يونس عطاري مرارتُ الكائنِ الرّاهن

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2020 / 10 / 18

يونس عطاري
مرارتُ الكائنِ الرّاهن
العنوان يأخذنا إلى الألم، "مرارات" وأيضا إلى جزء من مجموع "الكائن" وإلى العصر "الراهن" بمعنى آخر، ألم الإنسان الآن، وبما أن العنوان مؤلم، فعلى الشاعر إيجاد طريقة/شكل/مخففات تسهل على القارئ تلقي هذا الألم، بحيث تصل فكرة الألم باقل الأضرار.
الشاعر "يونس عطاري" يكشف (وحشية) العصر من خلال ثلاثة مقاطع، وإذا إخذنا (دينية/قدسية) ودلالة الرقم، فإن هذا يأخذنا إلى استمرار الألم الصادر من السماء، فالألم الآن، في هذا العصر هو حالة (طبيعية) تسود وتطال الكل، يفتتح الشاعر القصيدة:
"1
على رؤوسِ الرماحِ ينزلُ
تاركاً وحشَ الالكترون يتقدمُ في مساحاتٍ زرقاءَ لا ماءَ فيها
انما الغيابُ يجرُّ الندى
فتمشي الريح على سياج الفضة
هو يُخيِّطُ بالركضِ فَتْقاً في الهواءْ
فلا صوراً له على ورق الزبدةِ
كلُّ الذكراتِ رسائلٌ نصّيّةٍ
تختفي في مدار الذرة
يحذفها الهاتف الذكي دون تردد"
الألفاظ القاسية نجدها في "الرماح، وحش، الالكترون، لا، الغياب، يجر، سياج، بالركض، فتقا، فلا، تختفي، يحذفها" ونجد فقرات متعلقة بالعصر/الآن: "الالكترون، مساحات زرقاء، فلا صورة على ورق، رسائل نصية، تختفي في مدار الذرة، يحذفها الهاتف" وهذا يجعلنا نربط قسوة/ألم بالعصر/بالوقت الذي نعيشه.
نلاحظ وجود ألم بأكثر من شكل، المعنى، الألفاظ، لهذا نجد الشاعر يعمل على التخفيف على القارئ من خلال الصورة الشعرية، والتي نجدها في:
"وحشَ الالكترون يتقدمُ/الغيابُ يجرُّ الندى/فتمشي الريح/ يُخيِّطُ بالركضِ فَتْقاً" فهذه الصور التي (تلخبط) الأشياء الطبيعية/العادية، وتقدمها وهي تأتي بأعمال وأفعال تتعرض وطبيعتها، تتعارض مع ما نعرفه عنها، يخفف على القارئ شيئا ما قسوة المعنى، وفي الوقت ذاته تعمق فكرة الألم وتجملها، وبهذا يكون الشاعر قد خدم جمالية القصيدة، وأوصل فكرة قسوة العصر بصورة (جميلة)، متخطيا "مرارات" العصر.

"2
يندفع الناس في هذا العصر الملثم
نحو السوبرماكت
حاملين كل متاهة جديدة في عربات ممتلئة بالحنين
و بالقليل من الخضار و البيض و علب الحليب المبستر"
في المقطع الثاني يجمع الشاعر بين صورة واقعية، الناس في السوبر ماركت يحملون المواد الغذائية، وأخرة شعرية "الحنين" والجميل في الصورتين، أنه أكثر من الحنين وقلل من الخضار والبيض، وكأنه بهذه الصورة يؤكد على الحاجة العاطفية التي يعاينها الناس، فهم بحاجة إلى التغذية العافية أكثر من التغذية الجسدية.
ويخم القصيدة بمقطع غارق في السريالية:
"3
الكائن الاخرس يبحث عن اللذة المصورة
يحمل هاتفه كأنه عصى موسى
يهشَ بالصور و البث المباشر الشرطة و حرس الحدود
و حُرّاس الجمهوريات و الممالك العتيقة
هواتف حبلى تلدغها الغازات السامة"
رغ أن بداية المقطع (عادية)، إلا أن الشاعر يدخلنا شيئا فشيئا إلى السريالية، بحيث أنسن الهواتف والغازات، وجعل المذكر "هواتف" تقوم بعمل الأنثى "حبلى"، وهذه الصورة كافية لجعل القارئ يتوقف متأملا فيما قدمه الشاعر، فهناك غضب من العنف والوحشية التي قدمت عليها الغازات، التي تلدغ (حبلى)، بمعنى أنه تقتل الأم والجنين معا.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن