هل مصطفى الكاظمي رجل هذه المرحلة في العراق؟

عادل امين
adelamin83@hotmail.com

2020 / 9 / 13

عادل أمين

عند استلام مصطفى الكاظمي مقاليد السلطة التنفيذية، والعراق في وضع لا يحسد عليه، وهو يسير في خطوات متسارعة نحو الهاوية، إن لم يكن قد وقع فيها، أود هنا ان اتوقف لحظة وأستعيد فيها الوضع السياسي بدءاً بالأيام الأولى، لسقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري، وتتبع مسارات القوى السياسية التي أحكمت سيطرتها على الوضع وتطوراتها اللاحقة. من خلال متابعتي لممارسات القوى والكتل السياسية هذه، لم أجد ولم ألمس لدى أغلبها والتي أحكمت سيطرتها على مقاليد الحكم، سواء عن طريق الفبركة للهلع الطائفي، أو بمساعدة "الأصدقاء" الأمريكان (الذين تمت تسميتهم فيما بعد بالمحتلين بعد ما استتب لهم الأمر) لم أعثر لديها على أي مشروع لبناء الدولة، أو إعادة بنائها على أنقاض الدولة التي انهارت بفعل الاحتلال ( أو كما يسمى أحياناً التحرير)، واكتفت بالشعارات العامة التي كانت ترفعها أيام كانت في المعارضة وفي دول المهجر، وكان يكتنف أغلب تلك الشعارات الغموض والضبابية، وتركتها فيما بعد ، وانشغلت بوضع اليد على ما تبقى من أموال الدولة المنهارة، البنوك والمؤسسات الحكومية و المكاسب المادية أينما وجدت، وتهالكت عليها كالذئاب الجائعة التي وجدت فريسة لها، معتبرة إياها أموالاً مشاعة لكل من هب ودب، وليس من ممتلكات المجتمع العراقي، ومهدت لهذا النهب بحماسة دعمها القرار الامريكي بحل الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية، لخلق الفوضى لتمرير أفعالها ، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، ولتعزيز مواقعها وإدامة سيطرتها بدأت بقرع طبول الطائفية والتحشيد لها، بذريعة المظلومية، علماً أن هذه المظلومية تلظى بها كل الشعب العراقي، وليست طائفة واحدة ، ولجأت إلى تقسيم المجتمع العراقي، وخلق الفتنة الطائفية والمذهبية والأثنية وإشعال معاركها، وترجمت أغلب تلك القوى، الدعوة النبيلة لمشاركة المكونات العراقية ومساهمتها في بناء النظام السياسي الجديد وإدارته، إلى نظام المحاصصة المقيتة، ودقت الإسفين بين تلك المكونات، وحاولت تأليب بعضها على البعض، ومحاولاتها البائسة لإعادة تجربة صدام حسين ضد الشعب الكردي، أما في أمور بناء الدولة، فقد أوصلوا العراق بالفساد المالي والإداري لدرجةٍ وضعت البلاد على حافة الإفلاس ، بالسرقات والاختلاس، وتفننوا بهدر المال العام، وعطبوا الأوضاع الزراعية والصناعية لغرضٍ في(...)، وتسارعوا لتقوية قبضتهم على زمام الحكم بتشكيل المجاميع العسكرية لحمايتهم وسلطتهم، ولتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والأمية التي استفحلت وطغيان حالات التخلف والشعوذة والخرافة، وشيوع ظاهرة المخدرات وتجارتها، اندلعت التظاهرات الجماهيرية في اغلب المحافظات والمدن العراقية للمطالبة بالوطن الذي سُلب منهم وحق المواطنة والعيش الكريم، قُتل فيها المئات من المتظاهرين السلميين، وانتشرت حالات الاغتيال واختطاف المدنيين، وانتشار السلاح المنفلت واستدامة الفوضى...الخ من المشاكل التي استنزفت طاقة البلاد والعباد، في ظل هكذا الظروف استلم مصطفى الكاظمي دفة الحكم في العراق، وخزينة الدولة خاوية، والإرث الثقيل للحكومات التي سبقته والتي تئن البلاد من ثقلها.
من نافلة القول التأكيد من أن الكاظمي جاء بتوافق إيراني ـ أمريكي إلى سدة الحكم، ومن خارج المنظومة الحزبية وكتلها السياسية، لكنه غير بعيد عنهم، وغير مدعوم من تلك المنظومة، وفي نفس الوقت يحظى برضى بعضها، إلا أن الظروف السياسية في البلاد وفشل الطبقة المتنفذة والطارئة على الوضع السياسي في إدارة الحكم، وانشغالها بالمصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والصراعات على المكاسب والمنافع، والخشية من توسيع رقعة الانتفاضة الجماهيرية على مصالح الفئات الحاكمة ومن يقف وراءها وبالتالي تغيير المنظومة السياسية الذي يقلب الوضع رأساً على عقب على الطبقة الحاكمة، كل تلك الظروف والأوضاع التي أشعلت العراق هي التي افرزت الكاظمي وحملته إلى رئاسة الوزراء، والكتل السياسية المتنفذة على درايةٍ بذلك.
هل سيكون الكاظمي رجل المرحلة؟ وهل سيدخل تأريخ العراق كونه الرجل الذي أوقف انهياره بعد سقوط صدام حسين؟ بغض النظر عن كل ما كُتب عن خلفية هذا الرجل، ومن المآخذ على ارتباطاته السياسية أو عدمها، وهو محكوم بخطوطٍ حمراء من طرفي المعادلة (الإيرانية ـ الأمريكية) إلا أنه يحاول وبالجهود الشاقة وبهدوء وذكاء ودون التهور أن يجتاز تلك الخطوط الحمراء الموضوعة له من طرفي المعادلة بما يصبُ في مصلحة العراق، فهو يشق الطريق وسط الألغام المزروعة من قبل خصومه نحو تقليم حجم ونفوذ ال (لا الدولة) وإعادة هيبة الدولة العراقية، الهيبة المقصودة بحماية الحريات المنصوص عليها في الدستور، وفرض القانون داخلياً لحماية المجتمع، حيث أمنه واستقراره، وتوازن العلاقات العراقية، اقليمياً ودولياً، ويحاول في نفس الوقت تعزيز القرار السياسي العراقي المستقل بالقدر المسموح له والقادر عليه، وتقليص نفوذ الدول الإقليمية في البلاد، وتنفيذ مطالب المنتفضين وتقديم قتلتهم إلى القضاء، والانتخابات المبكرة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه خلال فترة حكومته، وهو في كل تلك المسارات يواجه المقاومة المستميتة من القوى والمجاميع التي تتضرر مصالحها من بناء الدولة القوية والعصرية وذات السيادة وتملك كامل مقوماتها. واستطاع بفترة وجيزة وببعض الإجراءات الشجاعة، من كسب جزء من الشارع العراقي، وخاصة جماهير الانتفاضة الذين أسقطوا الحكومة السابقة، فهو بحاجة إلى دعم التيار المدني وجماهير الانتفاضة أكثر فأكثر، رغم صمت الكتل السياسية المتنفذة والعارفة بخبايا الأمور بين طرفي المعادلة، إلا أن تلك الإجراءات تقض مضجعها، وهي تتحين الفرص والثغرات للانقضاض على أي تغيير، وستدافع دفاعاً مستميتاً عن مكاسبها، وباعتقادي موازين القوى في الوقت الحالي في العراق، لا تساعد لأكثر من هذا، فهل مصطفى الكاظمي هو الشخصية التي تفرضها أوضاع العراق لوقف تدهوره في هذه المرحلة ، والحصول على ما يمكن الحصول عليه من التغييرات؟ باعتقادي نعم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن