الموقف من السيستاني

جلال الصباغ
a.marzouq@yahoo.com

2020 / 7 / 4

نشرت صحيفة الشرق الاوسط السعودية في عددها ليوم الجمعة كاركاتيرا لرجل دين يعمل على اقتطاع سيادة العراق بمقص كبير، في إشارة إلى السيستاني، وبالفعل الرجل الواضح في الكاريكاتير يشبه السيستاني، السؤال هو: وماذا في ذلك؟ ما الذي يختلفه السيستاني عن بقية رجال الدين؟ ولماذا كل هذه القدسية والحرمة التي ترافق اي حديث عن الرجل؟ واسألة كثيرة تخطر في البال عند تناوله بالنقد والضجة التي ترافق اي محاولة لقول الحقيقة عنه. 

ليس غريبا على المؤسسة الدينية استنكار مثل هكذا فعل، فهي تدافع عن رموزها التي تستمد منهم البقاء، وتحافظ على مصالحها العابرة للقارات، فحوزة السيستاني التي تمتلك المليارات عبر وكلائها وممثليها حول العالم، تعمل على أسطرة هذا الشخص وجعله مقدسا، حتى أنه يعمد على عدم الظهور واللقاء بالشخصيات الحكومية والدولية الا نادرا، ومن يقوم بهذا الدور هم حاشيته ووكلائه، في إشارة إلى قدسيته وترفعه، فهو يتحكم من بعيد ويقرر من بعيد وبيده الأمر من بعيد!

وليس بالغريب كذلك ان تكشر كل القوى السياسية والمليشيات المدعومة من السيستاني طوال السبعة عشر عاما الماضية عن أنيابها عند تعرض سيدهم وراعيهم لاي نقد، لان نقد هذه الشخصية يعني انهم افلسوا من كل شيء ولم يبقى لديهم ما يتعكزون عليه، فهم باجرامهم ونهبهم وعمالتهم أصبحوا واضحين للقاصي والداني، اما السيستاني فكعادته، ينتقدهم مرة ويدعمهم مرة أخرى، لكن موقفه النهائي هو مع هذا النظام الطائفي القومي المقيت، وجميعنا نعلم أن اي حكومة في العراق لا تمر الا بمباركته، وهذا الأمر جار منذ الاحتلال ولغاية الآن. 

ليس غريبا على أحد أن يسمع ويشاهد المشاريع التي ترعاها حوزة السيستاني فلدى هذه المرجعية المعامل والشركات والمصارف والجامعات والمستشفيات وما مستشفى الكفيل ومعامل إنتاج لحوم الكفيل وجامعة العتبات الحسينية والعباسية الا جزء بسيط من ممتلكات الحوزة، بل ان لديها جزء مهم من المليشيات التي جاءت وتشكلت بفتوى شهيرة من السيستاني نفسه، إبان احتلال داعش لثلث مساحة العراق في حينها. 

كل هذه الحقائق ليست سرية بل ان الجميع يعرفها ويعرف ان امبراراطورية السيستاني المالية ونفوذه السياسي يجعله أحد أهم المتحكمين بالواقع في العراق.


رغم كل هذه السطوة التي يمتلكها الا اننا نتسائل لماذا لم يفتي السيستاني بحرمة قتل المتظاهرين؟ ولماذا لم يفتي بتجريم ومحاكمة كل من يقتل او ينهب او يثير الطائفية او غيرها من الآفات التي عصفت بالدولة والمجتمع ابان حكم رفاقه ومقلديه ومن يدعمهم ويرعاهم من السياسيين؟ الإجابة وبكل بساطة تتعلق به وبمكانته وسيطرته، فقيامه بهذا الفعل يعني فقدانه لكل الامتيازات التي وضعها فيه الظرف بعد الاحتلال، فالامريكيون يدركون جيدا أهمية ان يكون هنالك راع مقدس للنظام وليس هنالك من شخص افضل من السيستاني ليقوم بهذا الدور. 

الغريب أن تجد جوقة من العلمانيين والمثقفين المنتفعين وجزء من اليسار وهم يتباكون على السيستاني ويستغربون وصل الحال بصحيفة معينة او شخص ان ينتقد هذا الشخص الذي لا يخطئ ولا ينطق عن الهوى! وتراهم عبر الفضائيات والصحف وصفاحتهم على مواقع التواصل وهم يتباكون ويلطمون الصدور كيف لأحد أن يمس صورة المقدس؟! وهؤلاء في حقيقتهم  صمام أمان هذا النظام وهم الخطر الحقيقي على كل انتفاضة او تحرك جماهيري يهدف إلى الخلاص من حكم أحزاب الاسلام السياسي ومرجعياتهم  ورموزهم الرجعية والمتخلفة.


لم تتخلص أوربا بعد الثورة الفرنسية من سطوة البابا والكنيسة ورجال الدين، الا بعد نزع اي قدسية عنهم فقد عمل المثقفون التنويرون دورا مهما في تعرية هذه المؤسسة ورموزها وفضح كل جرائمهم وتواطئهم مع السلطات في حينها، ولن تستطيع الجماهير في العراق والمنطقة الخلاص من الأنظمة السياسية الجاثمة على صدورهم الا بتعرية كل الرموز الدينية التي تشرعن الظلم والفقر والقتل والنهب باسم الدين او الطائفة ونقدها وفضح مخططاتها وتواطئها في قمع وإسكات وتخدير الجماهير.      



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن