اذا عطس العالم أصاب الزكام العراق

عادل عبد الزهرة شبيب
adelshibeeb@ymail.com

2020 / 10 / 8

الملاحظ ان أي ازمة نفطية في العالم كما يحدث اليوم من انخفاض اسعار النفط الخام في السوق العالمية نتيجة جائحة كورونا وتداعياتها التي انعكست سلبا على الاقتصاد العراقي وزيادة معاناته من ازمة مالية واقتصادية حادة حتى انه قد لا يتمكن من دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الأشهر القادمة ( عدا رواتب الرئاسات الثلاث المؤمنة قبل كل شيء ), ويرجع ذلك الى فشل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم في تطوير الاقتصاد العراقي وتنويع مصادر دخله وعملت على ابقاءه اقتصادا ريعيا وحيد الجانب يعتمد كليا على تصدير النفط الخام حتى دوت التفكير بتصنيع النفط الخام وتحويله الى منتجات نفطية لسد الحاجة المحلية وتصدير الفائض واتي تباع بأسعار اعلى من برميل النفط مفضلا استيراد المنتجات النفطية والغاز من ايران بمبالغ طائلة . كما بقي اقتصادنا اقتصادا استهلاكيا استيراديا يستورد كل شيء . وذلك بسبب سوء الادارة والتخطيط وغياب الرؤية الاستراتيجية , اضافة الى ان تحقيق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي في العراق ليس من اولويات القوى المتنفذة الحاكمة والتي همها الأول مصلحتها الشخصية والحزبية الضيقة وليس مصلحة الشعب والوطن .كما ان الفساد المتفشي في العراق بشكل كبير في مؤسسات الدولة المختلفة المدنية والعسكرية يقضم جزءا كبيرا من موازنة الدولة .
لم تنعكس الايرادات المالية الكبيرة التي حصل عليها العراق من بيع نفطه الخام في السنوات السابقة على اقامة المشاريع وتطوير الخدمات وتحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية للبلاد ولم ينتفع منها فقراء العراق وتعمير المدن وانما ذهبت الى جيوب الفاسدين. وعلى الرغم من ان العراق يمتلك ثروة نفطية كبيرة الا انه يعتبر من الدول الفقيرة والمتخلفة اقتصاديا بسبب سوء الادارة والفساد المستشري , كما ان اسعار النفط الخام متذبذبة وهو عرضة للنفاذ وقد تظهر دولا منتجة جديدة في سوق النفط العالمية تسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط وبالتالي تؤدي الى انخفاض الأسعار . لذلك ينبغي عدم الاعتماد على الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب كما هو حال العراق الذي يعتمد في موازنته على نحو 95 % على واردات النفط وهو يعاني اليوم من ازمة مالية حادة بسبب انخفاض اسعار النفط الخام ما ادى الى انهيار اقتصاده وتعرضه للإفلاس نتيجة اعتماده على النفط الخام كمورد اساسي لموازنته السنوية , وعلى الرغم من كون العراق دولة نفطية كبرى الا انه يقوم باستيراد الغاز والطاقة الكهربائية والمنتجات النفطية من ايران وبلدان اخرى بمبالغ طائلة فماذا يعني ذلك ؟!!!
والسؤال هنا ماذا يمنع العراق وهو الدولة النفطية الكبيرة من الوصول الى قائمة الدول الغنية ؟! ثم الدول المتطورة والمتقدمة ؟ فالمعروف ان من يمتلك ثروة ما يكون بإمكانه ان يستثمرها في مشاريع اقتصادية مدرة للربح , فما هي المشاريع الاقتصادية التي اقامها العراق منذ 2003 والى اليوم ؟ فالثروة اذا ما استثمرت فإنها تنتج حتما ثروة اخرى فتتراكم ثروات البلاد عاما بعد عام وينعم الشعب بالوفرة المالية والرفاهية . ويعكس ما يحدث في العراق اليوم وما يعانيه من ازمة مالية واقتصادية وارتفاع نسب البطالة والفقر وانتشار مظاهر التسول والفقر والسكن العشوائي والفساد المالي والاداري وتسرب الأطفال من المدرسة ومن التخلف الاقتصادي رغم ثروته النفطية الكبيرة التي لم تنفع شعبه وانما نفعت القلة الحاكمة .
العراق ايضا يمتلك موارد غير نفطية كثيرة مثل موارد المنافذ الحدودية الكبيرة التي تسيطر عليها مافيات الفساد وموارد الموانيء والمطارات والرسوم والضرائب والسياحة بأنواعها المختلفة والزراعة والصناعة والنقل واجور الخدمات العامة وغيرها الكثير يمكن العمل على تنميتها واستثمارها ومن ثم الحصول على الثروة والرفاهية المطلوبين بعد السيطرة على هذه الموارد ومكافحة الفساد فيها . فالنفط اليوم يعد عصب الاقتصاد العراقي الذي يشكل نحو 95 % من ايرادات الموازنة العامة , وتسهم الصادرات النفطية في 98 % من تدفقات العملة الأجنبية , وهو ثاني اكبر منتج للنفط في ( اوبك ) بعد السعودية بإنتاج حوالي أربعة ملايين برميل يوميا . وقد تعرض العراق للخسارة بنحو 100 مليون دولار من الناتج المحلي الاجمالي جراء تداعيات فيروس كورونا الفتاك خاصة وان الصين المتضرر الأكبر في بداية انتشار الفيروس تمثل سوقا حيوية للنفط العراقي مما انعكس على تفاقم العجز المالي للعراق وتلاحق الأزمات والمتمثلة بوقف النمو الاقتصادي وزيادة الديون الداخلية والخارجية وتضاؤل الاحتياطيات وتعليق المشاريع التنموية , وبذلك اتضحت صورة الاقتصاد العراقي بسبب الطبقة السياسية الحاكمة حيث ليس لدى العراق اقتصاد وانما هو دولة ريعية غير منتجة تبيع النفط الخام وتعيش على عائداته . فلماذا تعتمد بعض الدول النفطية على النفط فقط في وارداتها السنوية وهي تملك موارد اخرى من غير النفطية مثل العراق ؟ فماذا يعني ذلك غير سوء الادارة والتخطيط وغياب الرؤى للاستراتيجية . ولماذا لا تقوم هذه الدول باستثمار اموال النفط في تنمية مواردها الاخرى مثل الزراعة والصناعة والنقل والسياحة والتعدين والاتصالات والخدمات العامة كالكهرباء والماء ؟!!! , ان السبب في ذلك يعود حتما الى السياسة المتبعة في البلد المبنية على نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية وتهميش العناصر الوطنية الكفؤة والمخلصة , اضافة الى ان السياسة العراقية تعتمد على تخصيص اكثر من 90% من واردات النفط للنفقات التشغيلية , في الوقت الذي تقل فيه الخدمات المقدمة للمواطنين خاصة الكهرباء والماء وغيرها والتي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مواصفات ومعايير الجودة ففي العراق اليوم يعتمد الأهالي على شراء الماء النقي المعبأ بالعبوات ولا يعتمد احد على مياه الاسالة الملوث والغير صالح للاستخدام البشري . كما تشير التقارير الى انفاق نحو 65 مليار دولار على قطاع الكهرباء لا في العراق وما زالت الكهرباء تراوح في مكانها ولم تتحسن رغم المليارات وما يزال الاهالي يعتمدون على المولدات الأهلية التي يتحكم اصحابها بالمواطنين ويرفعون الأسعار دون رقابة حكومية , مما يعني سوء الادارة والفساد الكبير المتفشي الذي تميزت به حكومات العراق . وفي الوقت الذي تقل فيه واردات النفط الخام العراقي وتجد الحكومة صعوبة في تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين , نجد ان نفقات الرئاسات الثلاث في ازدياد مستمر وتعيش في حالة البذخ . اضافة الى ذلك ساهمت سياسة الحكومات المتعاقبة منذ 2003 المعتمدة على الاستيراد المفتوح واغراق السوق العراقية بمنتجات دول الجوار والدول الاخرى بما فيها الرديئة في تهميش الصناعة والزراعة وقتلها في العراق .
وكما يرى الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه فإنه ينبغي على العراق توفير شروط اعادة تدوير عجلة الاقتصاد وفي مقدمتها اعادة استتباب الأمن وتأمين حماية الارواح والممتلكات وحسن سير القضاء وتبني استراتيجية تنمية مستدامة واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل وتأكيده على وضع سياسة اقتصادية فعالة والقيام بالإصلاحات الضرورية وتحقيق الاستقرار في قيمة النقد ومكافحة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي من جهة اخرى . مؤكدا على ضرورة توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية بالرجة الأساسية وتأمين الرقابة والاشراف عليها من قبل المؤسسات التمثيلية للشعب الى جانب مكافحة البطالة والفقر وتنمية الموارد البشرية وتأكيد دور الطبقة العاملة وسائر الشغيلة ومنظماتهم النقابية في حياة المجتمع , وتأكيده على اعمار الريف وتطوير قواه المنتجة والنهوض الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني وتحقيق الامن الغذائي . مع الاهتمام بقطاع الدولة باعتباره قاعدة رئيسة للاقتصاد الوطني والوقوف بوجه الدعوة الى اعتبار الخصخصة حسب وصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية قادرة عل حل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية في مطلق الأحوال والتأكيد على تشجيع القطاع الخاص ومبادراته اضافة الى توسيع وتحديث النظام المصرفي بشقيه الحكومي والخاص ليساهم بشكل فاعل في النهوض بالاقتصاد الوطني مع مكافحة عمليات غسيل الاموال , اضافة الى توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز واستكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي والارتقاء بالخدمات الاجتماعية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن