ماذا بعد اقتراح حرق البخاري؟

سامي الذيب
sami.aldeeb@yahoo.fr

2020 / 8 / 19

في عام 1536 تم الحكم على ويليام تيندال، مترجم الكتاب المقدس إلى الإنكليزية، بتهمة الهرطقة والخيانة وبعد ذلك شنق وتم حرقه على وتد، وقبل ذلك تم حرق ترجمته أمام كاتدرائية القيدس بولس من قبل اسقف لندن.

وفي عام 1764، أصدر فولتير «القاموس الفلسفي المحمول» Dictionnaire philosophique portatif دون اسم مؤلف في مدينة جنيف عملًا بمبدئه (أضرب واخفي يديك). وكان هدفه من هذا الكتاب أن يكون آلة حرب ضد الديانة المسيحية، معتبرا أن القواميس الموسوعية الضخمة غير قادرة لأن تكون سلاحًا فعالًا. وقد حاول اقناع محيطه بأنه لا علاقة له بهذا الكتاب. فحال صدوره هاجت وماجت السلطات المدنية والدينية ضد الكتاب الذي اعتبره قرار محكمة فرنسية بأنه "متهور، مخز، كافر ومدمر للوحي" téméraire, scandaleux, impie, destructif de la Révélation. فتم حرقه أولا في هولندا ثم في بيرن العاصمة السويسرية، كما ادانه برلمان باريس وقامت روما بوضعه على قائمة الكتب المحرم قراءتها « L Index ». وفي الأول من يوليو 1766 ثُبِّت الكتاب بمسمار على ظهر مالكه الشاب النبيل chevalier de La Barre وتم حرقه سوية معه بعد قطع رأسه مدانًا بأعمال مسيئة للدين.

وتقول روايات تتهم المسلمين بحرق مكتبة الإسكندرية، بأنه بعد دخول العرب للاسكندريه في 22 ديسمبر عام 640 م، كتب بن العاص لعمر بن الخطاب يستشيره في أمر المكتبة. فرد عمر: "واما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة بنا إليها". وهكذا أمر عمرو بن العاص بتوزيع الكتب على حمامات الإسكندرية لاستخدامها في إيقاد النيران التي تُبقي على دفء الحمامات. ويذكر المؤرخ المسلم القفطي في كتابه تراجم الحكماء أن إحراق تلك الكتب قد استمر لما يقارب الستة أشهر". ويؤيد ابن خلدون هذه الرواية بالنظر لسلوك العرب في نفس العصر، ومن أمثلة ذلك السلوك إلقاء سعد بن أبي وقاص لكتب الفرس في الماء والنار، وذلك بناء على أمر عمر بن الخطاب الذي بعث لبن أبي وقاص قائلا "إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله باهدى منه وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله".

وسُئل ابن باز: هل يجوز لي وأنا مسلم أن أطلع على الإنجيل وأقرأ فيه من باب الاطلاع فقط، وليس لأي غرض آخر؟
أجاب: روي عن رسول الله أنه رأى في يد عمر شيئاً من التوراة فغضب، وقال: «أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي»
وأضاف:
أننا ننصحك وننصح غيرك ألا تأخذوا منها شيئاً، لا من التوراة، ولا من الزبور، ولا من الإنجيل، ولا تقتنوا منها شيئاً، ولا تقرأوا فيها شيئاً، بل إذا وجد عندكم شيء فادفنوه أو حرِّقوه؛ لأن الحق الذي فيها قد جاء ما يغني عنه في كتاب الله القرآن، وما دخلها من التغيير والتبديل فهو منكر وباطل، فالواجب على المؤمن أن يتحرز من ذلك، وأن يحذر أن يطلع عليها، فربما صدق بباطل وربما كذب حقاً، فطريق السلامة منها إما بدفنها وإما بحرقها.

وقد قرأت هذه الأيام كتاب ناصر الحزيمي "حرق الكتب في التراث العربي" https://foulabook.com/book/downloading/913579862 حيث بين ان العرب المسلمين منعوا بداية كتابة الحديث مكتفين بكتابة القرآن، ويذكر أن عمر بن الخطاب كتب في الأمصار من كان عنده شيء من السنة فليمحه. ومثل هذه المواقف أوجدت نوعا من الجرأة على التاف الحديث النبوي ما عدا القرآن، فمن باب أولى ان يتلف ما عداه فيما بعد والذي شمل كتب الرأي والكلام وغيرهما.

وسياسة حرق واتلاف الكتب طبقتها داعش في المناطق التي سيطرت عليها. فقد قام بتفجير مكتبة الموصل المركزية في العراق، وحرق محتوياتها التي تضم اكثر من 10 آلاف كتاب ومخطوطة وكذلك حرق اكثر من 100 الف كتاب في محافظة الانبار، وهو ما فعله المغول والتتار من قبل عند احتلالهم بغداد.
...
هذا وقد فاجأنا المستشار أحمد عبده ماهر بشريط على صفحته في الفيسبوك يقول فيه بأنه سيقدم مقترح لمجلس الدولة بوجوب صدور حكم بحرق صحيح البخاري وكتب الصحاح
وقد قمت بنشره على قناتي https://youtu.be/82pAp6LqXqk، ليس تأييدا لموقفه، ولكن لمعرفة ردود فعل المشاهدين. ومختصر الأسباب التي ساقها لتبرير اقتراحه كما يلي:
- القرآن يقول: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... والبخاري هو سبب تقسيم الأمة بين سنة وشيعة
- القرآن يقول: لا اكراه في الدين، وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين، ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ... والبخاري يقول: من بدل دينه فاقتلوه، امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله إلا الله واني رسول الله فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم واموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
- القرآن يتكلم عن الوصية والأقربين، والبخاري يقول: لا وصية لوارث
- القرآن يقول: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، بينما في كتب السنة فرضت الرجم
- القرآن يقول: انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون، وكتب السنة تتكلم عن آية اكلتها معزة عائشة
- القرآن يقول: وقولوا للناس حسنا، وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن ... والائمة عندنا يقولون: اللهم دمر الكافرين واهلك الكفرة اعداء الدين اللهم دمرهم... هو دا اللي ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة؟ ... احنا بدلنا دين الله بسبب البخاري ومسلم. مسلم يقول: يأتي المسلمون يوم القيامة بأمثال الجبال من الذنوب فيغفرها الله لهم فيضعها على اليهود والنصارى... دي مش هذا عنصرية؟ ... دا مش الفكاك عن دين الله؟ ... مش دا اساسا فقه الكراهية؟ ... كله باسم رسول الله.
هذا البخاري هو لعنه على كتاب ودين المسلمين وعلى المسلمين انفسهم ... هذه الكتب ضد القرآن وتشويه القرآن ودين الله
وينهي شريطه:
قربت اموت... انا وراكم لحد آخر نفس. وإذا طال بي العمرحأقدم قضية في مجلس الدولة لاصدار حكم بحرق هذا البخاري وصحيح مسلم وصحيح ابن ماجة وصحيح النسائي وصحيح الترمذي ومسند ابن حنبل على شان ترتاحوا من هذا التشويه المتعمد لكتاب الله من هذه التفرقة المتعمدة لأمة الإسلام
...
هذه ليست المرة الوحدية التي يهاجم فيها المستشار أحمد عبده ماهر صحيح البخاري وكتب السنة الأخرى. وهو ليس الوحيد الذي يهاجم هذه الكتب عبر وسائل التواصل الإجتماعي وحتى ومحطات التلفزيون. ونذكر على سبيل المثال جمال البنا، الأخ الأصغر لحسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين الذي الف كتابًا عنونه: تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم"، وهناك الآن الكاتب المغربي رشيد ايلال الذي يهاجم بشدة على البخاري من خلال كتابه "صحيح البخاري نهاية أسطورة" واشرطة متعددة. ولكن حسب علمي هذه هي المرة الوحدية الذي يتم الإقتراح فيها حرق هذه الكتب.
ونلاحظ هنا أن الملحدين يضيفون إلى حرق كتب السنة القرآن ذاته. فهناك من يفعل ذلك جهارا بالصوت والصورة في مواقع التواصل الإجتماعي، بحرق القرآن أو تمزيقه أو التبول عليه ورميه في سلة المهملات إلخ. وأنا شخصيا ضد مثل هذه الأفعال فالفكر يجب أن يواجه بالفكر، وأرى أن من يبدأ بحرق كتاب ينتهي بحرق الإنسان.
...
يبقى مشكلة وهي لا تقل اهمية عن مشكلة حرق الكتب. إن تعارض البخاري وغيره من كتب السنة، فهذا يمكن ان نتفهمه. ولكن ماذا عن معارضة القرآن ذاته؟ والاحظ هنا ان معارضوا السنة لا يتجرؤون على توجيه أي انتقاد للقرآن الذي يتضمن تعاليم لا تقل خطورة ومخالفة لحقوق الإنسان عما جاء في كتب السنة وكتب الفقه. وهناك من يتخوف أن يمتد انتقاد كتب السنة وكتب الفقه عاجلا أو آجلا للقرآن ذاته. ومن هنا تأتي معارضة رجال الدين في مصر وغيرها لأي هجوم على البخاري ورفع قضايا ضد من يفعل ذلك. ومعارضو البخاري وكتب الفقه يعون جيدا أن القرآن خط أحمر. ولكن إلى متى؟ وانا شخصيا أرى بأنه لا تطور لمجتمعنا إن لم نصل إلى مرحلة رفع القداسة عن الكتب المقدسة، كل الكتب المقدسة دون أي استثناء.

--------
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://www.sami-aldeeb.com/livres-books



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن