شهران على تفجير مرفأ بيروت من يحاسب من؟

عديد نصار
adeednassar.12@hotmail.com

2020 / 10 / 7

بعد مرور شهيرن على الإنفجار الكارثي غير المسبوق الذي حدث في مرفأ بيروت والذي خلف دمارا شاملا في المرفأ ودمارا متفاوتا في مباني وشوارع ما يزيد عن ثلث العاصمة اللبنانية، وبينما ودع اللبنانيون ضحية جديدة من ضحايا الانفجار، ها هو رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون يرفض التوقيع على مرسوم الحكومة تنحية ثلاثة من المدراء العامين ووضعهم بتصرف رئيس الحكومة بينهم بدري ضاهر مدير عام الجمارك.
وكان عون قد رفض سابقا توقيع مرسوم إعفاء بدري ضاهر من منصبه بتعلّة أن المرسوم لا يشتمل على أسماء باقي المدراء العامين الذين يخضعون للمحاكمة والذين قرر مجلس الوزراء في جلسة 5/8/2020، اي بعد يوم من حدوث الانفجار، وضعهم في الإقامة الجبرية.
يبدو أنه كلما مضى الوقت بنا كلما وجد المسؤولون اللبنانيون أنفسهم غير مضطرين لكشف حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت. في البداية كان الوعد الشهير بكشف حقيقة ما جرى خلال خمسة أيام. وها نحن اليوم وقد مضى أكثر من شهرين ولا يعرف اللبنانيون من هم المسؤولون عن هذا التفجير الذي راح ضحيته أكثر من مئتي قتيل وآلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين الذين فقدوا بيوتهم وأشغالهم.
يبدو أن المسؤولين في لبنان، وبعد إفشالهم المبادرة الفرنسية، وبعد إدخالهم البلاد في ألف أزمة وأزمة جعلت من المواطنين فرائس للهمّ والعوز وفقدان الخدمات الأساسية وعرضة للمرض والوباء المتربص، يرون أن اللبنانيين منشغلون بالمصائب التي جلبوها لهم ويجلبونها كل يوم، وربما لا يكونون في وضع يتيح لهم المساءلة والمحاسبة، وبالتالي لا يرون أنفسهم مضطرين لإجراء واستكمال تحقيقات قد تودي بهم أنفسهم الى السجون.
وبمناسبة مرور شهرين على تفجير المرفأ عقد أهالي ضحايا المرفأ مؤتمرا صحفيا طالبوا فيه بالاسراع بالكشف عن هذه الجريمة وتقدموا بجملة مطالب منها:
"-انعقاد جلسة طارئة لمجلس النواب لرفع الحصانة عن كل الوزراء والسياسيين المعنيين بالملف تسهيلا لمجرى التحقيق
-التحقيق مع كل الوزراء المعنيين المكلفين من تاريخ 2014 حتى تاريخه وكل من له صلة بالعنبر رقم 12 من تاريخ وضع الحمولة فيه لغاية يومنا هذا
-اظهار كافة التقارير التي أجرتها الفرق الدولية والأجنبية في ما خص حادثة انفجار المرفأ
-رفع السرية عن التحقيق واطلاع اهالي الضحايا مقدمي الدعاوى على كل المستجدات التي لم تُعرض على الرأي العام
-توسيع التحقيق ليصبح تحقيقا دوليا
-توضيح اسباب اختفاء التقارير الصادرة سابقا المتعلقة بالمواد الخطرة الموجودة في العنبر رقم 12 واسكات كل من حاول فتح الملف من تنحي او اقالة او موت
-لماذا لم يبلغ فوج اطفاء بيروت بمحتوى العنبر وخطورة المواد المشتعلة والادعاء انها مفرقعات فقط مع العلم ان الجهات المعنية كانت على دراية بوجود نيترات الأمونيوم
-الكشف عن سبب مغادرة معظم المسؤولين من المرفأ بعد وقت قليل من اندلاع الحريق ولماذا لم يصدر المعنيون أمرا بإجلاء كافة العمال والمدنيين من المنطقة وإخلاء المرفأ ومحيطه ومن بينهم فرقة فوج الإطفاء
-ما حقيقة دخول عناصر حزبية في اليومين الأولين الى حرم المرفأ وما سبب دخولهم
-لماذا لم يتم الكشف على العنبر من قبل الجهات المختصة قبل وقوع الانفجار بالرغم من تحديد تواريخ للقيام بذلك
-ما حقيقة النفق الذي اكتشفه فريق البحث الفرنسي بالقرب من مرفأ بيروت."
لن يحاسب المجرمون أنفسهم وسيظلون يغرقون الناس في مزيد من الكوارث ظنّا منهم أنهم بذلك سوف يتجنبون محاسبة الناس لهم.
التلويح برفع الدعم عن المحروقات والدواء وبعض المواد التموينية، الانخفاض المتواصل للقيمة الشرائية للعملة المحلية واستمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق الفعلية، التوترات والإشكالات الأمنية المتنقلة التي يذهب ضحيتها الأبرياء... الاستدعاءات اليومية للناشطين المدنيين من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية.. وصولا الى اتفاق الإطار على ترسيم الحدود مع "اسرائيل" الكيان المحتل.
الجميع كان يعلم بوجود آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم عالية التركيز في العنبر رقم 12، بدءا من رئيس الجمهورية الى الوزراء والقادة العسكريين والأمنيين والجمارك. وحين اندلع الحريق، لم يجرؤ اي منهم على اتخاذ القرار بإجلاء الناس من المرفأ ومحيطه.
أكثر من أربعين دقيقة فصلت بين توقيت اندلاع الحريق وبين الانفجار الكبير، أربعون دقيقة كانت كافية لإجلاء مئات الآلاف من المرفأ ومحيطه لتتجنب البلاد هذا السيل من الدماء.
أوليس ذلك بحد ذاته جريمة ترقى الى مستوى الخيانة العظمى؟

هناك من جلب 2750 طنا من نترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت. وهناك من أوعز بتخزينها في العنبر رقم 12. في وقت كان النظام السوري عاجزا عن حماية نفسه من المعارضة المسلحة التي سيطرت في حينها على غالبية الجغرافيا السورية وحاصرت مطار دمشق.
هناك من هرب أكثر من الفي طن من نترات الأمونيوم وهناك من رمى آلاف البراميل المتفجرة على المدن والقرى السورية.
هناك من كان بالمرصاد لكل من يحاول أن يصرح في العلن عن وجود هذه المواد الخطرة. هناك من اغتال العميد جوزيف سكاف بعد أن أرسل كتابه الذي يتضمن ضرورة التخلص من نترات الأمنيوم لأنها تشكل خطرا محدقا قد يدمر المرفأ على من فيه. هناك من أوعز لرئيس الحكومة المستقيل حسان ذياب أن يلغي زيارته التفقدية المقررة الى العنبر رقم 12.
لكن التحقيقات لا تذهب بهذا الاتجاه، وصغار المسؤولين الإداريين الذين كان يُتوقع لهم أن يكونوا كبش فداء لكبار المجرمين، يبدو أنهم أيضا لن ينالوا نصيبهم من المحاسبة نظرا لارتياح أسيادهم لمسار الأمور.
لن يحاسب المجرمون أنفسهم. سوف يحاسبهم الناس ولو بعد حين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن