معالم الحياة المعاصرة / 2

رياض عبد الحميد الطائي
riyad.taii@yahoo.com

2020 / 11 / 3

أفراد المجتمع هم منتوجات النظام الاجتماعي بقوانينه وثقافته ، وهم ادوات الاصلاح والتغيير ، النظام الاجتماعي غير الصالح ينتج منتوجات غير صالحة وبالتالي يبقى الفشل في المجتمع قائما ومستمرا ، مهما تجري في مجتمعاتنا من عمليات لاصلاح او ترميم الاحوال الاقتصادية المتدهورة ، ومهما تجري من عمليات التغيير في النظام السياسي او الاقتصادي ، لن يتحقق النجاح ولا الاصلاح .. ولا أمل في العلاج .. لان المشكلة تكمن في النظام الاجتماعي ذاته ، ببقاء نظامنا الاجتماعي الحالي بعيوبه وسلبياته تبقى الازمات والاضطرابات قائمة وفاعلة ودائمة في المجتمع ، بل ان الازمات الاقتصادية والسياسية في مجتمعاتنا تتفاقم عاما بعد عام ، مجتمعاتنا مثقلة بالهموم والقلق والاحزان الدائمة ، وتنتشر فيها الامراض النفسية على نطاق واسع ، وهي تعيش في أزمات ومحن واضطرابات دائمة ، الاحتياجات النفسية للانسان هي احتياجات ضرورية ولكن هذه الاحتياجات انما هي نتاج الحرمان من الاحتياجات المادية ، فالحالة النفسية او المعنوية للانسان انما هي انعكاس لحالته المعيشية ( مأكلا ومسكنا ) او لحالته الصحية ، وبالتالي هي تحصيل حاصل للواقع المادي الذي يحيط بالانسان ولطبيعة الاوضاع الاقتصادية والصحية في البيئة التي يحيا فيها ، ومن هذا المنطلق فان الحالة النفسية تتحسن عند الشعور بالاكتفاء والاشباع ماليا وبدنيا ، وتتدهور عند الشعور بالحرمان والعوز ماليا وبدنيا ، مجتمعاتنا بحاجة الى عمليات اصلاح جذرية وشاملة لكي يتم بنائها من جديد وعلى أسس صحيحة ، الاصلاح يبدأ في النظام الاجتماعي من خلال اصلاح قوانين الخدمة والعمل والضمان الاجتماعي ، واصلاح قوانين الاحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة والمرأة والطفل ، واصلاح النظام السكني ، واصلاح النظام القضائي واصلاح النظام التعليمي ، الناقدون للاوضاع الاقتصادية .. يلقون بأسباب الفقر والظلم في المجتمع على عاتق الحكومة والسياسيين .. وينسون او يتجاهلون ان الحكام الظالمين والسياسيين الفاسدين انما هم نتاج بيئة اجتماعية يشيع فيها الظلم والفساد ، فلينظروا في البيئة ذاتها ويعالجوها قبل ان يتشكوا من منتجات البيئة ، النظام الاجتماعي غير الصالح ينتج بطبيعة الحال انظمة سياسية غير صالحة وكذلك انظمة اقتصادية غير صالحة ، اذ ان طريقة ادارة البشر لشؤونهم وطريقة ادارتهم لمواردهم تعتمد على طبيعة النظام الاجتماعي بقوانينه المنظمة للعلاقات بين افراد المجتمع ، هناك تأثير متبادل بين طبيعة النظام الاجتماعي ونوع النظام السياسي ، نوع النظام السياسي هو انعكاس لنوع الثقافة العامة ، كما ان الثقافة العامة تتأثر بنوع النظام السياسي ، فساد السلطة السياسية من فساد الثقافة العامة ، كما ان بقاء السلطة الفاسدة مرهون ببقاء العيوب في الثقافة العامة ، هذه الاموال الوفيرة في بلداننا النفطية لم تنفعنا في اصلاح احوال شعوبنا ومعالجة النفوس المريضة واحياء الضمائر الميتة ، وانما أدت هذه الاموال الوفيرة وبسبب سوء الاستخدام وسوء الادارة الى زيادة في افساد النفوس والذمم ، فلا الثروات الطبيعية في اراضينا ازالت الظلم من بيئتنا الاجتماعية ، ولا تغيير الحكام السياسيين ازال الظلم وأصلح الاحوال ، لان الخلل يكمن في النظام الاجتماعي ، الشعوب التي تفتقر الى ثقافة احترام الرأي الاخر المختلف تعجز عن صنع انظمة سياسية تؤمن بالديمقراطية لشعوبها ، احترام الاخر المختلف هو تربية وسلوك اجتماعي وليس منتوج سياسي ولا هو منحة من السماء ، كما ان الشعوب التي تفتقر الى ثقافة الشعور بالمسؤولية تعجز عن صناعة انظمة سياسية تحرص على خدمة شعوبها ، فالشعور بالمسؤولية والاخلاص في العمل تربية وسلوك اجتماعي وليس منتوج صناعي يمكن استيراده من الخارج ، كلما تمتلك الشعوب المزيد من ثقافة الشعور بالمسؤولية واحترام الاخر المختلف كلما تصبح اكثر اقترابا من صنع انظمة سياسية ديمقراطية تحترم ارادة شعوبها وتحرص على خدمتها ، بوجود الخلل في النظام الاجتماعي تبقى ركائز الشر والظلم والفساد وما يتبعها من سلبيات تبقى قائمة مهما تغيرت الانظمة السياسية وتبدلت الانظمة الاقتصادية ، يمضي الزمان ويرحل حكام وقادة ويأتون غيرهم ، وتتقلب اوضاعنا الاقتصادية ارتفاعا وهبوطا ويبقى شيء واحد كامن في شرايين المجتمع لا يرحل ولا يتغير الا وهو الظلم بجميع انواعه وصوره ، فهذه بيئتنا الاجتماعية التي يتغلغل في عروقها الظلم والفساد منذ زمن بعيد هي أشبه بمبنى قديم مكتظ بسكانه الذين توارثوا العيش فيه وتكاثروا فيه ولكن بقي هذا المبنى على حاله ، حيث لم تجري عليه الترميمات ولا الصيانة منذ عهود بعيدة فتساقط طلائه وتآكل بنيانه وتشققت جدرانه وتلوثت مياهه وفسدت أجوائه رطوبة وعفونة ، فهل نتوقع من سكان هذا المبنى المتهالك ان يتمتعوا بصحة بدنية ونفسية وان يعيشوا في سلام ووئام فيما بينهم ؟ من المؤكد ان المظالم والمفاسد والشرور موجودة بنسب متفاوتة في جميع المجتمعات في العالم ولكنها في مجتمعنا موجودة بكثافة عالية ومقيمة بشكل دائم وكأنها تتواجد في بيئتها المناسبة حيث تنمو وتتناسل وتتكاثر وتتطور في اساليبها الشريرة ، اننا نرى بانه لن يزول الفقر ولا الظلم ولا الفساد من بيئتنا الاجتماعية الا باصلاح نظامنا الاجتماعي ، والانسان في عصرنا الحالي رغم انتشار مظاهر الحضارة والتطور والتقدم سيظل يعاني من ضيق العيش وقلة الموارد واشتداد الحاجة الى المال للعيش بكرامة في مأكله وملبسه ومسكنه ، وهذه المطالب تمثل قوة ضغط على الانسان اقوى من قوة ضغط القيم الاخلاقية ، من يعتقد بان تفشي الظلم والفساد في مجتمعاتنا سببه ابتعادنا عن القيم الاخلاقية فانه مخطيء في اعتقاده وواهم في تصوراته ، والحقيقة ان ضعف الالتزام الاخلاقي ناجم عن ضغوطات العيش التي تؤدي الى انهيارالقيم الاخلاقية وبالتالي شيوع مظاهر الظلم والفساد ، هناك ترابط وثيق بين قوة القيم العليا في المجتمع وبين المستوى المعيشي لافراد المجتمع الذي يكون مرتبطا بالاوضاع الاقتصادية المتغيرة باستمرار ، الفضيلة ترتكز على الاقتصاد وعندما ينهار الاقتصاد تنهار الفضيلة ، كما ان هناك ترابط بين قسوة العيش وتطرف النفوس ، فكلما كانت المعيشة أقسى كلما كانت النفوس أشد تطرفا ، الظلم الاجتماعي يصنع العنف والاجرام من جهة ، ويفسد الذمم من الجهة الاخرى ، الدعوة الى العدالة الاجتماعية تعني الدعوة الى الحفاظ على منظومة القيم الاخلاقية في المجتمع .
...... يتبع الجزء / 3



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن