ماذا يعني الانتصار الأذربيجاني في قره باغ بالنسبة لتركيا وما أثره على السياسات التركية.؟

مختار فاتح بيديلي
mukhtarfatih@hotmail.com

2020 / 11 / 19

التوتر العسكري الحاصل بين أذربيجان وأرمينيا يحظى باهتمام دولي بشكل عام والتركي بشكل خاص حيث ان النزاع الحاصل بين البلدين تشكل تهديدا كبيرا لأسواق الطاقة العالمية، في منطقة القوقاز وحول بحر قزوين.
وانطلاقا من شعار "شعب واحد ولكن في بلدين" شعار ترفعه الدولة التركية بكل مكوناتها الحزبية والفكرية والشعبية عبر التاريخ الطويل للتعبير عن العلاقة المتينة التي تربط تركيا مع جمهورية أذربيجان الناطقة باللغة التركية حيث يعتبر سكان البلدين بانهم اخوة بالدم تربطهم علاقات الاخوة والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة فيما بين الشعب الواحد ولكن في بلدين تفصل بينهما حدود ارمينيا، ومنطقة قره باغ المحتلة من قبل ارمينيا منذ عام 1992 . مع اندلاع الاشتباكات العسكرية العنيفة في فترات مختلفة حول إقليم ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، حيث سقط الالاف القتلى والجرحى من كلا الطرفين منذ استقلال البلدين بعد سقوط الاتحاد السوفيتي .
ترتبط تركيا وأذربيجان علاقات عرقية وتاريخية قوية، وتعبيراً عن المزاج العام في تركيا في الفترة الاخيرة منذ اندلاع الاشتباكات في 27 ايلول الماضي ، حيث أن قضية أذربيجان واراضي قره باغ المحتلة من قبل ارمينيا تحظى بإجماع منقطع النظير من قبل كافة الأحزاب التركية بجميع توجهاتها السياسية والفكرية، نظرا للارتباطات القومية والعرقية والتاريخية بين البلدين لذلك وقعت الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان التركي المعارضة والموالاة ،إعلاناً مشتركاً دفاعاً عن أذربيجان في وجه أرمينيا المحتل للاراضي الاذربيجانية .وكذلك كانت هناك الإجماع الشعبي في الشارع التركي بضرورة الوقوف إلى جانب أذربيجان، حتى لو كلّف ذلك الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع أرمينيا، على الرغم مما يحمله ذلك من مخاطر الاشتباك مع روسيا أكبر داعمي أرمينيا.
بالنظر الى الانتصار الجيش الاذربيجاني في المعارك الاخيرة ومدى اهمية تلك الانتصارات بالنسبة لتركية نجد ان هناك علاقات وطيدة بين تركيا وأذربيجان منذ فترة طويلة حيث تم انشاء مجلس للتعاون الإستراتيجي على اعلى المستويات بين البلدين ، يعكس ذلك عمق العلاقات وحجمها على كل الصعد، بما فيها التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي.
اهمية النصر الاذربيجاني في المعارك الدائرة في منطقة قره باغ بالنسبة لتركيا من الناحية السياسية والاقتصادية وإلى جانب الروابط التاريخية والوطنية والعرقية الراسخة بين البلدين، فإن تركيا وأذربيجان تربطهما مصالح إستراتيجية كبيرة تتعلق بخطوط الرئيسية للنقل والتصدير للنفط والغاز الطبيعي الأذربيجاني، إذ إن شركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار" هي أكبر مستثمر أجنبي في تركيا. ومكانة أذربيجان في سوق الطاقة ومخاطر أي مواجهة على إمدادات تركيا من الطاقة القادمة من أذربيجان، وحاجة الأخيرة الملحّة لتركيا كممر مهم للعالم الخارجي، بالإضافة إلى المصالح المرتبطة بكون أذربيجان ممرا مهما لتركيا لنفوذها القديم في القوقاز وفي جمهوريات اسيا الوسطى التركية مثل تركمنستان واوزبكستان وكازاخستان وقرقزيا .
حيث ان أذربيجان تعتبر ثاني أكبر موردي الغاز لتركيا بعد روسيا من حقل "شاه دينيز" في بحر قزوين، ذات اهمية قصوى بالنسبة لتركيا، كما ترتبط تركيا بأذربيجان من خلال ممر لنقل الغاز (تاناب) الذي يربط بين أذربيجان وأوروبا ويبلغ طوله حوالي 3500 كيلومتر حيث يمنح المشروع الاذربيجاني لتركيا دورا أكبر على صعيد الطاقة العالمية، ويمكّنها تأمين احتياجاتها من الطاقة ايضا، فضلا عن المساهمة في أمن إمدادات الطاقة لأوروبا.من خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير.
كما يوجد مشاريع تركية عملاقة في كافة القطاعات في أذربيجان معرضة للاستهداف، بينها خط السكك الحديدية "باكو-تيفليس-قارص"، وخط نقل الطاقة "باكو-جيهان الاستراتيجي" يمكن ان تضرر نتيجة المعارك الدائرة في قره باغ الانتصار تعني ان تلك المشاريع لن تتوقف ولن تتاثر انتاجها. كذلك بيع المزيد من المعدات العسكرية التركية المتطورة لأذربيجان من طائرات من دون طيار ودبابات وغيرها .
ومن ناحية اخرى تستقبل تركياسنويا قرابة مليون سائح من جمهورية أذربيجان، وفي عام 2017 تم افتتاح خط حديدي دولي يربط بين أذربيجان وتركيا مرورا بجورجيا “باكو ـ تبليسي ـ قارص”، يهدف لنقل مليون مسافر سنويا، بالإضافة إلى 6.5 ملايين طن من البضائع بين البلدان الثلاثة، كما يسهم الخط -من خلال ربطه بين تركيا وآسيا ومنطقة القوقاز والدول الأوروبية.
يمكن ايضا ان نقول أن الهدف من الدعم التركي لاذربيجان في منطقة القوقاز هو خلق قدر أكبر من التوازن المختلّ في علاقات تركيا مع موسكو على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي ،من شأنه أن يعزّز يدها في تعاملها مع الروس في أماكن ومناطق أخرى حول العالم.
أن جميع هذه النقاط تمثل نقاط محورية في الساسية التركية الداخلية والخارجية لمشروع تركيا عام 2023، لما توفره من نفوذ تجاري واقتصادي لتركيا، وتعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يعطي تركيا مساحة أكبر في الساحة الدولية، وعليه فإن استقرار أذربيجان الأمني والاقتصادي يعتبر مسألة محورية لتركيا وخططها المستقبلية القريبة والبعيدة.
الدكتور مختار فاتح بيديلي
مدير قسم العلاقات والمرضى الدولية في مستشفى ميديكال بارك جامعة ازمير للاقتصاد .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن