صراع دول لا حضارات

حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

2020 / 10 / 8

تجري العودة كثيراً إلى قصيدة الشاعر قسطنطين كافافي الذي عاش في الإسكندرية في زمن غابر وفيها يقول: "لأن الليل قد أقبل ولم يحضر البرابرة، ووصل البعض من الحدود، وقالوا إنه ما عاد للبرابرة وجود، ماذا سنفعل الآن بلا برابرة؟ لقد كان هؤلاء الناس حلاً من الحلول" .
وغاية العودة إلى هاته القصيدة التدليل على أن "البرابرة" هم الآخرون، الأقل مرتبة وتحضراً، وهم بهذا المعنى أيضاً العدو الفعلي الماثل أو العدو الكامن المحتمل، الذي يجب إقصاؤه من دون التخلي عن وجوده بوصفه غريماً يهيئ الأسباب والذرائع الضرورية كلما كان ذلك ضرورياً . وهذا الشرح يفضي إلى فكرة الذريعة الخارجية التي تحت عباءتها يمكن تصريف المشاكل وترحيلها .
تنويعاً على هذه الفكرة أصدر الفرنسي من أصل بلغاري تزفيتان تودوروف كتاباً أسماه: "الخوف من البرابرة - ما وراء صدام الحضارات" يقول فيه: إن الخوف من البرابرة جعلنا نحن، ويقصد بذلك الغربيين، برابرة . "لأننا بدافع الخوف نرتكب أعمالاً لا تقل فظاعة" . وهو يرى أن مفهوم صدام الحضارات قابل للدحض والنقد من الناحية العملية، لأن الحضارات لا تتطابق مع هذه الكيانات التي يفترضها البعض منغلقة .
عندما كان الاتحاد السوفييتي ومحيطه الحليف في أوروبا الشرقية موجودين، كانت المهمة في الدوائر الغربية أسهل، فعلى شماعة الخطر الشيوعي شُنَّ كثير من المغامرات والحروب، ودبرت الانقلابات العسكرية التي أطاحت حكومات شرعية منتخبة من الشعوب ومعبرة عن مصالحها، لكن بنهاية الحرب الباردة توارت هذه الذريعة أو سقطت .
ثمة ذريعة جديدة عن برابرة جدد تحت عنوان الصراعات الحضارية والقومية والثقافية على النحو الذي صاغه صموئيل هانتنغتون في أطروحته عن صراع الحضارات التي حدد فيها بعض الحضارات بمكانة أولى بوصفها خطراً محتملاً قادماً على الحضارة الغربية، لأن الغرب لا يمكن أن يعيش أو يتنفس من دون عدو خارجي، من دون خطر حتى لو كان مفتعلاً .
منذ اليونان القديمة، كرست الحضارة الغربية مبدأ الثنائية الحضارية، حضارة أولى هي الأنموذج والمثال في النهضة والرقي، وأخرى "للبرابرة" الذين "يبربرون" بلغات أخرى .
الصراعات برأي تودوروف لا تحدث بين الحضارات وإنما بين الدول، ولذا عبثاً يجري إقناعنا بأن هذه الصراعات ذات طبيعة دينية . إنها صراعات سياسية . وبالتالي فالمشكلة ليست مع الإسلام، إنها مع دول ومع جماعات، لا مع حضارات بكاملها، كالحضارة الإسلامية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن