استعدادا للأول من أكتوبر... من حقنا أن نحلم

جلال الصباغ
a.marzouq@yahoo.com

2020 / 8 / 29

شهر واحد يفصلنا على مرور عام كامل لانطلاق أعظم انتفاضة جماهيرية في تاريخ العراق الحديث، فبعد الضغط الهائل الذي تعرضت له الجماهير خلال حكم منظومة ٢٠٠٣ التي جاء بها الأمريكيون وما فعلته هذه الشرذمة التي اخرجها مروضوها من مزابل ودكاكين ومواخير الكرة الارضية، لتؤسس لحكم الطوائف والقوميات والمحاصصة والمليشيات، وتمارس القتل والخطف والذبح على طريقتهم الإسلامية، وتنهب المليارات وتهدم كل ما هو حضاري ونافع للبشرية وتؤسس للخراب وضياع للتعليم والصحة والخدمات، وتبيع البلاد ومستقبل أجيالها إلى أسيادها في واشنطن وطهران وغيرها من العواصم التي لها أذرع وذيول تخدم مشاريعها الرجعية والمصلحية.

قبل أقل من عام من الان، قرر شباب وشابات العراق هدم قلاع السرقة والتخلف والدجل التي بُنيت على استغلال الناس، ونهب ثرواتهم وزرع الفرقة والحروب في صفوفهم.

خرج منتفضو أكتوبر ليطلقوا صرختهم المدوية " الشعب يريد إسقاط النظام" لتهتز أركان النظام بالفعل، وأثناء ترنح النظام بفعل ضربات المنتفضين، وإدراكه لنهايته التي باتت قريبة، استجمع كل أساليبه القذرة والهمجية بدعم من أسياده، ليقتل شبيبة بغداد والناصرية والبصرة والنجف وكل المحافظات المنتفضة بأبشع الأساليب، فالخطف والبلطجة والمليشيات وقنابل الغاز والكواتم وأجهزة المخابرات وحفظ النظام وكل السلطة، قررت ان تقتل وتقتل وتقتل وان تستمر بالقتل فهي لا تمتلك غير القتل.

السلطة الخائفة المنهزمة امام إرادة الجماهير المطالبة بالحياة الحرة الكريمة، تدرك جيدا ومن ورائها رعاتها وداعميها الاقليميين والدوليين، ان انتصار انتفاضة أكتوبر يعني تحول السلطة بيد الجماهير وكنس هذا الكائن المسخ الذي جيء به ليحقق مصالحه ومصالح الإمبريالية، ورميه في مزابل التاريخ، هنالك مع أقرانه القتلة والسراق والذيول مع الفاشيين والعنصريين والرجعيين، هناك مع قطاع الطرق وزعماء المافيات والدجالين وقادة المليشيات.

كان الأول من أكتوبر حلما لكل العراقيين، فهم كما غيرهم من البشر من حقهم ان يحلموا وان يعيشوا بعيدا عن هيمنة رجال الدين وزعماء الطوائف والقوميات، الذين ضيعوا احلامهم واحلام أطفالهم. نعم من حقهم ان يحلموا بالعيش في بلادهم دون تهديد أو هيمنة من معمم اخرق يسلبهم حرياتهم ويفرض عليهم التخلف، وينهبهم ويزجهم في حروبه العبثية، بينما هو وأبناؤه بتنعمون بالمليارات والجكسارات والقصور. من حق شابات كربلاء والحلة والسماوة ومدينة الثورة ان يحلمن بالمساواة والحقوق وتشريع القوانين التي تحميهن من العنف والاغتصاب. من حقهن التعلم والعمل دون تحرش او امتهان.

انتفاضة أكتوبر جعلت من الحلم حقيقة، فلاول مرة في منذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق، تشعر الجماهير وتعمل على اخذ زمام المبادرة بيدها، وتقوم بفعل ثوري يقربها كثيرا من الخلاص من سلطة الاسلاميين وشركاؤهم، لأول مرة يخرج الملايين سويا بصوت واحد يهتفون "لا امريكا ولا ايران" و " باسم الدين باكونا الحرامية"

لكن الإمبريالية ومصالحها دعمت حكومة عبد المهدي القاتلة ومن بعدها حكومة الكاظمي، حتى تبقي ذات الكائن المسخ جاثما على صدور الناس. وبفعل قوى الثورة المضادة والإرهاب الحكومي والمليشيات والمجرمين وبفعل الإعلام الموجه والدعم اللامحدود من القوى الدولية المسيطرة في العراق، استطاعت أن تضعف من انتفاضة أكتوبر وان تشل من قدرتها الثورية على التغيير الفعلي... لكن هل هذه هي نهاية المطاف؟

بالتأكيد لا ... ليست هي نهاية المطاف فأزمة السلطة الطائفية القومية هي ذاتها بل تتعمق يوما بعد آخر ولا حلول حقيقية لها مع الوضع البائس الذي صنعته للجماهير، والغضب لا يزال مشتعلا في قلوب المنتفضين الذين فقدوا احبائهم وأصدقائهم، كما أن تجربتهم الثورية العظيمة التي أنتجتها انتفاضة أكتوبر منذ انطلاقها ولغاية الآن أعطتهم دروسا عملية، من ان اي انتفاضة لا يمكنها تحقيق الأهداف بإسقاط النظام وإقامة سلطة الجماهير دون الاستفادة من الأخطاء وتجاوز العقبات، والمتمثلة بالتنظيم الفعلي للجماهير من أجل مواجهة آلة القتل عند السلطة، وتحول المنتفضين ليكونوا هم السلطة الحقيقة وليس أحد سواهم.

قريبا تتجدد ذكرى الأول من أكتوبر والشباب والشابات والعمال والمعطلين عن العمل والتحرريين والنساء وكل الفئات المستفيدة من إسقاط النظام، يعدون العدة لمرحلة جديدة من الانتفاضة، فالحلم لا يزال قائما، فمن حقنا أن نتخيل البلاد بعيدا عن هيمنة الأحزاب الإسلامية والقومية والمليشيات ورجال الدين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن