الحق في الخصوصية لمرضى - فايروس كورونا -

سجاد سالم حسين
sajadsalimh@gmail.com

2020 / 7 / 6

تنتشر في صفحات التواصل الاجتماعي يوميا عشرات القوائم لمرضى فايروس كورونا، هذه القوائم بطبيعتها مسربة من البيانات الصحية في مختبرات وزارة الصحة متضمنة نتائج فحوصاتهم، ورغم أنها تلاقي تفاعلا عن التطور الوبائي في البلد الا ان سؤالا اخلاقيا وقانونيا كبيرا غاب عنا جميعا، وهذا السؤال يتعلق بالمريض الذي ذاع اسمه، وهل له الحق في خصوصية بياناته الصحية تجعله بمنأى عن تطفل الاخرين على حياته الشخصية واشهار ما لا يرغب فيه ؟
يعد الحق في الخصوصية اليوم من الحقوق الاساسية للانسان وهو يعني "حق الانسان في الحماية من التدخل في شؤونه وشؤون عائلته بوسائل مادية مباشرة أو عن طريق نشر المعلومات عنهم". فالانسان يأبى ان يتدخل غيره في شؤونه الخاصة او حياته الخاصة او أن تظل مكشوفة للجميع. ومظاهر هذا الحق عديدة وقد اشار اليها مؤتمر رجال القانون المنعقد في استوكهولم عام 1976 بأن الحق في الحياة الخاصة للفرد تعني أن يعيش بمنأى عن الافعال الاتية ( 1- التدخل في حياة أسرته أو منزله.2- التدخل في كيانه البدني أو العقلي أو حريته الأخلاقية أو العقلية.3- الاعتداء على شرفه أو سمعته.4- وضعه تحت الأضواء الكاذبة.5- إذاعة وقائع تتصل بحياته الخاصة.6-استعمال اسمه أو صورته.7- التجسس والتلصص والملاحظة. 8-التدخل في المراسلات.9- سوء استعمال الاتصالات الخاصة المكتوبة او الشفوية.10- إفشاء المعلومات التي تصل إليه بحكم الثقة في المهنة.).
وقد تضمنت المواثيق الدولية لحقوق الانسان الحق في الخصوصية، فقد نصت المادة 12 من ألاعلان العالمي لحقوق الانسان " لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات ". أما المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نصت على هذا الحق بفقرتين " 1 ـ لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.2 ـ من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس".
كما أن الدستور العراقي عام 2005 قد نص في المادة 15 منه " لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة.". وكما هو ملاحظ أن هذا الحق لم يرد بشكل مطلق وانما قد ترد عليه استثناءات وقيود عديدة، منها حين يتنافى مع حقوق الاخرين والاداب العامة كما نص الدستور العراقي، او بشكل أوضح تلك القيود التي ذكرتها الأتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لعام 1950، اذ نصت في المادة (8) منها على أن " لكل فرد الحق في احترام خصوصياته…، وفي عدم تدخل السلطات العامة إلا وفقاً لأحكام القانون، ومقتضيات المجتمع الديمقراطي، ولمصلحة الأمن القومي أو الأمن العام، أو المصالح الاقتصادية للبلاد، أو لمنع الفوضى والجريمة، أو لحماية الصحة أو الأخلاق، أو حماية حقوق وحريات الآخرين”. وبذلك هنالك عدة مقتضيات ومصالح عامة تبيح التدخل المحدود لانتهاك هذا الحق خلاف الاصل ".
ما يحفز للكتابة عن هذا الموضوع الذي تناولته عدة منظمات حقوقية دولية هو تجارب مريرة سابقة تمثلت في استخدام بيانات المرضى بطريقة سيئة تعرض المرضى لأشكال وممارسات من النبذ الاجتماعي، فقد أظهرت التقارير الدولية بأنه خلال أزمات الصحة العامة السابقة غالبا ما واجه الأشخاص المصابون بالعدوى أو المرض وأسرهم التمييز والوصم. مثلا، وجدت هيومن رايتس ووتش أن الأشخاص حاملي "فيروس نقص المناعة البشرية"، المسبب لمرض "الإيدزفي كينيا، وجنوب أفريقيا، والفلبين، والولايات المتحدة واجهوا التمييز والوصم بسبب إصابتهم بالفيروس ومُنعوا من الحصول على الرعاية الصحية، والحصول على وظائف، والالتحاق بالمدارس. وأظهر بحث في الصحة العامة أن الناجين من فيروس إيبولا في غرب أفريقيا واجهوا وصمة مؤذية أدت في بعض الحالات إلى الطرد من المسكن، وفقدان العمل، والنبذ، والعنف، وغيرها من العواقب. وقد شاهدنا في الازمة الحالية أنواعا من الاستغلال السياسي لأزمة فايروس كورونا لأشاعة مشاعر الكراهية بسبب تدهور القطاعات الصحية في العالم.
من هنا تبرز الاهمية الكبرى لحماية البيانات الشخصية الخاصة بالمرضى والحرص على سريتها فهي ركيزة للحق في الخصوصية فضلا عن ان تسريبها يهدد الثقة بالمؤسسات الصحية وائتمانها ويؤدي الى الاحجام عن مراجعتها في اوقات ينبغي على المرضى ذلك.
وجدير بالذكر انه هذا الحق يتمتع بالحماية القضائية، فقد استقر القضاء الفرنسي على " أن صحة الشخص وما به من امراض تعتبر من دقائق الحياة الخاصة فلا يجوز نشر ما يتصل بصحة الشخص الا بعد الحصول على اذنه". فلا يوجد أي سبب منطقي يدعو الى نشر الاسماء ونتائج فحوصاتها الطبية بل خلاف ذلك ان حماية الصحة العامة تستوجب حجبها، كما ان نشرها لا يستند الى حرية التعبير فالاتجاه الفقهي القانوني يرجح حق الخصوصية على حرية التعبير.
كما ان نشر هذه الاسماء قد يكون سببا لقيام المسؤولية المدنية ضد الناشر سواء كان شخصاً أو مؤسسة طبية رسمية، فالأساس القانوني الناجم عن التعدي على الحق في الخصوصية يجد أساسه في فكرة التعدي التي نصت عليها القواعد العامة للمسؤلية المدنية بموجب المادة 204 من القانون المدني العراقي اذ نصت " كل تعد يصيب الغير باي ضرر اخر غير ما ذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض" فالقانون العراقي قد أقام المسؤولية على الفعل الضار على أساس فكرة التعدي والتي تقابل الركن المعنوي للخطأ، وبموجب ذلك لمن ذاع اسمه دون رغبته وتم تسريب ما يتعلق بحالته الصحية له الحق في مقاضاة من تسبب بذلك طالباً التعويض عن هذا الضرر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن