نهر -مربيع-: نحت انتروبولوجي في الدلالة

عذري مازغ
odrimazigh@yahoo.es

2020 / 8 / 10

"أيري أمان الفقير
ايري امان
أورييسريذ مربيع
ايري أمان"
أغنية شعبية امازيغية غالبا ما كانت تغنى بالأطلس المتوسط تذكرني بمرحلة بدوية جميلة تحيل إلى نمط خاص عرف بالأطلس المتوسط
الإحالة الأولى: غالبا كان الناس يسكنون في خيم على شكل دائري او نصف دائري، وغالبا قرب واد او ينبوع مائي نسميه العنصر واحيانا في مناطق "أزغار" (المناطق السهلية) كانوا يسكنون قرب بئر وافر المياه بجانبه "لابروان" (مقتبس منAbrevoir الفرنسية) وهي خشبة محفورة لوضع الماء فيها لسقي البهائم كما بجانبه أيضا صخرة مسطحة تستعمل لغسل الملابس .
الإحالة الثانية: حالة السكن في مجموعات سكنية (قرى صغيرة) قرب منبع (عنصر) أو وادي توجد به أحجار مسطحة كبيرة الحجم تستعمل للغسيل، كان الغسيل يدوي واحيانا بالشتف بالأرجل حسب حجم الرداء وهنا ياتي القصد من "أيري امان": شخص يشتف برجليه على الغسيل ويطلب رمي الماء من الآخر
ترجمة البيت الغنائي:
"ارمي لي الماء أيها الفقير" (الفقير قد تعني الفقر بالفعل وقد تعني رجل شيخ بالأمازيغية "أفقير")
لن يكفيني مربيع (لن يكفيني ماء ام الربيع، النهر الذي حرف اسمه بالمغرب من مربيع إلى أم الربيع).
ايري امان (إعادة جملة : ارمي لي الماء)
الخلل: في كل حياتي تساءلت عن مغزى ومعنى "مربيع" ولم أكن يوما مقتنع باسمه في كتب الجغرافية، في كتب الجغرافية يسمى "ام الربيع" وهو اسم يختزل معناه في العربية، ليس معقول أن يكون اسم عربي لنهر ليس عربي وبالتالي لم يسكن بالمنطقة عرب في كل التاريخ وحتى في النطق المحلي ليس "أم الربيع" بل اسمه الحقيقي هو مربيع، يمكن ان استأنس بالأندلس في تسمية نهر بها هو نهر الواد الكبير لكن هناك فرق شاسع في وضع النهرين تاريخيا، فواد الكبير كان يمر عبر مدن تاريخية حكمتها الممالك الطائفية الأموية بالخصوص ونسجت حوله الكثير من الشعر والأدب بينما أم الربيع وعبر كل تاريخه السحيق كان نهرا موحشا إلى حد ما وكان كتاب التاريخ في حقه حددوه كونه يفصل إقليمين في المغرب : إقليم فاس وإقليم مراكش.
وحتى التحول في الأسم بين النهرين مفارق جدا: الواد الكبير كان يسمى قديما قبل الدولة الاموية وملوك الطوائف ب"بيتيس" وتداوله الآن ك"واد كبير" ليس فيه هذا التناغم الحرفي (من الحروف) كما لنهر أم الربيع أو كما لمدينة غرناطة مثلا، ف"غرناطة" تعني بالإسبانية فاكهة الرمان بينمي ينتفي فيها المدلول عربيا (كلمة غرناطة لا تعني شيئا في القاموس العربي ) بل هي فقط كلمة تعرضت للتعريب، بينما "مربيع" و"أم الربيع" نلاحظ فيهما تناغما في الحروف سهل عملية تحويل معنى أمازيغي لنهر بالمغرب إلى معنى أمازيغي وهذا التحول حدث فقط في مرحلة المد القومي العربي بداية استقلال المغرب من فرنسا (أو شبه استقلال، او سميه ماشئت). أي انه بفضل تناغم الحروف بين الكلمتين تحول "مربيع" الذي يعني شيئا في الأمازيغية إلى "أم الربيع" الذي يعني شيئا آخر مختلف تماما أو متقارب من زوايا تأويلية عربية استنادا إلى حال النهر نفسه (حالته الجغرافية) كون تعدد عيونه من جهة (رقم الأربعين)، ومن حيث تأثيره في خصوبة السهول تحت منبعه (الخضرة والربيع) وهذا ما اعتمدته الجغرافية الرسمية في المغرب في تحديد دلالته وتزوير اسمه
ترمز الدلالة في الشعر أعلاه إلى أمر مسكوت عنه، فالقصد من "أورييسريذ مربيع" لا يعني حجم تدفق وصبيب النهر بقدر ما يعني كثرة عيونه على مقاس تمثيلي في عملية الغسيل من رمي الماء، أي ان الذي يشتف لا تكفيه عين واحدة من عيون مربيع والقصد مجازي بالطبع إذا استحضرنا دلالة "مربيع" الأمازيغية
يكتب اسم النهر باللاتينية بالأشكال التالية: Morbeia, «Morbea» و«Morbia
بالفرنسية حاليا يكتب: «Oum-er-Rbia ولا أستغرب أن أحدهم نقله إلى العربية في الفضاء المفترض الفايسبوك: "أم ربيعة".!
على أن الأمر في اللاتينية مثير للأهمية أكثر من خلال ضم حرف الميم وهذا له دلالة كبيرة في الأمازيغية وهذا سنراه عند تفكيك كلمة مربيع الأمازيغية
إن كلمة "مربيع" تعرضت في التداول إلى نحت خاص في اللغة المتداولة عندنا بسبب طبعا تأثيرات ثقافية أخرى لا يمكن نفيها بجرة قلم أو بسبب التخفيف في اللسان المعروف في الثقافة الإنسانية عامة بحيث تحتفظ بالرمز وتمشكله في التداول بشكل مختلف عن سياقه الأصلي، فأصل كلمة "مربيع" هي كلمة "موربيع" كما في النقل اللاتيني للكلمة، وهنا استنادا إلى اللغة الامازيغية الأطلسمتوسطية تكتسب الكلمة معناها الحقيقي فهي كلمة مركبة من حرف ميم الإنتساب للمؤنث، وكلمة أربيع الامازيغية تعني عربيا الجمع أو الجموع و"مو أوربيع" تعني عربيا: ذات الجموع، لكن لماذا ميم الإنتسابية للإناث وليس حرف الباء الإنتسابي للذكور "بو أوربيع" والجواب بسيط للغاية لأن عين الماء في الأمازيغية مؤنث وليس مذكر: عين (كلمة مذكرة بالعربية): هي تيط بالأمازيغية ( لكنها تأخذ صفة التأنيث في الأمازيغية) وتأنيث النهر نابع من تأنيث عيونه في الأمازيغية لأن منبع النهر ليس من عين واحدة بل عيون متدفقة متباعدة قليلا (متر مترين إلى عشرة) من مكان واحد أي هو مجموع عيون (تاربيعت انتيطاوين)
كلمة "أم الربيع" تحمل بالفعل دلالة أن النهر يسقي سهولا جنوب غرب منبعه ويضفي عليها خضرة (ربيع) لكن هذا يمكن قوله في زماننا بحيث شيدت سدود تسقي بالفعل سهولا شاسعة كما هو يسقي مدنا بأكملها
يمكننا أيضا أن نستند إلى وثائق تاريخية تنسب اسم النهر إلى قرية كانت تسمى أربيع او ربيع حسب المصادر العربية ، لكننا نشك في تلك الوثائق إلى سند الدلالة، فمثلا هناك مستشرقون غربيون طرحوا اسما قديما مثل كلمة "وينسيفن" كما أدرجها الإتنوغرافي الفرنسي ميشيل دو فوكو لكن الارجح أمازيغيا هي كلمة "وين إسافن" وتعني النهر صاحب الأنهار ربما نسبة إلى روافده الكثيرة لكن أغلب الظن انها كلمة للنهر كان سكان جنوب وغرب المنبع يسمونه بها ومع ذلك فالوثائق التاريخية تشير أكثر إلى الإسم التناغمي بين مربيع والربيع والأرعين.
ويبقى استعادة النهر لاسمه الحقيقي في المغرب أمانة للتاريخ وامانة للشخصية المغربية التي أصابتها الشيزوفرينية بشكل مرع تجلى في تغيير الكثير من الأسماء فيه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن