تقاتل الإمبرياليين على الغاز... والهجوم التركي!

مشعل يسار
tchahine@rambler.ru

2020 / 8 / 27

بقلم نيكولاي كونكوف*
========
يستمر الوضع السياسي والعسكري في شرق البحر الأبيض المتوسط في التدهور.
ويكمن السبب هذه المرة في تفاقم المشاكل المرتبطة بحقول الغاز البحرية الضخمة (تصل احتياطياتها إلى 122 تريليون متر مكعب) التي تسعى كل دولة في هذه المنطقة إلى وضع اليد عليها أو أقله الاستفادة منها قدر الإمكان، وهو ما أدى إلى الخلاف على ترسيم الحدود البحرية. في هذا السياق وقع العديد من الأحداث الهامة في المنطقة منذ بداية أغسطس/آب 2020:
- دخلت الاتفاقية الفرنسية اليونانية للتعاون الدفاعي حيز التنفيذ. في 6 أغسطس،
- وقعت أثينا والقاهرة اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وإنشاء مناطق اقتصادية خالصة، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع المذكرة التركية الليبية بشأن ترسيم المناطق البحرية، تلك التي صادقت عليها أنقرة وطرابلس في ديسمبر 2019، ولكن لم توافق عليها الأمم المتحدة بعد.
- أعلنت تركيا أنها لا تعترف بالصيغة اليونانية المصرية لتقسيم شرق البحر المتوسط وستدافع عن مصالحها "وفق القانون الدولي". وهذا عنى عمليًا أن الجانب التركي بدأ أعمال الاستكشاف الجيولوجي في المياه المتنازع عليها، وتم استقدام سفن عسكرية تحمل العلم التركي.
- أدى الانتقام اليوناني إلى حادث في 13 أغسطس، عندما ضربت الفرقاطة اليونانية Limnos الفرقاطة التركية Kemalreis في منطقة بحر إيجة حيث كانت سفينة الأبحاث التركية Oruc Reis تجري أعمال حفر اختباري.
حدث هذا حرفياً في اليوم التالي لإجراء محادثة هاتفية بين إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أعلن خلالها الرئيس الفرنسي دعمه لموقف أثينا ونقله طائرتين عسكريتين إلى قاعدة أندرياس باباندريو الجوية بالقرب من مدينة بافوس (قبرص).
هكذا، يتم الآن تشكيل تحالف قوي للغاية ضد تركيا، تلعب فيه الأدوار الأولى اليونان التي تعتبر تقليديًا أي تعزيز لوضع أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقبرص التي حُرمت منذ عام 1974 من جزء كبير من أراضيها بسبب الغزو التركي، وفرنسا ومصر، وتظهر خلفهما بوضوح الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، إلى جانب عدد من "ممالك النفط" العربية في الخليج. وحتى الانفجار في مرفأ بيروت الذي أصبح لفترة زمنية "الخبر الأول" في العالم، لا سيما بتدخل ماكرون نفسه في مجريات الوضع هناك، يمكن اعتباره ضمن سياق هذا الصراع، إذ إن الحكومة اللبنانية اعتُبِرت وكأنها شديدة الولاء لأنقرة.
ومع ذلك، فإن تركيا التي تم تكليفها بدور "مثيرة المشاكل" أو "معكّرة الصفو" والتي تكاد تكون "المعتدية"، لن تتراجع. ويجب القول إن لديها كل الأسباب لذلك. فمنذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وبفضل التقارب التركي مع روسيا، تم إنشاء "ترويكا أستانا" وإضفاء الشرعية على وجود القوات التركية في سوريا. ومنذ عام 2018، بدأت مشاركة تركيا في الصراع الليبي إلى جانب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، برئاسة فايز السرّاج، من خلال إمداد حليفها في ليبيا ليس فقط بالأسلحة، ولكن أيضًا بالمقاتلين – وهم بشكل أساسي من المسلحين الموالين لتركيا الذين اكتسبوا خبرة عسكرية في سوريا. فقط بفضل التدخل التركي الواسع النطاق، فشلت الحملة التي شنها الجيش الشعبي الليبي على طرابلس بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يعتمد على دعم مصر والسعودية. في الوقت نفسه، أظهرت أنقرة استعدادا لخوض صدام مفتوح حتى مع فرنسا.
لقد أدت السياسة الخارجية الجديدة التي تبناها أردوغان على الفور تقريبًا إلى تطبيع علاقات أنقرة ليس فقط مع موسكو، ولكن أيضًا مع طهران، فضلاً عن التحسن الملموس في العلاقات مع بكين. فتعتبر الصين تركيا الآن من أهم الشركاء الاستراتيجيين في مجال تنفيذ مشروعها الجغراسياسي "حزام واحد، طريق واحد" وتقريباً "الجسر الرئيسي إلى أوروبا"، وبالتالي فهي منطقة جذابة لاستثماراتها. بالإضافة إلى ذلك حصل الأتراك، كما هو مذكور أعلاه، على "منطقة نفوذ" مضمونة لها في سوريا (يحاول الأتراك توسيعها بكل ما أوتوا من قوة، بما في ذلك في إدلب) و"حرية" أكبر بكثير على صعيد حل القضية الكردية. ويمكن لتركيا أيضًا الاعتماد على بعض الدعم من جانب ألمانيا، حيث الشتات التركي كبير العدد للغاية وحيث ليس الألمان سعداء كثيرا بمحاولات "صنيعة روتشيلد" ماكرون جعل فرنسا زعيمة "أوروبا الموحدة" القارّية. وتنفذ روسيا أيضاً عددًا من المشاريع الاقتصادية الكبرى في تركيا أو بالتعاون مع تركيا، بما في ذلك محطة Akkuyu الكهرذرية، وخط أنابيب الغاز التركي، وصفقات الأسلحة الروسية (أكبر وأهم عقد بيع هو نظام الدفاع الجوي صواريخ S-400)))، وفتح أسواق المواد الغذائية، والمنشآت السياحية وغيرها من الأسواق الروسية أمام السلع والخدمات التركية.
في مثال تركيا، تبدو الاستراتيجية السياسية الحديثة لروسيا واضحة للعيان: تأمين مصالح شركائها واستخدام تحركاتهم في الوقت نفسه لتحقيق أهدافها الخاصة، دون أن تتوقف كثيراً عند التناقضات الثانوية (على سبيل المثال، حول السياسة التركية حيال شبه جزيرة القرم). وهكذا يتم أخذ مصالح أنقرة بعين الاعتبار في تسوية الصراع السوري على شكل "ترويكا أستانا" (لإضعاف النفوذ الأمريكي في "الشرق الأوسط الكبير" - من المغرب إلى باكستان)، وهذا خلال فترة هدوء الصراع الأرمني الأذربيجاني (لأجل الحفاظ على التفاعل الروسي الإيراني التركي)، وخلال فترة الصراع الليبي (لتعزيز التناقضات داخل حلف الناتو)، إلخ.
نتيجة لذلك، عند تقييم الوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط ، يمكننا القول إن تركيا الآن وفي المستقبل القريب تحتل هنا مواقع أفضل من مواقع التحالف المناهض لتركيا، الذي يتفوق شكلًا من حيث قوته.

• كاتب سياسي ومحرر في جريدة "زافترا" الروسية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن