الدكتور علي الوردي .. والماركسية / 5 الاشتراكية والشيوعية

هرمز كوهاري
hh.gohari@yahoo.com

2020 / 10 / 2

ملاحظة :
هنا نقرأ للدكتور الوردي مناقشته الماركسية من خلال استعراضه الاشتراكية كتطبيق أولي لمبدأ الماركسية وتوقعات الماركسيين في الفترة الشيوعية وفقا لما قرأه من مصادر او سمعه من قادة الماركسيين العراقيين وغيرهم وما لامسه من زيارته لبعض الدول الاشتراكية ، ويبدو ان دراسته هذه كانت قبل انهيار الاتحاد السوفيتي .

ولاحظت من خلال هذه المناقشات ان الوردي لم يتطرق الى جوهر النظرية الماركسية المتعلقة بالكلفة والسعر والقيمة المُضافة التي هي سبب ثراء مالكي العمل والتي تذهب الى جيوب اصحاب العمل ويعتبره ماركس والماركسيون انها من حقوق العمال ،ولينين له مقولة ( من لا يعمل لا يأكل ) الامر الذي يبدو ان الدكتور الوردي لم يحاول قراءة. اوحتى تصفح كتاب( رأس المال ) الذي يعتبر إنجيل الماركسية .

هذا و يبقى لي ان ابين للقراء المحترمين ، باني انقل ما كتبه د الوردي بامانة وحيادية كما سبق وقلت هذا سابقا ، وقلت ايضا ان هذا لا يعني بالضرورة اني اتفق معه في كل كلمة وحرف كتبه ،بل اتفق معه في أكثرها واختلف في القليل منها ،
وأرجو ان يسع لي المجال للتعليق على كل ما ورد في هذه المناقشة المفيدة والممتعة لاحقا ..وشكرا للقراء والمتابعين والشكر موصول للأساتذة المعلقون .
ثم ننتقل معكم الى الوردي في مناقشته للماركسية من خلال :

االاشتراكية والشيوعية

يبدأ الوردي مناقشته بقوله :
" يقول الماركسيون ان مرحلة الاشتراكية التي ستعقب مرحلة الرأسمالية لن تدوم الى الأبد ، بل لابد ان تعقبها عاجلا ام اجلا مرحلة اكثر تقدمية منها هي مرحلة الشيوعية .

ويقول :" أوضح لينين في كتابه " الدولة والثورة " الفروق بين الاشتراكية والشيوعية وكيف تتحول الاولى الى الثانية ، ففي رأيه ، اي لينين ، ان الاشتراكية تمثل مرحلة الانتقال من الرأسمالية الى الشيوعية ، ففيها تتحول وسائل الانتاج من الملكية الخاصة الى الملكية العامة حيث تصبح الدولة هي المالكة بالنيابة عن العمال ، وبذلك يزول الاستغلال الطبقي الذي كان سائدا في النظام الراسمالي ، هذا ولكن المساواة التامة لا يمكن تحقيقها في مرحلة الاشتراكية لأن التفاوت يبقى بين الأفراد حيث تعطى الاجور حسب كفاءة الفرد في عمله ومقدرته في الانتاج ،فكلما كان الفرد اكثر كفاءة وانتاجا ازداد بذلك اجره ."
"ان المساوات التامة ، والقول ل- لينين ، لا تتوفر الا في مرحلة الشيوعية ، حيث تعطى الاجور فيها حسب الكفاءة ، وليس حسب الكفاءة والمقدرة ، وذلك طبقا للمبدأ الشيوعي المعروف :
من " كل حسب مقدرته ولكل حسب حاجته " وبذا يزول الطمع والتكالب بين الناس ، وتسود الطمأنينة بينهم ، فكل فرد منهم سيكون واثقا انه سينال من المجتمع كل ما يحتاج اليه من مسكّن ومطعم وملبس و..، وهو اذا لم يكن بحاجة الى اختزان الأموال او التكالب على السلع كما هو الحال في النظام الاشتراكي ."

"ثم ، ان الدولة ستزول كذلك في مرحلة الشيوعية ، فالدولة حسب النظرية الماركسية هي اداة القمع الطبقي ، فهي كانت في النظام الراسمالي اداة في ايدي البرجوازيين . ان الطبقة البرجوازية يجب ان تسحق وتفنى ! وتلك هي مهمة الدولة
في مرحلة الاشتراكية ، وببناء هذه الطبقة لن يبق في المجتمع صراع طبقي ، ولا تبقى فيه حاجة للقمع وهذا هو ما يحصل في مرحلة الشيوعية ."
" ان الناس في مرحلة الشيوعية سيكونون إخوانا بعضهم لبعض ، وسوف يتعودون على احترام القواعد الاجتماعية من غير حاجة الى ردع او عقوبة. وتختفي الجرائم ، او تتضاءل الى الدرجة القصوى ذلك ان الجرائم هي في الغالب نتيجة للفقر والحرمان والاستغلال الطبقي فاذا اختفت هذه الجرائم التي هي في الغالب نتيجة الفقر والحرمان والاستغلال الطبقي ،فاذا اختفت هذه الأمور اختفت الجرائم معها ."

" ان المجتمع في مرحلة الشيوعية سيكون مؤلفا كله من العمال ، ولن يبق فيه من يستغل جهود الآخرين لنفسه ، وبذا يصبح الانتاج كله للعمال ، وعند هذا سيبذل العامل اقصى طاقاته لزيادة الانتاج فيرتفع بذلك مستوى المعيشة للجميع ويتوفر لدى الناس وقت فراغ كافي للتمتع بالمسرات الثقافية والمادية ، وبذا يتوقف الدياليكتيك عن عمله بين البشر ويتحول الى مرتبة اعلى حيث يكون الصراع بين البشر والطبيعة بعد ما كان بين البشر انفسهم ."

يقول المفكر الماركسي المعروف شارل رابورا حول مرحلة الشيوعية :
" انما الشيوعية بإلغائها السبب الأصلي للنضال والخصومات - اعني ان الملكية الاحتكارية - سوف تبني مجتمعا جديدا مؤسسا على مباديء التعاضد والمبادلة الاقتصادية المعقولة ، سوف تمحو كل تدبر وكل عمل غير منتج ، سوف تهدم الخلافات على المصالح ،وتخفف السلطة الى اقل ما يمكن بتشغيلها لا فائدة طبقة واحدة بل في سبيل فائدة المجتمع كله.. فالشيوعية اذن مرغوبة من كل الوجوه ، واذا هي ممكنة التحقيق لانها متعلقة بمصلحة الكل ، بالذوق السليم وبالرغبة المشتركة في الرفاه لمصلحة الطبقة المنتجة التي تشكل الأكثرية الكبرى في البلاد .. ولكن الشيوعية ليست مرغوبة وممكنة فحسب بل انها ضرورة ، هي في النهاية تاريخية ، هي في النهاية لازمة لكل تحول ،اقتصاديا كان او سياسيا ،فكريا كان او اخلاقيا ."

ويعلق د الوردي على ما سبق ويقول :
تلك هي خلاصة رأي الماركسيين في مرحلة الشيوعية التي تأتي في آخر الزمان وهو رأي - فيما ارى- اقرب الى الخيال الطوبائي منه الى التفكير العلمي ، وقد يصح تشبيه الماركسيين في ذلك العاشق الولهان الذي يتصور انه سينال السعادة المطلقة عندما يتزوج حبيبته ، حتى اذا تزوجها ادرك ان السعادة التي تصورها بعيدة عنه وان حبيبته ليست بالملاك الذي بني عليه الامال .
ثم يضيف الوردي ويقول :
ان من الصعب علينا ان نتصور البشر يتركون طبيعتهم في التنافس والتحاسد والطمع حالما بتم إشباع حاجاتهم المادية او الثقافية، لقد جربنا البشر خلال الاف السنين فلم نرهم قد تغيروا في طبيعتهم تغييرا جذريا على الرغم من تغيير ظروفهم او مراحلهم الاجتماعية .
ثم يضيف الوردي ايضا:
يقول الماركسيون ان الاستغلال الطبقي هو الذي افسد طبيعة الانسان وجعله حسودا طماعا متكالبا على الدنيا ، ولكننا يجب الا ننسى في هذا الصدد ان الاستغلال الطبقي حيث النشأة في تاريخ البشرية ، فهو قد ظهر مع ظهور المدنية اي قبل ستة الاف سنة تقريبا ، ونحن نعلم ان البشر عاشوا قبل ذلك الاف السنوات وهم في مرحلة المشاعية البدائية - على حد تعبير الماركسيين - وهي المرحلة التي تخلو من الطبقات والاستغلال الطبقي ولكنهم كانوا مع ذلك لا يختلفون عن المتدينين الا في المظاهر الشكلية اما في اعماق طبيعتهم فهم متشابهون، وخير دليل على ذلك ما نراه الان في الاقوام البدائية والقبائل البدوية التي ما زالت تعيش في عصرنا، فان الفرد فيها ربما كان اكثر تحسنا وتكالبا من الفرد المتمدن .

ويقول الوردي ايضا : ان الفروق الرئيسيّة التي تمييز الانسان عن الحيوان هو الشعور
ب" الأنا " فيه ، وهو الشعور الذي جعل الانسان حيوانا اجتماعيا فالانسان يسعى دائماً نحو ارتفاع." الأ نا " في نظر مجتمعه ،وتراه لذلك يخدم مجتمعه لكي ينال منه التقدير والإعجاب والسمعة والجاه ، فاذا وفرنا للإنسان جميع حاجاته المادية والثقافية لا يكتفي بذلك انه في دأب متواصل يريد التفوق على أقرانه ، وليس من الهين عليه ان يرى قرينا له يرتفع اكثر منه بينما هو باق في مكانه الاول .

ويواصل الوردي ويقول : ان البشر مختلفون من حيث مواهبهم الطبيعية ، ولابد ان يكون بينهم الناجح والفاشل في مختلف الأمور، وليس في مقدور اي نظام اجتماعي ان يجعل الناس كلهم ناجحين متفوقين على درجة واحدة ، واذا حصل مثل هذا اصبح المجتمع أشبه بمجتمع النحل او النمل من مجتمع البشر .

ان المجتمع البشري في حاجة الى عمال مناجم كمثل ما هو في حاجة الى عباقرة ومخترعين ومدراء بارعين ، وكيف يهون على عامل المنجم ان يرى قرينا له كان يدرس معه في مدرسة واحدة ثم وصل اعلى المراتب بينما هو يكدح في الظلام تحت الارض،

لكن الماركسيون يقولون ان ذلك سيتم في مرحلة الشيوعية حيث يتعود الانسان منذ طفولته على القيام بالعمل الذي يكلف به بغض النظر عن طبيعة ذلك العمل او مشقاته، والى القاريء نبذة مما كتبه شارل رابورا في هذا الصدد فيقول :
". خصومنا يقولون بأننا لسنا رجالا عمليين، يجعلوننا حالمين واهمين ارباب الخيال ويعارضونه بالطبيعة البشرية يقول مناقضونا - علماء كانوا ام جهلاء- انتم تريدون تغيير المجتمع وتأسيس السعادة والمساواة في الحقوق لجميع الناس ناسين يا مساكين الطبيعة البشرية ، الانسان شرير اناني لا يحب الا ذاته ، ومن تقدرون تغييره!؟ ان مثلكم الأعلى جميل ونواياكم حسنة ،لكن جمال العروس كثير على هذا الرجل البشع ! "

يرد رابورا على هذا الاعتراض بقوله :
ان الطبيعة البشرية في تغيير مستمر، كما ان كل شيء في الحياة والطبيعة يتغيير.
وياتي رابورا بموضوع الرّق وموضوع السيارة كمثال على ذلك، فقد كان الفلاسفة القدماء كارسطو وأفلاطون يدافعون عن وجود الرّق بحجة انه نابع من الطبيعة البشرية، وكذلك كان الناس منذ عهد قريب يعتقدون باستحالة تحرك العربات بدون خَيل ، وها نحن اليوم نرى الرّق ملغيا ،ونرى السيارات تملأ الدنيا .

ويرد الوردي ويقول : نلاحظ هنا ان رابورا يعتقد بان الطبيعة. البشرية يمكن تغييرها على نحو ما تغيير نظام الرّق وفي رأي ان هناك فرق بين كبير بين الامرين ، فالرق من صنع الانسان اما الطبيعة البشرية فهي من صنع قوى اخرى ، ولست أظن ان تلك القوة تخضع لمشيئة الانسان .

الشيوعية. وزمان المهدي :

هنا يشبه الوردي الشيوعية بزمان المهدي !
فيقول : يحلو لي في هذه المناسبة أن أقارن بين ما كتبه الماركسيون في وصف مرحلة الشيوعية وما ورد في بعض الكتب الاسلامية عن وصف الحياة الاجتماعية عند ظهور المهدي .
وقد ورد عنها في كتاب " خريدة العجائب " عن النبي انه قال في وصف ايام المهدي
" ... تذهب البغضاء والشحناء والتحاسد ، وتعود الارض في هيئتها وبركاتها على عهد ادم ! حتى تترك القلاص - اي الابل الجيدة -فلا يسعى اليها احد،وترعى الغنم مع الذئب ، وتلعب الصبيان مع الحيات فلا تضرهم ويلقى الله العدل. في الارض في زمانه
حتى لا تقرض فارة جرابا "
ثم ينقل لنا الوردي ما ورد في كتاب بحار الأ نوار عن زمن المهدي ايضا :
" عن علي بن ابي طالب قوله : لو قد قام قائمنا لانزلت السماء قطرها، وأخرجت الارض نباتها ، حتى تمشي المرأة من العراق الى الشام لا تضع قدمها الا على النبات ، وعلى رأسها زنبيلها تمر به خاليا فلا تصل غايتها الا وقد امتلأ من الخضر والثمار ".!
ويستمر الوردي في وصف ايام المهدي وخاصة في كتب الشيعة ويقول :
" وإني لاذكر في ايام طفولتي ( الوردي كان من مواليد 1913 ) يتحدثون عن ظهور المهدي ، فيقولون : ان النقود يبطل استعمالها آنذاك ويحل محلها الصلوات !! فاذا اراد شخص شراء حاجة ساوم عليها بعدد من الصلوات ، وهو يستطيع ان يحصل على الحاجة بعد ان يودي ثمنها بأن يصلي على محمد عددا من المرات حسبما اتفق مع البائع ، والبائع يكتفي بذلك لأنه بدوره يستطيع ان يشتري حاجاته بالصلوات كذلك " .
ليس لنا ان ننتقد المسلمين على عقيدتهم هذه ،فهم يعتقدون بأن ما يجري في ايام المهدي انما يتم بقدرة الله وان الله قادر على كل شيء ، ومعنى ذلك ان الله قادر أن يغيير طبيعة الانسان متى شاء ، اما الماركسيون فهم يختلفون عن المسلمين في هذا الشأن ، اذ هم يعتقدون بأن الله غير موجود وان الانسان ابن القرد، ولست ادري كيف يمكن ان يتحول ابن القرد في مرحلة الشيوعية الى انسان من نوع اخر .

( يتبع )

مناقشة الماركسية حول :
المادية الدايكتيكية
( 6 )



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن