السلاح المنفلت في العراق يتحدى الدولة دون رادع .

عادل عبد الزهرة شبيب
adelshibeeb@ymail.com

2020 / 8 / 18

بعد 2003 نشأت العديد من الشبكات للأشخاص الذين ينتمون الى تنظيم غير رسمي له مصالحه الواسعة وامتداداته العريضة في الداخل والخارج. ونجد هذه الشبكة في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والاعلامية والأمنية الأمر الذي يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه انشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي . وكما يرى العديد من الباحثين فإن لهذه الشبكات التي يمكن ان نطلق عليها اسم الدولة العميقة والتي لها وجهان : وجه معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتبوؤون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة المختلفة . اما الوجه الآخر فهو خفي غير معلن يتولى تحريك الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة .
في العراق , يمكن القول ان الدولة العميقة تضم شبكة لأشخاص وقوى سياسية ومافيات فساد تلتقي مصالحهم معا . وبعد 2003 تم تهديم الدولة العراقية وانتهاء المرتكزات الرئيسة لها. واصبحت الميليشيات المسلحة وخاصة تللك المرتبطة بإيران تتحكم بالدولة وقراراتها وحتى في تعيين رئيس الوزراء والكابينة الوزارية واصحاب الدرجات الخاصة والمدراء العامون, ووصل الأمر بها انها قامت بتهديد رئيس الجمهورية والتهديد بإخراجه من بغداد في حالة عدم امتثاله لتوجيهاتها الايرانية بتعيين رئيس الوزراء . كذلك قيامها بتهديد رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي بالتصفية ومحاصرة المنطقة الخضراء في حالة عدم الامتثال لتوجيهاتها الايرانية , اضافة الى دورها في قتل المتظاهرين السلميين وخطفهم وحرق خيامهم في ساحات الاعتصام تنفيذا للتوجيهات الايرانية لكون الميليشيات تدين بالولاء لإيران اكثر من ولائها للعراق . ولن تنتهي الدولة العميقة في العراق الا بسحب كل السلاح من المواطنين والعصابات والفصائل المسلحة والعشائر , مع اصدار قانون صارم يمنع حمل السلاح خارج القانون واستخدامه من أي طرف كان والعمل على حل الفصائل المسلحة من الحشد الشعبي بعد انتهاء دورها في محاربة داعش وتحرير المدن التي احتلها داعش وسبق وان صدر امر ديواني بدمج فصائل الحشد الشعبي مع القوات المسلحة الرسمية الا ان الميليشيات امتنعت عن التنفيذ للحفاظ على مصالحها .
تسعى الدولة العميقة الى الابقاء على مصالحهم وامتيازاتهم الخاصة واستثناؤهم من اية محاسبة او مساءلة وعدم تعرضهم لأية متابعة قضائية ان اهتز النظام القائم . ولشبكة الدولة العميقة امتدادات اقليمية ودولية. واليوم نجد الدولة العميقة في تركيا وفي الولايات المتحدة من خلال الدور الذي تقوم به وكالة الأمن المركزي واللوبيات وخاصة اللوبي الصهيوني , وكذلك نجدها في مصر من خلال الجيش وكبار رجال الأعمال و ونجدها في العراق من خلال تحكم الميليشيات الايرانية المسلحة بالحكومة العراقية وغيرها .
حصر السلاح بيد الدولة :
كثيرا ما يدور الحديث عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة العراقية , غير ان الواقع يشير الى عكس ذلك , حيث هناك العديد من الجماعات المسلحة التابعة لأحزاب سياسية تمتلك آلاف القطع غير المرخصة حيث تعتبر هذا السلاح داعما لنفوذها وسيطرتها , فكيف ستتخلى عن نفوذها ؟
حسب دراسة اعدتها الأمم المتحدة فإن العراق اصبح اليوم من اكثر الدول العربية التي تنتشر فيها الأسلحة المنفلتة واصبح السلاح المنفلت يستهدف العراقيين ويقتل المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية , وتظاهرهم حق مكفول بموجب الدستور العراقي الذي تم ركنه على الرفوف . فما تقوم به القوات الأمنية والميليشيات المسلحة المنفلتة ضد المتظاهرين السلميين في ساحات الاعتصام مخالف لمبادئ حقوق الانسان التي كفلت حقوق السلامة الشخصية وامن الانسان وحريته , حيث ان لكل انسان حق في الحياة والحرية وفي التمتع بالأمان على شخصه ,كما لا يجوز تعذيب احد او اعتقاله تعسفا كما يجري اليوم في ساحات الاحتجاج بعيدا عن القانون وفي ظل عجز الحكومة عن فرض القانون وحماية المواطنين .
الدستور العراقي :
نصت المادة (7) / ثانيا من الدستور العراقي النافذ على : (( تلتزم الدولة محاربة الارهاب بجميع اشكاله وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقرا او ممرا او ساحة لنشاطه )) . واليوم نلاحظ ان الدولة نفسها تمارس الارهاب ضد مواطنيها حيث يتم قتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والغازات القاتلة اضافة الى الخطف والاعتقال غير القانوني والتعذيب , وتحويل اراضي العراق من قبل الميليشيات المسلحة المنفلتة المدعومة من ايران الى منطقة صراع من خلال قصفها السفارة الأمريكية في بغداد خلافا للمواثيق الدولية وقصفها للقواعد العراقية التي يتواجد فيها الأمريكان بموجب الاتفاقية الاستراتيجية مع العراق .
اما المادة (9) / اولا / أ / من الدستور فقد نصت على : (( تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعى توازنها وتماثلها دون تمييز او اقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة )) , بينما نجد هناك العديد من المخالفات الدستورية حيث تحولت القوات المسلحة الى اداة لقمع الشعب العراقي واستخدامها القوة المفرطة في قتل وتفريق المتظاهرين السلميين. في حين نصت المادة ( 9 ) / اولا /ب / على : (( يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة ..)) ., بينما يشير الواقع الى وجود نحو ( 57 ) فريقا مسلحا, وبحسب رئيس القيادة المركزية للقوات الأمريكية الجنرال ( ستيفن فوتيل ) فإن اكثر من 100 ألف مسلح ينتمون لفصائل شيعية ينشطون في الأراضي العراقية , وهذا ما يعده الجنرال الأمريكي ( قلقا كبيرا ) . وقد اصبح العراق اليوم امام ازمة كبيرة تهدد سلمه المجتمعي بسبب السلاح المنفلت الخارج عن سيطرة الحكومة الضعيفة . وفيما يتعلق بالمادة ( 15 ) من الدستور العراقي فقد نصت المادة على :(( لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقا للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة )) , غير اننا نجد ان السلطات العراقية وميليشياتها المسلحة المنفلتة قد حرمت اكثر من 700 من الشباب والفتية من الحياة واصابت وعوقت اكثر من 25 ألف من الشباب والمئات من الشباب المختطفين والمعتقلين بدون امر قضائي كما نص على ذلك الدستور العراقي الذي اصبح في ظل الحكومات المتعاقبة حبرا على ورق .وقامت باغتيال الدكتور هشام الهاشمي وآخر الشهداء تحسين الشحماني الناشط المدني من البصرة وستستمر سلسلة الاغتيالات والخطف اذا لم تجد رادعا قويا وحازما . وكانت اللجان التحقيقية التي شكلت صورية ولم تعلن نتائجها ولا تعلن كسابقاتها المتعلقة بسقوط الموصل وثلث الاراضي العراقي بيد داعش الارهابي ومجزرة سبايكر واغتيال الشهيد كامل شياع والعديد من شهداء الكلمة .
كيف انتشر السلاح في العراق ؟
ادى ظهور داعش واحتلاله لثلث الأراضي العراقية الى تولد ردة فعل عن ذلك وتسلح اغلب القواعد الشعبية وكم كبير من الأفراد وخاصة بعد دعوة الرجعية الدينية , لأجل مجابهة الاحتلال والارهاب , ما ادى الى ظهور قيادات عسكرية قامت بتنظيم هذه المجاميع والأفراد والتي اصبحت تمتلك الأسلحة , وحتى ان بعض الكتل الحزبية او الدينية اجبرتها مرحلة داعش على تأسيس جناح عسكري لأجل مجابهة هذا الخطر المحدق . كما احتاجت بعض القيادات العسكرية غير النظامية الى دعم خارجي واصبحت اغلب التكتلات العسكرية مرتبطة بقوى خارجية وخاصة مع ايران , وكان للقيادات العسكرية غير النظامية اهدافا ومصالح تختلف عن بعضها البعض بل قد تتضارب وتتعارض في بعض الأهداف وهنا تكمن اشد المخاطر حيث من السهل لأي جهة ان تشعل حربا داخلية , علما ان وجود عدة قيادات وجيوش في بلد واحد كالعراق هو تقويض لسلطة الدولة خاصة في ظل وجود جيش نظامي ضعيف وحكومة ضعيفة عاجزة عن فرض القانون وتنفيذ برنامجها كما لاحظنا ذلك في حكومة العبادي التي اقرت بحصر السلاح بيد الدولة لكنها لم تستطع فعل ذلك . وكذلك الحال بالنسبة لحكومة عبد المهدي التي اصدرت قرارا بدمج الميليشيات العسكرية مع القوات المسلحة العراقية الرسمية ولكنها لم تمتثل لهذا الأمر . ويلاحظ ان ولاء الميليشيات المسلحة يكون لقياداتها العقائدية اكبر من ولائها للدولة العراقية, فالدولة العميقة تدار من جهات اقليمية وخارجية , وما على بيادقها في العراق الا تحقيق اجندة هذه الجهات واصدق تعبير على ظاهرة الدولة العميقة هو ما صرح به ( المرشد الايراني علي خامنئي ) مدير الدولة العميقة في ايران في خطاب له اعطى فيه الضوء الأخضر لبيادقه في العراق وايران بالتحرك لسفك دماء الشبيبة المطالبة بالإصلاح وانهاء حراكهم . فالدولة العميقة في العراق اليوم لا تخضع ولا تدار من قبل القوانين العراقية السارية , لذلك من الصعب حصر السلاح بيد الدولة كون اغلب الميليشيات المسلحة مرتبطة عقائديا بالمرشد الايراني وهذا يتطلب وجود حكومة عراقية قوية تستطيع فرض القانون حتى لو استخدمت القوة في ذلك وتحصر السلاح بيد الدولة وتغادر نهج المحاصصة والطائفية , حكومة تستطيع وضع حد لظاهرات وجود جماعات مسلحة وميليشيات تعمل خارج اطار الدولة وضوابطها حسب الدستور العراقي . ومن الضروري اتخاذ الخطوات الرادعة لأي تمرد على سلطة الدولة وهيبتها ولأي مسعى يستهدف اضعافها بما في ذلك التصدي بحزم وبقوة لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح واختطاف المواطنين والتدخلات العشائرية في شأن ومهام مؤسسات الدولة . والعمل على منع الأحزاب الايرانية وميليشياتها المسلحة من العمل واصدار القانون اللازم لذلك . وبدونه سوف لن تقوم قائمة للعراق .
من الضروري في هذا المجال تأطير عمل الحشد الشعبي الذي قدم التضحيات والشهداء في سبيل الدفاع عن الوطن و ضمان حقوق منتسبيه كمؤسسة مؤقتة خاضعة لإمرة القائد العام للقوات المسلحة تنتهي مهماتها مع استكمال دحر داعش الارهابي مع عزل العناصر المسيئة والمثيرة للنعرات الطائفية والتصدي بحزم لأفعالها الخارجة عن القانون . مع المعالجة الجادة والمسؤولة لقضية التشكيلات المسلحة والميليشيات غير النظامية وفقا لما نص عليه الدستور وتفعيل القرارات والأوامر الصادرة في هذا الشأن واتخاذ كل الاجراءات الفعالة التي تؤدي في النهاية الى حصر السلاح والعمليات المسلحة بيد الدولة واجهزتها المخولة .
موقف المرجعية الدينية في العراق :
وبشأن حصر السلاح بيد الدولة فقد اكد ممثل المرجعية ( علي السيستاني ) على ان استقرار البلاد رهن بحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية وان تظل القوات المسلحة العراقية مهنية وموالية للدولة وبعيدة عن النفوذ الأجنبي .
موقف الأمم المتحدة :
اكدت الأمم المتحدة على ان من الأولويات المطلوبة من العراق بعد اعلانه على النصر على داعش هو حصر السلاح بيد الدولة مشددة على انه لا يمكن ان تكون الدولة ديمقراطية مستقرة دون عدالة ومساءلة واحترام لحقوق الانسان , ويجب ان تكون سيادة القانون فوق الجميع لحمايتهم وتعزيز حقوقهم , ولا يمكن لعراق المستقبل ان يتمتع بالاستقرار الكامل والنزاهة والسيادة دون وضع السلاح في يد الدولة وتحت سيطرتها حصرا .
تعتبر الدولة العراقية هي المسؤولة الاولى والأخيرة عن فوضى السلاح وتدفقه من خلال المنافذ الحدودية مع ايران وتركيا وعن طريق موانئ البصرة. وفي حالة بقاء الدولة العميقة فإنها ستلتهم الدولة وتسيطر عليها, وستبقى الدولة العميقة تلعب دورا مؤثرا في المجتمع العراقي مالم يتم نزع السلاح من جميع التشكيلات المسلحة التي تمتلك سلاحا خارج سيطرة الدولة وما لم يتم مكافحة عصابات الارهاب والاجرام من اجل ضمان الأجواء الأمنية السليمة , وان حصر السلاح بيد الدولة يعتبر احد اهم عناصر الاصلاح . ومن الضروري في هذا المجال العمل على بناء الدولة المدنية الديمقراطية والخلاص من نهج المحاصصة والطائفية الذي هو أس البلاء في العراق .
فهل ستتمكن الحكومة العراقية الجديدة من الوقوف بوجه الميليشيات الايرانية وحصر السلاح بيد الدولة ؟ وترجمة اقوالها الى افعال ؟ ووضع حد لتدخل الميليشيات المسلحة في شؤون الرئاسات الأربعة : السلطة التنفيذية , السلطة التشريعية ورئاسة الجمهورية والسلطة القضائية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن