اوراق علمانية الحلقة (3)

أحمد فاضل المعموري
almamori_ahmed@yahoo.com

2020 / 10 / 29

أسلمة الدولة في الدستور العراقي
تنبع أهمية الدستور من أهمية تعريف الدولة وماهية المؤسسات السياسية العليا، التي تعتمد عليها الدولة، وبيان الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الافراد، أن فكرة الدستور، تعتمد على فكرة شرعية السلطة وكيف تنتقل هذه السلطة . ومعرفة مراكز القوى التي تدير السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن هي الجهة التي تفصل بالخلافات وفق استقلال بفصل هذه السلطات .
وان افضل التجارب الدولية في وضع الدساتير، هي أمريكا، بمواد محدودة ولكنها صامدة بوجه التغيرات العديدة على مر التاريخ ،عندما نرجع للعلمانية في الدستور الامريكي، حيث جاء في التعديل الاول بعد مرور خمسة سنوات من وضع الدستور الامريكي سنة (1786). وفصل الكنائس عن الدولة سنة (1791) وتجريد اي دين من أي امتياز(لا يجوز للكونجرس أن يصدر أي قانون خاص بإقرار دين من الاديان، أو منع حرية ممارسته او الحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو تقييد حق الافراد في عقد الاجتماعات السلمية او حقهم في التماس الانصاف من الحكومة من أي ظلم او اجحاف).
وكذلك علمنة الدستور الفرنسي، بعد فصل أولي بين الكنيسة والدولة، سنة (1795) في السنة الثالثة، والذي وضعه المؤتمر الوطني الترميدوري (لا يجوز منع أحد من أن يمارس بما يتوافق مع القوانين، العبادة التي أختارها، ولا يمكن أرغام أحد على المساهمة في نفقات عبادة كما لن تدفع الجمهورية أجراً لأي منها). وكانت سنة 1802، وهي السنة التي فقدت فيه الديانة الكاثوليكية دين الدولة، وهم غالبية الشعب، وسنة 1905 كانت نهاية النظام الوئامي حتى سنة 1921 بإيجاد تسوية بصورة اقرب الى جمعيات أبرشية تحترم النظام التراتيبي للكنيسة. وتجارب دولية عديدة سابقة لنا كمجتمعات وشعوب من اجل الاستمرار بالحياة العامة بعيداً عن مضمون التفسيرات والتأويلات والتطرف أو الامتياز الذي يمكن أن يشكل هذه الميزة على حساب الاخرين من افراد الشعب .
عند أخذ ديباجة الدستور العراقي ،وهي تشكل ماهية وفلسفة الدولة العراقية ورؤيه مستقبلية ، والمخالفة للتحول الديمقراطي والمتعارض مع الحرية والضمير والمساواة . عندما اقحمت الكثير من العبارات التاريخية ، واعتبرتها جزء من موروث الشعب العراقي مع الدكتاتورية ،وأن الموروث هو جزء تاريخي من الارض وليس جزء من الدين كسياسة أو تنظيمي لإدارة الدولة واعتبرتها ميزة لبعض الأفراد من الطوائف والقوميات على حساب الاخرين.
أن حشر بعض الكلمات في وسط مواد الدستور ،مثل المادة (92)/ ثانياً، تشكل خرق تنظيمي للنص الدستوري ونطلق عليها وصف أسلمة المحكمة الاتحادية العليا عندما تشير الى (تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب ). والتي تمكن المحكمة من الطعن بكل القوانين التي تشكل مساس بالشريعة الاسلامية وهي تقيد لنص المادة (2)- أولا- من الدستور بتقيد المصدر، والاساس للتشريع وهو الوحيد والرجوع بها الى رأي خبراء الفقه، وهم يرجعون الى رأي المذاهب الاسلامية ، وكلها تشكل خطر حقيقي على الشعب بإقحام الدين في الدولة ومؤسساتها، وهي مختلف عليها بين ابناء الشعب العراقي ، كثوابت الاحكام الاسلامية، وهي مخالفة لنص المادة (14) التي تشكل صمام أمان لجميع العراقيين واساس في تنظيم حالة الاستقرار ،في الحقوق والحريات المدنية والسياسية .
ان تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا، الذي ينتظر المصادقة ، أذا جاء على وفق صيغة ورغبة رجال الدين سوف يشرذم الدولة ويبعدها عن خيار دولة المواطنة ، وألا نحن متجهين نحو الدولة الدينية، بعد أكثر من سبعة عشر عاماً من تجربة الاسلاميين الفاشلة، وهذا عكس التيار الشعبي والنخبوي الراغب بالتحول الديمقراطي والراغب بالانفكاك عن سلطة رجال الدين، التي ينادي بها الاسلام السياسي واحزابه الحاكمة في العراق .
من خلال المرحلة السابقة وكتقييم للتجربة العراقية، بعد مضى خمسة عشر عاما، على الاستفتاء الدستوري في العراق، دون تحقيق استقرار اجتماعي أو سياسي منشود ، فتكون التجربة السياسية قد فشلت وتحتاج الى تقييم موضوعي ، يبدأ من الدستور، بالتعديل الروحي له بإلغاء نصوص اسلمة الدولة
أن تجربة الشعب العراقي تخالف كل تجارب شعوب العالم في الدولة ، عندما يتدخل رجال الدين، وما احتجاجات تشرين في العراق سنة 2019، الا رفضاً للعملية السياسية وللأحزاب الحاكمة، التي جاء بها المحتل الامريكي، وجاء بدستور مشوه ،كان يأخذ من التجربة الامريكية واقعا للعراق الجديد مما يخالف به حلم الشعب في الحرية والاستقرار ، أن تأصيل رأي سلطة رجال دين في الواقع العملي لتشريع القوانين، هو مخالف لسلطة الشعب وتعطل لحقوقه وحريته الدستورية ، بحجة النص الدستوري ليتحول الدستور من نصوص مدنية الى نصوص شرعية ومذهبية ، على وفق اقرار المادة (92) من الدستور، قانون المحكمة الاتحادية العليا المختلف عليه بين الشعب، لأن فرض خبراء الفقه الاسلامي كقضاة في قانون المحكمة لفحص القوانين المشرعة من البرلمان، مما يخلق سلطة أكبر من سلطة الشعب وهذا سوف يسلب مصدر السلطة منه .
أن النصوص التي تحتاج الى أعادة تقييم وازالة من الدستور العراقي لسنة 2005 ، في اقرب فرصة ممكنة ،اذا لم تطرح فكرة كتابة دستور جديد لموانع سياسية ،هي المادة (2): اولاً : الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع : أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام . ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين .
المادة (3):العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها و جزء من العالم الإسلامي . المادة (9):أولا :أ ـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة .المادة (10): العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها .المادة (29):اولاً: أـ الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية. المادة (41):العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون .المادة (43):اولاً : اتباع كل دين أو مذهب احرار في : أ ـ ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية .
أن المواد أعلاه والتي استعرضناها بشكل سريع، تشكل ابرز المواد الدستورية التي يحتج بها السياسيين الاسلاميين، واضعي الدستور بالتوافق مع سلطة بريمر، وهو تغيب لمصدر السلطة وهو الشعب، واستنادهم على رؤية اسلامية طائفية ، مخالف للواقع السياسي الذي يتطلع اليه الشعب العراقي، ومنذ تأسيس الدولة العراقية كانت هوية الشعب العراقي هوية مدنية مع اعطاء صفة الاسلام كدين للدولة لأغلبية شعبية عندما كان المد القومي قياسي ضمن مرحلة تاريخية معينة .
الحل يكمن بعلمنة الدستور ، للخروج من مأزق تعطيل القوانين الخلافية، أو التي تشكل كوابح اجتماعية في الانتماء للدولة الواحدة، حيث أن فصل الدولة عن الدين ، يتجلى بركن حديث وهو الاعتقاد الانساني بـ(المواطنة) أعلى من الانتماء للدين أو المذهب . وأن شعور المواطن (الاقليات) بحقهم الوجودي بالانتماء الى دولة تتحقق المساواة التامة ولا تمييز بين مواطن ومواطن، بروح من الايمان بالجميع كلما كان تشبثه بالدولة قوياً من خلال حرية المعتقد والضمير، أن حصر تعريف الدولة وماهيتها واباحة الحقوق والحريات، بعيداً عن اسلمتها، هو الكفيل بالتغلب على صراع الهويات الفرعية التي تريد أن تغلب هوية الدين والمذهب والطائفة على الهويات الفرعية الاخرى، وهي على حساب الهوية المانعة الجامعة وهي هوية المواطنة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن