مقالات سودانية/ اليهود بين أرضي النوبة وأورشليم

عادل الامين
adilamin2002@yahoo.com

2020 / 11 / 6

بسم الله الرحمن الرحيم

اليهود بين أرضي النوبة وأورشليم
بقلم الباحث السوداني بدرالدين العتاق
تمهيد :
بعث إليَّ الإبن المهندس / إبراهيم عبد السلام النعيم بمقالة مطولة ، تحت عنوان : { تأملات عن الشعب اليهودي } للكاتب / محمود عثمان رزق ، مشكوراً إذ لفت إنتباهي لجملة أشياء لتدوين الرأي عند هذه المسألة المهمة ، التي بها عدد من التساؤلات التي تم نقاشها في بعض المنتديات الثقافية والإجتماعية وصارت محل درس وبحث وتحليل ، مثال : المكان الذي غرق فيه فرعون مصر ( رعمسيس برنبتاح ) والأرض المباركة وشعب الله المختار وتيه اليهود ومصطلح الشتات ، وثمة ما يتعلق بما وردت إليه الإشارة إليه في القرآن الكريم من عديد الآيات التي وقف عليها كبار المفسرين كأبن جرير الطبري في كتابه : تأريخ الملوك والأمراء وكتاب : البداية والنهاية لإبن كثير الدمشقي المتوفي سنة 774 هـ وتفسير بن عباس والياقوت وغيرهم ، مما يستحق الدرس والتأمل والإستغراق والتعليق بالربط بالوسائل العلمية الحديثة ذات الصلة التي تقترن بمدلولات الآيات ، وعسي أن تفيد هذه الدراسة في موضعها من جملة الدراسات والبحوث المتعلقة بها ، علماَ بأنَّ هذا الموضوع مثير جداَ في الوسط الإجتماعي والثقافي والعلمي خصوصاًَ فيما يتعلق بالسودان محل التحقيق والتدقيق ، وهل لليهود علاقة بأرض السودان أم لا مختصراَ بقدر الإمكان .
كلمة ( اليهود ) مصدرها اللغوي في العربية من الهداية والإهتداء ، من : هدي ، بنصب الهاء المهملة ، وذلك لقوله تعــــالي في سورة الأعراف آية : 156 ، : { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ، وفي الآخرة ، إنَّا : هُدنآ إليك ، قال : عذابي .. أصيب به من أشآء ، ورحمتي : وسعت كل شئ ، فسأكتبها : للذين يتقون ، ويؤتون الزكاة ، والذين هم : بآيآتنا يؤمنون } يعني : إهتدينا إليك ، ولم يعرف في التأريخ البشري نظاماً إجتماعياً عقدياً فائق التنظيم مثل المجتمع اليهودي ، وهو الذي مهَّد لهم سبل النجح بوسيلتي المال والإعلام ثم بالتوالي في كثير من وسائل التفوق الذهني علي هذا الكوكب .
تقدمة :
معلوم أنهم ينتسبون – أي اليهود - إلي يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن أخو يوسف النبي وموسي عليه السلام من هذا النسل ، ويرجع هذا النسب إلي 1706 سنة قبل الميلاد ، وعبور الإسرائيلين بحر القُلْزُم وغرق فرعون عام :1491 ق.م ، قيل : غرق وعمرة مابين : 66 -91 سنة ، والراجح أنه غرق عن عمر ناهز الـ91 عاماً ، وقيل : حكم فرعون مصر 67 سنة ، في الفترة من : 1279 ق. م – 1213 ق. م ، هذا ! ولم يأت كتاب سماوي بعده إلا لعيسي عليه السلام ، أمَّا إستخلاف يوشع بن نون فهو مكمل لوصايا التوراة وقيل أنها مكتوبة علي ألواح من الحجر الصلد ولم يحفظ التوراة إلا نفر قليل ، منهم يوشع بن نون وأنها تقدر بوقر سبعين بعير ، وجاء بآخرها أو بقاياها بعد وفاة موسي عليه السلام في عهد سيدنا طالوت وداوؤد عليهما السلام والمشار إليهما في القرآن : { وقال لهم نبيهم : إنَّ آية ملكه ، أن : يأتيكم التابوت ، فيه : سكينة من ربكم ، وبقية مما ترك آل موسي وآل هارون ، تحمله الملائكة ! إنَّ في ذلك : لآية لكم ، إنْ : كنتم تعلمون } البقرة ، آية : 248 .
وجاء في السيرة النبوية لإبن هشام وإبن كثير في باب المغازي وأوردة الإمام الواقدي رحمهم الله عند ذكر غزوة خيبر وإبعاد يهود المدينة من جزيرة العرب خبرٌ : أنْ حمل اليهود ما تبقي لهم من رقاع ملفوفة بها التوراة مكتوبة ، فسألهم رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها ، فأجابوه : هذه آيات من التوراة ! ولم يأمرهم النبي عليه السلام ولا أمر غيره بأن يتركوها أو يمزقوها أو يحرقوها ، مما يشير ضمنياَ وفعلياَ بديانتهم ، وذهبوا بها إلي بلاد الشام حيث بقيتهم ، يذكر هنا أنَّ بلاد الشام كانت تطلق علي بلاد سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وشئ من تخوم الأردن الشمالي ، حيث بدأت فكرتهم التنظيمية تأخذ في الإحكام والتدقيق بصورة أكبر من ذي قبل وإلي يومنا هذا ، وليس ببعيد ما جري أيام الإستعمار الإنجليزي ومعاهدة سايكس – بيكو 1916م التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط إلي دويلات وما زال هذا التقسيم وتلك الإتفاقية تمضي حيث خُطِطَ لها ومهَّدت لعودة يهود الشتات لأرض المعاد ( المقدس ) وهي فلسطون وتم إحتلالها كاملاَ في العام 1948 م بعد أن خرج منها الإنجليز وهُجِّر إليها اليهود وهُجِّر منها الفلسطينيين إلي اليوم .
أقام بنو إسرائيل بأرض كنعان ، وهي المشار إليها بتخوم الأردن الشمالي وفلسطين وسوريا ، وعندما أصابهم القحط – أي الكنعانيون – وأخص بالذكر أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام ، موضوع البحث ، وجاؤا مهاجرة لمصر في طلب الميرة ، كانت تدور معارك في كل من أرضي بلاد الشام من قبل الآشوريين الذين حكموا بابل من جهه ( المصطلح عليها بالسبي البابلي ) ، ومصر الملك قبل أن يصير إلي حكم فرعوني من قبل الهكسوس من جهة ثانية ، كذلك البلاد الواقعة جنوبي أرض مصر جنوب مدينة أسوان الحالية من ناحية السودان الشمالي بمنطقة النوبة والتي يطلق عليها بلاد أو مملكة كوش ، ويعني بها السودان الشمالي إلي أواسط الجنوب الغربي والشمال الشرقي وحتي العمق الإثيوبي اليوم من جهة الشرق الإدني منها إلي أرض الكُفرة في حدود دولة ليبيا الحديثة وتأخذ شيئاَ من إقليم الصحراء الكُبري ، وهي في فترة ما تطلق علي بلاد السودان إسم الحبشة وإثيوبيا التي سُميت بهذا الإسم من قبل اليونانيين وذلك لميل ألوانهم إلي السُمرة والسواد منها إلي البياض وسبب التسمية ببلاد السودان أي من سواديي البشرة كما يطلق علي غيرهم من بياضيي البشرة بلاد البيضان ، وذكر ذلك الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ في كتابه : الحيوان ، في فصل : بلاد السودان وبلاد البيضان ، هذا ! والكوشيون من نسل حام بن نوح عليه السلام ، وقطنوا الأرض التي بين جنوب أسوان في مصر إلي أدني منطقة دنقلا العجوز وأيضاَ تسمي بدنقلا العَْرضَي من بلاد السودان الشمالي وقيل أنَّ حدود مملكتهم تجاوزت العمق الجنوب غرب سوداني حتي إقليم كردفال وعرفوا بالنوبيين وملامحهم تميل إلي البياض لا إلي السواد التي هي السمة الغالبة علي شعب السودان وإفريقيا ، وتحدد التوارة السودان القديم بانها البلاد الواقعة جنوب اسوان وهي حدوده الحاضرة ذاتها. فقد ورد بسفر حزقيال بالعهد القديم من الكتاب المقدس :" وأجعل أرض مصر خراباً مفقرة من مجدل إلى اسوان إلى تخم كوش" سفر حزقيال – الاصحاح 29. والنص بالانجليزية : I will make all of Egypt an empty waste, from the city of Migdol to the city of Aswan in the south, all the way to the Sudanese border.”
هذا ! ويشير القرآن إلي حقبتي حكم مصر حيث قال تعالي في سورة يوسف : { وقال الملك : إني أري سبع بقرات سمان ، يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر ، وأخر يابسات ، } ومن بعد دخل في نظام الحكم السياسي لمصر ما عرف بالفراعين ، وهم المشار إليهم في عهد موسي عليه السلام : { وقال فرعون : يا هامان ، إبني لي صرحاً لعلي أطَّلع إلي إله موسي ، وإني لأظنه من الكاذبين } ، وهؤلاء الفراعنة إنما أصلهم الذي سُموا به من النوبيين ( كوش ) وهم اللذين بنوا الإهرامات التي بالبجراوية ومنطقة جبل البركل ونقلوا فكرة بناء الإهرامات إلي مصر الحاضرة فبنوا هرم خوفو ومنقرع وأبي الهول ، إلا أنَّ مصر أفلحت في تسويق بضاعتها خير من السودان علماً بأن مصر والسودان لم تكن تحدهما حدوداً جغرافيه سياسية كما هو اليوم بل كانتا إمتداداً لحضارات بلاد النيل وكوش والنوبة إلا أنَّ تطور التأريخ غيَّر بعض الملامح الطبوغرافية لهما معاً .
كانت مصر تخضع لحكم الفرعون أيام حرب الهكسوس ( 1648 ق.م – 1540ق . م ) وقيل : ( 1720 ق. م ) وكان من نسل يعقوب النبي من وقع تحت طائلة حكمه بعد أن إستقروا بمصر هو يوسف عليه السلام ، لقول تعالي في سورة يوسف : { إذهبوا بقميصي هذا ! فألقوه علي وجه أبي ، يأت بصيراً ، وأتوني بأهلكم أجمعين } و : ( بأهلكم أجمعين ) يعني أبناء شعب كنعان بما فيهم آل يعقوب عليه السلام .
البعد الزمني بين يوسف وموسي عليهما السلام هو : 300 سنة ، ففي تلك الفترة إنتصر جيش يوسف لما ولي حكم مصر وأمَّن حدودها كلها ، لكن ما يهم هنا أمر موسي عليه السلام ، وليس بمعزل عن يوسف من الناحية التأريخية ، فقد حكم في عهد موسي من جهة بلاد كوش ملكها بعانخي وورثه طهارقا إبنه وقد ذكرتهما التوراة الذي وردت الاشارة إليه بالاسم مرتين في التوارة. مرة في سفر الملوك الثاني ومرة بسفر أشعياء. والعبارة المذكورة في السفرين حسب الترجمة الإنجليزية هي: ‘Word reached the Assyrians that the Egyptian army, led by king Tirhakah of Sudan, was coming to attack them.”وترجمتها :"ووصلت رسالة إلى الآشوريين بإنَّ ترهاقا ملك السودان جاء يقود جيوش المصريين لمهاجمهتم." سفر أشعياء الإصحاح 37 وكان الآشوريون – حكام بابل - على أبواب أورشليم حين دعى أشعياء الرب أن يحفظ شعبه منهم ويستغيث بملوك كوش ليصدوا عن العبرانيين شر الآشوريين الذين شكلوا خطراً ماحقاً آنذاك على دول المنطقة ، ويؤيد التاريخ إشارة التوارة إلى الملك ترهاقا ويخبرنا أنَّ ملوك كوش قد أخضعوا مصر وحكموها وامتد نفوذهم إلى فلسطين وسوريا وأنهم حاربوا الآشوريين في مصر والقدس. وأشهر هؤلاء الملوك، بعنخي وترهاقا .
يتضح من تلك المقدمة أنَّ جملة الأحداث دارت ما بين بلاد مصر والشام والنوبة في سنة 1706 ق. م- 1491 ق. م .، وعليه لا يعني بحال من الأحوال أنَّ سكان الإقليم الشمالي لبلاد السودان من أصل يهودي من ناحية الجنس أو الجذور وإن كان أن حدث تزاوج ومصاهرة ومعايشة مع سكان تلك البلاد من النوبيين إلاِّ أنهم اليوم فليسوا من ناحية الإنتماء والهوية والجذور التأريخية لمن أراد أن يأصل للمجتمع اليهودي آنذاك .
وجاء كليم الله موسي :
ولد موسى في مصر منتسبًا إلى بني إسرائيل في الجيل الرابع بعد الهجرة إلى مصر زمن النبي يوسف طبقًا لسلاسل أنساب التوارة ؛ والتي تحدد بأن لاوي ابن يعقوب والذي يمثل الجيل الأول من الهجرة ، له ابن هو قهات ، الذي ولد عمرام ( وفي القرآن : عمران ( الذي يمثل الجيل الثالث من الهجرة ، والذي تزوّج بنسيبته يوكابد من بنات لاوي أيضًا ، وأنجبت منه موسى ثالث أولادها وأصغرهم ، والفرق بالسن بين موسى وهارون ثلاث سنوات. تمت ولادة موسى ، حسب القصة التوراتية في ظروف صعبة ، فبعد أربعة أجيال من هجرة آل يعقوب إلى مصر جاء ليخلص بني إسرائيل وشعب بني كنعان من قبضة إستعباد وإذلال الفرعون ، قال تعالي في سورة الشعراء آية 17 ، : { فأتيا فرعون ، فقولا : إنَّا رسول رب العالمين * أنْ : أرسل معنا بني إسرائيل } ، وبقية القصة معروفة إلي آخرها ، لكن الشئ الذي تفرقت حوله الدراسات أيدي سبأ هو : أمر إغراق فرعون وموضعه ، وهو بكل حال لم يكن في أرض السودان كما سيأتي .
معني كلمة : البحر ، اليَّم ، النهر :
قسَّم الكاتب / محمود عثمان رزق ، بحثه لأربع محاور ، ولا أتتبعها قتلاً في التدقيق فقد خرج خروجاً ظاهراً من العمق التأريخي واللغوي وأراه متعصباً فيما ذهب إليه ، وهو الذي ذهب به أكثر الباحثين ، قال : { كلمة البحر ، لقد ظنَّ كثير من الناس أنَّ فرعون قد غرق في البحر الأحمر لأنَّ الله تعالي ذكر ذلك في ستة مواضع ، نذكر منها : ( وإذ فرقنا بكم البحر ، فأنجيناكم ، وأغرقنا آل فرعون ، وأنتم : تنظرون ) البقرة آية 50 ، } .
ذكر أهل اللغة في القاموس المحيط أنَّ : كلمة بحر ، أو اليَّم أو النَّهر هو : متسع من الأرض أصغر من المحيط ، مغمور بالماء الملح أو العذب ، وذهب بعضهم والكاتب منهم ليقوي حجتة وأنَّ المعاني فيها واحدة ، فأوردها المحور الثاني : كلمة اليَّم ، وهي سريانية عرَّبتها العرب ، وهذا صحيح من جهة وخطأ من جهة أخري ، فالصواب هنا : أنَّ أصلها غير عربي ، والخطأ : في إشارته لورودها في القرآن الكريم بإعتبارها غير عربية ، وأعلم أخي القارئ العزيز : أنَّ كل ما جاء في القرآن الكريم هو لفظٌ عربيٌ قُحٌ لا عوجٌ فيه ولا أمْتا وكل ما لاكته العرب علي أنه عربي وإن جاء من غيرهم صار عربياً لما تشرَّفت به العربية لنزولة في القرآن ، قال تعالي في سورة النحل آية 103 : { لسان الذي يلحدون إليه : أعجميٌ ، وهذا : لسانٌ عربيٌ مبين } وقال في سورة الزخرف آية 3 : { إنَّا : جعلناه .. قرآناً ، عربياً ، لعلكم : تعقلون } فتنتفي إشارته قبل أن تبدأ ، ويشتم هنا من طرفٍ خبيثٍ أو إن شئت من طرفٍ خفيٍ الطعن في ألفاظ القرآن وأصوله العربية ، فتعــالي الله عن ذلك علواً كبيراً .
هذا ! وقد أرجعها بعضهم إلي أنها نوبية الأصل وأنها أقدم من العبرية ، وإستخدمتها بني إسرائيل وعُرِف اليَّم بنوبيته ، ثم إستدلوا بقول الإمام / مقاتل بن سليمان ( توفي سنة : 150 هـ ) بتفسيره إنَّ اليم بلسان العبرانية يعني به : البحر وهو نهر بمصر ، - لنفس الكاتب - لاحظ الخطأ الذي وقعوا فيه لإستدراج عقل القارئ ليقتنع بحجتهم وأنَّ مجريات الأحداث بدأت بالسودان الشمالي ثم إنتهت بمصر ، ويقصد بـ ( نهر بمصر ) أي نهر النيل ، قلت : مقاتل بن سليمان أصله من بلخ بالعراق وإنتقل إلي البصرة ودخل بغداد وحدَّث بها – أي كان متكلماً بها وخطيباً فيها - قيل : وكان ضعيفاً وإنصرف الناس عنه ، وتوفي بالبصرة سنة 767 م ، يعني : لا يمكن الإستدلال به ولا الإحتجاج أيضا ًمن أي جانب كان وآية ذلك : ( إنصراف الناس عنه لأنه ضعيف ) ، وزادوا : ( ووافقه بن الجوزية ) ومعلوم أنَّ بن الجوزية وإسمه / شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ، ليس من أصحاب اللغة وإنما من أصحاب الخطابة وطبقات المحدثين ، عاش في دمشق ومولود في حوران بالأردن سنة : 1292م وتوفي سنة : 1350 م ، فذهب الكاتب ومن معه ليغطوا وجوههم بأصابعهم فلم يفلحوا .
قلت وبه الثقة وعليه التكلان : إنَّ أقدم لغة هي العبرية ، من حيث هي لغة لها مدلولاتها التعريفية ذات الحرف والصوت والإشارة ، والعربية كما قال البروفيسور / عبد الله الطيب ، العالِم اللغوي وعميد الأدب العربي ( 1921 م - 2003 م ) أخت للعبرية ، واللغة هنا أعني بها بروزها لمسرح الحياة من الطفرات البدائية التي عاصرت الهيلوغروفية والرسم علي الجُدُر والنقش علي الصخر والنحت علي الحجر والتصوير علي ذات الدُسُر ، وإنتقالها من حيز الإشارة والإماءة والهمز إلي حيز الصوت والنطق بها فكانت العبرية كلغة يمكن الإصطلاح عليها أنها عالمية أو واضحة المعالم وإلاَّ فإنَّ هناك لغات كثيرة أسبق من العبرية بزمان سحيق لم تدخل التأريخ البشري من ناحية التعبير الكلامي المباشر وإندرست شأنها شأن غيرها من الأمم التي كانت تتكلم بها ، وهذا حديث طويل ليس موضعه هنا من التفصيل وإنما أردت توضيح معني كلمة اليَّم في اللغة.
ويشير العلاَّمة / عبد الله الطيب حين قال : ( والعربية أخت العبرية ) لأنَّ سيدنا إسماعيل بن إبراهيم ، أوًّل من تكلم العربية ونطق بها وهو أخ لإسحاق بن إبراهيم عليهم السلام جميعهم .
ويتضح من هذا السرد أنَّ الكُتَّاب في هذا الباب حجتهم مدحوضة وإجتهادهم محل تقدير وإن بعُد عن النسق العلمي الذي نادوا به .

أين غرق فرعون ؟؟ :
بإختصار : في رأس محمد بخليج العقبة عند مفترق لسان البحر الأحمر في رحلة بني إسرائيل نحو أورشليم القدس حسب رواية التوراة : عبر الدلتا ثم نحو الجنوب ، خرج نحو 600,000 عبري حسب أرقام التوراة للبرية ، يقود سيرهم ملاك من الله في شكل عمود من سحاب ،[ وخرج فرعون وجيشه في إثرهم ، مما أثار خوف وهلع الشعب السائر في البرية ، خصوصًا بعدما وجدوا البحر من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم . غير أن الله أمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه : " ومدّ موسى يده على البحر، فأجرى الربّ البحر بريح شرقية شديدة كل الليل ، وجعل البحر يابسة ، وانشقّ الماء ، فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر، على اليابسة والماء سور لهم ، عن يمينهم وعن يسارهم. وتبعهم المصريون ودخلوا ورائهم ، جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر، ....، فقال الرب لموسى مد يدك إلى البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم ، فمدّ موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة ، ...، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل ورائهم في البحر، ...، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرّب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى" .
يلاحظ هنا : أنَّ مفترق لسان البحر الأحمر يحمل الثلاثة معاني لكلمة البحر واليَّم والنَّهر من حيث اللغة ، ومن حيث التسلسل الزمني وتتابع الأحداث تختلف الأمكنة كما أشار القرآن الكريم ، وذلك في قوله تعالي في سورة البقرة آية 50 : { وإذ فرقنا بكم البحر ، فأنجيناكم ، ( تفيد تراخي الزمن ) وأغرقنا آل فرعون ، ( تفيد تتابع الأحداث ) وأنتم تنظرون } نشير لرواية التوراة : (...، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل ورائهم في البحر، ...، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرّب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى" ) . وهنا البحر كبحر هو : البحر الأحمر بلا ريب ، لأنَّ الآية : { فانفلق ، فكان : كل فِرقٍ ، كالطود العظيم } أي الجبل العظيم ، ولا يمثل فرقان البحر وإنفلاقة صفة ضرب العصا له ، النَّهر ، أو اليَّم ، صورة مماثلة للمعني قرينة للتصور الذهني للماء إذا إجتمع بين دفتين عظيمتين كالجبلين بينهما يابسة ، لأنَّ مستوي الأعماق معروف عند النهر ( 8 – 11- 20 متر ) والبحر ( 2.211 كم ومتوسط العمق 490 كم ) ، فسياق الآية يدل إن شاء الله حيث ذهبنا أنه البحر الأحمر وليس نهر النيل .
وقوله تعالي : { وجاوزنا ... ببني إسرائيل البحر } في سورة الأعراف ، قاطعة الدلالة علي أنَّه البحر الأحمر ، لأن القرينة هي المجاوزة والتجاوز والتعدية نحو أرض جديدة ليست هي أرض السودان ولا أرض بها فتحقق ! .
أمَّا قولهم : اليَّم ، لقوله تعالي : { وأوحينا إلي أم موسي أنْ : أرضعيه ، ( وهي هنا مرحلة تفيد طفولة موسي زمنياً ) فإذا خفت عليه ، فألقيه في اليم ، ( وهو نهر النيل اليوم ) ولا تخافي ، ولا تحزني ، إنَّا : رادوه إليك ، وجاعلوه : من المرسلين } القصص آية 7 ، وسياق الآية يدل حين يشير إلي نهر النيل والقرينة في اليم هي : بعد المسافة بين الضفتين حال الإلقاء ( 7 كم أعلي نقطة ، 350 متر أدني نقطة ، 2.8 كم متوسط المسافة بين الضفتين ) ، فأعلي نقطة يمكن أن تكون في بعض بلاد السودان بعد المنابع والروافد من ناحية الجنوب سوداني ، فالترجيح للقطع بين الأدني والأوسط وهي في الراجح ببلاد مصر لأنه يقل من بعد إقترانه بالخرطوم وعطبرة وحتي المصب ، هو نهر النيل ، قال تعالي يحكي عن فرعون مصر : { ونادي فرعون في قومه ، يا قوم : أليس لي ملك مصر ؟؟ وهذه الأنهار تجري من تحتي ، أفلا تبصرون ! } ليثبتوا ما جاؤا به من أنَّه بالسودان فيتضح بعده من الصواب ، وما يؤكد صحة ما أقول فقد جاء في صحيفة اليوم السابع المصرية عن شهر يونيو 2016 ما أكدته الدكتورة / ميادة عبد القادر الباحثة في المركز القومي لبحوث المياه أنه في العصور القديمة ، كان نهر النيل يتفرع في الدلتا إلى سبعة فروع لم يتبق منها الآن إلا فرعان نتيجة مكافحة الفيضانات وانجراف التربة. وهذه الفروع هي ( من الشرق إلى الغرب) :
1. البيلوزي ( بالإنجليزية: the Pelusiac) .
2. التانيتي ( بالإنجليزية: the Tanitic) .
3. المنديسي ( بالإنجليزية: the Mendesian) .
4. الفاتنيتي أو الفاتميتي ( فرع دمياط الآن ) ( بالإنجليزية: the Phatnitic) .
5. السبنتيني ( بالإنجليزية: the Sebennytic) .
6. البلبتي ( بالإنجليزية: the Bolbitinic ) .
7. الكانوبي ( فرع رشيد الآن ) (بالإنجليزية: the Canopic ) .
وأثبتت خريطة قديمة باللغة الإنجليزية تمتكلها الهيئة المصرية للمساحة ، لأفرع النيل قديماً يعود تاريخها ليوم : 13 نوفمبر عام 1798 ، لجون والس ( مكتشف بريطاني ) ، وتكشف عن أن نهر النيل كان يتكون من 7 فروع مختلفة فى الدلتا من الشرق إلى الغرب ، والتى إختفى منها حالياً 5 أفرع
وكتب على الخريطة أنها توضح بصورة موسعة عن الأجزاء التى إعتبرها الفرنسيون وقت حملتهم على مصر هامة.
وكشفت الخريطة عن أن نهر النيل كان يصل إلى سيناء ، بفرع يسمى "البيلوزى" وتم تسميته بهذا الاسم نسبة إلى بلدة بيلزيوم " أقرما " وهذا الفرع إختفى ومجراه الآن قد يكون مطابقاً لأجزاء من ترعة الشرقاوية ، والفرع الثانى هو " التانيتى ، فى محافظة الشرقية ، فى الطرف الشرقى لبحيرة المنزلة ومصب مجرى بحر مويس مطابق بهذا الفرع حالياً.
والفرع الثالث يسمى " المنديزى " الذى كان يمر بمحافظة الدقهلية ، وهو المجرى الأدنى للبحر الصغير ، ومطابق لجزء من هذا الفرع ، والفرع الرابع " الفاتيمى " وهو مطابق لمصب دمياط وموجود حالياً ، والفرع الخامس " السبنيتى " الذى كان يمر فى محافظة الغربية وتم تسميته بهذا الاسم نسبة إلى البلدة التى تسمى حالياً باسم سمنود ومجراه مطابق لبحر "تيره".
والفرع السادس ، يسمى "البولبيتى" وهو مطابق لفرع رشيد وموجود حالياً ، والفرع السابع ، المصب "الكانوبى ، وينطبق جزء كبير من مجراه على مجرى بحر دياب بمحافظة البحيرة.
فـــ ( هذه الأنهار تجري من تحتي ) توافق الحقيقة العلمية في تأكيد الدكتورة / ميادة عبد القادر ، ( الخرطة مرفق آخر البحث ) تؤكد صحة بحثنا هذا ، وليس بحال من الأحوال أنَّها بأرض السودان من نهر النيل فتمهَّل !
وذكر النيل في العهد القديم كثيرًا . إلا أنه لم يذكر في العهد الجديد. وورد تحت أسماء مختلفة. فهو نهر النيل في اش 19: 7 و23: 3 وار 46: 7 و8 وعا 8: 8 و9: 5، وأما الفرع الشرقي من النيل فهو شيحور أي "بحيرة حورس" في يش 13: 3 و1 أخبار 13: 5 وار 2: 18، واكتفى أحيانًا بتسميته بالنهر فقط (ار 2: 18 وتك 41: 1 وخز 1: 22 و2: 3 و5 و7: 20 و21) أو مياه مصر (مز 105: 29 وار 446: 7و 8 ). وذكر الكتاب عن المجاعة التي حصلت أيام يوسف مدة سبع سنين بسبب قحط الأرض ولابد أن ذلك كان بسبب عدم فيضان النيل (تك 41: 54) كما وصف طريقة فتح الأخاديد على جنبات النيل لدى المزارع بمياهه (تث 11: 10). وكانت ضربتان من مجموع الضربات العشر التي انزلها الله بالمصريين قبيل خروج بني إسرائيل من بلادهم على النيل: ضربة تحويل مياهه إلى دماء، وضربة ملئه بالضفادع ، وكلاهما تظهران قيمة النيل لمصر (خر 7: 15-25 و8: 3-7). وتنبأ اشعيا بزوال الحياة في مصر وانقطاع نبات البابايروس (أي البردي) الذي كان رمز الحياة، والذي كان الورق للكتابة يؤخذ منه (19: 7)
مجمع البحرين :
ملاحظة ثانية : مجمع البحرين ، قال تعالي : { وإذ قال موسي لفتاه : لا أبرح ، حتي أبلغ مجمع البحرين ، أو : أمضي حقبا } يعني زمناً طويلاً في مكاني هذا حتي أبلغه ليس غير ، فمجمع البحرين هما عند الصخرة ، فمن ناحية الشمال الجغرافي لوضعية البحر الأحمر فإنَّ مفرق البحرين يكون عند النقطة التي يسلك منها البحر جانباً نحو اليمين ، أي الشرق الجغرافي ، وجانباً نحو الشمال ، أي الغرب الجرافي ، أيضاً ، وفي نفس الوقت يكون مجمع البحرين عند مفترقه وهو المكان موعود موسي عليه السلام بالخـضر عليه السلام عند الصخرة وكان ذلك قبل 3200 سنة ق.م تقريباً .
من نقاط الباحثين : قصة السامري والعجل والتيه وعمر موسي عليه السلام ولقاء الخضر ، ولا أقف عندهم فليسوا من صميم ما أرمي إليه ، وعسي أن أعود نزلة أخري إن شاء الله تعالي .
المسافة والسرعة والزمن للخروج من أرض مصر :
في القرآن ، بسورة الشعراء آية 52 : { وأوحينآ إلي موسي أنْ : أسرِ بعبادي ، إنَّكم : متَّبعون } وفي التوراة ، بسفر الخروج ، آية 37 / 38 : { فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلي سكُّوت نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد ، وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر ومواش وافرة جداً } .
قال بعضهم : ( عند تحليل هذا الحدث بمقياس السرعة ستجد إنَّ الفارق الزمني بين بداية الخروج ليلاً وبداية تحرك جيش فرعون بعد شروق الشمس هو حوالي : 8 – 10 ساعات ، ومن المستحيل لجماعة في هذا الحجم الذي ذكرته التوراة أن تصل حدود البحر الأحمر في خلال : 8 – 10 ساعات ، والمسافة بين النيل وأقرب نقطة علي ساحل البحر الأحمر لا تقل عن 200 كم ) محمود عثمان رزق كاتب المقال ، قلت : قال تعالي : { فأتبعوهم مشرقين } الشعراء آية 60 ، ولا يعني بحال من الأحوال أنَّ عامل الزمن هو المباشرة حيث فهم من الآية عند الإشراق ، فالزمن تقديري وليس توقيفي ، والقرآن لا يورد التفاصيل إنما يشير إشارات إلي نقاط في التأريخ حيث يريد ، ولا يمكن قياس السرعة والمسافة والزمن دون إدخال التراخي الوقتي عليه وهو التمهل والتريث والحركة والإستعداد والإعداد للمقدرة البشرية علي الفعل والإحداث ، فبعيد جداً أن يكون متابعة فرعون لبني إسرائيل في : 8 – 10 ساعات كما توهم ، والمقبول أن تكون المتابعة بلغت نحو سبعة إلي عشرة أيَّام للسير المتواصل لقطع المسافة بين نهر النيل إلي سواحل بحر القُلْزُم وليس حتماً في ليلة واحدة فتأمل !.
شئ آخر ، آية التوراة : بسفر الخروج ، آية 37 / 38 : { فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلي سكَّوت نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد ، وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر ومواش وافرة جداً } ، كلمة : ( السَّكُّوت ) ، فقد توهم الباحث وغيره بأنَّها المدينة التي بشمال السودان من قبائل المحس ، وهذا شططٌ بعيد البون ، فقد جاء في قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة مدينة سُكُّوت إسم عبري معناه "مظلات" وهو: المكان الذي رحل إليه يعقوب بعد أن ترك أخاه عيسو، وقد أطلق عليه هذا الاسم بعد أن أقام فيه مظلات له ولبنيه ولمواشيه (تكوين 33: 17). وقد وقعت سكوت من نصيب سبط جاد ، وجاء ذكرها مع بيت نمرة ( يشوع 13: 27). وقد عاقب جدعون أهلها بعد عودته من حروب زبح وصلمناع ملكي المديانيين منتصرًا ، فقد درس شيوخ سكوت مع شوك البرية وقتل أهلها وهدم برج فنوئيل ، وكان قد طلب عونهم ضد المديانــيين فرفضوا ( قضاة 8 : 5-8 و14-16 ) وكان بين سكَّوت وصرتان مسابك للنحاس سكبوا فيها آنية الهيكل في أيام سليمان ( 1 ملوك 7: 46 و2 أخبار 4: 17وتقع سكَّوت شرق الأردن وشمال مخاضة يبوق ومن مزموريّ (60: 6 و108: 7) نعرف أنها كانت تقع في واد. ومكانها اليوم تل إخصاص غربي دير علة بالقرب من اليبوق ( نهر الزرقاء ) وعلى بعد أربعة أميال شرقي الأردن. إنتهي .
جبل البركل وجبل الطور :
كما ذهب جماعة من الكُتَّاب والباحثين إلي أنَّ لقاء موسي عليه السلام كليم الله ، كان بجبل البركل ، وهو قولٌ حنبريت ، ذلك لأنَّ جبل الطور محدد بموضعه في القرآن ، ففي سورة التين : { وطور سينين } آية 2 ، سينين تعني سيناء وطورها أي جبلها ، ونزلت به سورة كاملة هي سورة الطور ، ومنهم من ذهب يغالي فقال هو : جبل مرَّة بغرب السودان بإقليم دارفور ، ولا يليق في هذا المقام من الكـبرياء في شئ .
اليهود وأرض الطُهر :
سردت أول هذا البحث الروابط التأريخية والحدود الجغرافية والديموغرافية في بلاد السودان الشمالي من النوبيين ومملكة كوش وإقليم مدين بالأردن مهجر موسي عليه السلام بعد الخروج وأورشليم أرض الطُهر المقدسة بفلسطين أرض المعاد ، وقلت : إنَّ العلاقة يمكن أن يصطلح عليها بأنها مصالح سياسية ، كما كانت حاجة البابليين لجيش طهراقا وبعانخي مصلحة أو إتفاقية عسكرية ، وكما كانت هجرة الكنعانيين وبني يعقوب لأرض مصر إقتصادية جرَّاء القحط والجدب وأنهم – أي الكنعانيون – مكثوا بمصر حسب رواية التوراة : { إقامة بني إسرائيل التي أقاموها بمصر كانت أربعمائة وثلاثين سنة } الآية 40 إصحاح 12 ، وقد جاء في كتاب الأستاذ / حلمي القمص يعقوب : ( مدارس النقد والتشكيك ) أنَّ إقامتهم كانت علي النحو أدناه :
5 سنة في حاران .
25 سنة في كنعان حتي ولادة إسحق .
60 سنة قضاهاإسحق حتي ولادة يعقوب .
130 سنة عمر يعقوب عندما نزل مصر .
210 سنة مدة إقامة بني إسرائيل بمصر .
فإنها : قد خلقت بفضل الله ثم بفضل المزاوجة والمصاهرة والمعايشة والترحال بين القطيع الإنساني في الرقعة المشار إليها ، ما جعلت الحياة لها أسباباً للمكوث طيلة الخمسة قرون إلاَّ قليلاً ، فأفرز تواجداً حقاً في مجتمع متكامل متعدد الجذور والنبت الإنساني وهو ما يعرف اليوم بالأثنوغرافي والديمغرافي .
في سورة المائدة آية 21 / 22 يحدثنا القرآن عن الأرض المباركة المقدسة والموعودة لجملة بني البشر من ذوي السواد الأعظم فيقول : { يا قوم : أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ( يعني فرض عليكم لسلامتكم الدخول إليها ) ، ولا ترتدوا علي أدباركم ( ترجعوا لأرض مصر وفراعينها فتهلكوا بعد المجاوزة والمنجاة ) ، فتنقلبوا ( بعدم إطاعة أمر الدخول ) خاسرين * قالوا : يا موسي ، إنَّ فيها قوماً جبارين ( وهم الآشوريين ) وإنَّا : لن ندخلها ، حتي يخرجوا منها ( بعد الإنتصار أو الحل السلمي ) ! فإن يخرجوا منها : فإنَّا داخلون ( إطاعة لأمر الله لنا ) } ، وقولهم : حدودك يا إسرائيل من الفرات إلي النيل ، لا تجاوز أشواقهم القديمة بإعادة التأريخ ، وهيهات هيهات .
جملة أهل التفسير كالثعالبي وابن كثير قالوا بأنَّ الأرض المباركة هي الأرض الواقعة بين بلاد الشام إلي بلاد مصر وبلاد كوش ، كذا قال بروفيسور / عبد الله الطيب في كتابه : من نافذة القطار ، وأري بركتها في أنَّ الله تعالي قصَّ عنها أكبر القصص في تأريخ الإنسانية قاطبة وهو بمثابة رضا و إستحسان منه لشعوب تلك المنطقة إن هم أقاموا ما أمروا به بالتعايش السلمي وقيم الأخلاق الرفيعة ذات التشاريع والوصايا والأحكام السماوية وهي المعنية إن شاء الله بقوله : { وأورثنا القوم اللذين كانوا يستضعفون : مشارق الأرض ومغاربها ، التي باركنا فيها ، وتمت كلمة ربك علي بني إسرائيل بما صنعوا ، ودمرنا ما كان يصنع فرعون ، وقومه ، وما كانوا : يعرشون } .
اليهود والأرض المباركة والعلاقة التأريخية لما جاء أعلاه لا تبدأ عندي ولا تنتهي بغيري ، فهي قصة شعب وأرض تشرفوا بذكرهم في أشرف وأبقي وأخلد وأصدق الكتب السماوية علي الإطلاق ، ولسبب مباشر ذكر موسي نبي الله فيه 136 مرة في سبعة عشر موضعاً ، وما ذاك إلاَّ لأمرٍ خفاه الله وجلاَّه وسيبديه لوقته حين يحين الحين ، فهذا القطيع الإنساني يمثل قمة في الثالوث الشرائحي لأهل الكتب السماوية وفي أعلي هرميتها أمَّة الإسلام المحمدي وأمة اليهود الموسوي وأمَّة النصاري العيسوي وكلهم داخلين إن شاء الله في أمَّة الإسلام العام العالمي الأخير لأمَّة الإنسان الواعي الراشد المكلف العاقل البالغ والتي ظهرت بواكيرها منذ زمان طويل .
هذه الورقة المقدَّمة أسوقها بإدلاء ما إطمأننت إليه من جملة المراجع ذات الصلة ، وأسأل الله العلي القدير أن يجعل فيها الخير والبركة والنفع والنجح وتفيد في ميدان البحث العلمي والتأريخي والجغرافي لكل من أراد البحث في هذا الموضوع . آميين .
تلخيص محاور البحث :
أولاً : تحديد الموقع الجغرافي والخارطة الديموغرافية والطبوغرافية لشعبي النوبة وأورشليم وكنعان والكنتورية حسب ما جاء في المراجع التأريخية ذات الصلة .
ثانياً : توضيح الفرق بين مدلولات كلمة : البحر والنَّهر واليَّم ، كما جاء في لسان العرب ومختار الصحاح والقاموس المحيط من ناحية المعني اللغوي والدلالة التأريخية مع الأخذ في الإعتبار التسلسل الزمني في وقوع الأحداث وتواتر الأخبار فيما ورد من مراجع ذات صلة بموضوع الدراسة والبحث .
ثالثاً : الموضع الذي غرق فيه فرعون مصر كما أكدت المصادر ، القرآن ، والمراجع والخرائط الطبوغرافية المصرية وهو البحر الأحمر وليس نهر النيل وأنَّ جملة الأحداث كانت بمصر فيما يخص شعب بني إسرائيل ، وأنَّ السودان مرتبط بالموضوع من نواحي معينة كما جاء أعلاه .
رابعاً : مجمع البحرين كان بالبحر الأحمر ولقاء الخضر بموسي عليهما السلام في أو منذ 3200 سنة ق . م .ويؤخذ في الإعتبار مجمع ومفرق البحرين من ناحية اللغة والمنطقة الواقعه فيها الأحداث ، وموضع الصخرة لم يتم بمقرن النيلين بالخرطوم العاصمة في السودان الشمالي بعد إنفصال الجنوب عنه في 2011 م ، وليس أيضاً بمدينة أتبرة أو عطبرة عند إلتقاء نهرها ومجمعه بنهر النيل في المدينة المذكورة .
خامساً : عامل السرعة والمسافة والزمن في خروج بني إسرائيل ولحاق جيش فرعون بهم حتي سواحل البحر الأحمر لم تكن بين ليلةٍ وضحاها أو عشيةٍ وضحاها كما ذكرها بعض الباحثين فيما فهموا من إشارة القرآن : { فأتبعوهم مشرقين } ، وقلنا يجب إدخال عنصر الإستعداد والتحرك والتنقل والتجهيز وتدبير الأمر مما يستغرق عدة أشهر وأنَّ التحرك ببني إسرائيل يمكن أن يكون في عشرة أيَّام أو أكثر لبلوغ ساحل بحر القلزم والمجاوزة لأرض مدين أو أورشليم إذا جعل نصْبَ الأعين السرية والتخطيط وما يستلزم من أمر إعداد العُدَّة كما حدث في أمر الهجرة النبوية إباَّن تضيق المشركين علي أصحاب محمد رسول الله ، صلَّي الله عليه وسلم ، في حصرهم بشعب أبي طالب وشعاب مكة مما يمكن أن يصطلح عليه بالحصار أو الحظر الإقتصادي ، ومعلوم أنَّ التأريخ في المقولة المعروفة أنَّه يعيد نفسه بيد أنَّه في طور ووضع متطور وليس متطابق .
سادساً : زعم الباحثون اللذين يبحثون في بركة السودان والشمالي منه بالأخص في جعل جبل البركل وإهرامات البجراوية وطرابيلها والعلاقة التأريخة والجغرافية والإجتماعية والدينية هي موضع كلام ربِّ العِزَّة لموسي عليه السلام ، هي محل حجتهم ، وذهب أشنعهم رأياً هو جبل مرَّة بغرب بلاد السودان في إقليم دارفور الذي يعاني ويلات حرب أهلِّية منذ 2003 م ويشيرون لليهود بجعل هذا الصنيع ليقتلعوا حقائق االتأريخ عن دولة مصر ، بيد أكدَّت الدراسات العلمية وإستكشاف الأثريات وعلماء الجيلوجيا بوقوع الكلام الإلهي عند جبل الطور بسيناء لموسي عليه السلام وما زال هذا الجبل يجظي بالإهتمام والدرس والتبجيل .
سابعاً : هجرة اليهود الطويلة من أرض كنعان إلي مصر إلي بلاد كوش بالنوبة السودانية ثم رجوعهم مرة أخري إليها في رحلة إضطرادية مرةً وعكسية مرةً أخري بمدين وأرشليم وعودة ما يسمي بالشتات اليهودي لأرض فلسطين أرض المعاد من أصقاع هذا الكوكب من : 1706 ق . م – 1491 ق . م – 2016 م ، حوالي : 4.000 سنة ( 3722 سنة ) تقريباً ، هي حقاً تشرفت بنزولها في القرآن : { وما كنت بجانب الغربي ، إذ : قضينآ إلي موسي الأمر ( إرسال بتي إسرائيل وخروجهم عن مصر من قبضة فرعون ) ، وما ، كنت : من الشاهدين * ولكنَّا أنشأنا ( بحكم الوقت وتطور الأجيال والتناسل ) ، قروناً ( وهي الأربعة ألف سنة مقربة ) ، فتطاول عليهم العمر ( أي علي حالهم في إنتظار المُخَلِص ) وما كنت : ثاوياً ( مقيماً أيها المحققون في التأريخ وعلماء الجيلوجيا منذ عهدهم إلي يومنا هذا ) في أهل مدين ، ( تفيد تراخي الزمن ) تتلوا عليهم : آياتنآ ( رحلة البحث عن الهوية والوطن والإنتماء وابحث في أمَّ التأريخ البشري ) ولكنَّا : كنَّا ، مرسلين ( لإطاعة أمر الله في العودة للأرض المباركة أي المقدس ) * وما كنت ، بجانب الطور( وليس جبل البركل أو جبل مرة فتيقن ) ، إذ : نادينا ( أي كلام الله تعالي لموسي عليه السلام ) ولكن : رحمة من ربك ( هذا النداء لبني البشر قبل بني إسرائيل ) ، لتنذر قوماً ( مرحلة زمنية ) مآ أتاهم ( أي من أمرنا مجتمعاً ) من نذير ( وهي تقلبات الأيَّام وصروفها والرسل والتسع آيات وغيرها ) من قبلك ( أي بعث محمد والناس أجمعين ) ، لعلهم ( أي الجميع وليس فئةً بعينها ) يتذكرون ( وقائع التأريخ ) } الشعراء آية 44 – 46 ج 20 ، وليس هناك ما يجعل المحققين في الشأن النوبي والسوداني تحديداً للي عنق الحقيقة فيما أثبته القرآن وتلتمس البركة فيه وأهله في غير هذا الموقع إن شاء الله .
خاتمة :
ورد إسم موسي عليه السلام في القرآن 136 مرةً في ستة عشر موضعاً وما ذاك إلا لمقام موسي عند الله ، وحكي عنه القرآن أغلب - إن لم يكن كل - مبعثة من طفولته إلي تجاوزة لمدين ، وقد ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لو أصبح اليوم فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من الأنبياء ووصفه بأنّه كان : " رجلاً آدم ، طوّالاً جعدًا ، كأنّه من رجال شنوءة " ( أي أنه رجلاً أسمرَ اللون ، طويلاً مجتمع الجسم ، يُشبه قوم أزد شنوءة ) ، كما ورد في حديث أن النبي قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ ، فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرق فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى شكرًا ، فنحن نصومه. فقال رسول الله : فنحن أولى وأحق بموسى منكم . فصامه رسول الله وأمر بصيامه" ؛ وفي حديث ورد في سنن البيهقي أنّ النبي علمّ دعاء موسى عند شقّ البحر: " اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وبك المستغاث ، وأنت المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " .
هذا البحث وقفات وتأملات في شعب بني إسرائيل وعلاقتها بأرض النوبة ومسيرة إمتدت لحوالي 4.000 سنة تقريباً ، وقد أخذت فيها نفسي بالإختصار قدر الممكن والتدقيق ما وسعتني الحيلة ، ألا إنني بشر أخطئ وأصيب ، وإهتممت بالمراجع والبحوث فيما يتعلق فقط بموضوع الدراسة وأسقطت لا عن جهل بعض ما أردت تدوينه خشية الملل والإطالة والخروج عن الموضوع وتشعبه فآثرت مكتفياً ما جاء فيه ، وعسي أن أعود لما تركت مستقبلاً لو قيض الله لنا العمر ، وعلي الله قصد السبيل ومنها جآئر ، ولو شاء لهدانا أجمعين ..

وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
القاهرة – المرج القديمة في :
23 / 10 / 2016 م

أهم المراجع :
1- القرآن الكريم .
2- التوراة .
3- المعجم الوسيط .
4- السيرة النبوية لإبن هشام وإبن كثير .
5- د . ميادة عبد القادر ، باثة مصرية بالمركز القومي لبحوث المياه بالقاهرة.
6- محمود عثمان رزق ، كاتب سوداني بحث.
7- صور من إدارة المساحة المصرية .
8- صور من مواقع الإنترنت .
9- نعوم شقير ، تأريخ السودان .
10- د . مكي شبيكة ، السودان عبر القرون .
11- قاموس الكتاب المقدس ، دائرة المعارف الكتابية المسيحية .
12- صحيفة اليوم السابع المصرية شهر يونيو 2016 م .
13- كتاب الحيوان : لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ .
14- عبد الله الطيب ، كتاب : من نافذة القطار 1969 م .
15- الملاحق والصور ، الإنترنت .
16- حلمي القمص يعقوب ، كتاب : النقد الكتابي / مدارس النقد والتشكيك.




الملاحق والصور :



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن