الوفد النقابي العربي الفلسطيني يسجل سابقة تاريخية

جهاد عقل
ge_dl@hotmail.com

2020 / 7 / 4


|
صفحات من تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية في الذكرى الـ - 75 لتأسيس "اتحاد النقابات العالمي " (6):

خطة الوفد الصهيوني تركزت على مهاجمة الحركة النقابية العربية الفلسطينية خاصة والعربية عامة، وانتزاع قرار يتبناه المؤتمر يدعم فيه الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لها في فلسطين*الصحافة الفلسطينية لم تغفل هذا النشاط، وكيف سيكون رد الوفد النقابي العربي الفلسطيني

- مؤتمر نقابي تحضيري وسط خلافات



تشير الوثائق والتقارير المختلفة، بان مؤتمر النقابات العالمي الذي انعقد في العاصمة البريطانية لندن أيام 6-17 شباط/فبراير 1945، إلى بروز الكثير من الخلافات بين الوفود، وبشكل خاص كانت ما بين الوفد السوفياتي من جهة والوفد البريطاني من جهة أخرى، ومحور هذه الخلافات كان حول نظام عمل المؤتمر، وهل يجري تأسيس اتحاد دولي جديد أم الإبقاء على الإتحاد الدولي السابق المدعو " أممية أمستردام".

جاءت هذه الخلافات استمرارًا للخلاف الذي سبق وتناولناه في حلقة سابقة ضمن الإعداد للمؤتمر في اجتماعات اللجنة النقابية المشتركة السوفييتية – الإنجليزية، عن هذا الخلاف كتبت صحيفة "حقيقة الأمر" الصادرة عن الهستدروت باللغة العربية "وقد ظهر على أثر افتتاح المؤتمر، أن ثمة اختلافًا عميقًا في الآراء بين الوفود في بعض المسائل، ذلك لأن اللجنة الإدارية للمؤتمر قد ألغت بعض قرارات اللجنة التحضيرية بشأن كيفية اتخاذ القرارات (أكثرية ثلثين بدل إجماع الآراء) وبشأن دعوة النقابات في البلدان التي كانت قبل بضعة أشهر بأيدي النازيين وتحررت مؤخرًا. وقد عارض الوفد البريطاني بشدّة تلك التغييرات وثمة مسألة أخرى أثارت خلافًا شديدًا، ونعني بها اقتراح الوفد الروسي إنشاء دولية مهنية جديدة بدل القديمة التي لم يشارك فيها الروس وبعض النقابات الأخرى، أما الوفد البريطاني فيعارض إلغاء الدولية القديمة في الظروف الحالية، أي ظروف فترة انتقال وعدم استقرار العالم عامة..”(1)، لكن في النهاية تم التوصل إلى اتفاق يضمن تأسيس اتحاد دولي جديد، وسوف نتطرق بإسهاب الى قرارات وأبحاث المؤتمر عامة لاحقًا وفق تقرير شامل أعده الوفد النقابي العربي الفلسطيني، سننفرد بنشر تفاصيله كاملة.



- الوفد الفلسطيني يسجل تاريخًا هامًا وغير مسبوق



كنا قد طرحنا في ختام الحلقة السابقة تساؤلًا، هل شاركت وفود نقابية عربية غير الوفد النقابي العربي الفلسطيني في المؤتمر التأسيسي للتحضير لإقامة "إتحاد النقابات العالمي"؟، واتضح لنا من الوثائق والمنشورات التي تناولت أحداث المؤتمر بأن الوفد العربي الفلسطيني كان الوفد العربي الوحيد المشارك في هذا المؤتمر وبذلك بالإمكان القول أنّه سُجل بهذه المشاركة الفريدة إنجاز تاريخي هام في تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية خاصة، والحركة النقابية العربية عامة. رغم ما واجهه من صعاب في هذا المؤتمر، وعلى وجه الخصوص مع الوفد الصهيوني الممثل لـ "الهستدروت" (الحركة النقابية للعمال اليهود)، صاحب الخبرة في هذه المؤتمرات، كونه كان عضوا في الاتحاد النقابي الدولي المذكور أعلاه أي "أممية امستردام"، والذي كان وفدًا كبير العدد، وله أصدقاء ومؤيدين بين اعضاء المؤتمر ويلقى الدعم من القوى الصهيونية في بريطانيا ومؤيديها.



- بداية الصراع على الاعتراف في العضوية وحتى القضية الصهيونية





بداية في محاولة مندوبيها –أي الهستدروت- منع الاعتراف في الوفد النقابي العربي الفلسطيني كعضو كامل العضوية وذلك في اليوم الاول لافتتاح المؤتمر قام وفد "الهستدروت" برئاسة "برل لوكر" في محاولة لإلغاء عضوية الوفد الفلسطيني الذي وصل للمؤتمر قبل العضو الثالث بولس فرح، والذي ذكرنا في الحلقة السابقة المحاولات الصهيونية – الانتدابية منعه من السفر، وكانت هذه المحاولة أيضًا تتعلق بإلغاء عضوية النقابي سامي طه والمحامي حنا عصفور، لكن وعلى الرغم من قوة النفوذ الصهيوني فشلت في هذه المحاولة وتم الاعتراف بعضويتهما كمندوبين للحركة النقابية العربية الفلسطينية في المؤتمر وشاركا في الجلسة الافتتاحية وبعدها جلسات المؤتمر الأخرى بعضوية كاملة، وكانت إحدى بنود المعارضة التي اعتمد عليها وفد الهستدروت هي، أن معهم ممثل عربي يدعى جورج ميخائيل نصار من مدينة يافا، وأنه يمثل العمال العرب في فلسطين، تحت منظمة الظل التابعة الهستدروت باسم "اتحاد عمال فلسطين" والتي كانت تدار من قبل شخص يدعى "شلومو ألفيه" او باسم "سليم" لدى العرب، وبعثت برقية احتجاجية للمؤتمر بهذا الخصوص جاء فيها: "برقية احتجاج إلى المؤتمر – الهيئة المركزية لاتحاد عمال فلسطين المجتمعة في 4 شباط تكرر التعبير عن استيائها لحرمانها من ممثل رسمي لمؤتمر العمال العالمي رغم كونها جمعية العمال العرب الوحيدة التي تحمل بإخلاص مبدأ التعاون والأخوة بين العمال في فلسطين والخارج".(2) وتلتها برقية معنونة للمدعو جورج ميخائيل نصار تشد من أزره لعدم قبوله كمندوب في المؤتمر، وبذلك فشل ممثلو الهستدروت، ولم تعترف لجنة المندوبين بعضوية جورج نصار، لكنه واصل حضور جلسات المؤتمر كمستمع لا غير، وواصل الوفد الصهيوني تلك المحاولات عند وصول العضو الثالث للوفد الفلسطيني النقابي بولس فرح الذي كتب عن ذلك: ”وفي النهاية تمكنت من دخول الى قاعة المؤتمر في اليوم الثاني بصفة مراقب فقط، وكان لا يهمني إن كنت مراقبًا أو مندوبًا كامل الحقوق بالدرجة الثانية بل إثبات حضوري في قاعة المؤتمر ورفع يافطة المنظمة التي مثلتها في قاعة الاجتماعات الكبرى في مدينة لندن.”(3)، وبذلك كان الوفد النقابي العربي الفلسطيني الذي يحضر المؤتمر مكون من ثلاثة مندوبين عضوان هما سامي طه وحنا عصفور وعضو مراقب هو بولس فرح، ولم تتوقف محاولات الهستدروت عند هذا الحد بل تعدتها إلى حتى ابتزاز قرارات تتنافى ومجمل قرارات المؤتمر عامة وهذا ما سنتطرق له لاحقًا.





- محاولات انتزاع قرار للاعتراف بالدولة اليهودية في فلسطين



يظهر من قراءة وثائق مختلفة الواقع الذي أشرنا إليه، وهو التنظيم الكبير والتجربة الغنية في مجال المؤتمرات الدولية التي تمتع بها الوفد الصهيوني، إضافة الى ذلك دعم قوى يهودية صهيونية محلية وحكومية بريطانية ( لا ننسى وعد بلفور بخصوص إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين) وتعاطف أعضاء وفود مشاركة في المؤتمر في ظل أحداث الحرب العالمية الثانية التي ما زالت تدور رحاها خلال فترة عقد المؤتمر، وما قامت به النازية من جرائم عامة ومع اليهود خاصة، مما جعل أعضاءه يتلقون الدعم الواسع، بينما كان الوفد النقابي العربي الفلسطيني يفتقر للتجربة الدولية، فهذا أوّل مؤتمر نقابي دولي يشارك فيه، كما ولم يلق الدعم من القوى البريطانية الحكومية والنقابية، رغم ذلك كان للوفد حضور هام في أبحاث المؤتمر، وقام بجهود كبيرة من أجل إسقاط مشروع سياسي بادر له الوفد الصهيوني لإدخاله ضمن ابحاث وقرارات المؤتمر.





ضمن النقاش في المؤتمر أُعطيت لرئيس الوفد الصهيوني برل لوكر ممثل الهستدروت الحق بإلقاء كلمة على مسامع أعضاء المؤتمر مدتها عشر دقائق، فاستغل هذا المندوب المنصة لطرح القضية السياسية من وجهة نظر صهيونية بخصوص حق الصهيونية بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، مستهلًا كلمته التي نشرتها أسبوعية "حقيقة الأمر" باستعراض بعض أحداث الحرب و"مقتل 5 ملايين يهودي في الحرب" وأضاف: ”إن المشكلة اليهودية، مشكلة عالمية، ولن يكون تقدم حقيقي في العالم ما دام شعب يعد عدة ملايين من الأنفس لم يتحرر بعد من الخوف"، واتهم الأمم المتحدة بأنها "لا تعمل كثيرًا لأجل إنقاذنا" وأضاف :”إنا على أساس الانتداب البريطاني وسعنا نطاق مشروعنا في فلسطين خلال الخمس سنوات الأخيرة، وأنا على ثقة أننا توصلنا إلى نتائج كبيرة"، وتلا برقية من الهستدروت: ”إن ما يطلبه اليهود ليس المشاركة في الحزن، على ملايين اليهود الذين قتلوا في هذه الحرب، بل إنهم يطلبون تأمين أولئك المتبقين من الهلاك "واختتم كلمته متوجها بنداء باسم الهستدروت يعرب فيه عن أمل العمال اليهود بمساعدة الديمقراطية الدولية ويطالب بفتح أبواب فلسطين أمام بقايا الشعب اليهودي في أوروبا"(4).



- مواصلة التشكيك والهجوم على الحركة النقابية العربية



كما ونشرت أسبوعية الهستدروت "حقيقة الأمر"، كلمة ممثل آخر للوفد الصهيوني يدعى أهرون رابينوفتش تحت عنوان "على الحركة العمالية العالمية إرشاد الحركات العمالية في الدول المتقهقرة" افتتحه بكلمات ناعمة تلقى التأييد لدى الأكثرية في المؤتمر التي كانت تطالب بوحدة العمال بقوله:” لقد فرضت الهستدروت على ممثليها في هذا المؤتمر أن يساعد وفي السعي الى إعادة حركة العمال الشامل (يبدو أنّه يقصد وحدتها – ج.ع) إننا أبناء أمة كانت ضحية النازيين الأولى والكبرى معًا…. “(5) ثم بدأ يتفاخر بدور الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وأنها رفعت مستوى العمال اليهود الى "درجة عالية من التقدم والرقي"، وكالعادة قام بالتهجم على الحركة النقابية العربية الفلسطينية ودورها في تنظيم العمال نقابيًا مشيدًا فقط بدور اتحاد الظل للهستدروت الناشط تحت اسم "اتحاد عمال فلسطين"، لكن عنوان كلمته جاء ضمن هجومه على الحركة النقابية في الدول العربية ودعوته لـ"إرشاد" هذه الحركة.



وبذلك لا تخلو كلمته هذه من مضمون استعلائي، ولم يتوقف عند هذا الحد فقد هاجم النقابي البريطاني هارولد تشادلي مفتش العمل في فلسطين الذي ربطته علاقات خاصة مع النقابيين اليساريين العرب في فلسطين (أنظر الحلقة السادسة) دون أن يذكر اسمه بما يتعلق بالشؤون العمالية في المستعمرات البريطانية بقوله:” ولذا باستطاعة موظف ولو كان عضوًا في الحركة النقابية البريطانية تغيير خطة تلك السلطات العامة تغييرًا هامًا.



وقد علمنا الاختبار في فلسطين أن السلطات قد أيدت هناك جمعيات عرفت بمعارضتها التامة المطلقة للتعاون بين العمال العرب واليهود وتلك الجمعيات لا تتورع عن مساعدة أصحاب العمل ضد رفقائهم العمال المنتمين إلى جمعية عمالية متضامنة مع الهستدروت (6) أي اتحاد الظل "اتحاد عمال فلسطين"( سنحاول تناول حقيقة الدور الذي قام به هذا الاتحاد خدمة للمشروع الصهيوني في حلقة خاصة)، وتطرق إلى عدد الأعضاء العرب في الحركة النقابية العربية الفلسطينية محاولًا التشكيك في تقريرها للمؤتمر بقوله أن عددهم 12 ألف عضو بينما كان تقرير الوفد الفلسطيني يتحدث عن 40-50 الف عضو، وفي نهاية كلمته دعا الحركة العمالية العالمية لأن تكون "المرشدة" للحركات العمالية الفتية.



الصحافة الفلسطينية تنقل نشاط ممثلي الهستدروت



على مدار جلسات المؤتمر كان خط الدعاية الصهيونية مهاجمة الحركة النقابية العربية الفلسطينية خاصة والعربية عامة ووصفها بأنها حركة "الأفندية" والإقطاع خاصة وأن عضوي المؤتمر سامي طه وحنا عصفور كانا يحضران المؤتمر وعلى رأسيهما "الطربوش الأحمر"، كان هذا الأسلوب المعتمد قبل الوفد الصهيوني يهدف إلى ضرب مكانة ودور الوفد الفلسطيني، بما في ذلك الدعاية المباشرة بين أعضاء المؤتمر، وتوزيع نشرات مطبوعة والتركيز من خلالها على المحامي حنا عصفور الذي سافر كمستشار قانوني لجمعية العمال العربية الفلسطينية.



كما لم تغفل الصحافة الفلسطينية الدور الذي قام به الوفد الصهيوني في مهاجمة الوفد النقابي العربي الفلسطيني، عن ذلك في خبر لصحيفة" الدفاع" نشرته تحت عنوان: "دعاية (الصهيونية) الواسعة بين أعضاء مؤتمر النقابات العالمي"، جاء فيه: "تقول برقية يهودية من لندن أن الدعاية الصهيونية نشرت على مقياس واسع بين أعضاء مؤتمر النقابات الدولي فقد وزعت عليهم نشرات صهيونية كثيرة بينها نشرة تتضمن تقريرًا شاملًا عن جميع ما وصلت إليه حركة العمال اليهود في فلسطين وفيها مطالب الصهيونية وهي إنشاء دولة يهودية تكون الحقوق فيها متساوية لجميع السكان وفتح أبواب فلسطين كلها أمام الهجرة وتسليم أمرها إلى الوكالة اليهودية ووزعت نشرة أخرى تقدح بتنظيم العمال العرب في فلسطين وعن (اتحاد عمال فلسطين) وفي النشرة أمثلة عن الأفندية والمحامين العرب والأغنياء الذين يدعون الآن انهم يمثلون العامل العربي مع انهم قاموا بأعمال ضد مصالح العمال العرب".(7)





وصحيفة "فلسطين" أيضا نشرت أخبار لمراسلها في لندن أو لوكالة الأخبار العربية وفي خبر لها تحت عنوان " ماذا يريد مندوب الهستدروت بهذا الكلام؟" جاء " خطب بيرل لوكر مندوب الهستدروت في مؤتمر النقابات الدولي فقال إن النازيين قتلوا خمسة ملايين من الستة ملايين يهودي الذين يعيشون في أوروبا خارج الإتحاد السوفيتي ...الخ" (8).



يتبع...



في الحلقة القادمة كيف كان رد الوفد النقابي العربي الفلسطيني على هذا الهجوم؟ وهل وقف مكتوف الأيادي؟ وما كان قرار المؤتمر بالنسبة للطلب الصهيوني الاعتراف بدولة يهودية في فلسطين.





هوامش:

1- جريدة حقيقة الأمر – (الصادرة عن النقابة العامة للعمال اليهود الهستدروت)- الأربعاء 14/2/1945 ص 1

2 -- ن. م - الأربعاء – 7/2/1945 ص 3

3 – فرح بولس- الحركة العمالية العربية الفلسطينية جدلية بعثها وسقوطها -

الناشر مكتبة كل شيْ - حيفا 1987. ص 182

4 – حقيقة الأمر – الأربعاء 14/2/1945 ص 1

5 – ن. م 21/3/1945 ص 1

6 – ن. م 21/3/1945 ص1

7 – جريدة الدفاع – الأحد 18/2/1945 ص2

8 - جريدة فلسطين – السبت 10/2/1945 ص



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن