تداعيات على مسرح الايّام - المحطّة السادسة

شعوب محمود علي
m.shaoub@yahoo.com

2020 / 10 / 10

وقبل انطلاقه باتّجاه ام الربيعين كنّا انا وعبد الواحد قاسم في المحطّة
وبقصد توديع أنصار السلام كان عبد الواحد قد قطع تذكرة للذهاب
الى الموصل وانا بقيت معه الى ان غادر القطار باتّجاه ام الربيعين
وقبل الصيحة الأخيرة قال لي الا ترغب للذهاب معي اعتذرت
وقلت لا أستطيع واخيراً دارت العجلات على السكة الحديديّة
وانا انظر والقطار يتصاغر الى ان أصبح نقطة في البعيد
ثمّ تلاشى وسمعنا الأخبار عن حركت الشوّاف وكيف جاءت
لنا برصاص دمدم السام والقاتل يوم أرسلت حكومة الفرعون
تلك الشحن القاتلة وكأنّها أرسلتها لجبهة اليهود الصهاينة وبالاتفاق
مع المواطن الأوّل وهكذا كشف عن معدن مهرّج الامّة العربيّة
طمعاً بنفطنا وتمرنا وقمحنا هذه هي الدعوة لوضع العرب في
البودقة وتلك سياسة المهرّج الاوّل والبطل القومي امّا الزعيم
ذلك الزاهد الأمين على مصالح الشعب هو بيده سلّم لا عدائه مقاليد كلّ شيء من حيث يدري ولا يدري وعندما حوكمنا على قضيّة
اضراب عمّال شركة الدخّان الاهليّة من قبل المجرم شاكر مدحت
السعود كان لا يزيد عن قرقوز من قرقوزات المقاهي
القديمة وعند محاكمتنا كان يتحدّث بلغة السفهاء وحين يحشرنا بقفص الاتهام كان يردّد أنتم أنصار السلام تضعون تحت قمصانكم المسدّسات والسكاكين لتغرزوها في صدور المواطنين وقد دفعنا الثمن
غالياً من قبل حاكم المفروض به ان يحاكمنا عن الاضراب فيترك
قضايا الاضراب ويتحدّث عن المسدسات والسكاكين والخناجر
وبعد اصدار الحكم وبعد ليالي نقلونا من بغداد الى سجن البصرة
ونحمن قرابة عشرين سجيناً وللأمانة لا أتذكّر كم كان عددنا بالضبط
أتذكر منهم غانم حسن وعقلة شمخي وصباح عودة ومهدي جبّار وجمعة امجيسر وفالح ..وعبّاس عبد الحسن وفاضل خزعل وكاظم صالح وعلي عبّود وقاسم سنع من اهل الكريمات وعبد الواحد قاسم وشعّوب محمود ولوتي ناصر اودعونا
في سجن غريب عجيب يطلقون عليه اسم اكعيبر وكان المعتقلون
من أهل عرب المحمّرة بقينا حوالي أسبوعين في ذلك السجن والمعتقلون في كل ّيوم يذهبون منم العشرات مخفورين حيث
يطلق سراحهم على الحدود العراقيّة القريبة من المحمّرة
المتاخمة للحدود العراقيّة وهؤلاء يأتون بالسر من الحكومة
الايرانيّة والحكومة العراقيّة لغرض العبور من اجل العمل
للكويت منهم من تكتب له سلامة العبور ومنهم من يقبض
عليه فيودع في السجن ومن ثمّ يسوّق الى الحدود وكان فقرهم
شديد يجلبون الى السجن ومن ثمّ يتم وصولهم الى الحدود
وهم لا يملكون شيأً سوى علب الصفيح التي تحتوي على
معجون الطماطم يأكلون طعامهم بها ويذهبون الى التواليت
بنفس الصفيحة ويسبحون بها ويتوضّؤون الى الصلاة بها
أيضاً وفي كل ّيوم يأتون بفوج جديد ويذهبون بفوج الى حدود بلادهم
وفي الليلة الأولى لوجودنا رأيت موقوفاً معنا
من شباب فلسطين ليس لديه فراش وكان الوقت صيفاً
فقدّمت له فراشي وذلك في الليلة الأولى من وجودنا في السجن
وقلت له نم هذه الليلة بفراشي ولكنّه امتنع
بشكل غريب وكان قبلنا يرقد في هذا السجن ولكنّي نمت بفراش أحد
أصدقائي وفرضت عليه فراشي تلك الليلة وكان الفراش
جديداً ومرتّباً ببياضه الناصع وكنت قد جلبته لليالي سجني
وفي ال صباح اُقسم
بالله العلي العظيم رأيت القمل يمشي بخطّ مستقيم وربّما يزيد
على العشرين قملة لذلك فهمت لماذا كان الشاب محمد الفلسطيني
يمتنع عن النوم في فراشي
قضينا تلك الليالي المرّة ولمدّة أسبوعين وكان في سجن البصرة
قواطع عديدة وفي قاطع من تلك القواطع كانت توجد
مجموعة من السجناء السياسيين وكانت لهم رغبة في
أن يستقدموننا الى جانبهم ونحن نود الانضمام إليهم
والرغبة مشتركة وكان مدير سجن البصرة في ذلك
الوقت مرتشي وخلال الاسبوعين تمّ الاتّفاق على
على نقلنا الى جانب اصدقاءنا وعندما نقلنا فوجئنا
بالمكان كان صغيراً جدّا هم أكثر من ثلاثين ونحن معهم
عبرنا ضفة الأربعين عدداً وفي تلك الايّام صادفت مناسبات وكان الزعيم عبد الكريم قاسم يخطب وفي السجن توزّعت مكبّرات الصوت ومن بيننا كان جمعة الشبلي ينصت بشغف ليلتقط
ما يتحدّث به الزعيم رحمه الله لا اتذكّر من قال له انت قبل
كم يوم جئت الى السجن وتريد مرحمة فضحك بعض الاخوة
وكنّا في ساحة صغيرة جدّا لا مجال بها للمشي والترويح
عن النفس ومرّة كنت في الساحة الصغيرة وإذا برجل مهيب
يمسك بيدي ويضع يده الأخرى على كتفي وكان مثقّفاً يجيد
التأثير على المقابل أشقر الشعر يكاد في حديثه يفجر كلّ ينابيع
الحكمة كان جميل المحيّا ويقطر شرفاً ونبلاً كاد يتملّكني وهو
جاد في حديثه وكان يحمل هموم شعبنا بلا اشارة و ولاغموض
متناهي الدقة وقال لي النزر اليسير من فيكم مكتسباً درجة الوعي
المطلوب لأحاسيس ورفاهة المناضل الجسور كل أصدقائكم
بسطاء وسذّج وخام جرفتهم أمواج الحركة الوطنيّ من على الشواطئ
ونحن نخشى عليهم ممن ينخرون في جدار القلعة وحديثه كان
عبارة عن رجم لا رحمة فيه وفي كلّ مقطع من اقواله
يقول لي ها رفيق غانم اتفهم مصد ر الخطر قلت له لا قال هو يعيش
بينكم فاحذروا مصدره وتوقّوا شرّه وليكن تحت النظر وفي هذه اللحظة شعرت حدّ الاختناق وقلت له انت توهّمت وبدل ان
تبوح لغانم أبحت للشخص الخطير وقد مضت السهام عن
منزعها فان اردت الحديث مع غانم فذاك غانم الجالس هناك
وفي السر أقسمت على نفسي ان لا ابوح بما صدر من رشق
صديق عمري ولن اجعل للفعل ردوداً وبقية علاقتنا مديدة
رغم كل المرارات التي......... شربتها كسلافة زقّوم
لقطع مسار الحياة رغم سجننا ونقلنا الى سجن البصرة
كانت تلك المسرحيّة في مركز الدوريين لا تغيب عن ذهني
ولي عودة لختم تلك الليالي ليالي الحزن والحسرات
انت تشتم
وتلعن
وتقهر
وتسفّه
ويداس كلّما تعتزّ به
ولا تستطيع الرد

للسرد عود



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن