كعبة الشمس البرتقالية...!

احمد جمعة
ahmedjuma44@yahoo.com

2020 / 9 / 28

لو سألتُك ماذا يكمن وراء جدار هذه البناية، ولم يسبق لك أن رأيت ما ورائها...ماذا تتخيَّل؟ صف ما تتخيّلهُ دون أن تكون محرجًا...
عالم الرواية، خيالٌ واسع، وهم، سراب، خرافة تسْبُكها من قعرِ خيالك وترسمها على ورقةٍ بيضاء أو مونتور كمبيوتر، تسْعفكَ الحروف وهي ترقص مثل زمرة مجانين في حلبةِ سيرك...تتقاذفُك الشخصيات والحوادث بكتلٍ من الوقائع ولا يمكنك أن تتلافى شظاياها...هؤلاء الكتاب الذين تقرأ رواياتهم وتأسرك، ليسوا من صنفِ الكتاب السرديين، نسبة لعلب السردين! المتخرجين من كليات الآداب أو من دورات الكتابة!! الرواية بمجرتها الخيالية الشنيعة، تبدأ وتنتهي حدودها الشائكة عند حافة الهاوية من أمثال تشيخوف وهيمنجواي وشتاينبيكوغوغول، ونجيب محفوظ وأرهانباموق وأولئك المتحدين بالسردِ الجنوني المُنحاز للحريةِ وكسر الخطوط الحمراء...الروائي بلا خيال كشجرةٍ بلا أوراق أو مكتبة بلا كتب...لو سألتك عن ماذا وراء النهر، أو ماذا في قاع البحر؟ أو ماذا وسط الغيوم، فماذا ستجيب لو كنت روائيًا؟
***
تخيَّل شارع بمتصفِ الليل وثمة امرأة وحيدة تسير بقميصٍ أصفر رقيق ملتصق بجسدها النحيف...تعبر الرصيف تحت أضواء أعمدة الكهرباء الصفراء، وثمة كلب نائم تحت أوراق شجرة بلوط، أوراق برتقالية بطرفِ الشارع الخالي من المارة والسيارات...أي مغزى من هذا السرد؟
لو كنت روائيًا بلا خيال فستحيق كارثة بهذا الوصف...ولكن لو أصبت بلوثةِ الخيال فسيكون مشروع رواية عن حالة العالم اليوم...لن تتطرق لكورونا لأن الوقت لم يتبدّد بعد ولم تنضج الرواية ولكن خلف الزمان والمكان هناك الخيال سينسج فكرة ما شنيعة
***
شمسٌ برتقالية اللون، مكعبة الشكل، على نقيضِ وضع الشمس المُستديرة المألوفة، سطعت كالمساء من جهة الغرب! كان الوقت صباحًا، واستدعت هذه الظاهرة الغريبة، تجمهر الملايين من البشر على سواحل ومرافئ، وتكدّست السيارات في زحمةٍ مخيفة على الجسور والكباري، وأحتشد الموظفون من نساءٍ ورجال عند أعلى ناطحات السحاب...لرؤية الظاهرة الكونية المروّعة التي صبغت الأفق بلونٍ ناريٍ مريب، استدعى، ارتفاع أصوات الأذان بمكبراتِ الصوت في المساجد، وقرع أجراس الكنائس...اِشتدَّ الزحام بكلِّ المخارج، وسُدت الشوارع وأُغلقت المنافذ، تكدّست السيارات والحشود البشرية، تتطلع للأفق الزجاجي المُتكسِّر بلونِ الدم وقد سيطر الذهول والرعب على كثيرٍ من الجموع التي احترقت أعينهم من شدّة حرارة اللون الشمسي وقد تسلّل بعنوةٍ من بين كتلِ الغيوم البنفسجية في فضاءٍ امتلأ بالغموض.
طغى طنينٌ حاد في الأجواء الملبَّدة بدخانٍ بنفسجي، على هيئة نسيج العنكبوت، لفَّ المجال واختلط بضوضاءِ السيارات ومكبرات المآذن وقرع الأجراس، ولاح في الأفق كمرآة زجاجية مهشمة، وأعلاه نتأت الشمس التي كانت قبل لحظات مكعبة وقد تبلورت لمثلثِ الشكل واحتفظت بلونِها البرتقالي ذاتُ...
قاعة بلورية مستديرة، ذات سقف عالٍ، إضاءة برتقالية، كلونِ الشمس تسطع من السقف، طاولة مستديرة كلاسيكية هائلة الحجم، امتلأت برجال دين، متناقضين، مسلمين ومسيحيين، يهود وديانات هندوسية وبوذية متباينة، ملحدين وحليقي الرؤوس...ضوضاء لا تكاد تلتقط عبارة أو كلمة واضحة من السنتهم التي ضجت بلغطٍ أشبه بشريطِ صوت قديم متهتك، أختلط بأصوات حيوانات في غابة.
وقفَتْ بناصيةٍ مرتفعة وراء مكبر صوت أمامي وصرخت فيهم بنبرةٍ عصبية، متوترة وقد عَمَدتْ بقذفِ كأسٍ ممتلئٍ بشرابٍ برتقالي اللون! على واجهة زجاجية مما لفتت الأنظار، وعم الصمت المكان...
"أشعر بالوحدة وكأني وحدي بهذه المجرة العاهرة، لماذا لم تتحرروا بعد من الأنانية أيها البائسون، المتدينون والملحدون والمتزمتون، تحرروا من القيود، فقد بلغنا نقطة اللون البرتقالي، ماذا تنتظرون؟ الانفجار الأعظم؟!!!
انتهى زمن الرواية وبدأ زمن رواية أخرى!
***



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن