حكومة التوقّعات والإيحاءات العجيبة

عماد عبد اللطيف سالم
emaasalem@gmail.com

2020 / 10 / 14

التوقعات مُهمّة جدّاً في الإقتصاد.
وعلى أساسها يبني الناس ، وأصحاب الأعمال والمشاريع ، نظرتهم المستقبليّة لفرص عملهم ، ومصادر رزقهم ، والتوسّع في مشاريعهم ، أو إيقافها ، أو تصفيتها أحياناً.
لقد تمّ إغراق الناس والإقتصاد في حالةٍ من إنعدام الثقة ، والتيقّن من المستقبل ، وبسيلٍ جارف من التوقعّات المتشائمة.
ويعودُ ذلكَ بدرجةٍ أساسيّة لإعتماد الجهاز الإعلامي والتنفيذي للحكومة على "الإيحاءات" ، وليس على الأفعال الملموسة.
هذه الحكومة( بفعل ظروف تكوينها المُلتَبِسة ، وليس بفعل عجزها عن فعل شيء) ، هي "ملِكة" الإيحاءات بإمتياز.
الإيحاء بأنّ الوضع الإقتصادي سيّء ، بل وكارثي أيضاً .
الإيحاءُ بأنّ الرواتب لن تُدفَع في الشهر القادم ، أو أنّها(في أفضل الأحوال) ، سيتمُّ تخفيضها.
الإيحاء بالقدرة التامّة على "إصلاح" الإقتصاد ، بل و "تغييره" خلال مُدّة قصيرة جدّاً.
الإيحاءُ بالقوّة.
الإيحاء بالضعف ، وقلّة الحيلة.
الإيحاء بالقدرة على ضبط زمام الأمور ، وبأنّ كلّ شيءٍ على مايُرام .. والإيحاءُ أيضاً بأنّ كُلّ شيءٍ ليس على مايرام ، في الوقت ذاته.
الإيحاء بأنّنا قادرونَ على بناء "دولةٍ" في بضعة أشهر ، بينما لم يتمكّن "الآخرون" من بناءها ، بل وأضعفوها ، طيلة سبعة عشر عاماً.
ونتيجة كُلّ هذا الكمّ الهائل من "الإيحاءات" المتضاربة ، هي المزيد من القلق والتوجّس ممّا سيحملهُ المستقبل القريب للناس .. وبالتالي حدوث إنكماش كبير في النشاط الإقتصادي ، يقترب تدريجيّاً من الركود ، وأرتفاع ملموس وتدريجي في سعر صرف الدولار مقابل الدينار ، وأنخفاض الإنفاق والطلب ، وخوف أصحاب المشاريع الصغيرة(التي تقوم حاليّاً بالأنشطة الرئيسة للقطاع الخاص) ممّا سيحملهُ المستقبل القريب من مفاجئات غير سارّة لهم ، وإستعداد بعضهم للتوقّف عن العمل في بيئة تفتقر للحدّ الأدنى من ضمان عائد رأس المال ، وأحتمال تسريح عشرات الآلآف من العاملين الذين ليس لديهم أيّ فرصة للعمل والتوظيف خارج هذه "المشروعات" ، التي لم تعُدْ لدينا "مشاريع" سواها.
الإقتصاد يعيشُ ويتنفّسُ على إيقاع التوقّعات ، ويموتُ بـ "السكتة" اذا تمّ تجاهل ردود فعل الناس على "تصرّفات" الحكومة ، وإذا لم تُضبَطْ هذه التصرفّات ، و "تُسوّقْ" الى الناس بدقة.
تحتاجُ الحكومة إلى شيءٍ من الهدوء ، وإلى قدرٍ أكبر من الحكمة ، وإلى أن تكفّ عن بناء المتاريس ، وإعلان الحرب على جميع الجبهات .. من السياسة ، إلى الإقتصاد ، وصولاً بـ"جحافلها" إلى مجتمعات و"تنظيمات" ماقبل الدولة .. فهذه "الأهداف" هي أكبر من قدراتها بكثير ، وأكبر من المُدّة المتاحة لها للعمل ، وبالتالي فهي قد تتسبّبْ في " كَسْرِ ظهرها" في أيّ لحظة.
إعملوا بهدوء على "مصارحة" الناس بحقيقة أوضاعهم الإقتصاديّة ، ليس من خلال التهديد والوعيد ، و ليس بـ "صفعهم" على وجوههم بإجراءات صادمة ، وبسياسات وخطط واستراتيجيّات "كرنفاليّة" و "إعلاميّة" و مُستعجَلة .. بل من خلال تعزيز ثقة الناس بكم ، من خلال التأكيد على صيانة مصادر الرزق ، وأستدامتها .. وإلاّ فأنّ العواقب الإجتماعية والإقتصاديّة والأمنيّة( والتوظيف السياسي لها من قبل "المُعارضين" للحكومة الحاليّة ، ستكونُ وخيمة ، ووخيمةٌ جدّاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن