معركتنا مع الإرهاب فكرية أيديولوجية

فلورنس غزلان
fozmon@yahoo.fr

2020 / 10 / 31

معركتنا مع الإرهاب فكرية أيديولوجية: ــ
عندما يقتحم شاب حياة آخر مسالم ويقضي عليه تحت اسم الله ونبيه، معتقداً أن هذا العمل الإجرامي سيحمله مباشرة إلى عالم الحلم بالجنة والحوريات، هذا لم يُشحن قلبه ويُسلب لُبه عن عبث وكنزوة وإنما جاء نتيجة خطاب مُغرق في الظلامية والسلفية، يعمي البصر والبصيرة يحتل كيانه ويحبب إليه الموت ، يسرق عمره وعمر آخرين أبرياء، كانوا صدفة في المكان الخطأ والزمن الخطأ الذي اختاره عقل القاتل المسلوب والمدفوع إلى ارتكاب الجرم، ونحن كشعوب لم تختر دينها وجنسها ومكان مولدها نقع ضحايا لهذا الفكر ولنتائجه ،وإلا كيف نفسر هذا الكم الهائل من العنف مقابل " صورة"؟!، هل يستوي الفعلان؟...جحافل من المظاهرات التي تتغنى بألفاظ العنف وتدفع لارتكابه وتحض عليه ، كما تحض على الكراهية والحقد والفصل والتذرر سواء بين الشعوب أو بين أفراد الشعب الواحد، بين المسلم وغير المسلم سواء على أرضه أو الأرض التي يعيش عليها ويرتزق فيها، سبق وتحدث الكثير منا ، وكتب في الموضوع عشرات، لكن الكتابة تتوقف إلى أن تقع حوادث جديدة ولا نبادر إلا إذا حوصرنا أو شعرنا أن الواجب يحتم علينا أن ننتقد ونحلل أو نتطرق للموضوع درءاً للبس وحماية لأنفسنا وتبريراً لصمتنا الطويل واستمرارنا بالعيش وكأن الأمور ممتازة وطبيعية!.
أعتقد أنه من واجب كل مثقف أن يسعى ويبذل قصارى جهده، وألا يوفر من وقته مايمكنه أن يقع في صلب المعركة ضد الإرهاب ، المعركة الفكرية التي باتت قوتنا اليومي، ونحصد نحن قبل غيرنا عواقبها ، دون أن ننسى أن إماماً جاهلا يمكنه أن يُجيش آلافاً من الشباب البسيط ويدفع بهم ليكونوا وقوداً لغاياته السياسية السلفية وأحلامه الهلامية بإقامة دولة الإسلام أو فرض قيمه وعقيدته على دول أخرى غير مسلمة، يزرع الحقد ونحن نحصد آثار حقده الأعمى.
يتصرف الإمام الجاهل عن قصد ، يُدفع له يلكون بوقاً، ونحن علينا أن ندفع برتهاته إلى الوضوح والعلن وتكبير صورة مآربه وكشفها ، والتي لاتصب في مصلحة الشباب ومستقبلهم ، ولا في المصلحة الوطنية ووحدتها...
نحن بشر والإنسان حيوان ناطق يمكنه أن يحاور يُقنع أو يقتنع، أما استخدام العنف كرد فعل، فهذا أسلوب الوحش الخائف على بيته وكأنه مهدد وكأنه من قش ، الدين الإسلامي ليس قشاً يحترق بسهولة ولا فكرا غير قادر على الحوار، لكنه يصبح سلاحاً قاتلا حين يمسك بتلابيبه عالم دين غير مؤهل أو مدفوع للتجهيل وبث الفرقة والكراهية، وهنا نسأل ماهو السبب مثلا، الذي يدفع علماء الأزهر إلى عدم تكفير داعش وممارساته، مع أنه قتل من المسلمين أكثر بمئات المرات مما قتل من غير المسلمين ...هل إرهاب داعش بالنسبة للأزهر جهاداً؟!...لقد أدان أعماله الإرهابية لكنه لم يُكَّفِر ممارساته وقتله للأبرياء.
لقد فوجئت واستغربت مواقف بعض " المثقفين " العرب وردود أفعالهم التي لايمكن تفسيرها إلا في إطار القمع الديكتاتوري إسلاميا كان أم سلطوياً ومحاولات الالتفاف على الحقيقة وتشويه صورها ، فالقتل الوحشي الذي طال أستاذ التاريخ الفرنسي " باتي" أو القتل الأكثر وحشية في بيت من بيوت الله في كاتدرائية نوتردام نيس...جاء نتيجة للتشويه والتحريف الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وفي تلفزيونات مغرضة تدفع للكراهية والتمزيق والحروب من أجل غايات ذاك الزعيم أو ذاك المهووس بحلم امبراطورية إسلامية ما، فيقولون على سبيل المثال أن " ماكرون شتم النبي "!!! هذا لم يحصل أبداً، فهل إصرار ماكرون على وحدة المجتمع الفرنسي وعدم تقسيمه لمجتمعات معزولة عن بعضها تعني أنه يريد شراً بالمسلمين؟ كما قيل أيضاً، أن ماكرون" أصر على تداول الكاريكاتور الذي يمس النبي محمد " ــ وهذا أيضا لم يحصل ــ ، لقد أصر على حرية التعبير بما فيها استخدام الكاريكاتور كوسيلة تعبير ...سواء طالت المسيح أو الحاخامات أو محمد...فلماذا على ماكرون رئيس فرنسا البلد العلماني ، الذي يفصل بين الأديان والسياسة أن يميز محمد عن المسيح ؟ ولماذا نشوه الأقوال ونصرخ مطالبين بالعدالة ، بأنه مس مشاعر المسلمين ...فهل مشاعر المسلمين أكثر رقة من مشاعر المسيحيين واليهود؟ لو كانت رقيقة فعلا لما استخدمت القتل والعنف ...لأن صور المسيح والعذراء لم تجعل من المسيحي قاتلا ...
للتذكير فقط ولمن يرى أن هذا التهويش عادلاً، فأين عدالتكم مما جرى ويجري للشعبين العراقي والسوري منذ عقد من الزمان؟ لماذا لم نركم تنتصرون لانتفاضة الشعب السوري والعراقي ، بل بذلتم أموالكم وسلفيتكم من أجل دعم كل الحركات السلفية بالسلاح لإحباط حلم الشعب السوري والعراقي بدولة الحق والقانون والكرامة...أين هو ضميركم المحمدي؟ ــ ولو عاد محمد لكفر باللحظة التي اختاركم فيها لتكونون شعبه ــ لأن الصورة التي تقدمونها لشعوب الكون عن نبيكم صورة مشوهة وبشعة لاتصب إلا في مصلحة صعود اليمين واليمين المتطرف...اسمعوا تصريحات مارلين لوبين، ورئيس بلدية نيس، كي تعرفوا من سيدفع ثمن مجازركم باسم الإسلام والانتصار لمحمد...ومن هو الذي يكسب من حربكم الفكرية سيئة السمعة والفعل.
فلورنس غزلان ــ باريس 31/10/2020



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن