قصة قصيرة : فقط يوما واحداً

حسن خالد
hesenx23@gmail.com

2020 / 10 / 29

كان يخرج منذ الصباح الباكر بعد تناول ما يتيسر له من الحواضر المتوفرة اكورا والذي يتكون عادة من "زيت الزيتون والزعتر واللبن والبيض " واحيانا يظفر بنوع واحد منها مع كأس من الشاي ، ويأخذ زوادته المعتادة للغداء ، وهي في العادة "حبتي بندورة وخيار وحبة بطاطا مسلوقة وبعض الملح " التي تحضرها له زوجته التي تجابه معه قساوة الحياة صابرة ، ولا يزال طفليهما يغطون في نومٍ عميق ويعود في المساء ليصل متأخرا فتحضّر زوجته ما توفر من طعام ليغتسل ويتناول العشاء ويخلد إلى النوم لأن عمل الغد ينتظره ؟!
هكذا تمر يوميات "أوميد" يخرج للعمل وأطفاله نيام ، يعود متأخرا من العمل ليرى أولاده وقد استسلموا لنومٍ عميق!!
مضت فترة طويلة ولم تجتمع الأسرة معا في جلسة عائلية حميمية ليتبادلوا فيها الأحاديث والمواقف كما هي عادة الأسر في يوم استراحتها على أقل تقدير...
حتى في يوم الراحة يجدها "أوميد" فرصة ليذهب لعمل "خاص" ليجني بعض المال أكثر من المعتاد ، ليوفر لزوجته وطفليه متطلبات الحياة التي لا ترحم و لا تنتهي؟!!
ولأكثر من مرة كانت زوجته تطلب منه الإلتفات إلى هذه النقطة وتقول له :
- أرجو أن تبقى في البيت ، ومعنا لنقضي لحظات سعيدة ونخطفها ونهب بعضها لطفلينا والحياة ستستمر حتى مع الفقر؟
- أعي ذلك حبيبتي ، لكن متطلبات الحياة لا ترحم وسينتابني شعور بالنقص إن شعرتُ أني لم أعد أستطيع تلبية متلطباتكم؟!!
* استمرت الحال بهذا الشكل من الروتين القاتل "أوميد" يتناول ما فيه النصيب مما تحضره زوجته له من طعام الفطور ويجهز له زوادته في "كيس بلاستيكي" راقٍ؟!!
في يوم من الأيام وبينما كان "أوميد" عائدا من العمل متأخرا وهو عهده ، وهمّ يفتح الباب وجد إبنه البكر في انتظاره عند الباب ليجري مسرعا ويرتمي في حضن والده والفرح لا يسعه وهو يقول كم اشتقت إليك أبي؟
فيقول الأب مازحا بمقدار كم اشتقتني؟ فيلوح الصغير بأصابع كفيه جميعها ، و "10" هو أكبر رقم حفظه الإبن فيبتسم الأب لجوابه البريء ...
- الطفل ببراءة : أبي كم تتقاضى أجرة يومك في العمل؟!!
لم يستسغ "أوميد" مضمون السؤال ، ولم يستوعب هذه البراءة وقال له : وما شأنك هذه الأسئلة لازالت كبيرة عليك ، فمصروفك تأخذه يوميا لتشتري به ما تشتهيه من حلويات وأغراض ، فلا تسأل أسئلة هي أكبر من حجمك؟!
أدركت الأم وهي تسمع الحديث انعكاسات جواب زوجها على نفسية طفلها البكر وحاولت التدخل لترطيب الأجواء ولتغير مجرى الحديث لكن الصغير ألح على والده لمعرفة أجرة يومه ؟!!
فاستسلم الأب له بعد إلحاح الطفل وقال بغضب :
اتقاضى أجرة كل يوم عمل10ليرات؟!!
وبحركة لا إرادية بدأ الصغير في العدّ بأنامله الصغيرة وقال مبتسما : أيمكنك أن تعطيني ليرترين يا أبي ، فقط ليرتين؟!!
استشاط الأب غضبا صارخا في وجهه مزمجرا : تسألني لمعرفة أجرة يوم عملي ، وفي الأخير تطلب مني ليرتين ، ما هذه الوقاحة ؟!!
لِما أعطيك الليرتين ومصروفك الشخصي يصلك يوميا ألا تشعر بالخجل انصرف من هنا وإلا عاقبتك عقابا شديدا وحرمتك من مصروفك اليومي غدا !
عاد الطفل ادراجه إلى غرفته التي يتشارك فيها مع أخاه الأصغر وهو يجرُّ أزيال الخيبة ، واستلقى على سريره منكسر القلب من أب لطالما يجده كبيرا و مثله الأعلى!!
بعد أن فرغ "أوميد" من الاستحمام وتغيير ملابس العمل و من بعد أن فرغ من تناول العشاء لامته زوجته والحت عليه ليتصالح مع بكرهما ويجبر بخاطره بكلمة حلوة وحنانا ابويا يبحث عنه ؟
عرف "أوميد" مدى قسوته على ولده وتمتم بكلمات تعبر عن ندمه وأسفه لِما بدر منه تجاه بكره!!
وفتح باب غرفة ولديهما وقال بصوت منخفض كي لا يزعج ولديه إن كانا نائمين :
- هل لا زلت صاحياً ؟
أجابه الطفل : نعم يا أبي .
- أرجو المعذرة فقد قسوتُ عليك ومدّ يده إلى جيبه وأخرج محفظة النقود وناوله ليرتين ، فمدّ الصغير يده وأخذ الليرتين ليضيفهما إلى مبلغ آخر تحت وسادته وسط ذهول الأب الذي استشاط غضبا ويسأل لما طلبت المبلغ ولديك ما لديك منه؟!!
- الولد "مبتسما" : أبي سألتك كم تقبض من الأجرة عن يوم عمل؟!
فلما أخبرتني بالمبلغ ، ربما وجدتني وأنا ألجأ لعملية حسابية "بحاسوبي الأصبعي" ههههه
وجدتُ أن ليرتين ينقصانني ليكتمل لدي أجرة عمل يوم لك ، فقد ادخرت وأخي ثمان ليرات من مصروفنا اليومي كي نعطيك إياهما و تبقى معنا في البيت يوما واحدا ، يوما واحدا في الأسبوع أرجوك يا أبي !!
دمعت عينا الأب وهو يحتضن إبنه البكر الذي أصبح رجلا قبل أوانه دون إرادته...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن