرائيلية المسنودة بإمكانات دولة الاحتلال التي تفوق قدرات الفلسطينيين من دون جدال.
ففي حين يبلغ عدد المتاحف في دولة الاحتلال بحسب إحصائية وردت في الكتاب 200 متحف فإن عدد المتاحف في مناطق السلطة الفلسطينية لا يزيد عن 51 متحفًا؛ وعدد الزوار للمتاحف الإسرائيلية الستة المنوه عنها في الكتاب يفوق بشكل كبير عدد زوار المتاحف الفلسطينية الثلاثة.
في الزيارات الميدانية التي قامت بها الباحثة للمتاحف العشرة؛ فإنها لم تكتف برصد كل ما له علاقة بهذه المتاحف من أبنية ومساحات وطوابق وإضاءة ومعروضات وأنشطة متغيرة بانتظام، ومن أشخاص مرشدين للزوار أو وسائل إلكترونية لتزويد الزوار بالشرح المطلوب، فإنها؛ وهذا هو المهم في الكتاب، بادرت إلى نقد الرواية الإسرائيلية التي تسهم في طمس الحقائق الخاصة بالرواية الفلسطينية، وفي التعتيم على التاريخ الفعلي للقدس ولفلسطين، وفي الوقت نفسه تجعل الزوار الأجانب وطلاب المدارس والجامعات وجهًا لوجه أمام الادعاء بأن القدس مدينة يهودية منذ أقدم الأزمنة؛ ما يبرر عودة اليهود إلى مدينتهم التي غابوا عنها أو غيبوا منها أكثر من ألفي سنة، وكذلك العودة إلى فلسطين.
ويبلغ هذا الطمس مداه حين يجري اختزال تاريخ فلسطين العربي الفلسطيني الممتد لآلاف السنين بشروحات مجتزأة وبتشويهات مقصودة، وعلى سبيل المثال: لا تذكر الرواية الإسرائيلية المسجد الأقصى ولا تقر بحقيقته الراسخة، وتستبدل به اسم الهيكل المزعوم الذي لم تثبت كل الحفريات المحمومة تحت المسجد الأقصى وفي محيطه بوجوده، وبدلًا من تسمية قلعة القدس باسمها الحقيقي فإنها تسميها قلعة داود؛ وهي تسمية باطلة بطبيعة الحال.
في وصفها لمتحف دار الطفل تؤكد الباحثة على الدور الإيجابي الذي يلعبه هذا المتحف في عرض الحياة اليومية للفلسطينيين في القرنين التاسع عشر والعشرين؛ وتذهب المعروضات بعيدًا إلى 1600 سنة في عمق التاريخ حين لا تكتفي بالتراث الشعبي والدبكة للتدليل على الهوية الثقافية، بل تؤكد على منسوجات القش وأواني الفخار التي أنتجها أجدادنا منذ القدم؛ وفيها تعزيز للهوية ولعناصرها المتعددة.
في المتحف كذلك؛ عرض مفصل لمجزرة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بتاريخ التاسع من نيسان 1948 ضد الأبرياء من نساء وأطفال ورجال.
غير أن واقع الحال في المتاحف المقدسية الثلاثة لا يجعلها بعيدة من مبضع النقد جراء ما فيها سلبيات ونواقص وتقصيرات. وفي هذا الصدد تورد الباحثة جدولًا إحصائيًّا لعدد زوار المتاحف الإسرائيلية والفلسطينية؛ لنجد أن عدد زوار المتاحف الإسرائيلية الستة؛ إضافة إلى متحف روكفلر في عام 2016 بلغ 1,247,086 زائرًا، فيما كان عدد زوار المتاحف الفلسطينية الثلاثة في الفترة نفسها 88,000 ما يعني أننا نحن الفلسطينيين ما زلنا غير قادرين على إدراك الأهمية التي تنطوي عليها المتاحف حين نريد تعزيز روايتنا عن حقنا التاريخي الثابت في وطننا الذي تعرض لغزو غير مسبوق، وحين نريد الدفاع المشروع عن القدس عاصمة دولة فلسطين، مدينة المسلمين الفلسطينيين والمسيحيين الفلسطينيين.
وفي الكتاب كثير من التفاصيل التي تصف معروضات شتى، وتقدم مواقف وآراء لمشرفين ومشرفات على المتاحف المبحوثة، وتنشر صورًا للوحات فنية لفنانين فلسطينيين وإسرائيليين، ما يجعل هذا الكتاب مصدرًا لمعلومات قيّمة ووسيلة لإثراء معارفنا عن متاحف الآخر، وعن المتاحف الفلسطينية التي علينا وعلى أجيالنا الجديدة زيارتها بانتظام؛ لتعزيز هويتنا الثقافية وتطويرها باستمرار.
على الغلاف الخلفي للكتاب كلمة لوزير الثقافة الدكتور عاطف أبو سيف، وفي الصفحات الداخلية إهداء من الكاتبة لأمها، وشكر للدكتور عمر يوسف الذي أشرف على البحث وإلى د. مها السمان و د. نظمي الجعبة اللذين ناقشا البحث، وإلى أ. د. سعيد زيداني والكاتب جميل السلحوت على مراجعة البحث، وإلى كل من تعاون مع الباحثة بإجراء المقابلات أو توفير المعلومات.
إنه كتاب جدير بالقراءة؛ وكل التقدير للباحثة نسب أديب حسين.
*المتاحف والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على هوية القدس الثقافية المعاصرة/ تأليف: أدب نسيب حسين/ 302 صفحة من القطع الكبير/منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية2020.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن